قصة الجارية تودد

[عامر العمار]

علامات ودلالات منها مايصدق ومنها مايكذب ولكن نترك هذا الباب ونأخذ في غيره قالت له اسأل عما شئت فانشد اليها يقول :

مااسود في حصة كابيض ... وابيض في حصة اسود

ماافترقا قط ولا انعدمـــا ... كلمـــــــا من صده يولد

فقالت سألت عن الليل والنهار قال فاخبريني عن قول الشاعر حيث يقول

ماذات ضر ونفع شأنها عجب ... مرت على خلقها الاحصار والحقب

حمـــــراء صفراء نور العين زاهرة ... كأنها حين تستجلى لنـــــا الذهب

فيها الصلاح لمن رام الصلاح بها ... والويل فيها لمن خصها الحرب
فضحكت الجارية واجابته

اسمع جوابك يامن جاء يسألني ... شرح البيان اذا ما اعجب العجب

هذا هي النار فيما قلب يااملي ... اذا ضرمت وبها الاصلاح والتعب

ثم اشار اليها ملغزا شعرا

وآكلة بلا فم ولا نـــــــاب ... لها الحيوان قوت والبنات

فما اكلت بها يبقى ويحيى ... وان شربت تفارقها الحياة

فعند ذلك ضحكت الجارية وانشدت تقول

اسمع جوابك ياهذا وكن فطنا ... واسلك مسالك اهل الفهم والادب

ان السؤال كما انشدت تسألنا ... بدا عن النار ذات الوقد واللهب

فاطرق المنجم راسه الى الارض فقالت يامنجم قد سألتني حتى تعبت ولكنني اسألك عن مسئلتين فأن اجبت عنهما والا اخذت ثيابك قال نعم اسألي عما شئت قالت فأين يكون سير زحل قال في السماء السابعة قالت فالمشتري قال في السماء السادسة قالت فالمريخ قال في السماء الخامسة قالت فالشمس قال في السماء الرابعة قالت فالزهرة قال في السماء الثالثة قالت فعطارد قال في السماء الثانية قالت فالقمر قال في السماء الدنيا قالت احسنت يامنجم بقى لي عليك مسألة قال اسألي عما شئت قالت اخبرني عن النجوم كم جزء قال فسكت ولم يجب بشئ فامرها امير المؤمنين ان تفسرها وامره بنزع ثيابه فعند ذلك قالت ياامير المؤمنين النجوم ثلاثة اجزاء جزء منها معلق بسماء الدنيا وجزء منها معلق باركان العرش وجزء منها معلق فيها كأمثال القناديل لاهل الارض وترمي الشياطين بشرارها اذا استرقوا السمع قال الله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح الآية ومنها جزء معلق في الهواء وضوء للبحار وللآرض ومافيها ( قال الراوي ) فعند ذلك قام على قدميه وقال اشهدكم ان هذه الجارية اعلم مني بعلم النجوم وغيره ونزع ثيابه وتأخر مقهورا مغلوبا عريانا خجلا فأمر له امير المؤمنين بكسوة فلبسها .
وأما حكايتها مع الفيلسوف فانها قالت ايكم الفيلسوف فقام وتقدم وجلس بين يديها وقال لها اخبريني عن الدهر وايامه وماجاد فيه قالت ان الزمان اسمع واقع على ساعات الليل والنهار وانما هي على مقادير تجري في قوله وآية لهم الليل نسلخ منه النهار الآية فهولاء الاربع تجري الدهر ولم يعلم اين آدم بذلك قال فاخبريني عن ابن ادم كيف يجري عليه الكفر قالت روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يجري الكفر في ابن آدم كما يجري الدم في عروقه حيث سب الدهر ويسب الدنيا والليل والنهار والساعات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لايسب احدكم الاربع فأنها امه لقوله تعالى منها خلقناكم الاية ولايسب احدكم الدنيا فأنها تقول لعن الله من لعنني ولايؤمن بالله من سبني ولا يسب احدكم الدهر فأن الدهر هو الله تعالى قال فاخبريني عن خمسة اكلوا وشربوا وما نزلوا من بطن قالت آدم وشمعون وناقة صالح وكبش اسماعيل والطير الذي رأه ابو بكر الصديق رضي الله عنه في الغار قال فاخبريني عن خمسة في الجنة