المستشار سالم البهنساوي
عانت أمتنا الإسلامية بسبب الفهم الخاطئ للإسلام من قِبل بعض أبنائها أكثر مما عانته على يد أعدائها، فأساؤوا إلى دين الله أكثر مما خدموه، وأعطوا أعداء الأمة وخصومها مثلاً سيئاً في التعبير عن وجه الإسلام المشرق، اتخذه أعداؤها خنجراً مسموماً يوجه إليها·
إن القلة القليلة من الأفراد إنما يسيئون إلى الإسلام بزعمهم أنه يأمر بقتال غير المسلمين حتى يعلنوا الإسلام·
هؤلاء لا يجهلون أنه لا يوجد مذهب معتبر من المذاهب الإسلامية قد تبنَّى هذا المفهوم للحديث النبوي "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله···" ذلك أن هذا الحديث عام أريد به الخصوص وهم كفار مكة وذلك الخصوص ورد في قول الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا···" التوبة:28·
كما لا يجهل هؤلاء أن النبي عليه الصلاة والسلام يقاتل غير المسلمين في المدينة المنورة عندما أعلن فيها دولة الإسلام وترك لهم حرية الإسلام أو البقاء على الكفر سواء كانوا من أهل الكتاب أو المشركين، والوثيقة التي وضعها وأعلنها لأهل المدينة جميعاً تضمنت أن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم·
وقد تجاهل هؤلاء أن جمهور الفقهاء يقررون أن الحديث عام أريد به الخصوص فالمراد بالناس هم أهل الجزيرة العربية وليس جميع الناس في الكرة الأرضية·
واستدلوا بالنص القرآني "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" التوبة:29·
وتجاهلوا أن هذا الحكم خاص بالمحاربين فقط، وهو ما يؤكده الواقع العملي ويؤكده قول الله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" البقرة:194، وقوله تعالى: "قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" البقرة:190·
الإساءة إلى دين الله
نأمل أن يدرك ذلك الذين يرفعون راية الجهاد وأن يكفوا عن الإساءة إلى دين الله تعالى ، إن الذين يتمسكون بفرض الجزية على الأوروبيين والأميركيين، قد جهلوا أن الخلافة العثمانية أصدرت قانوناً للجنسية في 19/1/1869م، هذا القانون ألغى التفرقة بين المسلمين والذميين، فأصبحوا جميعاً مواطنين· فعندما نكتب أن نصارى العرب مواطنون لا ذميون لا نكون بهذا مبتدعين ولا ضالين أو مضلين· والدعاة إلى الإسلام سواء كانت الدعوة بصورة الدولة أو على صورة جماعية أو أفراد إنما يسعون إلى تحقيق ذلك السلام، ولا يتعارض ذلك مع مبدأ الجهاد والدفاع، لأن الجهاد شرع لتحطيم كل الحواجز التي تحول بين الإنسان وبين هذه الدعوة إلى الحياة الآمنة·
والمسلمون حين خرجوا من الجزيرة العربية إنما خرجوا يدافعون عن حقوق الإنسان وسلامة تلك الحقوق التي اغتصبتها فئات قليلة من المستبدين ، وكوَّنوا طبقة امتصت دماء الناس وحرمتهم حق الحياة في بقاع مختلفة من الأرض· فكانت رسالة الجهاد الإسلامي أن يمنع هذه الطبقات من الاستغلال والظلم والاستبداد ليكفل للإنسان وللجماهير الغفيرة البائسة التي تعيش في حدود هذه الطبقات حياة آمنة حرة فيختارون المنهاج والتشريع الذي يحقق لهم سعادتهم والدين الذين يرضونه عن اختيار حر ذلك أنه إذا نجح المسلمون عسكرياً في كسر هذه الحواجز، تركوا الناس في تقبل الدين الجديد دون فرض وقهر أو إكراه، قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة:256·
والجدير ذكره هنا أن الإسلام عندما انتشرت دولته خارج الجزيرة العربية لم يجعل من هذا وسيلة لجباية الأموال وإثراء عاصمة الدولة على حساب أهل البلدان·
وثيقة الحقوق
اقترن إعلان قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية مباشرة بإعلان النبي عليه الصلاة والسلام الذي يحمي حقوق المواطنين في هذه الدولة على اختلاف الديانات والقوميات والجنسيات، هذا الدستور سمِّي بالصحيفة أو الوثيقة ، ويتكون من تسع وستين مادة تنظم حقوق الجميع وأهم معاملة هنا: أولاً: قد نص على أن لليهود مثل ما للمسلمين ذلك أنه لم يكن للنصارى كيان في المدينة، ولم يهمل الدستور من لا دين لهم من الوثنيين وهم المشركون فنص في البند (23) على أنه: "لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً" .
ثانياً: وهذا النص اعتبر هؤلاء مواطنين يتمتعون بالحقوق والواجبات التي لغيرهم·
ثالثاً: لم تستخدم الوثيقة مصطلح الأقلية لوصف غير المسلمين مع أنهم أقلية فعلاً واستخدم مصطلح الأمة للجميع فنص على أن اليهود أمة مع المؤمنين·
رابعاً: نصت الوثيقة على حقوق أصحاب الديانات في ممارسة كل ما يتصل بدينهم ويترتب على هذا حماية ما يعتبره غير المسلمين مالاً ذا قيمة وتعويضهم عنه إتلاف المسلم له ولو كان هذا الشيء مهدراً ولا قيمة له في الشريعة الإسلامية مثل الخمر والخنزير·
كما يترتب على هذا عدم جواز إبطال ما تعارفوا على أنه زواج ولو كان مثل هذا الزواج باطلاً في شريعة الإسلام·
يقول الإمام الشافعي: "لا نكشف عن شيء مما استحلوه بينهم (أي ولو كان حراماً عندنا)، فلو جاءت امرأة منهم للقضاء تريد إبطال زواجها لأنها تزوجت بغير شهود، لا يجوز أن نبطل زواجها طالما كان اسمه عندهم زواجاً" .
حقيقة الجزية
من الجهل البيِّن بأحكام الجزية في الإسلام أن يهاجر بعض المسلمين إلى أوروبا وأميركا فراراً من اضطهاد بعض الحكومات لهم ثم عندما يجدون الأمن في المهجر يفتون في ضرورة أخذ الجزية من الأميركيين والأوروبيين مستدلين على ذلك بقول الله تعالى: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" التوبة:29، حتى قوله: (وهم صاغرون)، فهذه الآية نزلت في الروم والذين حشدوا القوات للانقضاض على النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في مقر دولة الإسلام وهي "المدينة المنورة" بعد أن أرسل النبي عليه الصلاة والسلام الرسائل إلى الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام، والذين يفتون بأن يأخذوا الجزية اليوم من غير المسلمين يجهلون ما يلي:
1 ـ أن الجزية نظام موجود قبل الإسلام مقتضاه أن تدفع الدولة التي هزمت في الحرب ضريبة ذلك إلى الدولة المنتصرة وتسمى هذه الضريبة "الجزية" .
2 ـ أصلح الإسلام من نظام الجزية فجعل لها سبباً ومقابلاً بإعفائهم من العمل في الجيش الإسلامي حتى لا يحاربوا لنصرة الإسلام والمسلمين كرهاً عنهم، ولهذا من تطوع بالحرب مع المسلمين تسقط عنه الجزية كما فعل أبوعبيدة مع أهل فلسطين، وكما فعل معاوية مع أهل أرمينيا، وكما فعل آخرون·
3 ـ التزم المسلمون بالكفالة الاجتماعية لمن يؤدون الجزية والقانون الذي أصدره عمر بن الخطاب فيه "أيما رجل من أهل الذمة ضعف عن العمل يُعال هو ومن يعولهم من بيت مال المسلمين" .
4 ـ أعفى الإسلام غير القادرين كالصغار وكبار السن من الجزية، فهي لا تعطى إلا عن يد أي عن قدرة، فالجزية في النص القرآني خاصة بهذه الفئة من أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ونكثوا العهود فلا يدينون دين الحق، ومن ثم اختاروا القتال والعدوان· ولهذا فإن قبولهم الجزية ليس إلا سبيلاً لإنهاء حال الحرب وحقن الدماء، ومع هذا فلا تفرض الجزية عليهم جبراً فهي عقد رضائي وليست من النظام العام فيفرض فرضاً فالصغار هو قبول حكم الإسلام وقانونه والرضا به، لهذا قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اعتراض نصارى تغلب على الجزية، ووافقهم على طلبهم التعامل بنظام الزكاة، كما أن الإمام الشافعي في كتابه "الأم" يقرر أنه من كان صغيراً وأدخل في عقد الجزية تبعاً لوالديه فإن له الخيار عند رشده بقبول هذا العقد أو رفضه·
القتال والتعايش السلمي
فرض الإسلام التعايش السلمي مع الناس جميعاً لأن الله الخالق قدر أن الاختلاف في العقائد والشرائع والألوان والألسنة والأمم، أمر يتصل بالحياة الدنيا ولا ينفك عنها·
في اختلاف الناس في العقائد والشرائع قال الله سبحانه وتعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" هود: 118 ـ 119، كما قال الله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة:48·
فإذا كان الله قد أنبأنا أنه سيحكم يوم القيامة بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون فإنه لم يتركنا سدى يصارع ويقتل بعضنا بعضاً بسبب هذه الخلافات وخصوصاً أنها خلافات في الأصول والعقيدة والدين· لهذا لا ينكر الإسلام حقوق غير المسلمين بمن فيهم من ينكرون شريعة الإسلام ومن ينكرون حقوق الله تعالى، أن أساس التعايش السلمي قول الله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة:8·
لقد اعترف الإسلام بغير المسلمين وبحقوقهم لأن الله يجعل الرضا والاقتناع هو سبيل الدخول في الدين، فقد نهى سبحانه وتعالى عن الإجبار والقهر، قال تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" البقرة:256·
إنه نص واضح، حيث لا يجوز إجبار أحد على الدخول في الدين، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، والآيات في هذا المعنى كثير مكية ومدنية كقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" النحل:125·
وهذا الحكم العام لا يتعارض مع آيات قتال غير المسلمين لأنها ليست عامة وكذلك الأحاديث النبوية في قتال الناس حتى يسلموا فقول الله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فقاتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" التوبة:5·
إنه حكم نزل في أهل الجزيرة العربية الذين اختارهم الله لحمل الرسالة فأنزل القرآن الكريم فيهم وبلغتهم وترك لهم مهلة كافية للاختيار بعد المعجزات الحسية على يد النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف المعجزة القرآنية كتاب الله تعالى الكريم وفي هؤلاء قال عليه الصلاة والسلام : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله" رواه البخاري ومسلم·
إن النص القرآني والحديث النبوي بشأن قتال غير المسلمين هو حكم خاص بالعرب في الجزيرة العربية وليس عاماً في جميع غير المسلمين·
فالنص القرآني ورد في سياق خاص بالمعاهدين الذين نقضوا عهدهم وهؤلاء من عرب الجزيرة، حيث قال الله فيهم: "وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون· ألا تقاتلوا قوماً نكثوا أيمانهم وهمُّوا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة···" التوبة: 12 ـ 13·
كما قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" التوبة:28·
والحديث النبوي خاص بهؤلاء العرب وليس عاماً في جميع الناس، فلفظ الناس هنا عام ولكن أريد به الخصوص كقول الله تعالى: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم " آل عمرن:173·
فالقاتل هو نعيم بن مسعود وليس جميع الناس والذين جمعوا الجموع لقتال النبي والصحابة ليسوا جميع الناس، بل أبوسفيان، لهذا فالناس في الحديث النبوي هم عرب الجزيرة·
لقد أخذت الدساتير المعاصرة بقاعدة إقليمية القانون واستثنت منها مسائل الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وإرث فتخضع لشريعة الزوجين أو شريعة الزوج إذا اختلفا ديانة·
غير أن الدول الكبرى لم تحترم هذا واعتبرت أن ما لديها من قواعد باطلة شيء مقدس يسمو على ما عداه ، وبالتالي يطبق على أصحاب الديانات الأخرى بحجة أنه من النظام العام للدولة·
وبهذا يجبر المسلمون في أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها على الخضوع العلماني في مسائل الزواج والطلاق والميراث·
أما الشريعة الإسلامية فقد احترمت الديانات الأخرى ، ليس فقط في مسائل الأحوال الشخصية، بل في كل ما يتصل بهذه الديانات من معاملات·
فلا تخضع غير المسلم في مسائل الأحوال الشخصية ولا في المعاملات بل يترك الإسلام لغير المسلمين والاحتكام إلى قواعدهم الخاصة قال الله تعالى: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً " المائدة:84، وقال: " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" المائدة:47·
وفي هذا نصت المادة الثالثة من دستور المدينة المنورة على أن اليهود على ربعتهم يتعاقلون فيما بينهم معاقلهم الأولى·
أي أن لليهود الاحتكام إلى نظامهم الداخلي السابق على هذا الدستور في التكافل والديات وغيرها· لهذا أنشأ عمرو بن العاص بعد فتحه لمصر، محاكم خاصة للنصارى يحكم فيها قضاة منهم·
تصحيح المفاهيم
إن بعض الفصائل الإسلامية التي رفضت التعددية في الفكر والفهم والحياة، وزعمت أنها وحدها الجماعة المسلمة في العالم ، وإن ما عداها على الباطل، هذه الفصائل ـ رغم قلتها وتشرذمها ـ قدمت نفسها لغير المسلمين على أنها الممثل الشرعي الوحيد للإسلام ، وقدمت للعالم فهمها الخاطئ عن الجهاد على أنه الإسلام، فأساءت إلى الإسلام والمسلمين، رغم أنه لم يحدث أن اعتدى المسلمون على أقوام مسالمين ورسائل النبي عليه الصلاة والسلام إلى الملوك تثبت أنه قد سالم غير المحاربين، وخيَّر المحاربين بين الجزية أو القتال·
هذه الكتب ليس فيها إن لم تدخل الإسلام فادفع الجزية أو القتال ؛ مما يدل على أن التخيير بين الجزية أو القتال إنما كان من المحاربين، كما يتضح من رسالة النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيصر الروم·
والعبارات نفسها وردت في رسالة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المقوقس رئيس الأقباط في مصر، حيث لم تتضمن الجزية أو القتال·
هذه هي سياسة النبي عليه الصلاة والسلام مع الدول التي لم تستخدم الحرب وسيلة للتعامل مع المسلمين، واكتفى بإبلاغهم دعوته السلمية ، ولم يرتب على رفضها شيئاً كما هو ظاهر من هذه الرسائل، أما عندما أعد هرقل إمبراطور الروم العدة لغزو المدينة المنورة، وتجمَّعت طلائع جيوشه لهذا الغرض، ثم قتلوا الحارث بن عمرو الأزدي مبعوث النبي عليه الصلاة والسلام إلى ملك بصرى، وكان قتله في مدينة مؤتة، أرسل النبي عليه الصلاة والسلام إليهم جيشاً اشتبك مع جيوش الروم في معركة سميت سرية "مؤتة" واستشهد فيها القادة الثلاث "زيد بن حارثة" ، و"جعفر بن أبي طالب"، و"عبدالله بن رواحة" .
ولما تولى خالد بن الوليد القيادة انسحب بالجيوش وعاد إلى المدينة·
ولكن هرقل استمر في العدوان، فجمع الجيوش في منطقة "البلقاء" قرب دمشق استعداداً لدخول "المدينة المنورة" وضم إليه المدن العربية الأخرى ومنها "لخم" و"جذام"، عندئذ قاد النبي جيشاً سُمِّي بجيش العسرة، حيث كان الحر شديداً، والعتاد قليلاً، وكان الجنود الثلاثة يتناوبون جملاً واحداً، ولما وصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى تبوك، أرسل إلى قيصر الروم رسالة ونصها: "من محمد رسول الله إلى صاحب الروم، إني أدعوك إلى الإسلام فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، فإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية فإن الله تبارك وتعالى يقول: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحِّرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" التوبة:29 فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام أن يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية" هذا الإنذار الحربي لم تتضمنه رسائله السابقة حيث كانوا سالمين·
وهذه الآية قد نزلت بسبب خديعة هرقل للمسلمين، حيث ادَّعى أنه قد أسلم ثم أعدَّ الجيوش مرتين لغزو المدينة، فأمر الله بقتالهم حتى يعطوا الجزية ولهذا أرسل النبي عليه الصلاة والسلام رسالته هذه وهي الثانية إلى هرقل رئيس الروم، الأولى كانت رسالة سلم ولم تتضمن الجزية والأخيرة تضمنت نص الآية القرآنية سالفة الذكر·
الفتوحات في بلاد الفرس
إنه كما كانت أسباب الفتوحات في بلاد الروم هي شروعهم في غزو المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية، فقد كانت أسباب الفتوحات في بلاد الفرس قرار كسرى بإلقاء القبض على النبي عليه الصلاة والسلام ، لأنه كتب إلى كسرى إمبراطور بلاد الفرس يدعوه إلى الإيمان بالله تعالى، ولما جاء المبعوث ووصل إلى قصره، وعلم كسرى بقدومه وبكتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أذن أن يدخل عليه المبعوث ، فلما وصل إليه أمر كسرى أن يقبض منه الكتاب، فقال: لا حتى أدفعه إليك، كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدنا وسلَّم الكتاب، فدعا كسرى من يقرأه له فقُرئ فإذا: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، فأغضبه حين بدا رسول الله بنفسه، وصاح، وأخذ الكتاب فمزقه، وقال يكتب إليَّ بهذا، وهو عبدي ، وأمر بإخراج حامل الكتاب، فلما وصل الرسول إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبره الخبر دعا عليهم، أن يمزقوا كل ممزق، وقال: اللهم مزَّق ملكه·
لقد أرسل كسرى اثنين من جنوده من اليمن للقبض على النبي وترحيله إلى المدائن لمحاكمته وقتله، وقد أمهلهما النبي إلى الغد، وفي الصباح أخبرهما أن الله سلَّط ابن كسرى عليه فقتله في الليلة نفسها، وعادا إلى اليمن ولما تحقق أميرها "باذان" هذا الخبر أعلن إسلامه وأسلم معه أهل اليمن·
هذه هي أسباب الحروب بين المسلمين وبين دولتي الفرس والروم، فلم يكن المسلمون هم الذين بدأوا العدوان، فالله تعالى يقول: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة:190·
المصدر : مجلة الوعي الإسلامي الكويتية