بسم الله الرحمن الرحيم

هذه قصّة وقصيدة معركة البركة الشهيرة التي خلّدها ودونها عبر التاريخ
الشاعر العلم والفارس ثعيل بن رابح السميري.
وفي حقيقة الأمر فأن للشاعر ثعيل بن رابح قصيدتين
في هذه المعركة وسنأتي بالأولى هنا والثانية لها قصة أخرى

وإليكم أولا ً حيثيات المعركة ودواعيها حدثت هذه المعركة قبل قرن وربع القرن من الزمان تقريباً في زمن الثورات العربية بين أهل الحجاز ونجد في الفترة التي سبقت توحيد البلاد على يديّ المغفور له بأذن الله الملك/عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله تعالى وتحديداً في الفترة التي شهدت انهيار الدولة العثمانية وضعف وجودها وهيمنتها في جزيرة العرب وبحكم وجود قبيلة السمرة من عتيبة في المنطقة الفاصلة بين الحجاز ونجد فقد أصبحت القبيلة هدفا ً للطامعين من القبائل التي تحاذيهم من الجهات الأربع وسنحت الفرصة للمتربصين بهم وخاصة ً من لهم لدى قبيلة السمرة ثأرٌ قديم وفي هذه الأثناء تألف عدد كبير من القبائل من أهل الحجاز ونجد والشمال والجنوب للقضاء على قبيلة السمرة وإنهائها من الوجود في ظل تعتيم ٍ سياسي.وكانت قبيلة ألسمرة في هذه الأزمة تقف في موقف الدفاع عن الأنفس والممتلكات الذراري وتتصدى للهجمات الشرسة ولكن المعركة الأشهر هي ماعرف بمعركة البركة بين قبيلة السمره واطراف ٌ اخرى حيث هاجمت عدة قبائل قد اعدت العدة واتت بجموع ٍ غفيره وأسلحة ٍ خطيرة حديثة الصنع مدمرة وجاء هذا الجيش العرمرم لغرض اجتياح قبيلة السمرة وقد أسندت مهمة قيادة هذا الجيش لأحد ابرز قادة ذلك الزمن وعندما اقترب جنود هذه القوة المدمرة من مضارب القبيلة المستهدفة أدركهم المبيت وفضلوا ان تكون المعركة صباحا ً لا هجادا ً وفي المقابل كانت قبيلة السمرة على علم بتواجد العدو بالقرب منهم وهنا عقدت قبيلة السمرة اجتماعا ً طارئا ً غير عادي ليلا ً للتشاور في امر المواجهة أو اللجوء إلى جبال الحجاز المتاخمة لمنازل القبيلة والاعتصام بها والحقيقة أنهما أمران أحلاهما مر.كما قال: الشاعر أبو فراس الحمداني..وعلى الرغم من ان رجال قبيلة السمرة يعلمون أنهم أمام معركة ً غير متكافئة الأطراف لا من حيث العدد ولا من حيث العدة.إلاّ إنهم فضلوا المواجهة والصمود كما هي عادتهم دائما ً ورفضوا بالإجماع فكرة اللجوء إلى الجبال الحصينة التي لو لجو لها لما أدركهم العدو بأذن الله.لكنهم اعتبروا ذلك من الضعف بمكان و فضلوا الموت على الحياة ولما استقر رأيهم على المواجهة شرعوا في ترتيب الخطة للمعركة الوشيكة واخذوا يؤقدون النار ليلا ًغير مبالين بالعدو أو لعلهم قصدوا استعراض قوتهم أمام عدوهم وقام فيهم الفارس المغوار ثعيل بن رابح السميري خطيبا ً وكان رجلا ً جهوري الصوت ومما قال في خطبته العصماء..