لاهي من الانس ولا من الجن ولا من الملائكة قالت ذئب يعقوب وكلب اهل الكهف وجمار العزير وناقة صالح ونملة سليمان قال فاخبريني عن رجل صلى الصبح ونظر الى امة فحرمت عليه فلما كان الظهر حلت له فلما كان وقت العصر حرمت عليه فلما كان المغرب حلت له فلما كان العشاء حرمت عليه قالت يافيلسوف هذا رجل نظر الى امة رجل آخر وثت الصبح وهي محرمة عليه فلما كان وقت الظهر فاشتراها حلت له فلما كان وقت العصر باعها حرمت عليه فلما كان المغرب تزوج بها حلت عليه فلما كان وثت العشاء طلقها حرمت عليه قال فاخبريني عن موضع طلعت به الشمس مرة واحدة ولم تطلع الى يوم القيامه قالت الارض التي في قاع البحر حين ضربه موسى عليه السلام بعصاته وانفلق فلم يفتح ليوم القيامه قال فاخبريني عن شئ تنفس بلا روح قالت الصبح اذا تنفس قال فماتقولين في حمام طائر على شجرة عالية فنزل على بعض الحمام من فوق الشجرة وبقي بعض آخر فوقها فقال الذي فوق الشجرة للذي هو اسفلها ان طلعت لنا منكم واحدة تصيروا مثلنا مرتين وان نزلت منا واحدة اليكم صرنا مثلكم فكم كانوا قالت الحمام الطائر اثني عشر فقعدوا على الشجرة سبعه واسفلها خمسه فلو طلعت واحدة الى فوق صار الذي فوق ثمانية وهم قدر الذين اسفل مرتين ولو نزلت واحدة الى اسفل صار الذي فوق ستة والذي تحت ستة
( قال الراوي ) فقام الفيلسوف قائما على قدميه ونزع الثياب وقال اشهدكم ان هذه الجارية اعلم مني في كل شئ وتأخر عريانا مقهورا مغلوبا فضحكوا عليه فأمر له الخليفة امير المؤمنين بكسوة فلبسها ( قال الراوي ) واما حكايتها مع ابراهيم بن الناظم فانها نادت ايكم ابراهيم بن الناظم الكثير في الكلام فتقدم اليها وجلس بين يديها وقال لها انا ابراهيم بن الناظم فنظرت اليه وقالت له انت ابراهيم بن الناظم صاحب العلم والكمال والشعر والجدال قال نعم ولكن لاتحسبيني مثل غيري من الرجال قالت الاصح عندي انك مغلوب لانك تدعي والله ناصري عليك حتى اجرد ثيابك فلو احضرت شيئا تلبسه عن ملابسك هذه كان خيرا لك فقال لها والله لاتقومين الا وانت مغلوبةولاجعلنك شهرة يتحدث بك جيل بعد جيل قالت له كفر عن يمينك قبل ان تناظرني قال الراوي وكان ابراهيم ابن الناظم قد صغى لكلامها طول المجلس وعرف انها فطنة قال ايتها الجارية اخبريني عن اول شئ خلقه الله تعالى بيد القدرة قالت العرش وشجرة طوبى وجنة عدن فهولاء خلقهم الله تعالى بيد القدرة وقال الله تعالى لها كوني فكانت قال فاخبريني عن اول شئ خلقه الله تعالى قبل الخلق قالت له الماء والتراب والنار والهواء والنور والظلام قال فاخبريني عن ابيك في الاسلام قالت هو محمد صلى الله عليه وسلم قال فمن ابو محمد قالت ابراهيم الخليل عليه السلام قال فما دليل الاسلام قالت بشهادة ان لااله الا الله وان محمد رسول الله قال فاخبريني ما أولك وما آخرك قالت اولي نطفه وآخري جيفه واولي من تراب واخرتي الى التراب قال الشاعر:

خلقت من التراب فصرت شخصا ... تعلمت الفصاحة في الجواب

وعدت الى التراب فصرت فيه ... كاني ماخلقت من التراب

قال فاخبريني عن شئ اوله عود واخره روح قالت هي عصاة موسى حين القاها في الوادي فأذا هي حية تسعى قال فاخبريني عن قوله تعالى ولي فيها مآرب اخرى قالت كان يغرسها في الارض فتزهو وتثمر وتظلل في الحر والبرد وتحمله اذا اعيا وتحرسه اذا نام من السباع وغير ذلك قال فاخبريني عن انثى من ذكر وذكر من انثى قالت حواء من آدم وعيسى من مريم قال اخبريني عن قول الشاعر :

