أسس التشريع الإسلامي

يقوم التشريع الإسلامي على أسس وركائز فريدة تكسبه الصلاحية لكل زمان ومكان و إنسان، وأهم تلك الأسباب ما يأتي:


أولا: التيسير و رفع الحرج


ومن مظاهره قلة التكاليف التي فرضت على الإنسان، وإباحة المحظورات عند الضرورات، و يتجلى هدا الأساس في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منها قوله تعالى:
﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا... [سورة البقرة، الآية 286].
﴿...وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ... [سورة الحج الآية 78].
﴿...مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ...﴾ [سورة المائدة الآية 6].
﴿...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ...﴾ [سورة البقرة الآية 185].
﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الانسَانُ ضَعِيفًا﴾ [سورة النساء الآية 28].
ويقول تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه و سلم: ﴿...وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ... [سورة الأعراف، الآية 157].


ويؤكد الرسول
ذلك الأساس في أحاديث كثيرة منها: (يسروا ولا تعسروا).
وأوصى اثنين من الصحابة قائلا: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا).
وقال أيضا:
(بعثت بالملة السمحة الحنيفية البيضاء).
(إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه).
(خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لن يمل حتى تملوا).
(هلك المتنطعون).
وحينما سئل عن الحج: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: (لو قلت نعم لوجبت، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم).
وفي رواية: (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
كما ثبت عن الرسول


ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرها ما لم يكن آثما.

ثانيا: رعاية مصالح الناس


إن المتتبع لأحكام الشريعة الإسلامية يتجلى له أن المراد منها تحقيق مصالح الناس، وهذا من مقتضيات عمومية الشريعة و صلاحياتها لكل زمان ومكان، ومن النصوص التي تشير إلى ذلك قوله تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [سورة الأنبياء، الآية 107].
﴿وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ... [سورة الإسراء، الآية 82].
﴿...يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ... [سورة الأعراف، الآية 157].
﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [سورة الجاثية، الآية 20].
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... [سورة الإسراء، الآية 9].
ومن السنة النبوية قوله


: (لا ضرر ولا ضرار)، وإباحته زيارة القبور، بعد أن كانت ممنوعة تحقيقا لمصلحة (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزورها فإنها تذكركم الآخرة).
ويستنتج من تلك النصوص أن [الشريعة مبناها وأساسها على الحكم و مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث ليست من الشريعة وإن أدخلت فيها التأويل...].


ثالثا: تحقيق العدل بين الناس


فهذا من الأسس القوية التي يعتمد عليها التشريع الإسلامي، وقد تضافرت النصوص على ترسيخه، إذ نجد نصوصا تدعو إلى إقامة العدل، وأخرى تنفر من الظلم؛ فمن النصوص التي تدعو إقامة العدل ما يلي:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى...﴾ [سورة النحل، الآية 90].
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الامَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ... [سورة النساء، الآية 58].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالاقْرَبِينَ...(135) [سورة النساء، الآية ].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(8) [سورة المائدة، الآية 08].
ومن النصوص التي تنفر من الظلم ما يلي:
قال تعالى:
﴿...مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ(18) [سورة غافر، الآية].
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَارُ(42) [سورة إبراهيم، الآية].
وقال الرسول


:
(الظلم ظلمات يوم القيامة).
(إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).


رابعا: التدرج في التشريع


إن القرآن والسنة لم يأتيا جملة واحدة، بل استغرقا مدة الرسالة كلها، كما أن أحكامهما شرعت تدريجيا تحقيقا لحكم جليلة ورد بعضها فيما سبق، وتخفيفا على الناس، تماشيا مع فطرة الإنسان التي يتطلب التعامل معها التزام التدرج لتغييرها وحسن الارتقاء بها كما أن التدرج يتلاءم مع منهج التغيير بشكل عام، إذ لا يمكن تغيير أوضاع المجتمعات لتتفق مع الشريعة إلا بأسلوب التدرج، ويصدق هذا حتى مع المجتمعات الإسلامية التي يتفاوت التزامها بالشرع، ذلك أن: [الواقع الإسلامي الراهن تتفاوت أوضاعه في القرب من هداية الشريعة والبعد عنها، فرب وضع لم ينحرف عنها إلا بمقادير طفيفة فيكون أخذه بالمعالجة الشرعية محققا للمقاصد المطلوبة، ورب وضع آخر ابتعد بعدا كبيرا وافتقد من الشروط التي تهيئ لانفعاله بالشريعة إذا طبقت عليه ما يجعل تنزيلها الفوري فيه مفضيا إلى حرج شديد يلحق بالناس...