شبكة عراق الخير
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: آية الطاعه

Share/Bookmark

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1

    Post آية الطاعه

    ـ
    آية الطاعة
    قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ....))( سورة النساء/ الآية 59)
    وظاهر الآية الكريمة يدل على أن الله سبحانه وتعالى أمر بإطاعة أولي الأمر على وجه الإطلاق والجزم في جميع الحالات دون أن يقيد طاعتهم بحالة معينة أو شيء ما ، ومن كان الأمر بطاعتهم على هذا الشكل فإنه يجب أن يكونوا معصومين ، وإلا لما صح الأمر بطاعتهم على وجه الإطلاق وبلا قيد أو شرط .
    ولا يمكن لمثلي الخوض في بحر هذه الآية العظيمة ولكن من فضل الله العلي العظيم (تعالى شأنه ) تيسير القرآن للذكر ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ))( سورة القمر/ الآية 17)
    اذن سيتم التعرض في هذا المبحث المختصر الى بيان صوره من صور معانى الطاعة في الآية المباركة اعلاه
    ومن هم مصاديق اولي الامر المعنيين بها , وضمن النقاط الآتية :ـ
    1 ـ مفهوم الطاعة:
    مفهوم الطاعة بكل أنواع مدلولاته وبأي لغة كان , هو من المفاهيم التي ترافق نشأة الإنسان وابتدائا من مرحلة طفولته وبداية نطقه ونشأته , فمن أوليات ما يتعلمه من والديه وخصوصا والدته أو مربيته هو مفهوم الطاعة وتطبيقاتها , وتختلف طرق التعليم والتوجيه لتثبيت هذا المفهوم في أذهان الأطفال , حسب مدارك الآباء والمربين ومدى مستوياتهم الفكرية
    واعتقاداتهم الدينية , فتجد هنالك من يستخدم الحكمة في التوجيه والإرشاد لتركيز مبدأ الطاعة وهنالك من يستخدم بالإضافة إلى التوجيه , الترغيب بأنواع المغريات التي تلاءم مرحلة الطفولة وهنالك من يستخدم العقوبات من ضرب وزجر وتوبيخ وغيرها من اجل تركيز هذا المفهوم ...
    المهم إن مفهوم الطاعة يصبح وبصوره مبكرة من حياة الإنسان بديهي المعنى , وفي مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , فان للطاعة معاني ومداليل واهميه وكيفيه ... وذلك وفق ما يريده الله تعالى شأنه ويقره العقل السليم والذوق الرفيع .
    2ـ الطاعة في منظومة الشرائع الإلهية
    اـ الطاعة بالمعنى العام :
    هي الالتزام مع العمل
    وهي أساس الشرائع الإلهية والأحكام الربوبية لأنها محور كل تكليف الهي وقانون وضعي فلا فائدة في تشريع لا تطبيق له .
    ب ـ الطاعة بالمعنى الخاص:
    هي الإيمان بالله(تعالى شأنه)وبدينه الحق والعمل بأحكامه وشريعته التي انزلها على رسوله الأمين(صلى الله عليه وآله)
    وطاعة الله تعالى واجبه بالذات ؛ لان له(جل جلاله) الطاعة المطلقة والحاكمية التامة .
    وهنالك فرق بين الطاعة والتطوع , حيث إن الطاعة موافقة الإرادة في الفريضة والنافلة .
    والتطوع التبرز بالنافلة خاصة .
    واصلها الطوع الذي هو : الانقياد , وروح الطاعة تبرز لدى إلتزام الإنسان بما لا ينسجم مع مصالحه الآنية الذاتية .
    وهذا هو المعيار الذي يميّز به المؤمن عن العاصي ، فالإزدواجية في الإلتزام بأحكام الله تعالى ، تدلّ على روح العصيان ، بل أحياناً على عدم الإيمان و بعبارة اُخرى ، إن الإيمان يظهر أثره فيما لو كان القانون على خلاف مصالح الفرد ومع ذلك يلتزم به الفرد ، وإلاّ فان العمل بالأحكام الشرعية ، إذا اتفقت مع المصالح الشخصيّة لا يعتبر افتخاراً ولا علامة على الإيمان ولهذا يمكن تمييز المؤمنين عن المنافقين من هذا الطريق فالمؤمنون يلتزمون بجميع الأحكام ، والمنافقون يذهبون إلى التبعيض
    وهنالك أكثر من ثمانين موضعاً خاطب الله المسلمين في كتابه الكريم بهذه العبارة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) .
    وهذا الخطاب يتضمن إشارة إلى ميثاق التسليم الذي عقدته الجماعة المسلمة مع ربّها بعد الإيمان به ، وهذا الميثاق يفرض على الجماعة الطاعة والإِنصياع لأوامر ربّ العالمين ، والإِستجابة لما يأتي بعد هذه العبارة من أحكام (هذه بعض كلمات علماؤنا , وهم :سيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري , وشيخ ناصر مكارم الشيرازي , والشيخ الطوسي, حول الطاعة ).
    وعن الكافي والعياشي عن الامام جعفر الصادق(ع) ، والقمي عن الامام محمد الباقر صلوات الله عليهما :
    ذكر الله لأهل الطاعة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول (( اذكروني أذكركم)) .
    ولذلك قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب:
    الصبر على الطّاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.
    الصبر على المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية وارتكاب المعصية.
    الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الإنهيار وترك الجزع والفزع
    وقال مولانا موسى بن جعفر(عليهما السلام) لهشام :
    ياهشام ... ولا نجاة الا بالطاعة , والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم , والتعلم بالعقد يعتقد ولا علم الا من عالم رباني ومعرفة العلم بالعقل
    3ـ من نتائج الطاعة:
    للعلماء في تعريف الإسلام تعاريف كثيرة منها : انه تأدية الطاعات على السلامة من الأدغال , ويجب أن تكون جميع نشاطات الإنسان الماديّة والمعنوية في الحياة مشفوعة بالفكر والتدبّر، ويتّضح من هذه العبارة أمران :
    الاول ـ إنّ الإنسان إضافة إلى وجوب التسليم أمام أوامر الله يجب أن يُطيع هذه الأوامر عن تفكّر وتعقّل لا عن اتّباع أعمى، وبعبارة اُخرى على الإنسان المؤمن أن يعي أسرار الأحكام وروحها ليس فقط في مجال تحريم الخمر والقمار، بل في جميع المجالات ولو إجمالاً.
    ولا يعني هذا الكلام أنّ إطاعة الأحكام الإلهيّة مشروطة بإدراك فلسفتها وحكمتها، بل المراد أنّ الإنسان يجب عليه بموازاة الطّاعة العمليّة أن يسعى إلى فهم أسرار وروح الأحكام الإلهيّة .
    الثاني ـ أنّ على الإنسان أن لا يحصر تفكيره في عالم المادّة وحده أو عالم المعنى وحده ، بل عليه أن يفكّر في الإثنين معاً، لأنّ الدنيا والآخرة مرتبطتان وكلّ خلل في أحدهما يخلُّ بالآخر، وأساساً لا يُمكن أن يؤدي أحدهما إلى رسم صورة صحيحة عن الواقعيّات في هذا العالم ، لأنّ كلاًّ منهما هو قسم من هذا العالم ، فالدنيا هي القسم الأصغر والآخرة القسم الأعظم ، فمن حصر فكره في أحدهما فإنّه لا يمتلك تفكيراً سليماً عن العالم
    وقد بين لنا أئمتنا الطاهرين(عليهم السلام) الكثير من أسرار ونتائج الطاعة وكيفيتها وأهميتها...
    عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت اميرالمؤمنين عليه السلام يقول : (احذروا على دينكم ...، إلى قوله :
    ولا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنما أمر الله تعالى بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية ، وإنما أمر بطاعة أولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية ) .
    وعن على بن ابراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال :
    ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته . ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا )) .
    وفي أصول الكافي على بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن حماد عن عبد الاعلى قال : سمعت أبا عبد الله ( ع ) يقول :
    السمع والطاعة أبواب الخير السامع المطيع لا حجة عليه ، والسامع العاصي لا حجة له ، وإمام المسلمين تمت حجته واحتجاجه يوم يلقى الله عز وجل ، ثم قال : يقول الله تبارك وتعالى : (( يوم ندعو كل أناس بإمامهم )) .
    وفي كتاب التوحيد بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام حديث طويل يقول فيه :
    فقلت : قوله عز وجل (( وما توفيقي إلا بالله )) وقوله عز وجل : ((إن ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده)) فحال تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فيتركها كان تركه بتوفيق الله تعالى ذكره ومتى خلى بينه وبين المعصية فلم يخل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه .
    وعن على بن إبراهيم عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى , في كتاب الاحتجاج للطبرسى ( ره ) حديث طويل عن أمير المؤمنين علي عليه السلام يذكر فيه جواب بعض الزنادقة عما اعترض به على التنزيل أجاب عليه السلام عما توهمه من التناقض بين قوله : (( الله يتوفى الأنفس حين موتها )) وقوله : (( يتوفاكم ملك الموت)) ، ((وتوفته رسلنا)) ، ((وتتوفاهم الملائكة))
    بقوله(ع) : فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره فعلهم فعله ، وكل ما يأتونه منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، وفعل ملك الموت فعل الله ، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ، ويعطى ويمنع ويثيب .
    4ـ طاعة الله(تعالى شأنه)
    لاشك ولا اشكال بان اهم معاني الطاعة , هذه الحقيقة الحقه وهي : إن طاعة الله (عز وجل )واجبه بالذات
    فكيف ان طاعة الله تعالى واجبه بالذات ؟
    ولمعرفة ذلك من المهم المرور السريع الموجز على انفس العلوم واجلها , الا وهي علوم معرفة الله (جل في علاه) حتى يتبين كيف ان طاعته(تقدست اسماؤه )واجبه بالذات , فنذكر اجمالا ما يلي:
    اولا: إن من اهم هذه الاعتقادات وأشرفها على هذه البسيطة هو الاعتقاد الحقيقي بان لهذا الكون خالق لامتناهي العظمة أفاض الوجود على هذه المخلوقات , وهنالك طرق عديدة للتعرف على هذا الخالق العظيم , نذكر في هذه النقطة من البحث احد الطرق العقلية في إثبات وجود الخالق العظيم وهذا البرهان المبسط يثبت وجود الخالق العظيم بعنوان واجب الوجود ولا يتعرض إلى صفات هذا الخالق العظيم أي إننا نحتاج إلى براهين أخرى لإثبات صفاته(جل جلاله) الثبوتية والسلبية وهذا البرهان بصوره مبسطه ينص على إن الموجودات بحسب الافتراض العقلي [(أي إن هذا البرهان لا يتعرض لغير الموجودات لان الممتنع والمحال ليس له وجود خارجي إطلاقا)] تنقسم إلى :ـ
    موجود بذاته , وموجود بغيره
    فالموجود بذاته هو : الموجود الغير محتاج إلى موجود آخر ليفيض عليه الوجود لا حدوثا ولا بقاءا بل إن وجوده نابع من ذاته وكذلك بقائه نابع من ذاته ويسمى هذا الموجود بواجب الوجود
    لذا فهو ازلي لأنه لم يسبق بعدم إطلاقا , وأبدي لأنه لن يعدم إطلاقا , أي انه موجود سرمدي(الأزلي الأبدي) وبما إن واجب الوجود نابع وجوده من ذاته لذا فلا تنفك ذاته عن الوجود أي إن ذاته المقدسة ملازمه للوجود وسمته الغنى عن الغير, فيكون وجوده ضروري .