وساكن رمس كعمه فوق رأسه ... اذا ذاق من ذاك الطعام تكلما

يقوم ويمشي صامتا متكلما ... ويرجع للرمس الذي منه قوما

فلا هو حي يستحق كرامة ... ولا هو ميت يستحق ترحما

قالت اما قولك وساكن رمس هو القلم والطعم هو المداد والخط في الورقة هو التكلم بالكتابة فهو صامت متكلم واذا فرغ من الكتابة وضع في الدواة فهي مسكنه ولاهو

[عامر العمار]

يستحق كرامة لانه جماد ليس فيه روح ولا هو ميت يستحق الترحم قال فما تقولي في قول الشاعر حيث يقول شعرا :

موردة الخدين مسودة الدم ... ومحمرة الاذان مفتوحة الفم

لها صنم كالديك ينقر جوفها ... تساوي اذا قومتها نصف درهم

قالت هي الدواة قال فاخبريني عن قول الشاعر :

الا قل لاهل العلم ذي الفهم والادب ... ومن كان اهلا للعلوم اولي القرب

الا بينوا لي اي شئ رأيتموا ... من الطير في ارض الاعاجم والعرب

فيؤكل مطبوخا لذيذا وتارة ... فيؤكل مشويا اذا حط في اللهب

وليس له لحم وليس له دم ... وليس له عرق وليس له عصب

وليس له شعر على الجلد واضح ... وليس له ريش وليس له زغب

وليس له رجل وليس له يد ... وليس له رأس وليس له ذنب

وهذا له لونان لون كفضة ... ولون صقيل حاله يشبه الذهب

ولاهو ذو روح ولا هو ميت ... الا فاخبروني ان هذا هو العجب

فقالت طولت المسألة في شئ قيمته فلسين اما قوله شئ من الطير فهي البيضة وهي توجد في ارض الاعاجم والعرب وتؤكل مشوية اذا ادرجت في النار ولها لونان فالذي يشبه الفضة هو البياض والذي يشبه الذهب هو الصفار ولا هي حية ولا ميته فهذا تفسير مسألتك العجيبة قال فاخبريني كم كلم الله موسى تكليما قالت روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : كلم الله موسى الف كلمة وخمسماءة كلمة وخمسة عشر كلمة قال فاخبريني عن قول الشاعر :

خليلان ممنوعان من كل لذة ... يبيتان طول الليل يعتنقان

هما يحفظان الاهل من كل آفة ... وعند طلوع الشمس يفترقان

قالت هما مصراعي الباب قال فاخبريني عن ابواب النار كم هي قالت له جهنم ولظى والحطمة ثم السعير وكل الهول سقر وبعد ذلك الجحيم وهاوية وهذا قول مختصر قال فاخبريني عن قولالشاعر :

وذات ذوائب خطرت بقلب ... سقيم لابحزن واكتئاب

ولالبست مدى الايام ثوبا ... وتكسوا الناس انواع الثياب
قالت هي الابرة قال فاخبريني عن الصراط ورقته وما طوله وما عرضه قالت اما طوله فثلاثة الاف هبوط والف صعود وألف عرض وهو احد من السيف وارق من الشعرة قال اخبريني كم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من شفاعة قالت له ثلاث شفاعات قال فاخبريني عن مناول من اسلم من الصحابة قالت ابو بكر الصديق رضي الله عنه فقال لها ومن اول من اسلم من الصبيان فقالت علي بن ابي طالب كرم الله وجهه اتى للنبي وهو ابن سبع سنين اهداه الله لهدايته وماسجد لصنم قط فقال اخبريني ايهما افضل علي ام العباس قال اين ناظم وما قلت ذلك الا مكيدة لعا فانها ان قالت علي غلبتها قال فسكتت واطرقت رأسها الى الارض ساعة زمانية تارة تحمر وتارة تصفر حتى توهمت انها قد انقطعت بحجتها قال فلججت عليها في الجواب فرفعت رأسها وقالت سألتني عن رجلين جليلين عظيمين فضيلين ولكل واحد منهما شرف وفضيلة فأرجع لما كنا فيه ( قال الراوي ) فعند ذلك قال لها ابراهيم بن الناظم اخبريني عن قول الشاعر