يالاد سامر ياعيال أبوي اعتمدوا على الله سبحانه وأوقفوا وقفة رجلا ً واحد واعلموا بأنه لن يموت أحدا ً قبل يومه الموعود ونحن نقاتل قوما ً معتدين علينا لسفك دمائنا وسلب أموالنا لايملكون دليلا ً واحد يجيز لهم قتالنا ونحن نمتلك جميع الاد له لقتالهم إننا نقاتل دون أنفسنا وأموالنا وإعراضنا فمن كتب الله له ان يموت منا مات شهيداً ومن حيي عاش سعيدا ً واعلموا بأنه من لم يمت اليوم مات غدا ً لامحا له فإذا لقيتوا العدو فافعلوا مثلما يفعلون ان هللوا لله فهللوا له وان كبروا لله فكبروا له واذبحوا العدو عسى الله ان ينصركم على أعدائكم إلى آخر ماجاء في تلك الخطبة الحربية المؤثرة التي رواها لي المغفور له بأذن الله:الشيخ/سعود بن دغيليب بن زيد.علماً بأنني تصرفت في بعض مفردات الخطبه لأن بعض كلماتها لم تعد تستخدم فأستبدلتها بما هو مفهوم للجميع مع المحافظه على جوهر ومعاني الخطبة فأنني لم أغيّر فيه شيء.. والحقيقة ان ثعيل رحمة الله كان شاعراً وخطيبا ً وفارساً لايشق له غبار ولا غرابة في ذلك إذا علمنا بأن ثعيل ابنا ً للفارس رابح بن شعوي السميري وهو الملقب{بـ مكفي حيضان الطلبا}لقوة حجته وفصاحته ورجاحة عقله.ولرابح ابنا ً آخر غير ثعيل لايقل عن ثعيل في الفروسية والمعرفة والمكانة إلا إنه لم يكن مشتهرا ً بقول الشعر مثل أخيه ثعيل الا وهو الفارس شارع بن رابح وقد يكون لرابح ابناء غير ثعيل وشارع لا ادري عن هذه الجزئيه.أعود للحديث عن الاجتماع الطارئ الذي عقدته القبيلة فقد اتفق الجميع على المواجهة وتمت مناقشة إرسال جزء من فرسان القبيلة للجهة الغربية الموالية لجبال الحجاز وهي الجهة الآمنة بالنسبة لقبيلة السمرة لأن العدو قد أتاهم من الناحية الشرقية ولكن شجعان السمرة بفطنتهم وفراستهم ومعرفتهم بالحروب يعلمون ان الحرب خدعة ٍ كما قد قيل من قبل:وعلموا بأن العدو سيرسل جمعاً من جيشه الكبير للناحية الغربية الآمنة وهذه الخطة تسمى في المفهوم الحربي بمسمى{اللوي} وهو الجيش الذي يتعقب القوة المستهدفة حتى إذا احتدم القتال مع الجيش الشرقي يشن الغارة المباغتة الجيش الغربي فيكون مقاتلي ّ السمرة بين قوتين عظيمتين فاحتاطوا السمرة لذلك واتفقوا على إرسال مجموعة ٍ من المقاتلين ليأخذوا مواقعهم ليلا ً ويتأهبون للقتال.وعند بزوغ شمس ذلك اليوم المشهود الخالد في الأذهان إلى الآن.هنالك بدأت ساعة الصفر للمعركة الغير متكافئة الأطراف وبمن ٍ من الله وتوفيقه كانت دائرة السَو على جيوش العدو وكان من ابرز قتلى ذلك اليوم شيخ الجيوش الغازية الذي عقدوا له الراية وتوّجوه قائدا ً لهم أما فرسان قبيلة السمرة فلم تصبهم رزئه تذكر وتحقق الانتصار المؤزر لقبيلة السمرة وفيما يخص فرسان قبيلة السمرة المكلفين بمهمة أصحاب اللوي الذي نوهنا عنه سلفاً فقد أصبح ما اعتقدوه حقيقة وأتاهم قوة ٍ ضاربة من جيش العدو وبعد قتال شديد بين الطرفين انتهى الأمر لصالح فرسان السمرة وقتلوا عدد كبير من العدو فانتهت هذه المعركة بالنصر المؤزر للسمرة وهزيمة الجيوش المتحالفة ضدهم هزيمة ٍِ نكراء.....
وصدق الله العظيم حيث يقول وهو خير القائلين:
{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ }

وبعد هذه المعركة الفاصلة بين الحق والباطل والانتصار الذي ساروا بأخباره الركبان وبعد ان اتضحت الرؤية لقبيلة السمرة العزيزة وزال عنهم التعتيم السياسي وعلموا بأن توجهات الإمام عبد العزيز رحمه الله دينية بحته وإنها لنصرة الإسلام ولجمع شمل المسلمين.هنا قرر عموم قبيلة السمرة الانضمام والمناصرة للإمام عبد العزيز غفر الله له بحكم انّه يدعو لنصر الدين ونبذ الباطل.وبالفعل أنظمت القبيلة معه معاهدين ومناصرين للحق وشاركوا مشاركة ً فعاله في توحيد البلاد ومن أشهر الغزوات التي شاركوا بها غزوة سدير والمجمعة بقيادة الشيخ/دغيليب بن عباس بن زيد ..وغزوة نجران بقيادة الشيخ/عمر بن الجواع بن زيد رحم الله الجميع.

.

والآن إليكم القصيدة التي خلدّة هذه المعركه



<b>الـيـوم انــا كـنـي خــلاوي ومنـقـلـي عـلــيّ هـــم ٍ كـثــر هــــم الــعــام</b>
<b>مـالـت بـنـا الدنـيـا وشـانــت علـيـنـا ورب الــمـــلأ بـأســرارنــا عـــــلام</b>
<b>الـيـوم اشــوف الـنـاس هـمـو فـيـنـا وتـلافـتـوا فـيـنـا الـعــرب يـاخــزام </b>
<b>وفالفايـت اللـي فـات معنـا مـراجـل ومنـزالـنـا بـيــن الـيـمـن والــشــام</b>
<b>ونـرعـى بباعـرنـا عـلـى ذاري الـخـلا نرعـابـهـا الخـيـفـه بـــدون كــمــام</b>
<b>تـرعـى بـنــا الـعــراء ويـكـبـر نـيّـهـا يطلـع لـهـا عـقـب المـعـوط سـنـام</b>
<b>ويـامـى ركبـنـا مــن ذلــول ٍ سـابــق ومــن مـهـرة ٍ تـغـد العـنـان صــرام</b>
<b>ويامـى احتزمنـا بـأم خمـس المـارت الـلــي ضريبـتـهـا تـطـيــح شــمــام</b>
<b>نكـسـر بـهـا عـنــا عـمــود الـبـاطـل ونـأخــذ نـوادرنــا بـجـنــب زحــــام</b>
<b>ويـامــى كـرمـنـا والله اكـــرم مـنــا وفـيـنـا كـــرام وفـالـرجـال كـــرام</b>
<b>وظـلـت منازلـنـا عـلـى حـيـد عقـلـه مــن بـعـد شايـفـهـا يـقــول قـــدام</b>
<b>فيهـا نحـط الهـيـل والـبـن والشـحـم والـــرز عـلـفـه والعـصـيـب يــــدام</b>
<b>وربعي هل الطالات والطيب والسخاء هـل بـنـدق ٍ يمـشـون مـشـي نـظـام</b>
<b>سـواة مشيـة عسـكـر ٍ قــدم بـأشـه عسـكـر شـريـف تـضـرب الـدمــام</b>
<b>الاد سـامــر عــزوتــي درع جـنـبــي ربـعــي لـدقــلات الـجـمـوع كـعــام</b>
<b>وجـداه ياربعـي هــل الـجـود والثـنـاء يــوم اتـوجـد عقـبـهـم مـــا انـــلام*</b>
<b>اخـــذ بنـادقـهـم حـسـيـن وتـركـهـم اخـذهـا وابــو فيـصـل علـيـنـا عـــام</b>
<b>غــدر بـهـم شـريـف مـكـه وقـومــه اهـــــب لا اعــتــزيــت يــالــظــلام</b>
<b>لـعــل مـالــه عـنــد ربـــي معـلـقـه يـأكـل ويـوكـل مــن يـجـيـه حـــرام</b>
<b>وحـكـامـنــا مـابـيـنـهـم صـافـقـونــا وحـنــا سـقـانـاهـم بــســم هــــوام</b>
<b>من فـوق جـاء شريـف مكـه بجيشـه ومـن حــدر جــاء عبدالعـزيـز بـيـام</b>
<b>جانـا بـقـوم ٍ واعـنـا مــن بـلـي بـهـم لايـرحــمــون ولالـــهـــم رحــــــام</b>
<b>جونـا هـل التوحـيـد مــن كــل ديــره وحــنــا عـلـيـهـم مـالـنــا حــشّــام</b>
<b>وتـرى عدهـم بالجـوز عشريـن مـايـه نــبـــا نـجـازيـهــم ولاش ضــــــرام</b>
<b>جيش الخوان اللي كمـا سـارح الدبـاء مـركــوز بـارقـهـم عـلــى الـحـكـام</b>
<b>وقـمـنــا عـلـيـهــم واسـتـعـنــا بالله ومــن فعلـنـا طـيـر الـجـزاره حــام</b>
<b>أهـمـه علـيـنـا مـثــل نـجــم هـــاوي وحـنـا لـهـم مـثــل الـعـمـل قـــدام</b>
<b>ومـنـا ومنـهـم صــار فـعــل ٍ يـــورخ مـنــه الـعــذارى والـغـريـر ايــتــام</b>
<b>يـاعــنــك مـاربــحــوا ولاربــحــونــا رحـنـا وراحــوا لأم خـمـس طـعــام</b>
<b>وياعـنـك مــال البـيـض لــوم عليـنـا فــــي فـعـلـنـا يـاعـنــك مـانــنــلام</b>
<b>لومك على اللـي مافعـل مثـل فعلنـا دون الــحــلال وحــلــة ام وشــــام</b>
<b>ولومك علـى اللـي ماثنـاء دون عـاره يـــوم الـحـرايـب شــدّهــن قــيــام</b>