    أما الموجود بغيره فهو:
    الموجود المحتاج لغيره في وجوده فقط(وهذا ليس محل البحث)
    او الموجود المحتاج لغيره في وجوده وبقائه(وهذا محل البحث) أي إن وجوده ليس من اقتضاء ذاته بل مفاض عليه من غيره فأن أفيض عليه هذا الوجود وجد وإلا بقي عدما فلا الوجود ضروري له ولا العدم ضروري له ويسمى هذا الموجود : بممكن الوجود أي إن الاحتياج والافتقار الى الغير سمة الممكن
    والآن لو التفت الإنسان إلى ما حوله من نباتات وحيوانات و.. فهل يجدها موجودات مستغنية أم محتاجه؟
    قطعا سوف يجدها موجودات محتاجه إلى غيرها فالثمرة محتاجه إلى شجرتها والشجرة محتاجه إلى البذرة والبذرة محتاجه إلى الفلاح ليزرعها ومحتاجه إلى التربة والمياه والهواء والشمس...
    وكذلك الحيوانات ..
    ولو التفت الإنسان إلى نفسه فسوف يجد انه محتاج إلى والديه في وجوده أي إن العلة في وجوده هي والديه وهو معلول لهما[(سوف نقوم لاحقا بحول الله وقوته توضيح معنى العلة والمعلول)]وكذلك والديه فأنهما محتاجين إلى والديهم في وجودهم , وهذا يعني أن والديه وان كانوا عله في وجوده إلا إن هذه العلة ليست مستغنيه في ذاتها بل هي أيضا معلولة لعله أخرى لذا يسمي الفلاسفة علة الوالدين (الغير مستغنية) بالعلة المعدة
    والآن: السؤال المهم هو إن هذه المعلولات الممكنة المحتاجة إلى بعضها البعض ومنها الإنسان ,كيف وُجدت ؟ ومن الذي أحدثها وأخرجها من العدم وألبسها لباس الوجود ؟
    فلا يخرج الجواب عن احد أربعة أجوبه لا خامس لها :ـ
    ا ـ أن يكون كل ممكن اوجد نفسه بنفسه(وهذا دور والدور باطل)
    ب ـ أن يكون الممكن الأول أوجده الممكن الثاني والممكن الثاني أوجده الممكن الأول (وهذا يلزم الدور والدور باطل)
    ج ـ أن يكون الممكن الأول أوجده الممكن الثاني والممكن الثاني أوجده الممكن الثالث وهكذا من دون الانتهاء إلى نقطه وهذا يلزم التسلسل الباطل)
    د ـ أن يكون الممكن الأول أوجده الممكن الثاني والممكن الثاني أوجده الممكن الثالث وهكذا إلى الانتهاء إلى موجود واجب الوجود بذاته
    [...(بيان بطلان التسلسل)...]
    إن هذه المعلولات(الممكنات) يستحيل أن لا تنتهي إلى موجود واجب الوجود وهو العلة الحقيقية المستغنية المطلقة التي أخرجت هذه الموجودات من العدم وألبستها لباس الوجود وذلك لأن هذا التسلسل الغير منتهي باطل بضرورة العقل فلو افترضنا , إن طارق طرق باب الدار وكل فرد من الأفراد الموجودين داخل الدار يقولون لا اقوم لفتح الباب حتى يقوم الآخر هذا يعني انه لن يقوم احد لفتح الباب وكذلك لو قال كل فرد من المتسابقين في حلبة السباق لا أبدء حتى يبدأ الآخر هذا يعني انه سوف لن يبدأ سباق وهكذا, ولكن الواقع اليقيني يعلن بالبديهة وجود موجودات ممكنة الوجود(معلولات)فهذا يؤكد باليقين العقلي رجوع هذه الموجودات إلى عله مطلقه أوجدت هذه الموجودات من العدم وامدتها بأسباب البقاء إلى اجل معدود أي إن هذه المعلولات مثل ما انها محتاجه لواجب الوجود في أصل حدوثها فهي قطعا محتاجه إليه في بقاءها لأنه بعد وجود هذه الممكنات فأما أن يكون بقائها نابع من ذاتها فيلزم من ذلك انقلابها إلى واجب الوجود وهذا خلاف الواقع, فالواقع يؤكد إنها ممكنة الوجود لأنها حادثه ومتغيره و..أو إنها محتاجه إلى العلة في استمرارية وجودها وهذا هو الحق فأننا نرى بأن، العلة حينما ترفع يدها عن المعلول فأنه يزول وقد توهم البعض بأن مدلول قانون العلية يشمل كل الموجودات فقالوا(كل موجود فهو محتاج إلى العلة)[مدعين بأن الإيمان باله لا عله له هدم لقانون العلية] متغافلين عن إن موضوع قانون العلية هو ممكن الوجود, وليس كل موجود, أي إن مدلول قانون العلية هو(كل ممكن الوجود مفتقر ومحتاج إلى العلة)
    [...(بيان بطلان الدور)...]
    إذا كان كل ممكن اوجد نفسه بنفسه فمن حيث كونه موجدا(بالكسر) فهو متقدم وموجود , ومن حيث كونه موجدا(بالفتح)فهو متأخر ومعدوم فيلزم من ذلك أن يكون الشيء الواحد متقدما ومتأخرا, بل موجود ومعدوم وما هذا إلا اجتماع النقيضين وهو محال.
    أما إذا كان الممكن الأول اوجد الممكن الثاني فيقتضي من ذلك أن يكون الأول عله للثاني فيكون الأول متقدم على الثاني والثاني متأخر عن الأول
    وكذلك إذا كان الثاني اوجد الأول فهذا يقتضي أن يكون الثاني عله للأول أي انه متقدم على الأول والأول متأخر عنه فيكون الشيء الواحد في زمن واحد وبالنسبة إلى شيء واحد متقدما عليه ومتأخرا عنه أو قل متقدم عليه وغير متقدم عليه!
    وليس هذا الا اجتماع الضدين في شيء واحد ومن جهة واحده وهو مستحيل ضرورة وبداهة .
    وهذا يعني أن الدور باطل لأنه ممتنع الوجود بالذات
    وهكذا بعد بيان بطلان الدور والتسلسل اللانهائي لم يبقى إلا النقطة الرابعة وهي : رجوع جميع هذه الممكنات(المعلولات)في حدوثها وبقائها إلى العلة الحقيقية المطلقة الموجدة وهذه العلة هي واجب الوجود .
    والآن نحاول بصوره مبسطه ومختصره توضيح معنى العلة والمعلول الواردتين في اعلاه ؟
    المراد من العلة والمعلول : هو احتياج شيء إلى شيء آخر على نحو التوقف
    فالشيء(الطرف)المحتاج يسمى بالمعلول , وللعلماء آراء في سبب الاحتياج فالفلاسفة قالوا إن سبب الاحتياج هو الإمكان والمتكلمون قالوا إن سبب الاحتياج هو الحدوث مع إن كل ممكن هو في حقيقته حادث
    أما الشيء(الطرف)المحتاج إليه يسمى بالعلة , والفلاسفة قسموا العلة باعتبارات(لحاظات )مختلفة ومن هذه الأقسام ما يلي:ـ
    القسم الأول:ـ
    1:ـ العلة المنحصرة: وهي العلة التي لا يتحقق المعلول إلا بها . والمثال على ذلك : هو جميع المخلوقات فأن العلة المنحصرة في إيجادها هو العلة التامة المستغنية المطلقة وهو الله تعالى شأنه
    2:ـ العلة البديلة : وهي العلة التي يمكن للمعلول أن يتحقق بها أو بغيرها , والمثال على ذلك الحرارة حيث يمكن أن تتحقق من النار أو من الكهرباء أو من أي طريق آخر
    القسم الثاني :ـ
    1ـ العلة الحقيقية : وهي العلة الملازمة للمعلول (لا تنفك عنه) حدوثا وبقائا , والمثال على ذلك عندما يقرر الإنسان القيام بعمل معين فسوف تحصل في نفسه صوره ذهنيه أو اراده ملازمه للنفس ليس لها أي انفكاك عن النفس لأنها معلولة للنفس ولكن فعالية النفس للصورة الذهنية أو الإرادة مشروطة بشروط معينه تنشأ من طبيعة النفس والتحديد وإمكان الوجود الذي تتصف به النفس فعندما يقرر الإنسان على سبيل المثال الذهاب إلى السوق وتحصل لديه الصورة الذهنية لهذا العمل وكذلك الإرادة فيمكن على منتصف الطريق أن يغير الإنسان وجهته ويتوجه إلى المسجد بدل السوق فتحصل عندها صوره ذهنيه أو إرادة جديدة ملازمه للنفس وهي الذهاب للمسجد
    2ـ العلة المعدة : وهي العلة التي تلازم المعلول حدوثا لابقاءا ويحتاجها المعلول فقط في أصل حدوثه أي تكون على نحو الشرائط والمثال على ذلك البذرة عند زراعتها فالفلاح عله معده وكذلك التربة والهواء والماء والشمس وهكذا
    القسم الثالث:ـ
    1ـ العلة الفاعلية , 2ـ العلة المادية , 3ـ العلة الصورية , 4ـ العلة الغائية
    والذي يهمنا في هذا البحث هو العلة الفاعلية التي يقسمها العلماء إلى ثمانية أقسام منها:ـ
    فاعل بالرضا , وفاعل بالجبر , وفاعل بالتجلي
    والفاعل بالتجلي معناه : عدم استقلال المعلول عن علته أبدا(ولهذه العلة معنا عميق ودقيق) حيث تصدر من هذه العلة أراده بتحقق المعلولات(الممكنات) مع العلم السابق بهذه المعلولات (الممكنات) قبل وجودها[أي إن هذا الوجود وكل ما فيه متجلي في محضر الله تعالى شأنه وتقدست أسماؤه] وقد وضع العلماء اسما جامعا لهذه العلة الحقيقية المطلقة المستغنية عن الغير الفاعلة بالتجلي وهذا الاسم هو: العلة الموجدة التي من بعض مميزاتها الهامة ما يلي:ـ
    ا ـ تشتمل هذه العلة الموجدة على كمالات المعلولات جميعا وبصوره أتم وأكمل , حتى يمكنها أفاضتها على كل موجود بمقدار قابليته واستعداده , خلافا للعلل المعدة والمادية , التي تقوم بمهمة الإعداد وتوفير الأرضية المناسبة لتحول المعلول وتغيره لافي أصل وجوده بل في تغيره فلا يلزم عليها أن تتوفر على كمالاتها , فمثلا لا يلزم التراب أن يتوفر على كمالات النباتات , وأما الله الموجد فلابد أن يمتلك كل الكمالات الوجودية , مع بساطته وعم قبوله للانقسام
    ب ـ إن العلة الموجدة توجد معلولها من العدم وبكلمه واحده تخلقها ولكن بخلقها لا ينقص من وجودها شيء , خلافا للفاعل الطبيعي الذي مهمته تغير المعلول الموجود مع بذل القوه والطاقة في القيام بهذه المهمة
    ج ـ إن العلة الموجدة عله حقيقية ومن هنا كان وجودها ضروريا لبقاء المعلول , خلافا للعلة المعدة التي لا يحتاج إليها بقاء المعلول.