مهفهفة الاذيال عذب مذاقها ... تحاكي القنا لكن بغير سنان

ويرجى لكل الناس فيها منافع ... وتؤكل قبل العصر في رمضان

قالت هو قصب السكر قال فاخبريني عن قول الشاعر

وطائرة نحوي لاربع احرف ... وعظم ولحم والدماء وريش

فيؤكل البعض منها والبعض ضده ... ويحرق منها البعض والبعض يعيش

قالت هي النحلة يؤكل منها العسل ويحرق الشمع قال احسنت ياجارية قال فاخبريني عن اهل الكهف كم كانوا وما اسم كلبهم واخبريني عن المقسمات امرا وعن مفاتيح السموات وعن اول قتيل قتل علىوجه الارض وما الذي خلقه الله وانكره وما اول شجرة هزها الريح وما الرسول الذي ليس من الجن ولا من الانس ولا من الملائكة واخبريني عن شجرة شربها وطعمها واحد فيها اغصان مختلفة الطعم واللون وعن خمسة اكلوا وشربوا وليس لهم اب ولا ام وما هي الارض التي لم ترها الشمس الا مرة واحدة وماهي التي لم تلد ولم تولد واين يكون النهار اذا جاء الليل واين يكون الليل اذا جاء النهار ( قال الراوي) قالت الجارية اما المقسمات امرا فهم الذين يقسمون الارزاق بأذن الله تعالى واما مفاتيح السموات فهي الشهادة ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله واما اول قتيل قتل على وجه الارض فهو هابيل حين قتله اخاه قابيل واما اول شجرة هزها الريح فهي الساج واما الرسول الذي لامن الانس ولا من الجن ولا من الملائكة فهو رسول سليمان وهو الهدهد واما الارض التي لم تطلع عليها الشمس الا مرة واحدة فهي الارض التي في قاع البحر فانطبق ولم تراها شمس الا مرة واحدة واما التي لم تلد ولم تولد فهي ناقة صالح عليه السلام واما الخمسة الذين اكلوا وشربوا وليس لهم اب ولا ام فهم ادم وحواء وناقة صالح وكبش اسماعيل وعصاة موسى واما قولك اذا جاء الليل اين يكون النهار واذا جاء النهار اين يكون الليل فذلك قوله تعالى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل واما قولك على اهل الكهف ثم كانوا سبعه وثامنهم كلبهم وكان ابلق واسمه قطميرولبثوا في كهفهم .. الآية واما قولك على شربها واحد وطعمها واحد وفيها اغصان مختلفة الطعم فهو ابن آدم فمه حلو وانفه حامض وعينيه مالحة واذنه مره وجواب اخر هي الاسلام واختلاف الوانها الاربعة الائمة واختلاف مذاهبهم فهذا جواب مسئلتك من غير تفكير وتعب ( قال الراوي ) فتعجب امير المؤمنين من فصاحة لسانها وقوة جنانها وكذلك من كان حاضر في المجلس ( قال الراوي) ثم ان ابن الناظم اقبل عليها وقال لها احسنت ياجارية وقال لها ماهو احلى من العسل وما هو اثقل من الجبل وما هو احد من السيف وما هو اسرع من السهم ومالذة ساعه وماسرور ثلاثة ايام ومالذة يوم ومافرحة جمعه وأما الحق الذي ينكره صاحب الباطل وماشحمة القلب وما فرحة القلب وما كمد النفس وما موت الحياة وما العار الذي لاينجلي ( قال الراوي ) فقالت له اسمع جوابك لاتعب ولا مشقة ماهو احلى من العسل فهو الولد وقيل حب الاولاد البارين بأبائهم وقيل النكاح وقيل الفرج بعد الشدة وقيل الشهادة عند طلوع الروح واما ماهو اثقل من الجبل فهو الكذب واما ماهو احد من السيف فهو اللسان وقيل السراط ارق من الشعرة واحد من السيف واما ماهو اسرع من السهم فهو نظر العين واما لذة ساعه فهو الجماع واما طيب يوم فهو الربح للتجارة واما ماهو سرور ثلاثة ايام فهو النورة للمرأة واما الحق الذي ينكره صاحب الباطل فهو الموت واما شحمة القلب فهو الولد المربى البار بوالديه واما فرحة القلب فهي المرأة المطيعه واما ماهو فرحة جمعة فهو العروس واما العار الذي لاينجلي فهو البنت ثم قالت اسمع ياابن الناظم سألتني عن اشياء كثيرة وانا اسألك عن اشعاري الخمسة فأن انت عارضتهم وقلت احسن منهم نزعت لك ثيابي وان ماقلت فانزع ثيابك قال نعم وقد طمع في اخذ ثيابها فقال لها قولي حتى اسمع قالت اسمع اشعاري اولا وافهم مااقول ثم انشدت

