د. عادل محمد عايش الأسطل عشية رحلة الرئيس الفلسطيني “أبومازن” إلى واشنطن تلبيةً لدعوة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” كان استعد فيها جهده، لمواجهة الضغوطات المكثفة التي لا يجد “أوباما” مشقة في الإعلان عنها على مسامعه وأمام عينيه، بسبب أن الأمور باتت مكشوفة للقاصي والداني ومن كل جانب. وهذه المواجهة غلبت عليها طوابع مختلفة عن ذي قبل، فهي كما يبدو لم تستند إلى اللاءات المعتادة أو الرفض والممانعة للخلاص منها، وإنما بخلق طلبات وتكريس مطالبات فلسطينية أخرى، يتوجب على الرئيس “أوباما” أن يواجهها ويُجيب عليها أيضاً، بقدر ما هو مطلوب من الفلسطينيين أن يقبلوا به بصدد أيّة تسوية، كي لا يُجبرون على فقد توازنهم في بيئة سياسية دراماتيكية تبتعد شيئاً فشيئاً عن العملية السياسية، وفي ظل احتمالات أن تنشأ أوضاع قد لا ترغب الأطراف في رؤيتها تتفاعل نحو العنف لغياب تلك الأجوبة. تلك الضغوطات والمطالبات المضادة، ستؤدى إلى فشل عالي النسبة للرحلة، أو تُعلن عن نصف الفشل على الأقل، وإن كانت هناك دواعٍ وإمارات واضحة، تدعو إلى استقبال الفشل بكامله، حتى قبل أن تبدأ تلك الرحلة، وإن برزت أصوات تقول بأنها تلمس نجاحات. وحتى نكون قريبين من الدقّة أكثر باتجاه ما نعتقد به، يجدر بنا بيان السبب الذي يجعل اللقاء غير مجدياً. منذ دخول الولايات المتحدة على خط القضية الفلسطينيّة، كانت تكمن جذور نهجها في معارضة أيّة نقاشات مع الفلسطينيين حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي حينما جنح الفلسطينيون إلى السلام، من خلال تبنّي منظمة التحرير رسمياً خيار حل الدولتين في عام 1988، ومع التطورات السياسية المتلاحقة أظهرت قبولاً –معيناً-  لاعتماد أيّة مفاوضات سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على قرار 242، والذي يدعو إلى إقرار مبادي سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وفي أوقات لاحقة استنادها إلى ما تمخض عن مؤتمر مدريد 1991، واتفاقات أوسلو عام 1993، والتي أنتجت تفاهمات أساسها، حل القضية الفلسطينية على أساس حدود 67 في صيغة معدلة مع تبادل للأراضي، من خلال مفاوضات مباشرة، لتمهيد قيام دولة فلسطينية بعد خمس سنوات أي في العام 1999، برعاية أمريكية – كوسيط نزيه – على المفاوضات وأيضاً كمورد مُعتمد للضمانات والحوافز. ولكن بعد كل ما تقدم، لم يعد هذا ممكناً، ولم يعد ذا صلة بما هو واقع الآن، كأساس يمكن أن يتم فيه التقدم نحو حل عادل وشامل. فالإدارة الأمريكية ليست بحاجة لأحد أن ينبهها إلى السياسة الإسرائيلية (فكراً وممارسة)، فالسياسة الإسرائيلية تلقى خلال كل ساعة دفعات دراماتيكية متتالية وصلت إلى حدود لا يمكن معها تصور أن تكون هناك حلول. خلال السنوات الأخيرة وصلت السياسة الإسرائيلية وخاصة مع استلام حزب الليكود اليميني مقاليد الحكم – مع عدم التقليل من سياسة اليسار- إلى التنكر لأيّة استحقاقات تم التوصل إليها باعتبارها غير قابلة للتنفيذ، على الرغم من أنها لم تكن ذات قيمة، وبالمقابل، فقد عملت على تنشيط الأعمال الاستيطانية ومواصلتها بالليل والنهار، وتعهدت بأنها لن تسمح بإخلاء كل المستوطنات، ولا حتى تلك الجاثمة في قلب الأراضي والمدن الفلسطينية. وتم مؤخراً إلحاق مواصلة السيطرة على غور الأردن، لفترة زمنية قد تستغرق بضعة عقود أو إلى ما لا نهاية. ومع ذلك لا زالت القيادة الفلسطينية تعتقد بإمكانية التوصل إلى السلام. كانت رغبة “أبومازن” في لقاء “أوباما” من منطلق هذا المعتقد، بالرغم من علمه، بأن “أوباما” يميل كل الميل في كل مرة وأعضاء إدارته أيضاً وخاصة “جون كيري” إلى الجانب الإسرائيلي، وهم شديدو الحرص في الوقت ذاته، من اجتناب أيّة تدخلات لجهات دولية أخرى للضغوط عليهم أو مضايقتهم نتيجةً لهذا الميل. ربما حصلت الولايات المتحدة في أوقات سابقة لا سيما في الأيام الأولى لولادة العملية السياسية على لقب (وسيطة ومحفزة) بعد أن فرضت نفسها كجزءٍ من مشهد المفاوضات ونجحت إلى حدٍ كبير، في كسب ثقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بالإضافة إلى ثقة بعض الدول العربية –المعتدلة- وحصولها على الضوء الأخضر لإيجاد تسوية، بل ومساهمة تلك الدول في الضغط المباشر وغير المباشر على الفلسطينيين، وإن بقبول المقترحات الأمريكية على الأقل.  لكن كانت هناك أخطاء مهمّة وكثيرة ارتكبتها واشنطن وخاصة إدارة “أوباما” وسواء بالنسبة لتلك العلاقة الفوق حميمية الموجهة للإسرائيليين – بغض النظر عن اضطرابات هنا أو هناك، بسبب أنها لا ترق يأن تكون مقياساً يُقاس عليها- أو السياسة المرتبكة باتجاه الربيع العربي أو بالنسبة لانقلابها نحو اللين في سياستها المتبعة ضد الجمهورية الإيرانية، ساهمت جميعها في الذهاب إلى سحب الثقة شبه المطلقة من قِبل تلك الدول وخاصةً تلك التي يسوؤها التقارب مع إيران نووية. وبرغم ذلك، وبسبب قوة النَفَس الإسرائيلي الحار الذي رجح بالرضى العربي، اضطر “أوباما” في هذه الأثناء، ليطلب بصوت عالٍ من ضيفة – أبو مازن- بضرورة المجازفة واتخاذ قرارات جريئة، وأقلها التخلي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، بسبب أن من يتخلّى عن صفد، لا يُعجزه التخلي عن القدس. والتخلي عن حق العودة، بسبب أن من يوافق للكثرة الفلسطينية بالتوطين في كندا وأستراليا، فإنه لا يضرّه الموافقة على إلحاق البقية الباقية، وأيضاً الاعتراف بيهودية الدولة، بسبب أن الذي يُطالب بوطن قومي فلسطيني، فلا تفرِق لديه إذا ما كان مستعداً لفعل ذلك. وعلى أيّة حال فإن الإدارة الأمريكية وسواء الحالية – إدارة أوباما- أو اللاحقة مستقبلاً، لن تقوم بتغيير الكثير من استراتيجيتها التي مارستها منذ الأزل بشأن الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، بسبب أن تلك الاستراتيجية، لم تتلقَ بسببها أيّة متاعب تُذكر لا من الفلسطينيين أنفسهم ولا من الجانب العربي، بل وما زالت تتلقَ المزيد من القبول والاستحسان، وأمّا بالنسبة إلى مطالبات الرئاسة الفلسطينية، فستظل لدى “أوباما” وكأن لم يسمع بها من قبل، كونه وسيط غير طاهر. خانيونس/فلسطين

أكثر...