مدينتي العتيقة

هناك في مدينتي العتيقة
على ضفاف ترعة صغيرة
فاتنة تجلس قرب شرفة
تطل من خلالها لرؤية الغروب
تحس بالنسيم حين يستضيف قرنها
يتيه كبرياءاً...
ويحتمي من نظرة حسود
هناك حيث يستجير الجن بالنمرود
***
فاتنة تنتظر الغروب بانبهار
فكل ما مضى من عمرها الطويل
كلحظة عابرة,
لصورة مهجورة
عفا على أركانها الزمان......
غفت على حدودها التربان
وأمعنت قساوة الأيام في تهميش ما بقى
بحالك الألوان
***
تحسها تستجمع الآهات في ترنيمة الآذان
ولم تزل تجلس في المساء كل يوم
تجسد السياب حين يَبْكِهِ بويب
تأمل أن يمدها القمر
بخصلة من ضوئه البهي
ينير ما أدلهم من ظلام قصرها العاجي
وحين يستضيء فجرها بلمعة الصباح
تفقد ما احتوته في أقفاصها الفضيَّة
حمائم الأيك التي طوت لنفسها العنان
لتقتفي مسالك الحرية
وقلَّبتْ ما ضمت الأطباق من مآكل شهية
ففاضت الدموع من عيونها
لرؤية الأطفال قرب بابها
تنشد للصباح
تنشد للمعلم الذي يحيِّهِ الصبية باحترام
قيام........قيام
***
تنهدت وزفرة الوجوم أحرقت شفاهها الوردية
واكتحلت وجنتها السمراء
بسحنة خمرية
واغرورقت عيونها الحوراء
بواكف معين
تناثرت ترقص فوق جبهة القمر
أنجم الثريا
فكلما أراد أن يزورها القمر
كانت تلوح من بعيد غيمة سوداء
لتحجب الضياء
لن يسقط المطر
لن ينبت الشجر
وَحِيلَ بين قلبها ودوحة الحياة
تعويذة سميتها " تميمة القدر "
***
حشد من النساء يرمقونها,
حشد يؤنبونها
ترقص فوق وجهها ابتسامة خجولة
من علم الأطفال إن حجر أمهاتهم
يحتضن الطفولة
و إن كل ما يجيش في صدورنا ترصده آمهاتنا
وتقتفي أصوله
حتى يبيت عندها سرا... وعندنا, رواية مجهولة
وشوقنا المسجي عند باب كاهنة
يصرخ في زئيره الهدير أين فاطمة
وأين أضحت زينةٌ في كربلاء
فلتكتبي يا غادة النساء
نهاية لقصة مضى عليها الدهر
وانتابها الشقاء
شخوصها لمّا تزل أسيرة
وَلَمْ يوفِّ كلُّ عانٍ غارمة
شخوصها,
كنبتة الريحان, لم تجد جداولا وماء
وآخترم الحسّاد قربة السقاء
كأن ارض كربلاء لم تزل تصيح يا سماء
ويرجع الصدى ترنيمة النداء, ماء... ماء
***
كوني, كمن ذر الرماد في العيون
وآحملي مدية و خنجرا وفأسا
فما ذراك فاقلعيه و اقلبي الدلاء
ونبعة التفاح فاحرقيها
والعني النساء
إما الذي يحمل في يديه قلبه
فطعنة بخنجر لا يعرف المراء
ما دام كرسي العرش بانتظارك
فليحسم الرجال أمرهم ويرحلون
وتضحك النساء
***
ما دامت النساء في عرينها تقلب الأحداق
مادام حلم كل واحد من عندنا حواء
فليرفع الدفان عن قبورنا الأسماء
ويكتفي بقطعة سوداء
منقوشة بأحرف تقرأها الكواعب النجلاء
هذا مقام من مضى " ضحية النساء "
هذا مقام من قتلن .. لا عزاء ,لا فداء
سَجِّلْ فداك ..........ضد " مجهول " إذا جاء القضاء
سيفان يختالان فوق القلب جالا بإزدراء
هذا يمزق ما يصيح بأحرف خرسى ويستجدي النداء
وهذاك يبطش بالفضولي الذي سمع الهراء
***
يا شاغل المقل ألمراض فداك منها ما تشاء
عجبا لصبرك, ما انثنيت, ألا ارعويت
ما بال قلبك لا يكل وجيبه, أفلا انتهيت
يا سيدي ما عاد فيها من غَناء
أقوت كما الصحراء حين تحبس قطرَها عنها السماء
أقوت فلا أمل لديك ولا رجاء
***
ما دامت الأيام في فلك تدور إلى لقاء
يتهامس الأقران عمّا مَرَّ من حقب الدهور
يتأولون وفي الحشا نار تمور
زفراتهم فيها حنينا للنواعير التي ظلت تدور
رحماك يا قلبي الأسير
رحماك في يوم النشور
ادري بأنك مفردٌ تمشي وصحبك غائبون
لكن مشيك كالنسور
تهابها حتى الصقور
ادري بأن فؤادك المذبوح يشخب بالدماء
لكنه روض توشح بالوفاء
والروضُ يأنس حين يقطفُ زهرَهُ سيفُ الفداء
فأجني لعمرك ما تشاء
ودَعِ السيوف تقطع الأوصال في هذا المساء
ما شأنهم يتقاتلون
حواء تصرع كل ذي لب
فلا ترجو البقاء
القتل في لغة النساء تلاوة
فأبدأ بفاتحة الكتاب ترحما
هذا ضريح الأبرياء
هذا مصير المغرمين الأوفياء
من شُيعوا سرا إلى مثواهم
والناس تسأل في الخفاء
ألا عزاء


د. عواد الخالدي