    *ـ وقد ورد في الكلام اعلاه مصطلح ممكن الوجود , وواجب الوجود ولبيان المعنى نورد الاتي :
    قال العلماء : إن كل معقول ومتصور في الذهن إذا نسبنا إليه الوجود الخارجي فأما
    1ـ لا يصح اتصافه به (أي إن حقيقته لا تقبل الوجود الخارجي ) وهذا هو الممتنع الوجود لذاته مثل وجود المعلول بلا عله , واجتماع النقيضين وارتفاعهما.....
    2 ـ أو يصح اتصافه به
    ا ـ فإذا صح اتصافه به لاقتضاء ذاته لهذا الاتصاف فهذا هو واجب الوجود لذاته أي إن وجوده نابع من صميم ذاته فلا تنفك ذاته عن الوجود لضرورة وجوده وسمته الغنى عن العلة وعن كل شيء
    ب ـ أو إن وجوده ليس من اقتضاء ذاته له بل هو مفاض عليه فأن أعطيه وجد وإلا بقي معدوما لأنه متساوي النسبة بين الوجود والعدم فلا الوجود ضروري له ولا العدم ضروري له وهذا هو ممكن الوجود الذي من سماته الافتقار والحاجة المطلقة إلى علته.
    ثانيا: بعد ان تم في النقطة(اولا) معرفة واثبات ما يلي:ـ
    1:ـ إن الموجود الخارجي أما أن يكون ممكن الوجود (معلول) أو يكون واجب الوجود (عله)
    2:ـ إن الممكنات (المعلولات) جميعا واقعه في دائرة الافتقار والاحتياج المطلق لعلتها حدوثا وبقائا
    3:ـ إن العلة الحقيقية الموجدة لجميع هذه الممكنات هي عله مستغنية عن كل شيء فلم تسبق بعدم حتى تكون محتاجه إلى عله أخرجتها لذا فهي أزليه(قديمة) ولن تعدم أبدا لان وجودها نابع من صميم ذاتها فهي أبديه (باقية) وهذه العلة(السرمدية) هي واجب الوجود
    4:ـ إثبات بطلان ما ذهب إليه الماديين من إن المادة هي التي خلقت نفسها بنفسها وإنها أزليه
    سيتم في هذه النقطة التعرض للصفات المختصة بواجب الوجود والتي تميزه عن باقي مخلوقاته فقد توهم البعض على ان المادة أو الطاقة هي التي خلقت هذا العالم !
    [(صفات الخالق (جل جلاله))]
    قسم العلماء صفات الخالق(جل جلاله) إلى قسمين رئيسيين اعتمادا على قوله تعالى [(تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام)(سورة الرحمن / الآية 78 )]
    أ ـ صفات الجلال (السلبية)
    ب ـ صفات الاكرام(الجمالية الثبوتية)
    أ ـ صفات الجلال (السلبية): وهي الصفات التي يجل الخالق ويتنزه عن الاتصاف بها لأنها تشير وتدل على نقص في الذات الإلهية المقدسة أو حاجه في فعله كالشريك والجسمية والاتحاد
    وسميت سلبيه لأنها مسلوبة عن الذات الإلهية المقدسة المستجمعة لجميع الكمالات الواقعية
    وفي ما يلي اهم الصفات السلبية:ـ
    1 ـ لا شريك له : ويعني تنزه(الله) سبحانه وتعالى عن الشريك وهذا هو , التوحيد :
    وهو من اهم الصفات التي يتصف بها الباري تعالى وكما قال سيد الموحدين علي المرتضى (ع) (أول الدين معرفته وكمال معرفته توحيده........) وينقسم(مجازا واعتبارا لاجل فهم المطلب) التوحيد الإلهي إلى ثلاثة أقسام :ـ
    التوحيد في الذات , والتوحيد في الأفعال , والتوحيد في الصفات
    1ـ التوحيد في الذات , ويتجلى بنحوين :ـ
    النحو الأول :
    التوحيد الذاتي الأحدي ((قل هو الله احد))( سورة الإخلاص / الآيه1 ):ـ
    وهو نفي التركيب في الذات الإلهية المقدسة أي إن ذاته المقدسه بسيطة لا جزء لها , ويتم توضيح هذا المطلب بما يلي :
    ان المركب هو : ماله جزء
    ويقابله البسيط وهو : ما لا جزء له
    والتركيب : أما أن يكون :
    ذهني , كتركب الماهيات من الأجناس والفصول .
    أو تركيب خارجي , كتركب الأجسام من الأعضاء والأجهزة المختلفة , وتركب المواد من الجزيئات , والجزيئات من الذرات.. والمركب بكلا المعنيين محتاج إلى أجزائه , أما احتياج وجود , كاحتياج الماء إلى عنصريه : الأوكسجين والهيدروجين وبدون احدهما ينعدم ويفنى .
    وكـ ماهية الإنسان تحتاج إلى كلا جزئيها العقليين الحيوان والناطق , لتتحصل في الذهن
    أو احتياج تكامل كاحتياج البدن إلى اليد وبدونها يكون البدن ناقصا في فاعليته وبما إن الأدلة العقلية أثبتت إن الاحتياج والافتقار سمة الممكن أما الواجب فسمته الغنى وعدم الاحتياج فلو كان الخالق مركب يلزم من ذلك احتياجه إلى أجزائه لأنه سوف يكون مفتقرا إلى أجزائه أما في تحقق وجوده وبقائه أو في كماله وتماميته في فاعليته , والافتقار مساوي للإمكان فيلزم بذلك كونه ممكنا, مع إن الخالق واجب الوجود فيلزم من ذلك كونه بسيطا لا جزء له
    فأن قيل إن الله تعالى شأنه غير مركب بالفعل (ليس له أجزاء بالفعل) ولكنه مركب بالقوة (لديه القابلية والاستعداد لأن يكون مركب وله أجزاء )[كشقي الخط المفروضين للخط الواحد] فيكون الجواب : إن الله(تعالى شأنه) غير مركب لا بالفعل ولا بالقوة لان المركب بالقوة قابلا للانقسام عقلا وان لم يتحقق الانقسام بالفعل , ويلزم من إمكان الانقسام إمكان زوال الكل وانعدامه , وقد ثبت ان الله تعالى شأنه ابدي فلا يمكن إن يعرض له الزوال والفناء لأنه واجب الوجود وعلى هذا الأساس فان التركيب سواء كان بالفعل أو بالقوة فأنه من خواص الأجسام فيثبت من هذا تجرد الله تعالى شأنه وعدم جسمانيته أي انه بسيط لا جزء له و كل موجود جسماني لا يمكن أن يكون واجب الوجود وعلى هذه النتيجة تترتب أمور كثيرة , منها نفي الحد عنه تعالى ....
    النحو الثاني:
    التوحيد الذاتي الواحدي ((ولم يكن له كفوا أحد))(سورة الإخلاص/ الآية 4):
    وهو نفي المثيل له تعالى , أي انه واحد في ذاته لا ثاني له ((هو الله الواحد القهار))(سورة الزمر / الآية4)
    ويدل على ذلك انه لو كان في الوجود واجبا وجود للزم إمكانهما وهو خلاف الفرض , أي انه لو كان هنالك واجبي وجود للزم أن يشتركان في وجوب الوجود حسب الفرض , وبحكم كونهما اثنين لابد من مائز بينهما وبدونه لا تتحقق الاثنينيه
    فيلزم عندئذ تركب كل منهما من شيئين :ـ
    1ـ ما به الاشتراك وهو واجبية الوجود
    2ـ ما به الامتياز
    وإذا كان كل منهما مركبا , يلزم من ذلك ان كلاهما ممكن الوجود لأن المركب محتاج إلى أجزائه والاحتياج سمة الإمكان أما واجب الوجود فسمته الغنى المحض كم ثبت
    النتيجة يلزم من فرض واجبي الوجود إمكانهما وهو خلاف الفرض *ـ ورد في هذه النقطة بعض العبارات المنطقية نذكر معانيها وكما يلي :ـ
    1 ـ الذهن : بمعنى من المعاني العقل(لأنه احد معلولات العقل)
    2ـ الماهية : ما به الشيء هو هو المتعقل بالذهن بغض النظر عن الوجود الخارجي الواقع في جواب ما هو المنسوبة إلى الماهية مثل الإنسان : حيوان ناطق , أي بالحيوانية الناطقيه يكون الإنسان إنسان أي هو هو المتعقلة بالذهن سواء كان موجود أو غير موجود بالخارج
    3 ـ الجنس : هو المفهوم الصادق على أفراد مختلفة بالحقيقة(أو: هو تمام الحقيقة المشتركة بين الجزئيات المتكثرة بالحقيقة(في جواب ما هو))
    4 ـ الفصل: هو جزء الماهية المختص بها الواقع في جواب أي شيء هو في ذاته .
    2 ـ التوحيد في الافعال(التوحيد الافعالي ) :
    أي إن كل ما في الوجود هو فعله وإيجاده(تعالى شأنه وتقدست أسماؤه) من جهة
    وكذلك فهو( جل جلاله )غير محتاج إطلاقا لأي احد ولأي شيء في فعله وإيجاده ولا يمكن لأي موجود أن يعينه في أفعاله من جهة اخرى
    فهو العلة المطلقة المستغنية عن كل شيء وكل شيء فقير ومحتاج إليه ((له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ))(سورة الحديد/الآية 2)((هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ))(سورة الحديد/الآيه3)(( هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير))(سورة الحديد/ الآيه4)(( له ملك السماوات والأرض والى الله ترجع الأمور))(سورة الحديد/ الآيه5) ((يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ))(سورة الحديد /الآيه6))
    وفي هذا المطلب من مطالب التوحيد , قال الشيخ محمد تقي اليزدي:
    الصفات الفعلية : عبارة عن المفاهيم التي تنتزع من مقارنة الذات الإلهية بمخلوقاتها من خلال ملاحظة نسبه وأضافه ورابطه معينه بينهما, وأن الخالق والمخلوق يمثلان طرفي الإضافة , أمثال مفهوم الخالقيه الذي ينتزع من ملاحظة ارتباط وجود المخلوقات بالله تعالى وإذا لم يلاحظ هذا الارتباط بينهما لم يمكن انتزاع هذا المفهوم , وليس هناك حصر وتحديد للروابط والإضافات التي يمكن تصورها بين الله والخلق ولكن يمكن تقسيمها بصوره جامعه وكليه إلى مجموعتين من زاوية ما:ـ
    المجموعة الأولى ـ
    ملاحظة الإضافات المباشرة بين الله والمخلوق كالإيجاد الخلق....
