لديّ طفل يبلغ من العمر 3 سنوات، وله أخ يكبره بسنتين وأخت تبلغ من العمر 6 أشهر، المشكلة في ابني هذا أنه لا يتكلم وهو قليل النطق إلا بالقليل من الكلمات الضرورية مثل (ماء - حمام - بابا - ماما)، المهم أنه يفهم ويسمع الكلام وفيه درجة ذكاء في بعض ألعاب التركيب والتفكير إلا أنه كثير الحركة لدرجة أنه يعبث بكل شيء، وعندما أنبهه وأفهمه أن هذا خطر أجده يعود إلى العبث به مرة أخرى بلا مبالاة مرة وبالعناد مرة أخرى.

وهو لا يلعب إلا مع أخيه رغم وجود أطفال في العائلة في سنه وكثيرًا ما يراهم، لكنه لا يريد إلا أخاه، كذلك تجده فوضويا وغير مرتب وغير مبالٍ بعكس أخيه الكبير، وكذلك هو كثير العناد ويغار كثيرًا من أخيه مع أن اهتمامنا الأكبر به دون إخوته مراعاة لحالته، فأرجو منكم جزاكم الله خيرًا أن تنصحوني في كيفية التعامل مع طفلي هذا من ناحية النطق والعناد.



مرحبًا بك أختنا الكريمة ومرحبًا بأسرتك.. نسأل الله تعالى أن يسعدك بهم جميعًا إن شاء الله في الدنيا والآخرة.
لقد جزمت في سؤالك بأمور لا أدري هل جزمك فيها مبعثه الفحص الطبي لطفلك أم مجرد وجهة نظرك من خلال ملاحظتك للطفل، فقد جزمت أن سمعه جيد، وأن لديه نسبة معقولة -لم تحدديها- من الذكاء، بناء على مهارته البادية لك في مهارات وألعاب الفك والتركيب، ولا شك أن الأمر يحتاج لفحص أكثر دقة وعمقًا، لا سيما وأنك تقررين أن الطفل يعاود فعل ما نهيته عنه رغم أنك تفهمينه الخطأ والصواب، وهناك احتمالات عدة لهذا الأمر منها:

1 - أن يكون لدى الطفل عيب في إحدى أذنيه دون الأخرى وهو ما يسمى Single Ear فيكون الطفل مستخدمًا لأذن واحدة لوجود مشكلات في الأخرى، وهو ما يكتشفه طبيب الأذن بالفحص الدقيق، وبالطبع يؤثر هذا العيب على السمع والكلام لدى الطفل لانتصاف قدراته في تلك الوظائف.

2 - أن يكون لدى الطفل تأخر في الوظائف أو المهارات أو نسبة الذكاء وهو لا يعني تخلفًا عقليًّا، ولكن يعني تأخر في بعض قدرات التفكير والمهارات يتسبب في كون عمره الزمني لا يتناسب -في بعض الوظائف- مع عمره العقلي، وهو أمر يمكن التعامل معه وعلاجه بشرط تحديده واكتشافه مبكرًا، وللعلم فإن هذا التأخر قد يصاحبه ذاكرة قوية جدًّا، وقدرات متميزة في الحفظ ومهارات في التلوين والفك والتركيب، ورغم ذلك يكون هناك تأخر في بعض الجوانب لا يكتشفها إلا متخصص، والعلاج يساعد على تنمية هذه الجوانب وتطويرها.

3 - أن يكون لدى الطفل مشكلة في أذنيه معًا، وهو ما يحتاج لفحص عاجل، وقد يكون السبب في مشكلة أذنيه -إن كان هناك مشكلة- إرضاعه في صغره نائمًا مستلقيًا دون رفع رأسه عن جسمه، مما تسبب في تسرب السوائل لأذنيه وأثّر على قدراته السمعية، ومن ثَم تواصله، ومن ثَم كلامه ونطقه.

4 - أن يكون الطفل أثناء لعبه قد آذى أعضاء أذنيه الداخلية أو حشر فيهما شيئًا أو آذى طبلة أذنه أو غير ذلك، وكل هذا يحتاج لفحص للتأكد.

إذن المطلوب منك ومن والد الطفل ما يلي:
أولاً: لا بد من عرض الطفل على طبيب أنف وأذن وحنجرة وطبيب تخاطب.
ثانيًا: إجراء قياس سمع للطفل لدى مركز طبي يمكن أن ينصح به طبيب الأنف والأذن والحنجرة، وذلك للتعرف على قدراته السمعية وسلامة أذنيه.
ثالثًا: إجراء اختبار ذكاء وقدرات للطفل، وسيخبركما عن مكان إجراء هذا الاختبار طبيب التخاطب أو المركز الذي ستجرون فيه قياس السمع للطفل.

لا بد من موافاتنا بنتائج تلك الفحوص -مع عرضها على طبيب التخاطب المعالج للطفل- مع ضرورة تدوين ملاحظاتك كأم وبكل دقة في نوتة عن يوميات الطفل (مع موافاتنا وطبيب الطفل بنتائج أسبوع على الأقل من الملاحظة اليومية) فيما يخص ما يلي:
- إجادة الطفل التعبير عما يريد ولو بالإشارة، أو بلغة تعبيرات الوجه Facial Expressions ، فيستطيع أن يعبر عن جوعه أو ألمه أو غضبه أو رغبته في شيء.
- ذكاؤه الاجتماعي وقدرته على التعامل والتواصل مع الآخرين، والتفاهم معهم.
- فهمه للأوامر المركبة مثل "اغسل أسنانك ووجهك ثم مشط شعرك"، وهل يستجيب لها أم لا يفهمها.
- مدى تفاعله مع الأصوات مثل جرس الهاتف وندائك له، وسقوط شيء وصوت تكسره مثلاً وجرس الباب وصوت تحية الأب عند قدومه من الخارج مثلاً، وصوت المفتاح في فتحة باب المنزل، بما يعني مجيء الأب أو الأم، وغير ذلك من الأصوات.
- مدى فهمه لأصوات الحيوانات، بمعنى: هل إذا رأى صورة قطة وطلب منه تقليد صوتها.. فهل يموء.. أو ينبح مقلدًا الكلب أو يزأر مقلدًا الأسد؟ وهكذا...

على كل فلا بد من اتباع ما يلي جنبًا إلى جنب مع اتخاذ خطوات الفحص والعلاج الطبي المتخصص لحالة الطفل:
1 - كثرة الحديث معه أثناء التواجد معه مع استخدام جمل بسيطة وواضحة.
2 - لا بد من اتباع أسلوب معين في الحديث معه؛ إذ يجب أن تحاولي أن تكرري على سمعه أثناء تعاملك معه جملاً من كلمتين مثلاً تتكرر كلمة منهما في كل جملة مثل: "تريد لبنًا؟"، "لبن بارد؟"، "لبن كثير"، "لبن في كوب"، "سأعطيك اللبن"، "لبن لذيذ"، بحيث تتكرر الكلمة الواحدة من 5-7 مرات في جمل مختلفة، مما يسمح بإدراجها بسهولة وفهم واضح لقاموس مفرداته.

3 - لا يصح التعامل معه على أنه مسكين أو مريض أو صاحب ظروف أو حالة -كما ذكرت في سؤالك- فالحنان مطلوب، لكن الشفقة المهينة والتعاطف الجارح لمشاعر الطفل بالتركيز على ما ينقصه وإشعاره بأنه مميز بعيب يحتاج لتعاطف وتجاوز أمر غير مطلوب نهائيًّا في مثل تلك الحالات مطلقًا، والحديث عن هذا الأمر أمام الناس أيضًا خطأ.

4 - لا بد من عدم مقارنته بأخيه في الترتيب والنظام؛ فلكل طفل قدراته ومهاراته التي تختلف عن أي طفل آخر، وهناك فروق فردية بين الأطفال كالفروق بين الناس وهو ما يجعلك تختلفين عن شقيقتك في الطباع والعادات والمزاج والسمات الشخصية، رغم أنكما تربيتما في بيت واحد.. فقط شجعي طفلك على كل سلوك طيب، وعلميه النظام والنظافة دون تعيير له بأن أخاه أفضل منه أو غير ذلك.

5 - مسألة عناده -والتي أشك فيها لظني أنه لا يسمع جيدًا- تحتاج لمنهج مختلف في التعامل وإعطاء الأوامر للطفل، وسأورده لك بأحد الروابط بنهاية الرد.
العناد هو سمة طبيعية للطفل في عمر 2 - 6، ولا يحتاج من الوالدين سوى التفهم لطبيعة مرحلة الطفل العمرية، مع التعامل معه بذكاء وحنكة وستتوفر لك معلومات كافية عن تلك الحنكة باطلاعك على ما يلي:
- علاج العند بقوانين الكرة
- كنز الطاعة المفقود.. موجود
- افهم النغمة لتستمتع بها
لا بد من الإسراع في خطوات علاج الطفل قبل دخوله سن المدرسة كي لا تتفاقم المشكلة بخلط الطفل بالأطفال.

- أما عن مسألة غيرة الطفل من أخيه فلا علاقة لها بالمعاملة المشفقة المتعاطفة التي تبديانها للطفل دون أخيه الأكبر، بل لعلّ تلك المعاملة هي السبب في غيرة الطفل من أخيه الذي يعامل باحترام على أنه الكبير الواعي المنظم المسئول، ولعلّ معاملة طفلك الأصغر بتلك الطريقة تحل له معظم مشكلاته وتقضي على غيرته من أخيه الأكبر الذي يحبه ولا يحب اللعب مع أحد سواه كما ذكرت، بل من المحتمل أن غيرته من أخته الصغرى هي ما تبدو مظاهرها للعيان على أنها غيرة من أخيه الأكبر.

- لا بد من دعم ثقة الطفل بنفسه وإشعاره بأنه قادر على فعل الكثير وعلى العناية بنفسه وعلى المشاركة في الكثير من المهام، مع امتداحه والتصفيق له ومكافأته أمام الآخرين وبين أفراد الأسرة والعائلة، وحاولي اتباع النصائح الواردة فيما يلي:
- الثقة بالنفس تمرُّ عبر تحمُّل المسئولية
- قوة الأمة تبدأ من احترام الذات
- سؤال غير بريء.. كيف أصنع ضفدعا؟

وأختم قولي معك في هذا الموضوع بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أشهد على جور"، وكان قوله هذا ردًّا على طلب أحد الآباء أن يختص أحد بنيه بعطاء مادي معين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشارك في هذا الجور والتمييز والتفضيل لأحد الأبناء عن إخوته، فاحذري -أختنا الكريمة- من الوقوع في هذا الجور إما بالتعامل مع طفلك الأوسط على أنه مسكين يحتاج للتعاطف -المحرج له أحيانًا- أو على أنه متعب ومرهق على خلاف إخوته، أو تمييز أخيه الأكبر -ولو داخل نفسك- لتميزه في قدراته عن طفلك الأوسط؛ فهم جميعًا أبناؤك وفي حاجة لدعمك لهم.
بارك الله لك فيهم، وأسعدك بهم، وأقر بهم عينك، وفي انتظار موافاتك لنا بنتائج الفحوص، وتطورات حالة طفلك وملاحظاتك عنه، ومزيد من استفساراتك وأخبارك وأخبار أسرتك، وإلى لقاء قريب.

ولمزيد من الإيضاح ولإلقاء الضوء على بعض الجوانب الأخرى الخاصة بهذا الموضوع يمكنك الرجوع إلى الاستشارتين التاليتين:
- الطفل الأول: عدواني.. كثير الحركة.. مكتشف!!
- قواعد إعطاء الأوامر


منقوول