الاستغلال السياسي للتاريخ المسادا وابن سبأ 29.gif


الاستغلال السياسي للتاريخ المسادا وابن سبأ

يذكر إخوان الصفاء في رسائلهم كيف قام العباسيون باستغلال حادثة استشهاد الإمام الحسين (ع) ، ثم زيد بن علي ونجله يحيى بن زيد (رض) لتبرير المذبحة التي أقاموها لخصومهم من الأسرة الأموية بعد سيطرتهم على الحكم في محاولة واضحة لقطع كل السبل على مؤيدي الأمويين للتجمع مرة أخرى وخوض مواجهة جديدة مع العباسيين .


إن إشارة إخوان الصفاء لهذا الموقف من العباسيين لا تعد تعاطفاً منهم مع الأسرة الأموية خاصة ونحن نلحظ ميولاً شيعية إسماعيلية واضحة في الرسائل ، لكنه يمثل استنكاراً لمحاولة العباسيين استغلال أحداث تاريخية حقيقية من أجل التنكيل العشوائي وغير العادل بالخصوم السياسيين ، حتى ولو كان بعض أشخاص الأسرة الأموية يتحملون بالفعل المسئولية عن ما عاناه أهل البيت (ع) من اضطهاد في التاريخ الإسلامي .
الواقع أن إخوان الصفاء في موقفهم من الاستغلال التاريخي أشاروا إلى كيفية استغلال السلطة السياسية لأحداث حقيقية بهدف إسقاط العقاب على أشخاص لم يشاركوا بها وإنما يرتبطون بصلة قرابة مع من ارتكبوها ، وربما لم يتصور إخوان الصفاء أن بعض أنواع الاستغلال التاريخي ربما تقوم على أحداث مختلقة أو هناك شكوك واضحة حول العديد من جوانبها التي تبدو غير منطقية على الإطلاق ، لكنها بطريقة أو بأخرى أصبحت بالفعل تحمل بناء كاملاً من الأفكار الراسخة في ذهنية آلاف وملايين من البشر ويتخذ نتيجة لها مواقف سياسية ودينية تجاه الآخر .
إن في اللحظة الراهنة هناك حادثتين من التاريخ يتم استغلالهما بالفعل حتى اليوم ، والتركيز عليهما بشكل فج للغاية من أجل تحقيق بعض الأهداف السياسية ، ويمكن إعتبارهما نموذجاً صارخاً لهذه النوعية من الاستغلال المبني على وقائع تعرضت للكثير من التحريف واقترنت بها تفاصيل كثيرة غير منطقية ، إلا أنها رغم كل هذه الشكوك حولها أصبحت يقينية لارتباطها بمشروعات سياسية وتسخير آلة إعلامية ضخمة حولها .

المسادا
لقد نشأ الكيان الصهيوني كذلك بناء على مصالح استعمارية للغرب الأوروبي بكل تأكيد ، لكن تمرير هذا المشروع الاستعماري بما يقتديه من إزاحة كاملة لشعب من أرضه وما ينتج عنها من صدامات ، كان يحتاج في البداية إلى البحث عن شرعية له لتحقيق الإيمان به لدى الجانب المستهدف من الهجرة وهم اليهود ، وكذلك لاقناع الجانب المنتظر دعمه وهم الشعوب الأوروبية . ومن المؤكد أن البحث عن مثل هذه الشرعية لن يكمن في اللجوء لأي طرح منطقي أو علمي ، وإنما في العودة إلى التاريخ البعيد ومحاولة قراءته بشكل انتقائي .
تمثل حادثة المسادا أحد الأحداث التاريخية الرئيسية التي يقوم عليها الكيان الصهيوني حالياً ، وتعني كلمة مسادا أو مسعادا القلعة باللغة الآرامية ، وهي قلعة تقع على قمة صخرية عند البحر الميت ، وتذكر الأساطير اليهودية أن هذه القلعة تحصن بها عدد من الثائرين اليهود (السكاريين) بقيادة إلعازر بن يائير ضد الإمبراطورية الرومانية مع أسرهم في الفترة من 70-73 ق . م ، وبعد حصارها من قبل الرومان لفترة طويلة امتدت لثلاث أشهر اضطر اليهود المحاصرون للانتحار بشكل جماعي بدلاً من الوقوع في أسر الرومان[1] .