    المجموعة الثانية ـ
    الإضافات التي تتصور بعد تصور إضافات وروابط أخرى كالرزق وذلك لأنه في البداية لابد أن نتصور علاقة الموجود المرتزق بالشيء الذي يرتزق منه , وبعد ذلك نتصور توفير الله تعالى لذلك الشيء لنتوصل من خلال ذلك إلى مفهوم الرازق , والرزاق, بل يمكن أحيانا أن نتصور إضافات وروابط متعددة بين المخلوقات نفسها , قبل أن تنتزع الصفة الفعلية لله تعالى وبعد ذلك نلاحظ ارتباطها بالله تعالى , أو إن هناك اضافه مترتبة على عدة إضافات سابقه بين الله والخلق امثال المغفرة حيث تترتب على الربوبية التشريعية الإلهية وتعيين الله تعالى للأحكام التكليفية وعصيان العبد لها ....وهناك ملاحظه مهمة ينبه عليها الشيخ اليزدي وهي:
    إننا حين نتصور الرابطة بين الله تعالى والموجودات المادية , وعلى ضوئه تنتزع الصفة الفعلية المعينة لله تعالى , فان هذه الصفة سوف تتحدد ببعض القيود الزمانية والمكانية بلحاظ تعلقها بالموجودات المادية التي تمثل احد طرفي الإضافة , وان كانت هذه الصفة بلحاظ تعلقها بالله تعالى الذي يمثل الطرف الآخر للإضافة منزهة عن مثل هذه القيود والحدود فأن إفاضة الرزق إلى شخص مثلا إنما تتم في ظرف زماني ومكاني معينين ولكن هذه القيود والحدود في واقعها متعلقة بذلك الشخص المرتزق لا بالرازق , والذات الإلهية منزهة عن أية نسبه زمانيه ومكانيه(انتهى)
    ويتجلى التوحيد الافعالي بأنحاء مختلفة اهمها ما يلي:ـ
    توحيد الخالقيه , توحيد الربوبية , توحيد العبودية , توحيد التشريع , توحيد الاستعانة , توحيد الشفاعة , توحيد لرازقيه...
    وسوف نقتصر على التطرق اجمالا الى توحيد الخالقيه وتوحيد الربوبية , ونترك التطرق الى باقي انحاء التوحيد وكذلك التوحيد الصفاتي الى مناسبات اخرى بإذن الله تعالى ان بقيت الحياة
    1ـ توحيد الخالقيه :
    أي انه لا خالق حقيقي في الوجود إلا الله جل جلاله وكل ما سوى الله إنما يخلق ويفعل فعله بأذن الله وقدرته تعالى شأنه (أي في طول خلق الله وفعله) لا مستقلا عن الله (أي ليس خلقه وفعله (الممكن) في عرض خلق الله وفعله) إنما الخالق المستقل هو الله فقط لان كل ما سوى الله هو ممكن الوجود وكل ممكن الوجود محتاج وفقير إلى الله تعالى في كل شيء من حدوث وبقاء إلى غير ذلك من آثار وجوده (الممكن) فلو كان هنالك خالق مستقل غير الله للزم أن يكون واجب وجود آخر وهذا باطل كما ثبت بأنه لا يوجد واجب وجود في الوجود سوى الله فهو العلة الموجدة(الخالق) وكل ما سواه مخلوق له , وقال الشيخ محمد تقي اليزدي حول , عملية الخلق التي يقوم بها الله تعالى إنها:
    لا تشابه تصرفات الإنسان في الأشياء وصنعه للصناعات , حيث يحتاج في عمله هذا إلى الحركة, والى استخدام أعضاء بدنه لتمثل حركته (الفعل) بينما تمثل الظاهرة التي تحصل منه (نتيجة الفعل) وأما في خلق الله فلا يكون (الخلق) شيئا (والمخلوقات) شيئا آخر , وذلك بالإضافة إلى تنزه الله تعالى عن الحركة , وخصائص الموجودات الجسمانية , فأنه لو كان (لخلق) الله مصداق عيني خارجي زائد على ذات المخلوق , لكان موجودا ممكن الوجود , ومخلوقا من مخلوقات الله بدوره, ليعود الحديث مره أخرى حول خلقه نفسه أيضا, ولكن وكما ذكرنا في تعريف الصفات الفعلية إن هذه الصفات مفاهيم منتزعه من الإضافات والنسب بين الله والخلق , وقوام الإضافة والنسبة بلحاظ العقل(انتهى)
    2ـ توحيد الربوبية
    يدل لفظ ( الرب) في اللغة : على المتصرف والمتحمل والمدبر لأمر الشيء
    أما في العقائد , فقال العلماء بأن الرب :
    هو الذي يقوم بالتصرف المستقل في مربوبه (هو المدبر المستقل لشؤون وأمور مربوبه), فرب الدار : هو المدبر لشؤون وأمور الدار, ورب العمل: هو المدبر لشؤون وأمور العمل , وربة البيت : هي المدبرة لشؤون وأمور البيت , وعلى هذا الأساس فالربوبية تعني تدبير شؤون الأمور, فعند ملاحظة إن الله جل جلاله هو الخالق لجميع المخلوقات وهو الذي يمدها بأسباب البقاء والتكامل ويدير جميع شؤونها وأمورها , فهي محتاجه ومفتقرة إليه في كل شيء ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستقلال عنه إطلاقا وكيف يمكن لها أن تستقل عن خالقها وبارئها ومصورها ومحييها ومميتها وهاديها ورازقها وآمرها وناهيها وحافظها وحاميها ونافعها وساترها.....فمن لحاض هذه الروابط بين الله تعالى شأنه وبين مخلوقاته, ينتزع مفهوم الربوبية , لذا فأن توحيد الربوبية يعني الاعتقاد القاطع بأن الله جل جلاله هو المدبر المستقل الوحيد لجميع شؤون خلقه حدوثا وبقاءا , ولا يمكن للخلق على الإطلاق أن يستقل عن الله في أي شأن من شؤونه ولو لأقل من طرفة عين , وعليه فلا يمكن أن يكون مدبر مستقل من غير أن يكون خالق مستقل , ولا يمكن أن يكون خالق مستقل من غير أن يكون مدبر مستقل , لذا فأن كل من يدير شؤون الخلق من ملائكة وأولياء ومعصومين(ع), هم في طول تدبير الله العلي العظيم ,أي إنهم وسائط في إجراء وتنفيذ أوامر الله(تقدست أسماؤه) في تدبير الكون
    قال الشيخ اليزدي :
    ان المخلوقات الإلهية لا يمكنها الاستغناء في أفعالها عن الله تعالى , وإنما يتم تأثير كل مخلوق من المخلوقات في الآخر بإذن الله وفي ظل القدرة التي منحها الله تعالى له , وفي الواقع إن الموجود الوحيد الذي يفيض تأثيره في كل مكان , وفي كل شيء , بصورة مستقلة وبدون احتياجه لغيره ,هو الذات الإلهية المقدسة , وأما فاعلية الآخرين , وتأثيرهم فهي في طول فاعليته وتأثيره , وفي ظله ومدده ومستمده ومكتسبه منه تعالى(انتهى)
    وهنالك أدله عقليه كثيرة دالة على توحيد الربوبية , ذكر الشيخ محمد تقي اليزدي, الدليل الاتي الذي يدل بالمباشر على التوحيد في الربوبية , ويفند معتقدات المشركين
    {الدليل على توحيد الله}
    إن افتراض وجود الهين, أو آلهة متعددة للكون ,لا يخرج عن الاحتمالات الاتية:
    1ـ فأما إن كل واحدة من الظواهر والكائنات الكونية , مخلوقة ومعلولة لجميع هذه الآلهة.
    2ـ وأما إن كل مجموعه منها معلولة لواحد من الآلهة المفترضة
    3ـ وأما إن نعتبرها جميعا مخلوقه لإله واحد ,بينما نفترض سائر الآلهة مدبرة للكون .
    أما افتراض(1)
    إن كل ظاهرة وكائن له آلهة متعددة خالقة له فهو افتراض محال , وذلك لأن القول بأن هناك اثنين أو أكثر من الآلهة الخالقة(بمعنى العلة الموجدة) تخلق الموجود, يعني إن كل واحد منها يفيض وجودا , ونتيجة لذلك , أن توجد عدة وجودات بعدد الآلهة المفترضة للشيء الواحد , مع إن كل موجود ليس له إلا وجود واحد ,وإلا لم يكن موجودا واحدا .
    وأما افتراض (2)
    إن كل واحد منها خالق لمخلوق واحد ,أو لمجموعة معينة من المخلوقات فيلزم من هذا الافتراض أن يكون كل مخلوق قائما بخالقه, ولا يحتاج لموجود آخر ,إلا الاحتياج الذي يؤول وينتهي بالتالي إلى خالقه وهو احتياج إلى خصوص مخلوقات خالقه , وبعبارة أخرى:ـ إن افتراض الآلهة المتعددة للكون يلزم منه وجود أنظمة متعددة في الكون وكل واحد منها مستقل ومنفصل عن الآخر, مع إن للكون نظاما واحدا ,وكما يوجد ارتباط وتفاعل بين الظواهر الموجودة في زمان واحد ,وتحتاج كل منها إلى الأخرى فان هناك ارتباطا وعلاقة بين الظواهر السابقة مع الظواهر الحاضرة الراهنة , وكذلك بين الظواهر الراهنة والظواهر المستقبلية واللاحقة, وكل ظاهرة سابقة ممهدة لوجود اللاحقة , إذن فهذا الكون الذي يتألف من أجزاء مترابطة متلاحمة ويحكمه نظام واحد ,لا يمكن أن يكون معلول لعدة علل موجدة.
    وأما الافتراض (3)
    وهو إن الخالق لكل المخلوقات اله واحد وأما سائر الآلهة فتتكفل بمهمة تدبير الكون وإدارته
    فهذا الافتراض غير صحيح أيضا , وذلك لان كل معلول قائم بكل شؤون وجوده بعلته الموجدة له وليس لأي موجود مستقل آخر سبيل للتصرف فيه إلا أن يكون من قبيل التفاعلات الحاصلة بين معلولات العلة أنفسها ,ولكنها خاضعة للفاعل الموجد لها , ولا تخرج عن حكومة قدرته وسلطانه , ولا يتم شيء إلا بأذنه التكويني وفي هذه الحالة لا تكون كل تلك الآلهة ـ غير الخالق الموجد ـ (ربا) بمعناه الحقيقي , إذ إن المعنى الحقيقي للرب ,أن يقوم بالتصرف المستقل في مربوبه والمفروض في هذه التصرفات والتأثيرات إنها غير مستقلة , بل أنها كلها مقتبسة من ربوبية الخالق , وبالقوة التي زودها بها ذلك الخالق , ولولاه لما أمكن أن توجد هذه التصرفات .
