شهوة الحكم والمال وغياب الضمير
مكرود العراقي

على امتداد وتنوع صفحات التاريخ ظلت علاقة الحاكم بالمحكوم تستند الى قاعدة ثابتة ، على الرغم من حال الاختلاف سواء كان حادا ام يسيرا ،ضمن الفترة أو المنطقة ذاتها ام خارجهما ، فحوى هذه القاعدة يقر بمبدأ المسؤولية الكاملة ، سلبا أوايجابا للحاكم أزاء المحكوم ،وللمحكوم أزاء الحاكم . كما يقر تراث البشرية الفكري والحقوقي بأن أي خلل يعتري سيادة مبدأ المسؤولية ذاك ، سينعكس بالحتم على طبيعة السلم الاجتماعي ، الحاضن المنشود لنمو واستقرار كل الشعوب من دون استثناء .
على امتداد وتنوع صفحات التاريخ ، تخبرنا الحوادث والقصص ، ان للمال سطوةغالبا ما تقترن بشهوة الحكم ، وغالبا ايضا ما افرزت تلك الحوادث والقصص فضائح وفضائع مبعثها شهوة الحكام وشراهتهم من اجل الاستحواذ على المال ،فمن ثقافة الغزو والفتح والسبي والاغتنام والجزية ، مرورا بأواوين الغلمان والخصيان والجواري ومجالس الانس واللهو والطرب ، ثم القصور والضياع والاقطاعيات ، وصولا الى احتياز الخيول الاصيلة والحيوانات النادرة واليخوت والسيارات والمروحيات والتباهي والتفاخر بمعارض الهدايا المقامة بمناسبة اعياد ميلاد الحكام ، من ذلك كله ومن غيره ، تولد ركام من المظلومية والمحرومية والمهضومية لحقوق وتطلعات الكثرة من المحكومين ، ما أنتج أعتلال واضح في السلم الاجتماعي ، مازالت تكابد علله وامراضه وفرة من الشعوب ، من بينها شعب العراق الذي لم يزل جسده مشرعا لطعنات شراهة حكامه( النجباء ) من امثال كامل الزيدي وصلاح عبد الرزاق ، سليلي خلفاء الله على الارض ، من رؤساء وملوك وسلاطين وولاة وامراء ووزراء ومدراء وجباة وسعاة في نكىء الجراح ولعقها بتشف والتذاذ ...
على امتداد السنوات الثماني الماضيات وتنوع صفحاتها الملفت ، بعد أنعطافة التاريخ البشري التي بدأت هنا ،في مابين النهرين ارض الانعطافات الكونية ، وفي التاسع من نيسان 2003 ، يمكن لراصد متريث لحوادث تلك السنوات وقصصها ، التقاط اشارات عدة دالة ، تندرج في طيات صفحة ثقافة الاستحواذ التي تستمد عزمها من بيئة الفقر المادي والعقلي والتي ماانفكت ناشطة من ماقبل الانعطافة ، اذ كانت مستترة خلف براقع الاستبداد الواهية ،ومن ثم انطلقت بنحو صاروخي بعد غيبوبة الرقيب القسري ،فابتدأ مهرجان نهب المال العام من قبل المحوسمين ممن ظل متسمرا في مجلس محافظة بغداد ومحافظة بغداد الذين راحوا (يحوسمون) المال العام بشراهة من يعتقد ببيت الشعر القائل ( واغنم من الحاضر لذاته فليس من طبع الليالي الامان)