لقد نظرت قيادات الحركة الصهيونية ثم الكيان لاحقاً إلى هذه الحادثة بقدر كبير من الأهمية ، وفي القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كان يتم تنظيم رحلات حج للمستوطنين اليهود لزيارة موقع هذه القلعة من قبل الحركة الصهيونية ، وبعد سنة 1948 تم اختيار هذا الموقع كي يكون مقر حلف اليمين للجيش الصهيوني ، وأصبح الشعار " المسادا لن تسقط ثانية " أحد الشعارات التي يرفعها الجيش الصهيوني .
وبالرغم من أن قيادات الحركة الصهيونية ومؤسسي الكيان يدركون أن المصدر الوحيد لهذه الحادثة هو المؤرخ اليهودي يوسفوس فلافيوس[2] في كتابه : " تاريخ حرب اليهود ضد الرومان " ، والذي روى وقائع تفصيلية نقلاً عن بعض النسوة اللائي كن متواجدات بالقلعة حسب دعواه ولا يمكن التأكد من حقيقة أقوالهن ، كما لم تثبتها الاكتشافات الأثرية التي تمت في القرن التاسع عشر والتي لم تجد أي دليل على الانتحار الجماعي للجنود ، كما لم يتم ذكر هذه الحادثة في أي مصدر يهودي آخر وخاصة في التلمود ، حيث لم تذكر هذه الحادثة في إطار النقاش حول الحالات التي يسمح فيها لليهودي بقتل نفسه ، لكنهم رغم كل شيء قاموا باستخدام هذه الحادثة للربط الدعائي بين هذه الحادثة التي وقعت في القرن الأخير قبل ميلاد السيد المسيح ، وبين الكيان الصهيوني من أجل اعتباره امتداداً لليهود الذين كانوا متواجدين في فلسطين ، وفي المقابل التعمية على حقيقة أن التواجد العبراني لم يكن سوى مجرد جزئية من التاريخ الفلسطيني العام والذي شهد وجود شعوب أخرى كان لها تاريخها كذلك[3] .
وقد كشف يجال يادين أحد القيادات العسكرية الصهيونية لحرب 67 مدى قيمة هذه الحادثة التاريخية لكيانه : " الأهم من ذلك هو أن المسادا تمثل بالنسبة إلينا جميعاً في إسرائيل وخارج إسرائيل ، سواء من علماء الآثار أو الناس العاديين ، رمزاً للشجاعة ، ونصباً لأبطالنا القوميين ، هؤلاء الأبطال الذين اختاروا الموت على حياة العبودية المادية والمعنوية " .
إن ترويج يجال يادين لهذه الحادثة التاريخية واستخدامه لتعبير " أبطالنا القوميين " لا يسعى فيه فقط لاختلاق تراث يربط بين المستوطنين القادمين من كل أنحاء بقطعة أرض لا يعرفون عنها شيئاً ، بقدر ما يحاول كذلك خلق قضية يمكنها أن تمنح لهؤلاء المستوطنين الهدف الذي يقاتلون من أجله أصحاب الأرض الأصليين بنفس الروح ، وبالتالي فهو يرسخ أيضاً حالة العداء بينهم وبين المحيط والتي لا يرجع سببها ، حسب ترويجه ، لاغتصاب الأرض ، وإنما هو عداء وصراع وجودي تاريخي منذ البداية : " ليس مبالغة أن نقول أنه بفضل بطولة مقاتلي المسادا – مثلها مثل غيرها من الأمثلة الأخرى في سلسلة البطولات في تاريخ هذه الدولة – فإننا نقف هنا اليوم ، شعباً فتياً – قديماً ، محاطين بأطلال معسكرات أولئك الذين قضوا علينا . وإذ نقف هنا ، فإننا لم نعد عاجزين في وجه بأس أعدائنا ، وحربنا ضدهم ما عادت حرباً يائسة ، ولكننا أشداء واثقون من أنفسنا ، وروح إسرائيل التي أحياها أجدادنا الأبطال ... نحن ، أحفاد هؤلاء الأبطال " .
يلجأ يادين في النص الأخير إلى كذبتين صريحتين ، فهذه الأرض التي يتحدث عنها لم تكن ملكاً لليهود بالأساس ، وإنما كان يتواجد بها شعوب أخرى متنوعة كالكنعانيين والفلستيين والآدوميين[4] والذي كان الملك هيرودس حاكم الجليل ثم اليهودية ، وباني هيكل سليمان (بحسب المصادر المسيحية) وكان لهم كيانهم السياسي قبل أن يتواجد بني إسرائيل في فلسطين.
الكذبة الثانية هي في محاولته للربط بين اليهود بشكل عام وبين بني إسرائيل هذه القبيلة القديمة ، وهو ما تكذبه الأحداث التاريخية ، فتذكر دائرة المعارف اليهودية أن الشعب الإدومي في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد أصبح يصنف ضمن اليهود ، وقد هاجر هؤلاء اليهود من غير بني إسرائيل إلى بلاد الخزر عندما استولى الرومان على فلسطين ، حيث نجحوا لاحقاً في تحويل ملكها من الوثنية إلى اليهودية ، وقد يكون لهم دور في تحويل مملكة حمير في عهد الملك تبع إلى اليهودية كذلك وهو ما تأثر به بعض القبائل العربية والأثيوبية التي تحولت لهذا الدين تحت ضغط الملك اليمني .
إن الاستغلال السياسي الذي قام على هذه الحادثة لم يؤد إلى منح المستوطنين الصهاينة قضية يقاتلون من أجلها أو يربط بينهم وبين الأرض المغتصبة بمثل هذا التراث الوهمي ، وبعد مرور ما يزيد على 50 عاماً من إنشاء هذا الكيان وبالرغم من الدعم الغربي والأمريكي المطلق الذي يحظى به ، مازال الخوف من عدم القدرة على البقاء على الأرض يزعج قياداته خاصة مع تهاوي تأثير هذه الدعايات المتلفعة بالتاريخ أمام النكسات العسكرية المتتالية لهذا الكيان والتي كشفت مدى ضعف تأثير هذا التراث الوهمي أمام الواقع المتغير الذي يعيشه .
ابن سبأ
تمثل شخصية عبدالله بن سبأ حالة مماثلة يتم بناء عليها استغلال التاريخ للتحريض والنفي الطائفي واستخدمت في التاريخ الإسلامي من قبل السلطات الحاكمة ضد المعارضين من الشيعة في محاولة لإيجاد محاجزة والتناقض بين الطوائف الدينية الإسلامية تكفل للأسر الحاكمة الأموية والعباسية السيطرة على الواقع[5] .
وبحسب المصادر التاريخية فإن عبدالله بن سبأ هو شخصية من يهود صنعاء أو الحيرة (لم يتم حسم هذه القضية لكن المؤكد أن الأصل اليمني هو المشترك بينهما) قد أظهر الإسلام في عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان واندس بين المسلمين وتنقل في بلادهم وخاصة الشام والكوفة والبصرة ومصر ليروج بعض المعتقدات أهمها رجعة النبي (ص) كما أن لعيسى بن مريم رجعة ، وأن علياً هو وصي النبي (ص) وأن الخلفاء السابقين غاصبين لحقه .
وتشير القصة إلى أن دعوته لم تكن دينية فقط بل كان فيها جزء إجتماعي ضخم واجه من خلاله ولاة الخليفة وأظهر عيوبهم كما حرض على الخليفة عثمان بن عفان ، وانضم إليه بعض الصحابة والتابعين الكبار مثل أبو ذر الغفاري ، عمار بن ياسر ، محمد بن أبي حذيفة ، عبدالرحمن بن عديس البلوي ، محمد بن أبي بكر الصديق ، صعصعة بن صوحان العبدي ومالك بن الحارث الأشتر[6] .
وعقب نجاحهم في قتل الخليفة الثالث بايعوا الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وانضموا لمعسكره في حرب الجمل ضد طلحة والزبير وعندما بدا أن قيادات الجيشين يقتربان من التفاهم وإنهاء القتال ، خشوا أن يؤخذوا بدم عثمان فاندسوا بين الجيشين واثاروا الحرب دون علم القيادات واستطاعوا أن يشعلوا المعركة مرة أخرى[7] .
هناك خلافات أخرى حول نهاية عبدالله بن سبأ ما بين قيام الإمام علي بإحراقه ، أو بنفيه إلى المدائن ، وهناك مرويات يبدو منها الإشارة إلى بقائه حياً بعد استشهاد الإمام علي (ع) وتحول آرائه من المناداة بوصاية الإمام علي للنبي (ص) إلى القول بألوهيته .
الواقع أن صياغة القصة على هذا النحو ، في حال مصداقيتها تمنح السبئيين قدراً كبيراً من المصداقية بانضمام شخصيات عظمى من الصحابة إلى دعوتهم كأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر ، ومن حسن حظ من صاغ هذه القصة أنها تمنح شخصية واحدة مجهولة كل هذا الدور غير المقبول أو المنطقي ، بل وتجعل من بعض الصحابة من أتباعه ، بالاضافة إلى الإضطراب الواضح في مسيرة هذه الشخصية غير المعروفة والمصير النهائي لها ، مما دفع بعدد من الباحثين إلى التشكيك فيها من ناحية صياغتها ، كما أشار باحثين آخرين إلى عدم مصداقية الراوي الأساسي لها وهو سيف بن عمر التميمي المتهم بالوضع والكذب لدى علماء الرجال .
في كتاب الفتنة الكبرى عقب الدكتور طه حسين (ره) على قصة عبدالله بن سبأ بقوله : " ويخيل إلي أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافاً شديداً . وأول ما نلاحظه أننا لا نجد لابن سبأ ذكراً في المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان ؛ فلم يذكره ابن سعد حين قص ما كان من خلافة عثمان وإنتقاض الناس عليه ، ولم يذكره البلاذري في أنساب الأشراف ، وهو فيما أرى أهم المصادر لهذه القصة وأكثرها تفصيلاً . وذكره الطبري عن سيف بن عمر ، وعنه أخذ المؤرخون الذين جاءوا بعده فيما يظهر " .
ويحتج عميد الأدب العربي على من يدعون تأثر أبي ذر الغفاري بابن سبأ وآرائه ، بأن أبي ذر لم يقبل أن يتأثر بكعب الأحبار في قضية الزكاة ، بالرغم من أن كعب الأحبار أسلم في فترة مبكرة عن بن سبأ المزعوم ، فكيف سيتأثر بآراء يهودي مجهول ؟[8] .
إن هذه الآراء للدكتور طه حسين توصل إليها كذلك عدد آخر من الباحثين ، كالدكتور عبدالعزيز الهلابي من الكويت ، الدكتور حسن المالكي من السعودية ، أحمد محمود صبحي في كتاب نظرية الإمامة وأحمد عباس الصالح في مقال له بمجلة الكاتب سنة 1965 ، بالإضافة للبحث الضخم الذي أصدره المرحوم السيد مرتضى العسكري في مجلدين ، مع اختلاف بينهم حول نفي وجود الشخصية أو التقليل كثيراً من الدور الذي قامت به .
وقد انفرد الباحثان الدكتور علي الوردي والدكتور كامل الشبيبي برأي مستقل في أن عبدالله بن سبأ هو الصحابي عمار بن ياسر وأن اسم ابن سبأ هو سب من قبل أهل الشام لشخصه نظراً لاعتقاده في الإمام علي (ع) ، واستدل الدكتور علي الوردي في رؤيته بعدة أدلة أهمها :
1 – كان ابن سبأ ينعت بابن السوداء ، وهو نفس ما كان يكني به عمار كذلك .
2 – كلاهما ذهب إلى مصر في عهد عثمان .
3 – كل منهما جهر بأن علي بن أبي طالب هو الأحق بالخلافة .
4 – ينسب لابن سبأ الدور الأكبر في إشعال الخلاف بين الإمام علي وبين طلحة والزبير ، وهو دور يقترب من دور عمار بن ياسر (رض) الفاعل في تحريض الكوفيين على مواجهة أصحاب الجمل[9] .
وبغض النظر عن الآراء الكثيرة التي أثارتها هذه الشخصية والأحداث التي تورطت فيها ، فإن المؤكد أنها سعت بالأساس للتوصل إلى الحقيقة التاريخية بغض النظر عن الخلفيات المذهبية والعقائدية للباحثين .
وفي المقابل ، وفي أثناء النقاش الدائر في المملكة العربية السعودية حول شخصية عبدالله بن سبأ فوجيء المهتمون بالبحث العلمي بردود كل من الدكتور حسن بن فهد الهويمل والذي يحمل لقباً علمياً يكتب في صحيفة الرياض قائلاً : " لأن في نسف هذه الشخصية نسفاً لأشياء كثيرة وتفريغاً لكتباً تراثية لكبار العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر والذهبي وغيرهما ، فابن سبأ أو ابن السوداء يشكل مذهباً عقائدياً ويشكل مواقف أخرى لو تداعت لكنا أمام زلزلة تمس بنايات كثيرة "[10] .
ولم ينفرد دكتور الهويمل بهذه الرؤية الغريبة لشخصية ابن سبأ وإنما كررها الدكتور سليمان العودة في حوار له مع صحيفة المسلمون : " ففي هذا الرأي نسف لكتب بأكملها تعد من مفردات كتب التراث ، ويعتمد عليها في النقل والتوثيق من قرون متطاولة ، فكتاب منهاج السنة – مثلاً – لشيخ الإسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبدالله بن سبأ أصل الرافضة ، فهو أول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات وإنكار هذه الشخصية أو التشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله ، ونسف له من اصوله ، بل ربما تجاوز الأمر ذلك إلى التشكيك في أصول الرافضة وتاريخ نشأتهم "[11] .
إن المشكلة لدى كل من الدكتور الهويمل والدكتور العودة ليست في حقيقة وجود شخصية عبدالله بن سبأ أو عدم وجودها ، أو حتى المبالغة في الدور المروي عنها في التاريخ الإسلامي ، وإنما في ضرورة الحفاظ على وجاهة مجموعة من الكتب التراثية واستمرارها كمصدر موثوق في التاريخ حتى لو أثبت البحث العلمي غير ذلك ، وهنا فإن أهمية هذه الكتب إذن ليس في كونها تقرب القارئين لها من الحقيقة الدينية ، وإنما لأنها تساهم بقوة في تسهيل مهمة النفي الطائفي والديني للآخر الشيعي ، وإتكائها على هذه المروية التاريخية الغامضة والمضطربة وغير المنطقية يستخدم بشكل إعلامي في إثارة المحاجزة بين المسلمين بشكل عام ، وفي تحريك الضغائن الطائفية كلما احتاجت بعض القوى الرجعية في المنطقة لتحريكها ضمن السعي للاطمئنان على استقرار أوضاعها ومصالحها .

أحمد صبري السيدعلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



[1] كيث وايتلام . إختلاق إسرائيل القديمة . ترجمة / د. سحر الهنيدي . مراجعة / د. فؤاد زكريا . طبعة عالم المعرفة . الكويت 1999 . ص 48، 49 .
[2] يوسيفوس فلافيوس ، ضابط يهودي (38 ق.م – 100 م) إسمه الأصلي يوسف بن متتياهو هاكوهين ، انضم في البداية إلى الثورة اليهودية سنة 66 ق.م وحينما بدأت التحصينات اليهودية تسقط بشكل متتابع أمام القوات الرومانية حاول الفرار لكن جنوده أبقوه رغماً عنه ، ثم نجح هو وجنوده في الفرار إلى أحد الكهوف حيث قرروا الانتحار الجماعي ، فقام بعمل قرعة كفلت له أن يكون آخر المنتحرين وعندما لم يبق سوى إثنان هو وجندي آخر اقنعه بالاستسلام للرومان . وقد تنبأ للقائد الروماني فلافيوس فسبسيان بمستقبل باهر أطلق سراحه وغير أسمه إلى يوسيفوس فلافيوس نسبه لهذا القائد الروماني .
[3] من المؤكد إن وجود بعض اليهود في مكان ما ، لا يمنح اليهود في كل العالم وفي كل المراحل الزمنية حق التواجد به وطرد سكانه ، كما أن من الدجل الاستدلال بوجود قرابة بين اليهود الآن وبين بني إسرائيل سابقاً ، فاليهودية كديانة لم تكن أبداً حكراً على بني إسرائيل ، وقد شهدت بعض المراحل التاريخية موجات إعتناق شعوب لها من غير العبرانيين مثل الحميريين في اليمن في عهد الملكين تبع وذو نواس ، وكذلك بعض القبائل العربية ، كما اعتنقها أعداد كبيرة من شعب الخزر .

[4] الإدوميون شعب من الشعب السامية التي سكنت منطقة جنوب وجنوب شرق البحر الميت وينسبون إلى إدوم وهو عيسو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام ، وقد ورد إسمهم في النصوص القديمة بمصر وىشور وبابل ، وكان حكامهم يعتبرون ملوكاً على هذه المنطقة قبل تواجد بني إسرائيل بها وبالرغم من أن التوراة اعتبرت الإدوميين أخوة لبني إسرائيل كما كان من حقهم الدخول إلى ضمن جماعة الرب (تثنية . 23/8، 27) إلا أن الصراع نشب بين الطرفين وانتهى بخراب كلا المملكتين على الكلدانيين والأنباط ، وقد إندمجوا ضمن المجموعة اليهودية بعد اعتناقهم لهذه الديانة ، وقامت اسرة ملكية بقيادة هيرودس الأدومي من ناحية الأب والنبطي من ناحية الأم بإقامة أسرة ملكية على اليهود تحت وصاية الرومان .
[5] كانت هناك بعض الاتهامات الجاهزة التي توجه لكل المعارضين للسلطتين الأموية والعباسية وأهمها شيوعية النساء والإيمان بألوهية البشر أو حلول أرواح الأنبياء ، بالاضافة للأصل اليهودي أو الزرادشتي ، وبقدر ما شاعت هذه الاتهامات بين كتب المؤرخين فإنها لا تصمد كثيراً أمام النقد التاريخي .
[6] السيد مرتضى العسكري . عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى . طبعة المجمع العلمي الإسلامي . قم 1997 . مجلد1 ص33، 34 .
[7] م . س . ص34 ، 35 .
[8] طه حسين . الفتنة الكبرى . عثمان . نسخة ألكترونية عن طبعة دار المعارف . القاهرة . ج1 ص 132، 134 .
[9] كامل مصطفى الشبيبي . الصلة بين التصوف والتشيع . نسخة ألكترونية . طبعة دار الأندلس . الطبعة الثالثة . بيروت 1982 . ج1 ص 44، 45 .
[10] السيد مرتضى العسكري . آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف في الصحف السعودية . طبعة كلية أصول الدين . قم 2000 . ص 106 . نشر الدكتور الهويمل مقال في صحيفة الرياض بتاريخ 4 ربيع الأول 1418 هجرية .
[11]م . س . ص330 . نشرت صحيفة المسلمون هذا الحوار بتاريخ 12 ربيع الآخر 1418 هجرية وهو الجزء الثاني من الحوار .






منقووووووووووووووووله