تحقيقات وتقارير

“ساوة” البحيرة الاسطورة ولؤلؤة الصحراء تتحول الى ارض قاحلة..الاسباب والحلول

بحيرة ساوة

شبكة عراق الخير:

في موقع شكل في الماضي موطناً للتنوع اصبح اليوم أرضاً قاحلة يغيب أي أثر لبحيرة ساوة الواقعة

في محافظة المثنى جنوب العراق , باستثناء لافتة تدعو إلى “عدم صيد الأسماك” .. بسبب الأنشطة

البشرية والتغير المناخي.

وعلى ضفاف بحيرة ساوة اليوم، هياكل خرسانية لمبانٍ كانت في تسعينيات القرن العشرين فنادق

ومرافق سياحية تستقبل عائلات وأشخاصاً متزوجين حديثاً كانوا يقصدون المنطقة للنزهات أو السباحة.

هكذا تغير الوضع اليوم تماماً، إذ جفت بحيرة ساوة بالكامل وباتت ضفافها مغطاة بالمخلفات البلاستيكية

والأكياس العالقة على شجيرات يابسة على أطراف المنخفض، مع هيكلين حديديين أكلهما الصدأ

يعودان لجسرين عائمين كانا يعلوان سطح البحيرة.

وتعد بحيرة ساوة من البحيرات الفريدة لما تتصف به من ارتفاع في نسبة ملوحة مياهها مقارنة بباقي

البحيرات والأنهار في العراق، حيث تبلغ نسبة ملوحة مياه البحيرة 1500 بالمليون، وهي نسبة عالية

جدا إذ إنها أعلى ملوحة من مياه الخليج العربي بـ1.5 مرة.

وساوة محاطة بحائط كلسي طبيعي يعيد غلق نفسه عند كسره، بسبب سرعة تصلب المادة الكلسية

الموجودة بالماء، كما تحتوي على أسماك صغيرة جدا عالية الشحوم، إذ تذوب بالكامل عند محاولة

طبخها، ويبلغ طول البحيرة 5 كيلومترات وعرضها ما يقرب من كيلومترين.

ولا تنمو النباتات المائية داخل البحيرة ولا على ضفافها بسبب ملوحة مياهها، ويعيش نوع واحد من

الأسماك في بحيرة ساوة هو “سمكة الجرو العربية”.

وعلى عكس الحياة المائية الفقيرة، تزخر البحيرة بأنواع الطيور المائية، حيث تصل أنواع الطيور إلى 25

نوعا، ومن أهمها البط والهدهد العراقي، كما تعيش العديد من اللبائن في الحزام الصحراوي الذي يحيط

بالبحيرة، منها الثعالب والضباع، بالإضافة إلى أنواع من الزواحف، أهمها ثعبان الماء.

وتحولت الان البحيرة العراقية الشهيرة، والملقبة بـ”لؤلؤة الصحراء” إلى أرض ملحية، بعد جفاف آخر

قطرات المياه فيها، خلال الأيام الماضية، وهو ما أثار تساؤلات عن سبب ذلك، ودور الجهات المعنية في

إنقاذ عجائب البلاد، من المخاطر التي تواجهها، خاصة وأن هذا المسطح، يعد من الظواهر الطبيعية

الشهيرة والفريدة في العراق ويمتد عمرها لآلاف السنين.

وتعد بحيرة ساوة التي يبلغ طولها 4.47 كيلومترات وعرضها 1.77 كيلومتر، من البحيرات المغلقة، وليس

فيها مصادر مياه من الأنهر، فهي تتزود من المياه الجوفية وتتغذى بالدرجة الأساس على الترشيحات

من نهر الفرات، فهي بحيرة ملحية طبيعية.

يقول الناشط البيئي العراقي حسام صبحي لوكالة “فرانس برس”: “هذا العام وللمرّة الأولى في

تاريخها، اختفت البحيرة تماماً”، مشيراً إلى أن “مساحة مياه البحيرة كانت في السنوات السابقة

تتقلص في خلال موسم الجفاف”. أما الآن، فلم يتبق من البحيرة سوى أراضٍ رملية مغطاة بالملح

الأبيض وبركة صغيرة تسبح فيها أسماك فوق العين التي تربط البحيرة بمنبعها من المياه الجوفية.

وفي هذا الإطار، حذر رئيس جمهورية العراق برهم صالح، من أن بلاده سوف تواجه عجزاً في المياه

يقدر بأكثر من 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2035.

وشدد الرئيس العراقي على ضرورة أن يصير “التصدي لتغير المناخ أولوية وطنية للعراق”، إذ إن عدد

سكان اليوم يتخطى 41 مليوناً، ومن المتوقع أن يسجل 52 مليوناً بعد 10 سنوات، وتترافق مع زيادة

الطلب على المياه”. وأوضح أن التصحر يؤثر سلباً على 39 في المائة من أراضي البلاد، وشح المياه

على كل أنحائها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى “فقدان خصوبة الأراضي الزراعية بسبب التملح”.

تجدر الإشارة إلى أن العراق يعتمد في تأمين المياه أساساً على نهري دجلة والفرات وروافدهما، علماً

أنه يعاني منذ سنوات من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية عبر هذين النهرين. وقد فاقم أزمة شح

المياه كذلك تدني كميات الأمطار المتساقطة في البلاد على مدى السنوات الماضية.

وكان مستوى مياه بحيرة ساوة قد بدأ ينخفض تدريجياً منذ عام 2014، بحسب مدير البيئة في محافظة المثنى

يوسف سوادي جبار.

