الحليب شرط للقرابة، وحل لمشكلة النسب

5 رضعات مسجلة حضانة شرعية لمجهولي الهوية!

جدة:

عوضًا عن معاناتهم طيلة حياتهم، فقد أعلنت جمعية خيرية سعودية مؤخرًا عن أهدافها للتوعية بمفهوم إيواء الأطفال حديثي الولادة مجهولي الأبوين،
وتوفير مرضعات لهم، لينعموا بدفء أمهات غير أمهاتهم الحقيقيات، كرسالة لأناس نسوا ضمائرهم في ذات المكان الذي ألقوا فيه أطفالهم.
«سيدتي» زارت جمعية «الوداد» لإيواء هؤلاء الأطفال، واستطلعت آراء بعض الأمهات حول مدى تقبلهن شرط الإرضاع،
كما وقفت على رأي الاختصاصية النفسية، والرأي الشرعي في الرضاعة، التي تجعل الطفل أو الطفلة من المحارم.

خمس رضعات، في عمر أقل من 630 يوما، تمنح طفلاً وُلِدَ على قارعة طريق، أو بجوار مسجد، أو في حديقة عامة، أو عند بوابة مستشفى، حقه في الحياة وسط أسرة حقيقية، يشارك أطفالها صدر الأم وحليبها، وهوية رسمية في الحياة.
المشرفة على الجمعية، تهاني الحازمي، تحدثت عن أهدف الدار، ومدى تفهم الأسر المحتضنة لهذا الشرط،
قائلة: «من أهم أهداف الجمعية أن تقوم الأسرة المحتضنة لهؤلاء الأطفال بإرضاعهم، رغم أنَّ وزارة الشؤون الاجتماعية لم تفرض شرط الرضاعة، لكننا ارتأينا أن الرضاعة تعطي الطفل أو الطفلة حق المحرم، وتجعله فردًا من العائلة»،
مضيفة: بعد أن تأتي الموافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية بإسناد الكفالة، لا تتم عملية الاحتضان إلا بشرط الرضاعة، حيثُ تقوم الأم المحتضنة بإرضاع الطفل خمس رضعات، سواء في يوم واحد أو على فترات، وكل رضعة بمحضر مسجل،
وبعد إقرار الرضعات الخمس، نقوم باستخراج صك من المحكمة بالإرضاع للأسرة، مع إرفاق صورة من الصك إلى الوزارة، وفي حال كانت الأسرة لا تنجب أطفالاً،
يتوجب عليها أن تأتي إحدى قريباتها لإرضاعه، بعد التأكد من سلامة المُرضِعة من الأمراض المزمنة والمعدية؛ حتى تتحقق صلة القرابة.

عن الخطوات والشروط لاحتضان الأطفال فاقدي الهوية مجهولي الأبوين، تقول تهاني: تتقدم الأم بطلب احتضان، وتحصل على موافقة من ولي الأمر على احتضانها الطفل، وهنالك تفاصيل حول الحاضنة، تتعلق بمستواها الدراسي والمعيشي، وألا يقل دخل الأسرة عن 5 آلاف ريال،
ثم نقوم بزيارة منزل الأسرة لنتأكد من طريقتها في التعامل مع الأطفال، وفيما بعد تقوم الجمعية بزيارات للحاضنة كل شهرين أو ثلاثة.
وعن عدد الأطفال الذين تم احتضانهم، أوضحت تهاني أنه إلى الآن تم احتضان 6 أطفال بالطريقة ذاتها، أما الأطفال الذين لم يتم احتضانهم من قبل أسر من خارج الجمعية،
فمن حق الأم داخل الجمعية أن تحتضن الطفل، وعليها التوقيع على إقرار بأنه قبل مرور سنتين إذا لم يتم احتضان الطفل تقوم بتوفير مرضعة من أقاربها ليصبح لها محرمًا.
وحول مواصفات الأمهات العاملات داخل الجمعية تقول تهاني:
«جميع العاملات داخل الجمعية سعوديات، ويقمن إقامة دائمة مع الأطفال، ولكل مربية سكن خاص داخل الجمعية،
ولا يتدخل أحد في طريقة تربية أبنائها، لكن الجمعية تقوم بإلحاقهن بدورات تدريبية، سواء داخل الجمعية أو خارجها؛ حتى تكون لديهن ثقافة عامة عن تربية ورعاية الأطفال».

استطلعت «سيدتي» آراء بعض الأمهات حول مدى تقبلهن فكرة إرضاع أطفال فاقدي الأبوين مجهولي الهوية، فاختلفت الآراء ما بين مؤيدات خضن التجربة، ومعارضات.
عن تجربتها، تحكي هاجر إسماعيل: «توفي طفلي بعد الولادة، وطلبت الطبيبة أن أقوم بعملية شفط الحليب من صدري، لكن زوجي اعترض على عملية شفط الحليب، واقترح عليَّ أنَّه من الأفضل أن ينتفع به طفل محتاج،
فسألته كيف؟ فقال: عن طريق مشروع الإرضاع في إحدى الجمعيات الخيرية، وبالفعل ذهبنا إلى الجمعية، وقابلت المسؤولات، وبعد القيام بكافة الإجراءات تمكنت من إرضاع طفلين، وبعدها حملت، وبعد الولادة أرضعت مع ابني طفلاً آخر، فشعرت بسعادة لا توصف؛ كوني أصبحت أمًا بالرضاعة لهؤلاء الأطفال الأيتام».

تعارض الفكرة فاتن ياسين، متزوجة ولديها ابنتان (6 و4 سنوات)، قائلة:
«أعلم أن ديننا الإسلامي وصَّى بكفالة اليتيم، وأنا من المؤيدات لهذا المبدأ، لكن من دون الرضاعة، خاصة إذا كان الطفل مجهول الأبوين؛ لأني لا أعلم ما يخبئ لنا القدر، ولا أعلم هوية والديه».

أما فاطمة الجمال، متزوجة وأم لأطفال، فكانت تحلم بتبني طفل لتربيه مع أبنائها، وتقول:
«ما إن علمت بمسألة الاحتضان بشرط الرضاعة، حتى تشجعت أكثر؛ لأن الطفل عندما يؤخذ صغيرًا، وتتم رضاعته، وينشأ وسط إخوان له بالرضاعة، لا تكون هناك أي مشاكل نفسية أو اجتماعية،
بخلاف احتضان طفل من دون رضاعة، وحتى إذا ظهر له مستقبلاً والدان وأقارب فلا مانع من أن يصل رحمه».

«سماح إبراهيم»، في الثلاثين من عمرها، تبنت طفلة جميلة بالإرضاع، فقامت أختها بإرضاعها مع طفلها، فغدت طفلتها «ريهام» -التي تبنتها في الشهر الرابع من عمرها- طالبة جامعية، ولها أختان بالرضاعة، تربطهن إخوة رائعة، عن هذه التجربة تحدثت سماح قائلة:
بناتي الثلاث أغلى ما أملك، ولا أذكر أني في يوم ما فرقت بينهن، أو ميزت إحداهن عن الأخرى في المشاعر والحب، وأخاف عليهن جدًا، وكل ما أتمناه أن أراهن في أحسن حال.
تذكر سماح أنها لم يكن لها حظ في الإنجاب في بداية سنوات زواجها، فأخبرت زوجها برغبتها في تبني طفلة، وشجعها الأهل، تستطرد سماح: حين كبرت ريهام قليلاً تمنيت أن يكون لها أخوات، فحقق الله لي ما تمنيته، ورزقني بطفلتين توأم: روان ورهف، واليوم تساعدني ريهام في تربية أختيها، والعناية بهما، واستذكار دروسهما، ومؤخرًا عرفت ريهام وضعها،
وحين أخبرتها تقبلت كلامي وتفهَّمته بحكمة وروية، وأعتبرها فتاة أكبر من عمرها، ناجحة في دراستها، وبالنسبة لمصاريف الإعانة الشهرية، فقد قمت بترتيب الصرف عليهن بعناية، وخصصت لكل منهن مبلغًا من المال بالتساوي في حساب بنكي؛ تأمينًا لحياتهن المستقبلية، والمفرح أنه تقدم لابنتي ريهام عريس من عائلة كريمة، وستتزوج عما قريب….