كربلاء ضالتي وعكد الجاجين سر دهشتي. do.php?img=12056
كربلاء ضالتي، وعكد الجاجين سر دهشتي.
محطات من سفرة قصيرة
بقلم رياض العبيدي
اعتدت أن ابحث في كربلاء عن مساحة من اللاتفكيرفي الموجودات التي تعكر صفو النفس، والمواضيع التي تبعث على القلق وسلب راحة البال وعدم الاحساس بالراحة والسعادة والطمأنينة.
ربما يستهين البعض بما حوله من أماكن ومناطق اعتاد التردد عليها،ويتصور الكثير ان التغيير في نمط العمل والهروب من الروتين ، أو قضاء ساعات اليوم، لايتحقق الا من خلال السفر بعيدا عن الوطن، او محافظات عراقية بعيدة، او من خلال طقوس فرح معينه، أما أنا فالتغيير والخروج من الروتين يتحقق عندي بطقوس بسيطة جدا، ومن خلالها أشعر بالسعادة والراحة.
كربلاء هذه المحافظة المقدسة والتاريخية التي احسبها منطقة اقتطعها الله من الجنة وانزلها على كوكب الأرض، اكيد لاقيمة كبيرة لها لولا أن جعل الله فيها ضريح سيد شباب اهل الجنة الإمام الحسين( عليه السلام) وحامل لواءه الإمام العباس( عليه السلام).
في كربلاء التي تبعد مايقارب (٢٠) كيلو متر عن سكني، أجد ضالتي وراحتي، ونتيجة لذلك وفي عصر يوم أمس الأربعاء ٢٠٢٠/١٢/٢٤ تركت كل التزاماتي ورحت صوب كربلاء لاتجول فيها لساعات قليلة، متخذا من كل لون محطة لي أقف عندها واتمعن في حيثياتها ومضامينها واعطي كل محطة حقها في التفكير والتبصر والبحث.
بالأمس كانت كربلاء بالنسبة لي جامعة لأكثر من بحث او موضوع مهم عندي من الناحية النفسية والعلمية والمعرفية ، ففي محطتي الأولى المحصورة بين باب طويريج وباب قبلة الإمام العباس عليه السلام، هذه المنطقة المكتظة بالباعة المتجولين الذين لم توفر لهم حكوماتنا الموقرة صاحبة الخريف العربي اي فرصة للعمل الشريف الذي يضمن للشاب مستقبلا او لقمة عيش تتناسب وكونه ابن وطن النفط والرافدين، في هذه المنطقة يمكن للانسان ان يشاهد اكثر من فصل من مسرحية السخرية والألم والاحباط، حيث يجمع شرطة التجاوز بضائع الباعة ومصادرتها كونهم يشوهون صورة التقدم الذي حصل في البلاد على يد قادة التغيير، بينما الباعة يقدمون كل فروض الطاعة والتوسل برجل الشرطة من أجل استعادتها.
ما أن وصلت الى محطتي الثانية باب قبلة الامام العباس عليه السلام، وما أن احتضن بصري قبابه الذهبية حتى وجدت نفسي اعيش في بقعة ارض غير التي أعيش فيها، وزمن غير زماني، هنا اخذتني عنوة ذاكرتي إلى حيث الشجاعة ومضرب الامثال في التضحية وبسالة الأخ المدافع عن دينه وعقيدته وأخيه. وماهي الا خطوة نظر واحدة يسارا، خطوة لاتعد فاصلة زمانية او مكانية أجد نفسي في حضرة الشموخ والأباء والرجولة والمدرسة الامثل لتعليم الإنسان أينما وجد معنى أن يكون او لايكون، يكون رجلا حرا الا لله، أو عبدا للجميع الا لله.
هكذا الخطوات القريبة جعلتني استعرض محطات عديدة في كربلاء، خطوة فاخرى لاجد نفسي في شارع السدرة الذي استهوي ان احبي فيه بخطوات او بنصف خطوة في احيان كثيرة كما لو ان بيدي حلوى اقضمها او العقها بتلذذ الطفل الصغير في حلمات امه، هذه المرة كنت مندهش وانا اقرا على أعتاب عكد جمع بين هياكل الدور القديمة والتجديد الذي أحدثه الجهد الهندسي التابع للعتبة الحسينية المطرة قطعة كتب عليها اسم العكد (عكد الجاجين) الذي تاسس عام ١٩٤٥ واعيد ترميمة وتأهيل مطلع هذا العام ٢٠٢٠، دخلت وسرت ببطيء في اروقة العكد، سير الباحث عن شيء مفقود، أو المستكشف لاسرار الزمن الغابر، عكد الجاجين على الرغم من التجديد الا أن درابينه والبيوت المتهالكة لازال الكثير منها قائما واقفا بكل شموخ وكبرياء.خرجت من هذا العكد وانا بأشد الشوق لسماع من يحدثني عن هذا العكد الذي بكل تأكيد يحفظ الكثير من الحواتيت،
في شارع السدرة الذي احتسيت فيه الشاي والذي قدمه لي صاحب مقهى ابعدها لاتتعدى مترا، عرضا وعمقا، والذي يجلس على عتبتها كبار السن من رجال المنطقة الذين تجمعهم الذكريات بمرارتها وحلاوتها، والذين ما أن تشاهدهم وتستمتع إلى احاديثهم حتى تتأكد انهم ومن دون شك أبناء بيت واحد وأسرة واحدة.
في نهاية شارع السدرة كانت محطتي حيث مقام صاحب العصر والزمان الامام محمد بن الإمام الحسن العسكري (عجل الله تعالى فرجه الشريف) دخلت المقام الشريف لاضع عنده ضالاتي المختلفة والمتلونه، وبين دمعة حزن ازحت من خلال ذرفها جوشا كان جاثما على صدري وبين أملا بالظهور الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، وقفت على ذلك النهر الذي يسبح في مياهه العذبة طائر الاوز والبط وشموع الابتهال التي اوقدت من كفوف الحارات ، استذكرت وانا اتطلع على اطلالة النهر الجميلة سحر مناظر شاهدتها خارج العراق وحقا ان ماوقفت عليه من سحر الخالق لايقل جمالا وسحرا عن سواه ولكن الفرق هو في تدخل يد الإنسان وبفارق الحرص والوطنية وحب الوطن عند الاثنين.
على بعد أمتار عن مقام الإمام صاحب العصر ولأول مرة وجدت نفسي أمام مقام محمد بن الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام) دخلت وانا اسأل نفسي كيف يكون هنا هذا المقام وانا ابن كربلاء ولم اعلم بوجوده؟ دخلت المقام الشريف والذي تزامن مع الصوت الذي رفع آذان المغرب، صليت وخرجت وانا أشعر بلذة الفائز بجائزة ثمية لاعاود الرجوع إلى منطقة مابين الحرمين لتكون محطتي الأخيرة عند معارض الكتاب التي افترشت الجانب الأيمن من المنطقة المطهرة، وبهذا إختمت سفرتي القصيرة و المائزة عائدا إلى طويريج حيث اسكن، عدت وانا افكر في عكد الجاجين ومعنى(الجاجين) ولماذا هذا الاسم، وحتوتات اهله.