-* في البيت ألأولى يتأسف الشاعر/ثعيل على مصير بعضا ً من القبيلة أغراهم الشريف حاكم الحجاز بوعود ٍ كاذبة وأرسل لهم رسولا ً يخبرهم بأن الشريف سوف يجعل لهم مخصصات ماليه سنوية ولأقاربهم وانه سيمنحهم مناصبا ً عليا في دولته وهذا الوعد لم يكن إلا خدعة ِ سياسية ٍ مقيتة ومؤامرة ٍ دنيه.وقد شك الكثير من القبيلة في هذا العرض المغري واستهجنوه ورفضوه جملة ً وتفصيلا.إلاّ عدد قليل من القبيلة أحسنوا الظن بالشريف وذهبوا له لإستلام مهامهم المزعومة وعندما وصلوا لحاكم الحجاز أمر بأخذ أسلحتهم وأودعهم ا السجن المؤبد حتى ماتوا جميعا ً وقد رثاهم ثعيل ضمن ألقصيده الحربية الشهيرة التي اوردناها..
ودعى على شريف الحجاز دعوة ٍ فتحت لها ابواب السماء وتقبلها الله ولم تقم للشريف بعدها قائمه{ودعوته وردت في البيت الذي منه اهب لا اعتزيت يالظلام}

اخواني الكرام اعضاء.. هذا ما استطعت تدوينه عن معركة البركة الشهيرة..
ولاشك بأنه لولا قصيدة الشاعر/ ثعيل لأندثرت هذه المعركة واصبحت طي النسيان فالشعر ديوان العرب فعلا ً

________________________

وفي احدى المناسبات التي جمعت الشاعر/ثعيل بالملك عبدالعزيز في مكة المكرمة القى الشاعر ثعيل هذه المنظومة الشعرية امام عبدالعزيز رحمه الله فلما فرغ من القائها قال الملك عبدالعزيز:والله ونعم يالاد سامر لكن مابين حصانين معدى..وقد نالت هذه المنظومه الشعريه الرائعه اعجاب الملك وأجازه عليها واكرمه كما هو المعتاد من الملك/عبدالعزيز فهو يجيد الشعر ويطرب له ويجيز عليه..رحم الله الإمام المصلح الصالح الموحد لهذا الكيان العظيم وغفر لنا وله...



همسه

ولي تعريج على ماورد في القصة من نصيحة ثعيل بن رابح في مواجهة الجيش العرمرم الذي واجهه وابناء عمومته
حيث انه نصحهم بالتكبير اذا كبرو وبالتهليل اذا هللو وهذه الطريقة التي كان يستخدمها الملك عبدالعزيز رحمه الله
والاخوان المسلمين في ذالك الوقت هي طريقة السلف الصالح في مواجهة العدو فإن التكبير والتهليل وذكر الله يرهب العدو
ويقلل من عزيمته وسار على ذالك الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى اكمل توحيد المملكه الا أن ثعيل كان لديه علم
بقوة تاثير هذه الكلمه على الخصم فخاف ان ينهزمو ابناء عمومته بسببها وهم كانو في ريبة من امر الملك عبدالعزيز حيث
ان ما ينشره في ذالك الوقت اشراف الحجاز عن ان الملك عبدالعزيز طامع في حكم وملك وليس له هدف اسلامي أثر على
بعض القبائل في الحجاز وفي اعالي نجد ومنهم قبيلة السمره وبعض القبائل الاخرى فوصل ثعيل بن رابح الى أن يستخدم
طريقة التكبير والتهليل لاخافتهم قبل ان يخيفون بها قبيلته
فنجحو بهذه الطريقة امام هذا الجيش الذي كان من الصعب انكساره في ذالك الوقت .

ما اردت ايصاله من امر هو اخذ العبرة مما حصل وأنه من تعلق بالله فإن الله لا يخيبه أياً كان .


الراوي محمد بن دغيم