مقالة ل د. يحيى الأحمدي

لاتوجد مشكلة اجتماعية واحدة تكمن أسبابها في زاوية واحدة من زوايا موقعها أو تتركز في شخص واحد من أطرافها . فطالما أنها مشكلة اجتماعية فهي نتاج علاقة قائمة بين إثنين أوأكثر .. ولابد أن بعض أسبابها يكون لدى أحد الطرفين وبعضها لدى الطرف الآخر ، وبعضها لدى الظروف المحيطة من أشخاص وأشياء وهكذا ..!!
مشكلة هؤلاء الذين يبحثون لمشكلاتهم من هذا النوع عن حل يركزون دوماً على أن كل أسباب المشكلة تكمن لدى الآخر ولدى الظروف .. أما هم .. فملائكة وطيبون ومخلصون وأوفياء ومعطاؤون .. باختصار " هوه كويس .. والناس هيه اللي وِحشه " ..!!
والمنهج المنطقي العقلاني للوصول الى حلول للمشكلات الإجتماعية من هذا النوع ينبغي أن تعمد الى إعمال مبدأ " التبعة على الذات " .. والتخلص كلية من كل تفكير يمكن أن يجنح الى وجود بعض التبعة على الآخر .. ففي ذلك الكثير من تيسير الوصول الى الحل المنشود . ذلك أنه طالما أن الأسباب تكمن لدى الآخرين .. فلا حل الا أن يقرر هؤلاء الآخرون أن يغيروا ، أو يتغيروا .. ولأننا لانملك اكراههم على ذلك ، فستظل المشكلة قائمة ونظل نحن في انتظار " السمنة من فم النملة " .. حيث لا طبيخ ولا إطعام ..!! أما القاء التبعة على الذات .. فمعناه أنك تقر بأنك أنت الذي على خطأ ، وأن عليك وحدك عبء إعادة النظر في سلوكك حيال المشكلة وتعديل ما يلزم منه .. واعادة الدخول الى التجربة من جديد بصحبة هذا التغيير لعلك تدرك ما فاتك تحقيقه في تجربة الفشل الأولى ..!!
فمن السهل لطالب رسب في الإمتحان أن يقول لك : الإمتحان صعب – الأسئلة من خارج المقرر – القلم سنه انكسر - الإضاء ما كانتش كافية – اللجنة كانت صاخبة فلم أستطع التركيز - الدكتور ما شرحش الجزء ده ……. وكثير من تلك الأسباب لتي كلها تصب في أن الشخص المعني يخلو من أي ملام ، وأن الآخر والظروف لديها كل الأسباب ..!! وبالطبع كنت أتمنى أن يكون شجاعاً ليقول بأنه هو الذي لم يحضر المحاضرات أو هو الذي لم يركز جيداً في سماعها أو هو الذي قصر في استذكارها ومراجعتها ..!! ولو أنه فعل كل هذا لنجح ، مهما كانت الأسئلة صعبة والإضاءه وسن القلم واللجنة والدكتور وغيره ..
هكذا ينبغي على كل من يبتغي حلاً لمشكلته .. أن يعمد الى ذاته على الفور وينقب عن أسرار فشله في إنجاح العلاقة أو المهمة المطلوبة .. فهو يملك أمر نفسه ، وبيده وحده التغيير وقتما يقرر .. وبالتالي يمكن أن يصل الى حل لمشكلته من أقصر طريق ..
يبقى أن نقول بأننا وبعد أن نلقي بالتبعة على الذات ونحاول ايجاد حلول للمشكلة بتعديل فلسفة تعاملنا معها وتغيير تكنيك ادارتها وابتكار استراتيجية جديدة للتصرف فيها .. قد نكتشف ساعتها أن الآخر أو الظروف عليه بعض الأسباب .. لكنني أصدقكم القول في أننا لو فعلنا ما يخصنا في أمر المشكلة فإن الأسباب التي لدى الآخر ستصبح غير ذات شأن ، بل يمكن أن نفسدها عيهم إن نحن أتقنا ما يخصنا من أسباب .. والتجربة هي المحك .. فهيّا ..