(( الحلقة السادسة والثمانون ))




( حياة البداوة في الجزيرة العربية ونظمها )




الجزء الأول




كان للجزيرة العربية طابعها الخاص إلى جانب الحضارة النهرية
وكلاهما حمل معه الطابع السامي الأصيل
ونشرها في المناطق المجاورة
ومازالت الحضارة الصحراوية محافظة على طابعها البدوي
حتى يومنا هذا
على الرغم من اندماج الكثير مع المجتمعات الحضرية
ولكن بقي طابعهم الخاص
والذي لن يتغير ابدا

وكان ذلك من خلال نظمها وتقاليدها
والذي ورثته من العصور القديمة
فأن من أول صفات المجتمع البدوي
هو حياة الرحيل والترحال من مكان إلى آخر
حيث الابار والعيون والمراعي الخضراء



فأن الفكر البدوي مرتبط ارتباطا وثيقا قبل أي شيء
بالأسرة والقبيلة وبالنظم القبلية

التي تستند تماما إلى ( العرف ) و ( التقاليد )
والتي تمت وراثتها عن السلف منذ أقدم العصور
وهذا طبعا مرتبط بطبيعة الحال
بتمتع البدوي بحق الحرية الشخصية برغم صلته بأسرته وقبيلته .
ولذلك فأن وطنية البدوي هي ( وطنية قبلية )
فهو بالمنظور الشخصي يحمي القبيلة
وبالمنظور العام فأن القبيلة توفر له الحماية

وهذا ما يسمى ( العصبية القبلية )
أو ( العنصرية القبلية )
وهو مصطلح يعني ( المولاة )
بشكل تام للقبيلة أو العشيرة أو العائلة
وفق مبدأ ( ظالم ) أو ( مظلوم )
فيكون القول ( أنصر اخاك ظالما أو مظلوم )



وهو سلوك انساني يمكن تطبيقه على ( العصبية المذهبية )
أو ( المناطقية ) أو ( الطائفية )
بل حتى ( العصبية الاقتصادية ) حين يتحد تجار لكسر تاجر متسلط عليهم
وهذا يندرج تحت مسمى ( التحالف )
كما هو الحال حين تتفق بضع قبائل على قبيلة واحدة
فهي على المنهج ذاته في فرض ( القوة ) .



من المعروف أن القبيلة تتفرع إلى فروع كثيرة
مثل بذرة صغير تكبر الى شجرة صغيرة
وتكبر رويدا رويدا حتى تكون كبيرة ومتشابكة غصونها
وكل فرع أو غصن له رئيس
وكل فرد يعرف نسبه حتى يتواصل مع شيوخ الفروع
الذي يتزعمهم ( شيخ العموم )
وتبقى الرئاسة فيهم جيلا بعد جيل
ويمكن تغييره لو اتفقت الفروع عليه حتى مسمى ( التحالف )
لأن الشيخ الكبير يجب أن يتحلى بصفات شخصية مؤثرة
وأن يكون عادلا مع الجميع
وبهذا يكسب ثقة الجميع فهو من له السلطة
في تقرير مصير القبيلة في حالات ( الحرب والسلام )

ولهذا يجب أن يتصف بالحكمة
وأن لا يغفل المشورة والتشاور
ولعل أكثر الأمور تعقيدا هو قدرته على حل النزاعات
بين افراد قبيلته أو مع القبائل الأخرى .

طبعا اكثر النزاعات في المجتمع البدوي
هو ( صراع البقاء ) لان الطبيعة الصحراوية قاسية جدا
ولهذا نجد أن الصراع على الماء والمراعي
يؤدي إلى التناحر الدامي بين القبائل



ومع أن الصراع ( فرق ) البدو إلى شيع صغيرة متنافرة
يكره بعضهم الأخر أو على خصام دائم
إلا أن الجميع حافظ على مبدأ واجب الضيافة
وحماية الضعيف أو المستجير .

وفي الواقع أن الطبيعة الصحراوية القاسية
جعلت من الرجل البدوي محاربا بالفطرة ويمتلك الشجاعة الكافية
لكي يدافع عن نفسه وحلاله .




يقول د. علي حسني الخربوطلي
أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة عين شمس
في كتابه ( العرب والحضارة ) ص28 بقوله :
(( وقد أكسبت الطبيعة البدوي صفات تناسب بيئته
فهو ضعيف الوزن ونحيف البدن
ولكنه قوي نشيط ويتحمل التعب والمشاق
ولهذا هو عظيم الصبر والاحتمال ...
يكفيه طعام قليل متواضع .

وصفات البدوي هي نفس صفات الجنس السامي :
الفطنة والذكاء والدهاء وسرعة البديهة
والخيال المتوقد ويتميز بالكبرياء وعزة النفس
التي واضحة في عينيه السوداوين
إلى جانب فصاحته
))







الى حلقة أخرى