اترى يجمع شملي بحبيبي ... ثم يأتي بسرور عن قريب

وارى قرة عيني قاصدا ... نحو داري من غير رقيب

ياعذولي لاتلمني في الهوى ... فكفى سقمي ودمعي ونحيبي

انا من قلة حظي في الهوى ... جعل الهجران دأبي ونصيبي

[عامر العمار]

قال الراوي ثم انها انشدت

اراك نسيتني يانور عيني ... بطول تباعدي وشتات بيني

فياراحي وريحاني وروحي ... وياعزي ويافخري وزيني

وياحسنا يفوق الضبا معنا ... وياقمرا سما على الفرقدين

وجما وجهك ياحبيبي ... وضياء وجهك في الجبين

وجيوش هاروت العيون... الناعسات المقلتين

ياايها النادي بوصل ... فداك النفس ياروحي وعيني

قال الراوي فقال لها ابن الناظم هات المخمس فانشدت تقول هذه الابيات

ادر كؤوسا مع راحنا النظر ... قبل انقضاء شيبوبة العمر

ضحك الروض عجبا من البكاء ... واعتل النسيم بحانها الخفر

وفوقها المنثور منتشرا ... باكر الراح والزم عيش منتصر

في روض بان ورد الخدود كسا ... سهل الجبين ثوبا احمر

نم العذار لخال حين بدا ... بخط لطيف يشبه القمر

هذي الثريا تولت نحو مغربها ... والبدر يسعة في تطلبها

فاشرب فقد صار الدهر منيتها ... والكأس في يد يطوف بها

مهفهف في طرفه حور ... واملأ كءوسا ممزوجة وضحا

واصبح الورد بالازهار محتشما ... والطير فوق البان قد صدحا

ودع ببال في الهوى قدحا ... قد فاز من المجال البر يبتدر

والراح والريحان يخطبها ... يردد الطرف شوقا في تطلبها

ونرجس الغصن الرقيب مبتسما ... يمنع الطرف ان يسربها

للورد والنسرين والاخر ... احبابي ليالي وصلنا انقطعت

ومقلتي بالدما بعدكم همعت ... ونار هجركم في مهجتي نبعت

وما خطرتم يوما وقد صدعت ... الا وفرقت الاحزان والفكر

( قال الراوي ) ثم ان الجارية التفتت الى ابراهيم بن الناظم وقالت له اسرع بالجواب والا فانزع ثيابك فقال لها لقد بقى لي شعر واحد فأن فسرتيه لي نزعت لك الثياب فقالت قل ماشئت فأنا اقطع حجتك فانشد هذه الابيات

عرج بحانوت الاديب محمد ... واقرأ السلام على المؤيد احمدا

فأذا اجتمعت به فعظم قدره ... وقل السلام عليك يابحر الندا

اني اتيتك مغرما في قصة ... اشرح لنا ضرب المكاره والردا

فسر لنا الحرموس والدعموس والــ ... صرحان واليوم المفرد والصدا

والهندبا والهندبا والسحتبا ... والسخت اهديت المداثم المــدا

فكذاك ما الحمام فات بكشفه ... حتى يبين وما الغداة وما الغدا

فسر فانك خير حبر عارف ... وبمثل علمك يامحمد يقتدا

فقالت الجارية اما هذا الشعر فقد قاله رجل من الزمان المتقدم وحكايته انه كان رجل ذاعلم وادب وفطنة وذكاء متبحر بالعلوم واسمه محمد فسمع بمدينة من المدائن بها علم وفضل فقصد تلك المدينة ليظفر من اهلها بفضل فلما ان وصل اليها سمع به ملك تلك المدينة فأمر باحضاره اليه فلما حضر تمثل بين يديه وامر باحضار العلماء في مدينته فناظروه فقطعهم وفاق عليهم في سائر العلوم فلما وجدوه كذلك حسدوه وتكلموا عليه بارذل الكلم فأمر الملك بأن يرحل من مدينته فطلب الحضور بين يدي الملك فلما حضر انشد بعض ندمائه هذه الابيات الذي قلتها انت يابن الناظم بعينها فأجابه في الحال وهو ينشد ويقول هذه الابيات

سائل قد جاء يسألني الهدى ... في احرف ما للآديب فيها اهتدا

اسمع هداك الله قول موضح ... سبل الصواب وقد غدا لك مرشدا

الى اخر ما انشده من نظم طويل جدا ( قال الراوي ) فالتفت اليها امير المؤمنين وقال لها ياتودد حويت كل شئ حسن فهل تعرفين شيئا عن الغناء على الات الطرب فقالت نعم ياامير المؤمنين اي آلة خطرت ببالك غنيت لك عليها ( قال الراوي) فأمر امير المؤمنين باحضار عود قال فيه بعض الشعراء شعرا :

جاءت بعود للآغاني مفتخر ... فانظر بدائع مابه تجلي الفكر

انعم به عود حوت نغماته ... انواع ماطربت به كل البشر

( قال الراوي) واذا بهم قد احضروا كيسا احمر عليه قفل من الذهب فحلت الكيس ثم اخرجت عودا مكتوبا عليه هذه الابيات :

وغصن رطيب زانته قينة ... يحن اليه من حوته المحافل

يرق بلطف لحنه فكأنه ... يلقن ماالقت عليه البلابل

اوكما قال فيه بعض واصفيه بقوله حيث قال

سقى الله ارضا انبتت كل منبت ... زكت اغصانها وطابت مغارس

يغني بها الطير والغصن ناضر ... وغصن القينات يوابس

قال فحضنته في بطنها وجعلته على اوراكها وحجرها وارخت عليه بدنها ثم انحنت عليه انحناء الوالدة على ولدها فركت آذانه وشدت اوتاره فكأنه هو الذي قال فيه الشاعر

فكأنه في حجرها ولد وقد ... ضمته بين ترائب وبنان

طورا ترعده وطورا تلقها ... فركت له آذنا من الاذان

قال فلعبت به وغنت عليه طرقا وفنونا وسيكا وجركه ورمل وحجاز واصبهان وحسيني وزروكند ورست ونوا وعشاق وصبا وادارت حتى هاج المجلس بالحاضرين فكان من انشادها ان قالت شعرا

اقصر واهجركم وقلوا جفاكم ... فؤادي وحقكم ماسلاكم

وارجو باكيا حزينا كئيبا ... ذا غرام متيما في هواكم

قد براه السقام من عظم وجد ... يتمنى من الاله رضاكم

يابدور محلها في فؤادي ... ليس اختار في الانام سواكم

( قال الراوي ) ثم التفت امير المؤمنين وقال تمني ياتودد فقالت تمنيت ان تردني الى مولاي الذي باعني حتى يشبع مني فأنه والله عاشق لي ويكون الاجر لك ياامير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين ثم انشدت تقول هذه الابيات :

ياسيدا فاق الانام بجوده ... في طيب عيش واعتلى بين الامم

( قال الراوي ) فلما سمع امير المؤمنين هذا الكلام التفت الى مولاها ونظر اليه فوجد دموعه تجري على خديه فقال اوتحب الجارية قال نعم يامولاي ثم بكا بكاء شديدا وانشد يقول :

نار تهب ودمع العين مسكوب ... وناظري عنه طيب العيش محجوب

وحيث شوقي الى الاحباب منتظر ... خوف السلو لهم والصبر مغلوب

ولي هوى بقد الطود ايسره ... حقا واكثره هم وتعذيب

يبيت خلف الهوى والوجد يثقله ... وقلبه نحو من يهواه مقلوب

يقول عاذلي لما يعانيه ... هل هذه يوسف ام انت يعقوب

اقول له والشوق يطربني ... والقلب من لاعج الاشواق ملهوب

نعم نعم هذا مابليت به ... ومن هواها على قد كان مكتوب

علقت بهيفاء القوام بها ... اهل الهوى من حسنها شيب

فامنن بها امير المؤمنين عسى ... يقر قلب بنار الشوق ملهوب

( قال الراوي ) فلما سمع امير المؤمنين منه ذلك قال له خذها وخذ ثمنها هدية مني اليك بارك الله فيك فاخذها مولاها واخذ الثمن بعد ماقبل الارض بين يدي امير المؤمنين وانصرفا الى منزلهما فرحين مستبشرين واقام بدر الزمان وجاريته في العيش الرغيد وكانا يترددان على الخليفة ويجالساه وينادماه وينالا منه العطية السنية والمواهب المرضية حتى اتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات وهذا آخر ماانتهى الينا من هذه القصة العجيبة والله اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب ....

انتهت قصة تودد الجارية

ارجو ان تكونوا قد استمتعتم بها واكتسبتم من المعلومات المندرجة فيها كل ماهو جميل من الشعر ومفيد من الحكم والمواعظ والكثير من المعلومات التي قد تكون غابت عن اذهانكم ولكم مني اجمل تحية ...

اخوكم
عامر العمار

[عصام محمد رضا شاكر]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

[زينب]