لو تفحصنا بنظرة المحلل اللبيب , المشهد الراهن على الساحة العراقية بشكل خاص وعلى الساحة العربية والشرق الأوسط بشكل عام فقد طغت عليه هذه الأيام تحرك الجماهير في بعض الدول المهمة ومنها العراق في تظاهرات حاشدة مليونية طالبت بشعارات واضحة لا لبس فيها .. ومنها إسقاط الأنظمة المتسلطة على رقاب الجماهير لسنين طويلة , هذه الانظمة التي جل همها إشباع رغباتها وتكديس أرصدتها في البنوك الأوربية وزيادة ثرائها وتغليب مصالحها على مصالح الجماهير الجائعة والمعذبة والعاطلة عن العمل والمهمشة التي تعيش الأمرين من الشقاء والكبت والاستبداد ..
مثلما رأينا بأم أعيننا الشعبين التونسي والمصري كيف استطاعا بعزم وإصرار وبفترة قياسية لا تتجاوز أيام معدودات حبث استطاعا ان يسقطا أقوى نظامين طاغيين في المنطقة ..
بإرادة وعزم وإصرار من الشباب في تينك الدولتين حيث وقفوا ولم تثنهم ما زجّة النظامين ضدهم من أجهزتها الجبروتية من شرطة واستخبارات وأجهزة مكافحة الشغب التي استعملت مختلف السبل لإسكات صوت الشعب برغم الماكنة الإعلامية والدعم الدولي .. كل ذلك لم يمنعا نظاميها من السقوط والانهيار والزوال .
وهكذا رأينا كيف استطاعت أرادة الشعوب المقهورة إن تقلب صفحة الطغيان وان تحقق ولو جزء بسيط من مطالبها..
واستطاعت تلك الشعوب بما تملكه من إمكانات بسيطة ان تحقق ما ارادت فهي لم تحمل سلاحا ولم تهاجم أحدا لكنها وقفت في الساحات والميادين وتحملت إرهاب الدولة وصمدت واستعانت بالله تعالى فأنزل نصرة عليها بصبرها وثباتها فكانت يدا واحدة جمعية وصوت واحد وقلب نابض واحد يهتف بحياة بلدانها وهي تحمل أعلام أوطانها وبقيادة جمعية وحدها اجتمعت بدون توجيه حزب أو تيار او مرجعية أو شخصية بعينها ونالت الإعجاب والتعاطف بما قدمت من تضحيات بعشرات الشهداء مضرجين بدمائهم وهم يتساقطون برصاص أجهزة الدولة تدهسهم عرباتها ومصفحاتها .. وكيف شاهد العالم ان الطواغيت والفراعنة قد استهانوا بأرواح الأبرياء ولم يحترموا حقوق الإنسان ولم يميزوا بينهم .. فكل الشعب أعدائهم بكل فئاته وأعراقه ومذاهبه .
ومن الوسائل التي استخدمها هؤلاء الشباب المثقف الواعي هو وسيلة الانترنت والفيسبوك والتواصل الاجتماعي وانهم استطاعوا بفترة زمنية وجيزة ان يعبئوا جماهيرهم بالاستفادة من هذه التقنية والتكنلوجيا الحديثة بصورة ايجابية وسليمة وان يوفروا أجواء الموضوعية لقيام الثورة واندلاعها بحيث فاجئت الكثير من المحللين والسياسيين بل وحتى استخبارات الدول الكبرى.. لقد اتضح للجميع ان الشعوب المقهورة والمعتم عليها والمنزوع عنها كل أسلحتها المادية يمكن ان تصنع المعجزات , وان الانظمة المدعومة من قبل دول الاستكبار اقتصاديا واستخباريا وعسكريا , اعتقدت ان الشعوب قد استسلمت ولا يمكن بالحسابات المادية ان تتململ فضلا عن انها تنتصر لان الانظمة قد وضعت الشعوب في آتون العولمة والإغراءات والإشغال وحبستها خلف قضبان القوة الغاشمة والإعلام المنظم والإرهاب الفكري ..
فكان لابد للشعوب ان تفكر في الوسائل المتاحة مهما كانت في نظر الطغاة انها وسائل لا يعتد بها كما حدث في تونس ومصر من استخدام الشباب وبأسلوب واع للانترنت والفيسبوك وحققوا ما يريدون ولو جزء يسير مما يريدون واستجاب لهم القدر وحطموا القيود والأغلال حتى لو كانت إلى وقت قريب أمان بعيدة المنال ..
وليس بعيدا عن مركز الزلزال وعلى نفس الخط يعيش الشعب العراقي ومنذ سبع سنوات دوامة الكبت والإذلال والشقاء وأرضه المباحة بأجواء الديمقراطية المستوردة والجاهزة فكانت وبالا عليه فلم تقدم له سوى العذاب والخراب ومزيد من التردي في الأوضاع والخدمات وتفشي الفساد الإداري والمالي واتساع جيش العاطلين وملايين الأرامل والأيتام والثكالى وقد حصدت مفخخات الإرهاب بصورة منظمة أرواح الأبرياء من الأزواج والآباء والأبناء والمعيلين الكادحين ..
وكانت الخدمات تتردى في خط بياني يؤشر تنازليا وباستمرار من سىء إلى أسوأ في وتيرة متسارعة ولم تحاول الحكومة انتشال هذا الشعب الغيور من هذا المأزق الذي أوقعوه فيه ورسموا له الأحلام الوردية بان العراق سوف يتحول إلى يابان ثانية أو دبي أخرى ..
فلاماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا بطاقة تموينية ..تسد رمق العوائل المرهقة ولا فرص عمل تحقق للشباب الطامح العيش الكريم وخدمة بلده العزيز بالرغم مما يرى من ثرواته المبددة والمهدورة هنا وهناك بأيدي الفاسدين والمفسدين وهم يتنعمون بها على ملذاتهم الشخصية دون رادع أو وجل ..
فالشعب العراقي عندما يقيس ويقارن بين بلده وبلدان المنطقة فهو يعيش في اغني دول العالم وتحت أقدامه مليارات البراميل من احتياطي النفط.. فالعراق ثالث اكبر احتياطي بالعالم وكذلك هدير رافديه دجلة والفرات وأرضه الخصبة والتي تحولت وبسنوات عجاف إلى حطام وأحراش صفراء .. أضف إلى ذلك مدخولات وإيرادات تحلم بها الدول الأخرى من وجود المراقد والأضرحة للائمة والصالحين وهي تدر الأموال الطائلة وميزانيته التي تعادل ميزانيات عدة دول مجتمعة .. ولكن الشعب لم يلمس غير الظلام الدامس والشقاء المستمر والمرض والهزال والخوف والإذلال والوعود الجوفاء فكان لابد ان يرفع صوته بمطالب مشروعة وحق مكفول في قوانين الأمم المتحدة ودساتير الدول والشرائع السماوية .. فالتظاهر حق مكفول للشعوب وفق الدستور وحق من حقوق الإنسان ..
والتعبير عن الرأي أيضا حق من حقوقه .. غير ان العقلية التسلطية وعقلية الإرهاب الحكومي وامتداد الفكر والعقلية الصدامية فهي لم تغادر عقليات هؤلاء المتسلطين فجابهوا المظاهرات العفوية والسلمية برصاص الحقد الأعمى فقابلوا الصدور العارية إلا من مطالبها وحقها المكفول وكرامتها المهدورة وعزتها المغدورة وثرواتها المسروقة وعوائلها المحرومة وحقوقها المنهوبة وحريتها المسلوبة ومدنها وقراها المنكوبة وأفكارها المغلوبة وأحلامها المفجوعة لتعزي أنفسها بالخروج في مظاهرات لتطالب بحياة كريمة ومصالح ومكاسب وحريات وعيش رغيد بعيدا عن النكد والخوف والقلق وعلاج مرضاها الذي لا يتوفر إلا في مستشفيات الهند وإيران ..
فندعوا الذين يتربعون على سدة الحكم في العراق للاستجابة إلى مطالب الجماهير الغاضبة وتحكيم العقل والمنطق وتوفير الخدمات بكل مرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وزيادة مفردات البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل لجميع العاطلين بلا استثناء ولا مجال للمحسوبية.. والقضاء على الأمية والفقر والمرض وتوفير كافة مستلزمات الحياة الحرة الشريفة .. فالشعب لا يطلب أكثر من حقه ومن ثرواته .. ولا منة لأحد عليه .. فهو قد انتخبكم وأوصلكم إلى سدة الحكم بعدما وعدتموه بتحقيق ما يطلب وما يريد لا ان تسدد إلى صدور أبناءه العارية والجائعة والظمأى رصاصات الغدر والقتل وأساليب الاعتقالات والسجون .. فها هو الشعب يخرج ويعلن عن رأيه في مسيرات ومظاهرات ولن ينفعكم شيء إذا ما غادركم الشعب وكرهكم وقد توسعت بينكم وبينه الفجوة والهوة وتعمقت أكثر... فالشعوب قد تصبر ولكنها لن تستسلم ..............