    وافتراض وجود مثل هذه الأرباب المدبرة للكون لا تنافي التوحيد في الربوبية , كما أن الخالقية التي تتم بالإذن الإلهي لا تنافي التوحيد في الخالقية , وفي القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ما يدل على ثبوت مثل هذا الخلق أو التدبير التبعي وغير المستقل لبعض عباد الله ,إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم عن عيسى(عليه السلام) ((وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني))(سورة المائدة/ الآية 110)
    وقوله تعالى أيضا : ((فالمدبرات أمرا))(سورة النازعات/ الآية 5) والحاصل إن التوهم بإمكان آلهة متعددة للكون , ناشئ من قياس الله وتشبيهه بالعلل المادية والمعدة , حيث يمكن القول بتعددها للمعلول الواحد , ولكن لا يمكن إن نشبه العلة الموجدة بأمثال هذه العلل ,ولا يمكن أن نفترض لأي معلول , عدة علل موجدة أو عدة أرباب مدبرة بالاستقلال , إذن فلأجل تفنيد هذا التوهم , لابد أن نتأمل بدقة أكثر في مفهوم العلة الموجدة وخصائص هذا النوع من العلة ,حتى ندرك استحالة تعدد مثل هذه العلل للمعلول الواحد ,وكذلك لابد من التأمل في ترابط الكون ليتضح لنا أن هذا النظام المترابط الذي يحكم الكون لا يمكن أن يكون مخلوقا لآلهة متعددة أو خاضعا لتدبير أرباب مستقلين(انتهى).
    ولمزيد من الإيضاح نورد هنا ما ذكره الشيخ حسن مكي العاملي , من أدله في توحيد الربوبية وكما يلي:
    الدليل الأول: الاستحالة العقلية
    أي استحالة قبول العقل وجود أكثر من اله لإدارة مجموع الكون ولتوضيح ذلك , لو تعلقت إرادة احدهما بتحريك جسم ما , فلا يخلو من
    1:ـ إما أن يمكن للآخر تسكينه
    2:ـ أو لا يمكن .
    فان: أمكن , فلا يخلو من :
    ا ـ إما أن يقع مرادهما معا , وهذا محال لاستلزامه اجتماع النقيضين .
    ب ـ أو لا يقع مراد أي منهما , وهذا محال ,لاستلزامه ارتفاعهما وخلو الجسم عن الحركة والسكون
    ج ـ أو يقع مراد احدهما فقط , وهذا فاسد من ناحيتين :ـ
    أولا ـ الترجيح بلا مرجح , وهو محال .
    ثانيا ـ عجز الآخر, وعجز الإله باطل , إذ يخرج بذلك عن صلاحية التدبير, ويكون حاله كغيره من الموجودات , فلا يكون إلها
    2 ـ وان لم يمكن للآخر تسكينه ,يلزم عجزه ,وعجز الإله باطل . فظهر من ذلك استحالة وجود أكثر من مدبر واحد لمجموع الكون
    الدليل الثاني ـ آيات النظام الكوني
    إن اتساق النظام الكوني وثباته , دليل وحدة الرب المدبر له , فلو كان مع الله جل جلاله شريك في تدبير الكون , للزم فساد نظام الوجود , والحال انه متسق وثابت , فينتج عدم الشريك له .
    وبيان ذلك :
    لو كان تدبير الكون وتنظيم أموره ورعاية موجوداته , راجعا إلى أكثر من اله , فحينئذ كل اله سيفعل ما يريده ويراه مناسبا في تدبير هذا الكون الواحد . فيلزم فساد النظام , لتنازع الآلهة المدبرة له وتمانعها ـ لامحالة ـ في إدارته ، وهو خلاف المشاهد بالحس من انتظام الكون بما فيه على أحسن وأتم نظم ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا))(سورة الأنبياء/ الآية 22 ]
    الدليل الثالث ـ [وحدة النظام الكوني]
    ويدل على وحدة الرب المدبر لهذا الوجود , خضوعه في جميع أجزائه لنظام واحد منسجم ومتعاطف ,وقد كشف العلم الحديث عن كثير من الحقائق في ترابط الإنسان بدنا وروحا بمحيطه , وترابط الأرض والماء والهواء والأفلاك في علاقات متبادلة تحفظ توازن الوجود وبقائه واستمرار مقومات الحياة لجميع الموجودات فلو كان ثمة اله آخر يدير قسما من الكون لشاهدنا نظامه ,وأحسسنا بوجود نوعين من الانظمه يدار بهما الكون ,لكل منهما خصائصه ومميزاته التي ينفرد بها ,وذلك كله منتف ,فيدل ذلك على انه لا مدبر سوى اله واحد ((وما كان معه من اله إذا لذهب كل اله بما خلق))(سورة المؤمنون/الآية 91)
    قال مولى الموحدين علي(ع) في وصيته لمولانا الإمام الحسن(ع):(واعلم يا بني لو كان لربك شريك لأتتك رسله , ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته)
    وقسم العلماء الأمور المرتبطة بالربوبية الإلهية المطلقة إلى قسمين
    1ـ الربوبية التكوينية: وتختص بتدبير الأمور لكل الموجودات وإرضاء احتياجاتها , ولا تنافي بينها وبين الولاية التكوينية لبعض عباد الله الصالحين ,لأنه وكما تبين إن هذه الولاية التكوينية لبعض عباد الله الصالحين غير مستقلة عن ولاية الله بل هي في طول ولايته التكوينية ومستمدة منه جل جلاله
    2ـ الربوبية التشريعية : وتختص بالموجودات التي تملك الشعور والاختيار , وتشمل بعث الأنبياء وإرسال الكتب السماوية وتعين الوظائف والتكاليف , ووضع الأحكام والقوانين , ولا تنافي بينها وبين الولاية التشريعية للمصطفى الخاتم وآله الأطهار لأنها في طول ولاية الله وبأذنه ومستمده منه جل جلاله . ومن خلال كل ما ذكر أعلاه يمكن لنا ان نفهم شيء مما ذكره سيدنا عبد الأعلى السبزواري من إن :
    الرب : مجمع جميع أسماء أفعال الله المقدسة لأن جميع أفعاله تبارك وتعالى متشعبة من جهة تدبيره تعالى وتربيبه في كل موجود بحسبه فالرب مظهر الرحمة والخلق والقدرة والتدبير والحكمة فهو الشامل لما سواه تعالى فأنهم المربوبون له تعالى على اختلاف مراتبهم(انتهى)
    وقال سيدنا في موضع آخر :
    إثبات وحدة فعله تعالى بذكر (رب العالمين)لأن العالمين بمعنى ما سواه , وهو فاعل الكل ومربيه(انتهى)
    قال المحقق الخوئي :
    إن الكمال الأول لكل ممكن من العقول والنفوس والأرواح والأشباح إنما هو وجوده .
    ولاريب في انه فعل الله سبحانه وهو مبدعه وموجده , وأما الكمال الثاني وهي الأمور التي توجب الفضل والميز , فما كان منه خارجا عن اختيار المخلوق فهو أيضا من أفعال الله تعالى بلا ريب , وذلك كما في نمو النبات , وإدراك الحيوان منافعه و مضاره , وقدرة الإنسان على بيان مقاصده , وما كان منه صادرا عن المخلوقين باختيارهم , فهي وان كانت اختيارية إلا أنها منتهية إلى الله سبحانه , فأنه الموفق للصواب , والهادي إلى الرشاد .
    وقد ورد [إن الله أولى بحسنات العبد منه ]وقد أشير إلى ذلك بجملة(رب العالمين)) .
    وهنا اتشرف بعرض بعض الدرر الثمينة والجواهر النفيسة من كلمات مولى الموحدين وسيد المتقين وامير المؤمنين علي المرتضى بن ابي طالب(ع) لتحيا بها العقول وتبتهج بها الفطرة السليمة , وتخشع لها القلوب وتتصدع من خشية باريها .
    قال امير المؤمنين علي (عليه السلام)( نهج البلاغة / جمع الشريف الرضي /جزء من خطبه رقم1) :
    أوّل الدّين معرفته(الله تقدست اسماؤه) ، و كمال معرفته التصديق به ، و كمال التصديق به توحيده ، و كمال توحيده الاخلاص له ، و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف ، و شهادة كلّ موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، و من قرنه فقد ثناه ، و من ثناه فقد جزأه ، و من جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار اليه ، و من أشار اليه فقد حدّه ، و من حدّه فقد عدّه ، و من قال فيم ؟ فقد ضمّنه ، و من قال علام ؟ فقد أخلى منه .
    كائن لا عن حدث ، وجود لا عن عدم ، مع كل شي ء لا بمقارنة و غير كلّ شي ء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور اليه من خلقه ، متوحّد إذ لا سكن يستأنس به و لا يستوحش لفقده أنشأ الخلق أنشاء و ابتدأه ابتداء ، بلا رويّة اجالها ، و لا تجربة استفادها ، و لا حركة احدثها ، و لا همامة نفس اضطرب فيها احال الأشياء لأوقاتها ولائم بين مختلفاتها ، وغرز غرائزها والزمها اشباحها عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا بحدودها و انتهائها ، عارفا بقرائنها و احنائها .
    ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء وشقّ الأرجاء وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماء فِيهَا مَاءً مُتَلاَطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ اَلرِّيحِ اَلْعَاصِفَةِ وَ اَلزَّعْزَعِ اَلْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَ سَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَ قَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ اَلْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ واَلْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اِعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَ أَدَامَ مُرَبَّهَا وَ أَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَ أَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ اَلْمَاءِ اَلزَّخَّارِ وَ إِثَارَةِ مَوْجِ اَلْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ اَلسِّقَاءِ وَ عَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى إِلَى آخِرِهِ وَ سَاجِيَهُ [ سَاكِنَهُ ] (عَلَى) إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَ رَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَ جَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَ عُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ سَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَ لاَ دِسَارٍ يَنْتَظِمُهَا يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ اَلْكَوَاكِبِ وَ ضِيَاءِ اَلثَّوَاقِبِ وَ أَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وَ قَمَراً مُنِيراً فِي فلك دائر ، و سقف سائر و رقيم مائر .