و وضح سوادي بوجود أسباب طبيعية تقف وراء جفاف البحيرة تتمثل في “التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في محافظة المثنى الصحراوية التي تعاني كثيراً من الجفاف وشح الأمطار”… والسبب الآخرهو من صنع البشر ويتمثل في الآبار الارتوازية فوق المياه الجوفية التي كانت تغذي البحيرة، والتي حفرت لإقامة مشاريع صناعية قريبة تتعلق خصوصاً بالإسمنت والملح، الأمر الذي حول البحيرة إلى “أراض جرداء”.

وقد تكون بحيرة ساوة في حاجة إلى ما يشبه المعجزة لتعود إلى طبيعتها، إذ يتطلب الأمر إغلاق هذه الآبار غير القانونية وكذلك عودة الأمطار الغزيرة بعد ثلاث سنوات من الجفاف في بلد من بين أكثر الدول المتضررة من التغير المناخي في العالم.

وكشفت الهيئة العامة للمياه الجوفية، في وقت سابق الاثنين، أسباب جفاف بحيرة ساوة بمحافظة المثنى، مستبعدة امكانية إعادة البحيرة الى سابق عدها خلال الوقت الراهن، فيما أكدت ان الطبقة الاولى للمياه الجوفية قد نضبت تماماً.

فيما يرى خبراء أن الأمل الوحيد في استعادة تلك البحيرة رونقها، هو صعود منسوب المياه، وتحسن المناخ عالمياً، ما ينعكس إيجاباً على الأنهار العراقية.

كما بينت دائرة المهندس المقيم في محافظة المثنى،عن أسباب تعرض بحيرة ساوة للجفاف.

وقال إن “حركة الصفائح التكتونية والزلازل التي حصلت في مناطق شمال شرق العراق منذ عام 2016 وحتى الآن، والتي وصلت توابعها إلى السماوة أدى إلى انسداد المجاري تحت السطحية التي تغذي (بحيرة ساوة) مما أدى إلى جفافها”.

وبين، أن “وزارة الموارد المائية على اتصال مباشر مع الجهات العالمية ولا سيما جامعة (فرايبورگ) الالمانية، التي زارت المكان أكثر من مرة وقامت فرقها بالغطس لمعرفة طبيعتها وتوصلت الى نتائج مهمة”، لافتا إلى أن” اعادة الحياة الى البحيرة لا يمكن إلا من خلال جهات عالمية تملك أجهزة متخصصة بهذا المجال، فضلا عن توفر الأموال اللازمة لهذا العمل”.

وأكد علي، أن “فرضية جفاف الآبار التي أدت إلى (بحيرة ساوة) خاطئة ولا صحة لها”، مبينا أن “اجتماعات الهيئة العامة للمياه الجوفية أكدت عدم وجود انخفاض للمياه في (حوض الدمام)”.

بحيرة جافة

وعبر عراقيون عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي عن صدمتهم وحزنهم لما شاهدوه من صور لبحيرة ساوة، في حين حذر مراقبون ومتخصصون من خطورة الجفاف الذي يعصف بالعراق.
وقال فريق “مغامر جيولوجي” المتخصص في علوم الأرض -عبر صفحته على فيسبوك- إن “أحد أسباب الجفاف هو “استخدام الضخ المكثف للمياه الجوفية من موقع يقع جنوب البحيرة لتغذية ممالح السماوة الذي يستخرج منها كلوريد الصوديوم، بالإضافة إلى استخدام الآبار غير القانونية في الزراعة”.

وتخضع المنطقة منذ عام 2014 لاتفاقية “رامسار” الدولية، بحسب ما تشير لوحة كبيرة ثبتت عند ضفاف أرض منخفضة كانت بحيرة في ما مضى. كذلك تحذر اللوحة ذاتها من “ممارسة صيد الأسماك بأيّ شكل من الأشكال” بالإضافة الى “عدم الاقتراب من العين المغذية للبحيرة بتاتاً”. يذكر أن “رامسار” هي معاهدة دولية للحفاظ على المناطق الرطبة واستخدامها المستدام، من أجل وقف الزيادة التدريجية لفقدان الأراضي الرطبة في الحاضر والمستقبل وتدارك المهام الإيكولوجية الأساسية للأراضي الرطبة وتنمية دورها الاقتصادي كما الثقافي والعلمي وقيمتها الترفيهية. وتحمل الاتفاقية اسم مدينة رامسار الإيرانية.

وعلى الموقع الإلكتروني الخاص بالاتفاقية، جاء أن التركيب “الكيميائي للمياه (في البحيرة) فريد من نوعه”، مع الإشارة إلى أنها “مسطح مائي مغلق في منطقة ملحية”. وكانت ساوة المكونة من “صخور طينية معزولة بمادة جبسية” في الماضي، موطناً لأنواع نادرة عديدة من الطيور في العالم، مثل النسر الإمبراطوري الشرقي وطائر الحبار والبط البني.

والجفاف لا يقتصر على ساوة، فهذه حال مسطحات مائية كثيرة في العراق، من جراء ارتفاع معدلات التصحر وشح المياه.

وتنشر باستمرار صوراً لأراض جرداء ومناطق جافة خصوصاً في مناطق الأهوار جنوب البلاد وهي مدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، من بينها هور الحويزة (جنوب) وكذلك بحيرة الرزازة في محافظة كربلاء وسط العراق.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإنه في حال عدم توفر سياسات مناسبة، قد يشهد العراق انخفاضاً بنسبة 20  في المائة في ما يخص موارد المياه العذبة المتاحة بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

iraqkhair

موقع مستقل يهتم بالشأن العراقي والعربي في جميع المجالات الاخبارية والاقتصادية والتقنية والعلمية والرياضية ويقدم للمتابع العربي وجبة كاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights