الادب الكبير

من هو ابن المقفع
حياته, ومقتله
هو عبد الله بن المقفع، فارسي الأصل، كان اسمه قبل إسلامه روزبه، وكنيته أبا عمرو، فلما أسلم سمي عبد الله، وكني بأبي محمد.
ويعود لقبه بابن المقفع إلى أن أباه داذويه كان متوليًا خراج بلاد فارس من قبل الحجاج، فأخذ بعض أموال السلطان، فضربه الحجاج على يديه فتقفعتا، فلقب بالمقفع.
نشأ ابن المقفع في ولاء بني الأهتم، وهم أهل فصاحة وبلاغة، فكان لهذه النشأة تأثير عظيم فيه، وفيما إليه من درجة رفيعة في الأدب.
كتب لداود بن هبيرة، ثم لعم المنصور عيسى بن علي بن عبد الله زمن ولايته على كرمان، ثم لأخيه سليمان بن علي أيام ولايته على البصرة.
وكان في أثناء ذلك أن خرج عبد الله بن علي والي الشام على ابن أخيه المنصور، فطارده المنصور، فلجأ إلى أخويه سليمان وعيسى في البصرة، فطلبه المنصور، فأبيا أن يسلماه إياه إلا بأمان يمليان شروطه، فرضي المنصور بذلك، وعهدا إلى ابن المقفع بكتابة الأمان، فشدد فيه على المنصور تشديدا أحفظه عليه، وجعله يضمر له الشر.ثم عزل المنصور عمه سليمان عن البصرة، وولى مكانه سفيان بن معاوية، فطفق ابن المقفع يسخر منه, ومن أنفه الكبير، فنقم عليه، وذات يوم دخل ابن المقفع إلى دار سفيان, ولم يخرج منها، فقد قتله سفيان، ويقال: إنه كان للمنصور رأي في قتله.

صفاته:
كان ابن المقفع مشهورًا بذكائه، وسعة علمه, حتى قيل فيه: إنه لم يكن في العجم أذكى منه, وكان كريمًا جوادًا، وافر المروءة، وقد اشتهر بحبه للصديق, وحادثته مع عبد الحميد بن يحيى كاتب الخليفة الأموي مروان بن محمد شهيرة, وكان يقول: ابذل لصديقك دمك ومالك.
وقد اتهمه حساده بالزندقة, ولكن لا شيء في كتبه يثبت هذه التهمة عليه.

كتبه:
آثار ابن المقفع الأدبية كثيرة, جمع فيها أدب الفرس إلى أدب العرب,
ومن أشهر مؤلفاته: كليلة ودمنة، وقد نقله عن الفارسية، وهو كتاب يرمي إلى إصلاح الأخلاق, وتهذيب العقول،؛ ومنها الأدب الكبير, والصغير, وهما اللذان يجمعهما هذا المجلد.

الأدب الكبير:
يعترف ابن المقفع بأنه أخذ كتابه هذا من أقوال المتقدمين، وقد قدم له بتوطئة في: فضل الأقدمين على العلم, وشروط درسه, والغرض من هذا الكتاب, وقسمه إلى مبحثين: الأول في السلطان, ومصاحبه, وما يجمل بكل منهما من الخلال، وفي هذا المبحث بابان: الأول في آداب السلطان, والثاني

في صحبة السلطان.
أما المبحث الثاني فقد خصه بالأصدقاء، وحسن اختيار الصديق، وحسن معاملته، وكل ما له علاقة بالأصدقاء.

الأدب الصغير:
كان ابن المقفع في الأدب الصغير ناقلًا أيضًا، فقد قال: وقد وضعت في هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفًا, غير أنه تصرف فيما نقله, وهذا الكتاب كناية عن دروس أخلاقية اجتماعية, ترغب في العلم, وتدعو المرء إلى تأديب نفسه، ويوصي بالصديق، ويتكلم على سياسة الملوك والولاة.

أسلوبه الإنشائي:
لابن المقفع أسلوب خاص به، هو السهل الممتنع, وإننا نجد في هذا الأسلوب أفكارًا متسقة, وقوة منطق، وألفاظًا سهلة، فصيحة منتقاة، قوية المدلول على المعاني، ونجد فيه من البلاغة أرفع درجاتها، وقد كان يوصي بالابتعاد عن وحشي الألفاظ, ومبتذل المعنى، فيقول مخاطبًا أحد الكتاب: إياك والتتبع لوحشي الكلام؛ طمعًا في نيل البلاغة, فإن ذلك العي الأكبر.
وقد ساد أسلوبه, واحتذاه بلغاء الكتاب، وظل سائدا حتى ظهر أسلوب الجاحظ.

فضله على العربية:
وابن المقفع على كونه في تفكيره أعجميًا يتعصب لآداب قومه وعلومهم، فلا يرى في كتبه من العربية إلا اللغة، وقلما استشهد بشعر أو مثل أوحكمة، أو أشار إلى وقائع العرب, وآرائهم، فإن فضله عظيم على العربية، فهو أول من أدخل إليها الحكمة الفارسية, الهندية, والمنطق اليوناني, وعلم الأخلاق, وسياسة الاجتماع, وأول من عرَّب، وألَّف، ورفع في كتبه النثر العربي إلى أعلى درجات الفن.