    ثم فتق ما بين السموات العلى ، فملأهنّ أطوارا من ملائكته ،منهم سجود لا يركعون ، و ركوع لا ينتصبون ، و صافّون لا يتزايلون ، و مسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، و لا سهو العقول ، و لا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان ، و منهم أمناء على وحيه ، و ألسنة الى رسله ، و مختلفون , ثم جمع سبحانه من حزن الأرض و سهلها ، و عذبها و سبخها ، تربة ، سنّها بالماء حتى خلصت ، و لاطها بالبلّة حتى لزبت ، فجبل منها صورة ، ذات أحناء و وصول ، و أعضاء و فصول ، أجمدها حتى أستمسكت ، و أصلدها حتى صلصلت ، لوقت معدود ، و أمد معلوم ، ثمّ نفخ فيها من روحه ، فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها , و فكر يتصرّف بها ، و جوارح يختدمها و أدوات يقلّلبها ، و معرفة بها يفرّق بين الحق و الباطل ، و الأذواق و المشام و الأجناس ، معجونا بطينة الألوان المختلفة و الاشباه المؤتلفة ، والأضداد المتعادية ، و الأخلاط المتباينة ، من الحرّ و البرد ، و البلّة و الجمود ، والمسائة و السّرور واستأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم ، وعهد وصيّته اليهم ، في الأذعان بالسجود له ، والخنوع لتكرمته ، فقال سبحانه :
    اُسجدوا لِآدمَ ، فسجدوا إلا إبليسَ اعترته الحميّة ، وغلبت عليه الشقوة ، و تعزّز بخلقة النّار ، و استوهن خلق الصلصال ، فأعطاه اللّه النظرة استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبليّة ، وانجازا للعدة ، فقال :
    إنّك من المُنظَرينَ الى يَومِ الَوقتِ المَعلومِ , ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشته ، و آمن فيها محلّته و حذّره إبليس و عداوته ، فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام ، و مرافقة الأبرار ، فباع اليقين بشكه ، و العزيمة بوهنه ، و استبدل بالجذل وجلا ، و بالاعتزاز ندما ، ثمّ بسط اللّه سبحانه له في توبته ، و لقّاه كلمة رحمته ، و وعده المردّ الى جنّته ، فأهبطه الى دار البلية ، و تناسل الذرية . و اصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم ، و على تبليغ الرسالة أمانتهم ، لما بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم ، فجهلوا حقه ، و اتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشياطين عن معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث اليهم رسله ، و واتر اليهم أنبيائه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، و يذكروهم منسيّ نعمته ، و يحتجوا عليهم بالتبليغ ، و يثيروا لهم دفائن العقول ، و يروهم الآيات المقدّرة ، من سقف مرفوع ، و مهاد تحتهم موضوع ، و معايش تحييهم و آجال تفنيهم ، و أوصاب تهرمهم ، و أحداث تتابع عليهم , و لم يخل اللّه سبحانه خلقه من نبى مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة ، رسل لا يقصّر بهم قلة عددهم ، و لا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمي له من بعده ، أو غابر عرّفه من قبله على ذلك نسلت القرون ، و مضت الدهور و سلفت الأباء و خلفت الأبناء ، الى أن بعث اللّه سبحانه محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، لانجاز عدته ، و تمام نبوّته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته ، كريما ميلاده ، و أهل الأرض يومئذ ملل متفرقة ، و أهواء منتشرة ، و طوائف [ طرائق خ ل ] متشتتة ، بين مشبّه للّه بخلقه ، أو ملحد في اسمه ، أو مشير الى غيره ، فهداهم به من الضلالة ، و أنقذهم من الجهالة ...(انتهى)
    اذن فهل بعد ذلك من ريب بان لهذا الموجودات صانع البسها لباس الوجود وأسبغ عليها النعم ظاهرة وباطنه ولا يمكن لها الاستغناء مطلقا عنه(جل جلاله) لأنها قائمه بكل شؤونها به (تقدست أسماؤه)
    النابع وجوده من ذاته المقدسه الأزلي الأبدي المتصف بجميع الصفات الكمالية الحقيقية الثبوتيه من علم وحياة وقدره...والمسلوب عن ذاته المقدسة كل صفات النقص والاحتياج(السلبية)فهو العلة الحقيقية الغنية المطلقة لكل العلل والمعلولات , فهو الواحد القهار الذي ((مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ))( سورة المؤمنون/ الآية 91), و(( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ))( سورة الأنبياء/ الآية 22) , الأحد الصمد الذي ((لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَم ُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ , وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ))( سورة البقرة/ الآية255) ...فعلى هذه الحقائق وغيرها كثير , اوليس من البديهي إن لله الطاعة الحقيقية المطلقة التامة , ولا يوجد سواه من يستحق العبادة الخالصة , والدين الخالص , بل إن من نعم الله الكبيرة على عباده توفيق الطاعة ففيها السعادة والشرف والعزة , وهي الروح والريحان والجنة .
    4 ـ طاعة الرسول(صلى الله عليه وآله)
    وهي من لوازم طاعة الله(تعالى شأنه) الواجبة بالذات , فبعد أن تبين بصوره مختصره كيف إن لله الطاعة الحقيقية المطلقة لأنه الرب الخالق البارئ المحيي المميت ... الذي بيده ملكوت كل شيء و(( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))( سورة يس / الآية 82) فمن الضروري جدا بعد ذلك أن نعرف لوازم هذه الطاعة والتي من اهمها على الاطلاق :
    هي تلك الطاعة الإضافية من الله تعالى , فتعتبر طاعة واجبه بالذات أيضا لأنها مستنده إليه ومفاضة من قبله (تعالى شأنه)ألا وهي طاعة أنبيائه
    ورسله(عليهم السلام) وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم وإمامهم مولانا محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)المبعوث لتبليغ أحكام الله تعالى والمأمور لبيان كتابه الحق فأنه لا ينطق عن الهوى , ولذا جعل الله (تعالى شأنه) لحبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) الولاية العامه والحكومة بين الناس والقضاء بما يراه من المصلحة وذلك بما ألهمه الله من صواب الرأي ((...ِلتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ))(سورة النساء /الآية 105 ) , ولذا تبرز الأهمية العظمى لطاعة الرسول(صلى الله عليه وآله) , قال تعالى: (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ...))(سورة النساء/ الآية 64 ) , ويُفهم من قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ))(سورة النساء/الآية 59 ) , إن طاعة الرسول من طاعة الله وانها واحده , فلهما الطاعة المطلقة غير المشروطة ويترتب على ذلك ان تكون أحكام وتعاليم ...المصطفى هي عين ما يريده الله وإلا كان فرض الطاعة تناقضا واضحا
    وهذه لا يتم إلا بعصمة المصطفى (صلى الله عليه وآله), وعلى هذه القاعدة المهمة والخطيرة لن يكون هنالك أي طاعة ومحبه ... لله تعالى إلا من خلال حبيبه المصطفى(صلى الله عليه وآله) , فبإتباع المصطفى وطاعته المطلقة نتمكن فقط من طاعة الله الحقيقية .
    واعتذر عن تأجيل عرض صوره تبين شيء يسير من صور مقام مولانا ومقتدانا الحبيب المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله ) صاحب الخلق العظيم , الذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادني , الى مناسبات اخرى بإذن الله تعالى مراعاتا للاختصار
    5ـ طاعة اولي اولي الامر:
    لمفهوم (اولي الامر) مصاديق كثيره ومنها :ـ
    الاباء (بالنسبة لأبنائهم ), ومسؤولين المؤسسات الأهلية والحكومية , والحكام , والعلماء , والامراء ....
    وما نعنيه هنا من ولاية الامر هو الإمامة
    الإمامة (مقتبس من الشيخ ابو جعفر الطبري الصغير في دلائل الإمامة(ص1 ـ 22):
    وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا، وأنها امتداد للوجود النبوي المقدس وحفظ لعهده وحماية لأمانته وقيام برسالته ، يمكننا أن نقول إن كل ما صح أن يكون دليلا على النبوة صح أن يكون دليلا على الإمام ة، فبه تعرف ، وبه يقوم الشاهد عليها ، فدلائل النبوة هي نفسها دلائل الإمامة ما خلا نزول الوحي الذي هو من شأن الأنبياء وحدهم ، ولا وحي بعد خاتم الأنبياء ، بالإجماع .
    قال الماوردي: عقد الإمامة لمن يقوم بها واجب بالإجماع ، وإن شذ عنه الأصم (مآثر الإنافة 1: 29، والأصم: هو عبد الرحمن بن كيسان ، أبو بكر الأصم ، من قدامي المعتزلة).
    وقال أبو الحسن الأشعري:
    قال الناس كلهم - إلا الأصم -: لا بد من إمام .
    وقال الأصم: لو تكاف الناس عن التظالم لاستغنوا عن الإمام (مقالات الاسلاميين 2: 133).
    وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول أمير المؤمنين (عليه السلام) " لا بد للناس من أمير ": هذا نص صريح منه (عليه السلام) بأن الإمامة واجبة، وقد اختلف الناس في هذه المسألة فقال المتكلمون: الإمامة واجبة، إلا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء أصحابنا - المعتزلة - أنها غير واجبة إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم. وقال المتأخرون من أصحابنا: إن هذا
    القول منه غير مخالف لما عليه الأمة، لأنه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم، فقد قال بوجوب الرئاسة على كل حال (شرح نهج البلاغة 2: 307 - 308).
    وقال الأسفرائيني: اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين، كل ركن منها يجب على كل عاقل بالغ معرفة حقيقته، ثم ذكر الأركان إلى أن قال: والركن الثاني عشر: إن الإمامة فرض واجب
    على الأمة لأجل إقامة الإمام ، ينصب لهم القضاة والأمناء ، ويضبط ثغورهم ، ويغزي جيوشهم ، ويقسم الفئ بينهم ، وينتصف لمظلومهم من ظالمهم (الفرق بين الفرق: 323، 349).
    وقالت الإمامية: ليس في الاسلام أمر أهم من تعيين الإمام، وإن الإمام لطف من الله يجب نصبه تحصيلا للغرض (المقالات والفرق: 139، تجريد الاعتقاد: 221. ومعنى اللطف: هو ما يقرب المكلف إلى الطاعة ويبعده عن المعصية).
    ومن هذا يثبت أن إجماعهم على وجوب الإمامة مما لا ريب فيه، ولكن بعد أن تحقق هذا الإجماع افترقوا فيها على فرقتين:
    قالت إحداهما(مدرسة الصحابة): إن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار .
    وقالت الأخرى(مدرسة اهل البيت(ع)): إنها تثبت بالنص والتعيين.
    • ـ ولهذا كان مصداق اولي الامر (الإمامة ) في مدرسة الصحابة له معان عديده منها:
    قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: (( وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ )) يعني: أهل الفقه والدين .
    وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري ، وأبو العالية: (( وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ )) يعني: العلماء .
    والظاهر - والله أعلم - أن الآية في جميع (في ر، أ: "كل".) أولي الأمر من الأمراء والعلماء ، كما تقدم .
    وقد قال تعالى: (( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ))( سورة المائدة / الآية 63) , وقال تعالى: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))( سورة النحل / الآية 43) وفي الحديث الصحيح المتفق عليه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم أنه قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصا أميري فقد عصاني)( صحيح البخاري / للشيخ محمد بن اسماعيل البخاري/رقم الحديث 7137 , صحيح مسلم / مسلم بن الحجاج / رقم1835) .
    فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ، ولهذا قال تعالى (( أَطِيعُوا اللَّهَ )) أي: اتبعوا كتابه (( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )) أي: خذوا بسنته (( وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ )) أي: فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما تقدم في الحديث الصحيح: "إنما الطاعة في المعروف".
    وقال الإمام أحمد:
    حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي مرابة ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه (وآله)وسلم قال: (لا طاعة في معصية الله) (مسند احمد / للشيخ احمد بن حنبل / ج4ص326) .
    وقوله: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله.
    وهذا أمر من الله ، عز وجل ، بأن كل شيء تنازع الناس (في د: "المسلمون".) فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة ، كما قال تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ...))(سورة الشورى/الآية10 )
    فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق ،وماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولهذا قال تعالى: (( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) أي: ردوا الخصومات والجهالات
    وفي تفسير الكشاف للزمخشري(تفسير الكشاف / للشيخ جار الله الزمخشري):
    لما أمر الولاة بأداء الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بالعدل ، أمر الناس بأن يطيعوهم وينزلوا على قضاياهم .
    والمراد بأولي الأمر منكم : أمراء الحق ؛ لأن أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم ، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم ، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان .
    وكان الخلفاء يقولون : أطيعوني ما عدلت فيكم ، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم وعن أبي حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال له : ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله : (( وَأُوْلِى الامر مِنْكُمْ )) قال : أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله : (( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول )) وقيل : هم أمراء السرايا
    وعن النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم :
    ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع أميري فقد أطاعني ومن يعصِ أميري فقد عصاني )
    وقيل : هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر .
    (( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ )) فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر منكم في شيء من أمور الدين ، فردّوه إلى الله ورسوله ، أي : ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة .
    وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شك ، وهو أن أمرهم أولاً بأداء الأمانات وبالعدل في الحكم وأمرهم آخراً بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل ، وأمراء الجور لا يؤدّون أمانة ولا يحكمون بعدل ، ولا يردون شيئاً إلى كتاب ولا إلى سنة ، إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم ، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند الله ورسوله ، وأحق أسمائهم :
    اللصوص المتغلبة { ذلك } إشارة إلى الرد إلى الكتاب والسنة { خَيْراً } لكم وأصلح { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } وأحسن عاقبة .
    وقيل : أحسن تأويلاً من تأويلكم أنتم .
    • ـ اما في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)
    فمثلما أن طاعة الله تقتضي الطاعة المطلقة لرسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) , كذلك فان الطاعة المطلقة لله ولرسوله تقتضي الطاعة المطلقة لأولي الأمر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهذا هو الامتداد الحقيقي التام لطاعة الله كما جاء في قوله تعالى :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) ( سورة النساء/ الآية 59)
    قال سيدنا عبد الأعلى الموسوي(تفسير مواهب الرحمن ../ سيد عبد الاعلى السبزواري) :
    ان أولي الأمر أفراد من هذه الامه لهم فرض الطاعة نظير ما للرسول ولابد أن يكونوا معصومين وإلا كان فرض طاعتهم تناقضا ولكن لما لم تكن عصمتهم معلومة لكل احد ولذا توهموا عدمها فيهم إلا إن الإطلاق استلزم كون المتعين ان عصمتهم إنما يعرف من الله تعالى أو بتعليم من الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ويختلف طاعتهم عن الرسول بعد كون طاعتهم طاعة الله تعالى , وان أولي الأمر ليس لهم نصيب من الوحي وإنما شأنهم هو بيان الكتاب والسنه وشرحها وتطبيق الأحكام وكشفها لمكان صواب رأيهم في ذلك فلهم افتراض الطاعة والجميع راجع في الكتاب والسنه .
    ويدل قوله تعالى ((فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول))على إن لكل واقعه حكما محفوضا عند الله تعالى وعند الرسول باعتبار إن لهما وحدهما حق التشريع وسلطة جعل الحكم فقط وهذا هو رأي الاماميه , فإذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله ) موجودا فهو المرجع في رد المتنازع
    فيه إليه واخذ الحكم منه وبعد ارتحاله(صلى الله عليه وآله)لابد أن يكون بيان الأحكام ممن له أهلية أداء الامانه ممن اتصف بالعلم والحكمة ومن يكون حجه في رأيه ولهم الذوق الثاقب باستنباط الحكم من الكتاب الكريم والسنه الشريفة حتى يكون شاغلا للفراغ الذي حصل من فقد لرسول(صلى الله عليه وآله) وهؤلاء ينحصرون بالائمه الهداة(عليهم السلام) الذين هم عدل القرآن واحد الثقلين فلا محاله تكون السنه الشريفة تشمل اقوالهم التي لا مدرك لها إلا الكتاب والسنه المحفوظه عندهم بوجوه متعددة وحينئذ فان أمكن الرجوع إليهم فهو المتعين وإلا فالطريق منحصر بالاجتهاد في الادله الواصلة إلينا منهم واستنباط الأحكام منها بالطرق المعتبرة ولا تدل الايه المباركة بشيء من الدلالات على اعتبار القياس والإجماع والعقل كما يدعيه جمع من المفسرين , ويشمل قوله تعالى((إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)) على الوعد والوعيد فهو يدل على أن العمل بمضمون الآية له الأثر في تنظيم نظامي الدنيا والاخره كما يدل على إن التخلف عنه يوجب سلب حقيقة الإيمان , ويدل قوله تعالى ((ذلك خير وأحسن تأويلا)) على إن ما ورد في الايه الشريفة مما يوجب سعادة الإنسان وانه أحسن نظام تعيش الامه تحت ظلاله في أحسن أحوال ويصل كل فرد إلى ما يبتغيه في سعيه من الراحة والكمال وبذلك تبطل جميع النظريات الوضعية التي وضعها الإنسان في تنظيم النظام فإنها وان نجحت في بعض الجهات لكنها فشلت في كثير منها
    (لذا فان) النظام الإسلامي المبتني على الإيمان بالله تعالى والرسول(ص) ورد الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل والاطاعه لله والرسول وإطاعة أولي الأمر في تنظيم النظام وتطبيق الأحكام هو السبب في الوصول إلى أوج الكمال والسعادة وان بقية النظم لا تكفل ذلك إلا إذا أخذت منه
    وقد نوه الفخر الرازي(تفسير مفاتيح الغيب / للفخر الرازي / ج10 ص144) على عصمة اولي الامر عند تفسيره للآية الكريمة فقال :
    إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمرا بفعل الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يقضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وأنه محال ، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكورين في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما(انتهى)
    ولنتأمل هذه الاحاديث ونرى أي الرأيين اقرب لمصداق ولاة الامر الحقيقيين المقرونه طاعتهم بطاعة الله(جل جلاله) وطاعة رسوله(صلى الله عليه وآله)
    روى مسلم(صحيح مسلم / مسلم بن الحجاج / رقم 1844), عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، والناس حوله مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم في سفر، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من يَنْتَضل ، ومنا من هو في جَشَره (في أ: "شجرة".) إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم: الصلاة جامعة . فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًا عليه أن يَدُل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها (في ر: "عاقبتها".) في أولها ، وسيصيب (في أ: "وبقيت".) آخرها بلاء وأمور تُنْكرونها ، وتجيء فتن يَرفُق بعضُها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صَفْقَة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عُنُق الآخر". قال: فدنوت منه فقلت: أنشدك بالله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )) (سورة النساء / الآية 29)قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله .
    وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن المفضل (في ر، أ: "ابن الفضل".) حدثنا أسباط ، عن السدي: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ )) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد بن الوليد ، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قبل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريبا (في أ: "قبلا".) منهم عَرَّسوا ، وأتاهم ذو العُيَيْنَتَين فأخبرهم ، فأصبحوا قد هربوا غير رجل . فأمر (في أ: "أمر".) أهله فجمعوا (في ر: "فخرقوا" ، وفي أ: "فحزموا".) متاعهم ، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل ، حتى أتى عسكر خالد ، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان ، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله ، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا ، وإني بقيت ، فهل إسلامي نافعي غدا ، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك ، فأقم . فأقام ، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل ، فأخذه وأخذ ماله . فبلغ عمارا الخبر، فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل ، فإنه قد أسلم ، وإنه في أمان مني . فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد: يا رسول الله ، أتترك هذا العبد الأجدع يَسُبُّني، فقال رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم: "يا خالد، لا تسب عمارًا ، فإنه من يسب عمارا يسبه الله ، ومن يبغضه يبغضه الله ومن يلعن عمارا يلعنه الله" (في أ: "من أبغض عمارا أبغضه الله ، ومن لعن عمارا لعنه الله".) فغضب عمار فقام ، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه ، فرضي عنه ، فأنزل الله عز وجل قوله: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ))
    وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من طريق عن السدي ، مرسلا . ورواه ابن مردويه من رواية الحكم (في ر: "الحاكم".) بن ظهير، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، فذكره بنحوه الطبري(تفسير الطبري / للشيخ محمد بن جرير الطبري / تقديم احمد محمد شاكر تفسير الطبري ج8 ص498 /دار المعرف في مصر 1374هج) والله أعلم .
    ثم او ليست الإمامة منصب إلهي مقدس لا يتحقق لأحد إلا(مقتبس ومنقول من دلائل الامامه للشيخ الطبري)
    1ـ بنص من الله (تعالى)، أو من نبيه المصطفى الذي ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ))(سورة النجم/الآية 3 )((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ))(سورة النجم /الآية 4 )
    اوليس النبي (صلى الله عليه وآله)المبعوث (الشيخ الطبري في دلائل الامامه) رحمة للعالمين ، وليرفع من بين الناس أسباب الخلاف والفرقة ، ويزرع بينهم كل ما من شأنه أن يؤلف بينهم ، وينظم أمرهم ، ويحفظ فيهم العدل والانصاف ، فلا يمكن أن يفارق أمته ويتركها هملا، تتحكم فيها الآراء والاجتهادات المتباينة ، فيعود أمرها فوضى، وكأن نبيا لم يبعث فيها أو كان الله (تعالى) لم يرسل إليهم شريعة واحدة تجمعهم وتنظم أمرهم .
    بل إن النبي ، الرحمة المهداة ، هو أرحم بأمته من أن يتركها هكذا، وهو أحرص على رسالته من أن يدعها تحت رحمة آراء شتى واجتهادات متضاربة ، بل قد يعد أمر كهذا إخلال بالأمانة التي كلف النبي (صلى الله عليه وآله) بأدائها، وتقصير بحق الرسالة التي بعث لتبليغها ، وكل هذا بعيد عن ساحة النبوة كل بعد، فأي مسلم لا يؤمن بأن نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أدى أمانة ربه أحسن الأداء ، وبلغ رسالته أتم تبليغ ؟
    وأي معنى سيبقى لأداء الأمانة ما لم يستأمن عليها رجلا كفوءا يتولى حمايتها وإقامة حدودها وتنفيذ أحكامها؟!
    ولقد أتم ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أداء لأمانته ، فنص على وصيه وخليفته من بعده ، وسماه باسمه في غير موضع ومناسبة ، ومن ذلك:
    أ - الحديث المتواتر في خطبة الغدير الشهيرة، حيث أوقف النبي (صلى الله عليه وآله) مائة ألف من المسلمين حجوا معه حجة الوداع وعادوا معه، فلما بلغوا غدير خم حيث مفترق طرقهم إلى مواطنهم، نادى مناديه أن يرد المتقدم، وينتظر المتأخر حتى يلحق، ثم قام فيهم خطيبا وهو آخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام).
    فقال: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " قالوا: بلى. قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (سنن الترمذي 5: 633 / 3713، سنن ابن ماجة 1: 43 / 116 و 45 / 121، مسند أحمد 1: 84، 119، 152.(وسنأتي بشيء من التفصيل باذن الله تعالى عن مصادر وطرق رواة هذا الحديث وبعض الاحاديث الاخرى(باذن الله) في ادلة السنة النبويه على عصمة اهل البيت(ع)).
    ب – حديث المنزله في قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ) (صحيح البخاري 5: 90 / 202، صحيح مسلم 4: 1870 / 30 - 32، سنن الترمذي 5: 638 / 3724، سنن ابن ماجة 1: 43 / 115، مسند أحمد 1: 173، 175، 182، 184، 331 و 3، 338، تذكرة الحفاظ 1: 10).
    وتكرر منه (صلى الله عليه وآله) التصريح باسم علي (عليه السلام) لخلافته، وأنه أولى الناس بالنبي وبالدين والدولة من بعده، بما فيه الكفاية لمن أراد الاستدلال ( لتتبع المزيد من النصوص راجع: نهج الحق للعلامة الحلي ، والغدير للأميني ، والخصائص للنسائي ، وسائر كتب مناقبه (عليه السلام) وهي كثيرة)
    ج ـ حديث الثقلين الذي نصه :( ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي - أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". وزاد في رواية مسلم وغيره: " أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ) (صحيح مسلم 4: 1873 / 36، 37 - (2408)، سنن الترمذي 5: 662 / 3786، 3788، مسند أحمد 3: 14، 17 و 4: 367 و 5: 182، 189، المستدرك على الصحيحين 3: 148، مصابيح السنة 4: 190 / 4816، تفسير الرازي 8: 163، تفسير ابن كثير 4: 122، السيرة الحلبية 3: 274، تاريخ اليعقوبي 2: 111)
    أما الصحاح الواردة من طرق الإمامية في ذكر الأئمة الاثني عشر بعدتهم وأسمائهم فهي كثيرة (انظر إعلام الورى: الركن الرابع - الفصل الثاني: 386 - 392، وكتاب كفاية الأثر لأبي القاسم الخزاز القمي، ومقتضب الأثر لابن عياش، وغيرها كثير.).
    او ليست :
    2- ضرورة الاستقامة والطهر وسلامة النشأة في الإمام هي تماما كضرورتها في النبي بلا فارق، فالإمام هو القائم مقام النبي، الشاغل لفراغه، المؤتمن على رسالته، والمؤدي لدوره في حماية الشريعة وإقامة حدودها، فلا بد أن يكون له من النزاهة والطهر ما كان للنبي ليكون مؤهلا لخلافته.
    ولا خلاف في أن ذلك كان لعلي (عليه السلام) دون سائر الصحابة، فهو الناشئ في حجر النبي (صلى الله عليه وآله)، الملازم له ملازمة الظل لصاحبه، فلا هو فارق النبي، ولا خلاله فارقت خلاله. وتلك منزلة لم يشاركه فيها أحد حتى ولد الحسنان (عليهما السلام) فكان حظهما حظ أبيهما، حتى خصهم الله (تعالى) بآية التطهير، فقال: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) (سورة الأحزاب 33: 33).
    واتفق المسلمون على أنه مع نزول هذه الآية الكريمة دعا النبي (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطما والحسن والحسين، وجلل عليهم بكساء، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " (صحيح مسلم 4: 1883 / 61 - (2424)، سنن الترمذي 5: 351 / 3205 و 663 / 3787، مسند أحمد 1: 330 و 6: 292، أسباب النزول: 200 - 201، تفسير ابن كثير 3: 493، الصواعق المحرقة: 143 (وقد تم التطرق الى هذه الآيه المباركه وذكرها في ج4 اولا , ضمن الادله القرآنيه على عصمة اهل البيت(ع) ).
    ومثل هذا يقال مع أولادهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، فلا أحد يشك في أنهم الأطهر مولدا، والأصح نشأة، والأقوم خلقا، تفردوا بالمنزلة الأعلى، والمقام الأسنى، فلا يدانيهم فيه سواهم، ولا زعم أحد منازعتهم عليه، والشهادة لهم بذلك قائمة مر العصور حتى على ألسنة خصومهم، فهم إذن المؤهلون للإمامة دون سواهم.
    قال الإمام علي (عليه السلام): " لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة " (نهج البلاغة - صبحي الصالح خ 2 ص 47).
    وقال (عليه السلام): " إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم " (نهج البلاغه ـ صبحي الصالح خ 144 ص 201).
    3 - السبق في العلم والحكمة: هذه أيضا ضرورة لازمة في الإمام لأجل أن يكون أهلا لهذه المنزلة، وكفؤا لهذه المسؤولية، وقطبا تلتف حوله الناس وتطمئن إلى سبقه في العلم والحكمة والمعرفة، وقدرته الفائقة في مواجهة ما تبتلى به الأمة والدولة، فلا يحتاج إلى غيره ممن هم محتاجون إلى إمام يهديهم ويثبتهم.
    وهذه خصلة أشد ما تكون ظهورا في علي وأولاده المعصومين (عليهم السلام)، فكما كان هو (عليه السلام) مرجعا لأهل زمانه من خلفاء وغيرهم، يرجعون إليه في كل معضلة ، ويلجأون إليه في كل مأزق، وأمرهم في ذلك مشتهر، وقد تكرر قول عمر بن الخطاب:
    لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
    وقوله: لولا علي لهلك عمر (الاستيعاب - بهامش الإصابة - 3: 39، الإصابة 2: 509، أسد الغابة 4: 23).
    ولم يكن فضله على عمر بأكثر منه على الآخرين، وليس عمر بأول من أقر له بفضله، فقد أقر له الجميع في غير موضع ومناسبة (انظر الاستيعاب 3: 38 - 47)، وأجمل كل ذلك قول ابن عباس: ( والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر ) (الاستيعاب 3: 40، أسد الغابة 4: 22).
    ذلك واحد الناس، فلم تعرف الناس أحدا غيره قال : ( سلوني، فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم) (الاستيعاب 3: 43، الإصابة 2: 509).
    4 - أحاديثهم وآثارهم: إن الاستدلال على الإمام من حديثه وآثاره استدلال صحيح، فسلوك المدعي وحديثه خير شاهد على حقيقة دعواه وجوهرها، وهو شاهد أيضا على صدق دعواه عندما ترافقه القرائن والدلائل الأخرى، وإلا فلا تعد وحدها دليلا كافيا على إمامته.
    ومن أراد معرفة ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فإنه يجده ظاهرا ظهور النهار في أحاديثهم الشريفة، معدن الهداية، وسبل النجاة، دعاة إلى الحق هداة إليه بالقول والعمل.
    مع الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ملازم لهم جميعا، فقد ثبت النص من كل إمام إلى الإمام اللاحق بالطرق الصحيحة والكثيرة التي كانت سببا في اطمئنان أتباعهم وأشياعهم (راجع في ذلك تراجم الأئمة (عليهم السلام) في: الارشاد، وإعلام الورى ).
    6- النسب الرفيع: إن الإمامة - مقام النبوة - لا يصلح لها إلا ذو نسب وشرف رفيع كالنبي بلا فارق. وهذه مزية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون سواهم، بلا خلاف ولا نزاع، بل لا يدانيهم فيه حتى بني عمومتهم...
    7 - المعجزة: لقد أخرنا هذه النقطة - التي كانت ثاني دلائل النبوة - إلى هذا المحل لاتصالها بموضوع هذا الكتاب. فالمعجزة التي كانت تظهر على أيدي الأنبياء تصديقا لهم، هي ضرورية أيضا لتصديق دعوى الإمام...(انتهى)( أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (دلائل الامامه)
    الى هنا نتوقف باذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
    اهم المصادر:
    1ـ دلائل الإمامة ـ للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير ـ تحقيق :قسم الدراسات الاسلامية - مؤسسة البعثة ـ سلسلة الكتب العقائدية (184) ـ إعداد : مركز الأبحاث العقائدية
    2ـ تفسير الطبري / للشيخ محمد جرير الطبري / طبع دار المعارف بمصر
    3ـ تفسير الكشاف / للشيخ جار الله الزمخشري
    4ـ صحيح البخاري للشيخ محمد بن اسماعيل البخاري
    5ـ صحيح مسلم بن الحجاج/ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي / 1374 هـ 1954 م
    6ـ مسند احمد ـ للشيخ احمد بن حنبل ـ ج2 طبع الميمنة بمصر
    7ـ مواهب الرحمن في تفسير القرآن ـ للسيد عبد الأعلى السبزواري الموسوي ـ مطبعة الديواني بغداد
    8ـ التبيان في تفسير القرآن ـ للشيخ محمد بن ابي الحسن الطوسي, المتوفي 460 هجـ ـ تحقيق احمد حبيب قصير العاملي
    9ـ الأمثل في تفسير القرآن ـ شيخ ناصر مكارم شيرازي ـ ط2 1426هج دار احياء التراث العربي بيروت لبنان
    10ـ تفسير نور الثقلين ـ للشيخ عبد على بن جمعة العروسى الحويزى المتوفى سنة 1112
    11ـ تفسير الصافي ـ للفيلسوف محسن الفيض الكاشاني المتوفي سنة 1091 ه‍ صححه وقدم له وعلق عليه الشيخ حسين الأعلمي ـ ط 2 1416 هج ـ ج1 مؤسسة الهادى - قم المقدسة منشورات مكتبه الصدر طهران .
    12ـ الإلهيات للشيخ جعفر لسبحاني
    13ـ البيان في تفسير القرآن ـ للمحقق الكبير ابو القاسم الخوئي ـ ط4 الكتاب الاول ـ دار التوحيد , الكويت 1399هجـ 1979م
    14ـ بداية المعرفة ـ للشيخ حسن مكي العاملي
    15ـ دروس في العقيدة الاسلاميه ـ للشيخ محمد تقي اليزدي
    16ـ التوحيد ـ للسيد كمال الحيدري
    17ـ المنطق ـ للشيخ محمد رضا المظفر


    التعديل الأخير تم بواسطة ابومحمد العلوي ; 07-06-2013 الساعة 09:53 AM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى