تاريخ عشائر السردية في القرن العشرين

الجزء الاول

منذ القدم كانت المناطق المتاخمة للصحراء مصدر إغراء دائم للغزوات البدوية بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نحدد فواصل زمنية واضحة لهجرة القبائل البدوية باتجاه المنطقة، فقد كانت التجمعات الرئيسة للقبائل في منطقة حوران والمناطق المتاخمة لعجلون من الشرق لعشائر السردية وبني صخر والسرحان والعيسى 1، وتعتبر عشائر السردية من العشائر ذات النفوذ في الشرق والتي انهارت قوتها نتيجة لصراعها الدائم مع العثمانيين وبني صخر وقبائل عنزة، واضطر قسم كبير منها للنزوح باتجاه البلقاء، ولم تنتهي الخلافات بينهم وبين بني صخر في مطلع القرن العشرين على الرغم من تحالفهم سابقاً ضد عنزة وضد توسعها في المنطقة على الرغم من أنهم في أيام الحكم المصري قد انسلخوا عن بني صخر وتحالفوا مع القوات المصرية ضد الأتراك 2.
ولقد كان تعداد عشائر السردية حسبما توفره لنا السالنامة العثمانية في عام (1880م) حوالي (300) رغم عدم دقة السالنامة لعدم دقة المعلومات التي يعطيها البدو عن أنفسهم، وفي تقديرات أخرى لعام (1910م) فقد قدرت عدد بيوت السردية بـ (100) بيت 3 وقد شجع العثمانيون العشائر البدوية على الاستقرار، حتى أنهم طلبوا من العاصمة الموافقة على تطويب الأراضي الواقعة على أطراف الخط الحديدي الحجازي من حوران إلى حدود مدائن صالح جنوباً للأهالي والعرب الرحالة ليسكنوا فيها ويقوموا على حراثتها وزراعتها 4، ولقد قامت قوات الدرك والتي تقرر إنشائها عام (1910م) باسم قوات درك لواء حوران بإخراج العربان من المعمورة ومنعهم من الدخول إليها، وحالت هذه القوات بين العربان وبين الاعتداء على الفلاحين وقراهم 5.
وقد ساهمت هذه السياسة في تشجيع القبائل البدوية المتنقلة على الاستقرار فلقد قدم نوري الشعلان شيخ مشايخ عرب الرولة عام (1910م) عريضة للولاية يطلب فيها أن تعطيه خربة أم الجمال، ووافق مجلس الولاية على ذلك وتقرر أن ترافق العشيرة أثناء عودتهم من البادية لجنة خاصة لتقدر قيمة تلك الأراضي وتوزعها عليهم 6.
إلى جانب ذلك استمرت الغزوات بين تلك العشائر، ففي عام (1910م) تكتل بنو صخر مع الضرارات والسرحان والسردية ضد الحويطات، ولقد شارك الدروز في حوران في الصراعات البدوية، ففي عام (1916م) قاد سلطان الأطرش حملة انتقامية مكونة من الدروز والسردية على عشيرة العيسى وسلبوا منها ثلاثة آلاف رأس من الغنم 7، ولقد استغل البدو غياب السيطرة الفعلية للإدارة العثمانية فازدادت اعتدائاتهم على الحدود الشرقية والجنوبية، وارتفعت أصوات الفلاحين بالشكوى مما استدعى الدولة إلى إرسال عدد من الحملات العسكرية 8.
وقد قام سعد الدين الخليل المقداد مبعوث حوران بتقديم لائحة للصدر الأعظم يطالب الدولة بالتدخل لمنع اعتداءات القبائل البدوية في اللواء ضد الفلاحين والذي يقطعون السبل في حوران وعجلون، وطالب بإقامة قوة كافية لمنع اعتداءات عربان بني صخرة والسردية والسرحان وغيرها والذي يرعون المزروعات كل سنة ويشربون المياه ويقومون بأنواع المظالم ويفرضون الخاوة على ضعفاء الأهالي ويخربون ممر السكة الحجازية 9.
ولا تعتبر اعتداءات البدو على الفلاحين نابعة من طبيعة البدوي نفسه بل هي نابعة من الظروف الطبيعية التي تعيشها هذه القبائل البدوية في الصحراء، والحالة الاقتصادية المزرية التي يمرون بها، كما أن لها علاقة أساسية بظروف المناخ السيء والتي تجعل هذه القبائل تلجأ إلى الزحف التدريجي باتجاه المناطق الأكثر خصباً في الغرب.

السردية والثورة العربية الكبرى :
أطلق الشريف الحسين الرصاصة الأولى في التاسع من حزيران عام (1916م) وكانت مسيرة الثورة العربية من الحجاز إلى الأردن ومن معان إلى الشمال 10.
وقد تحركت القوات العربية من معسكر أبو اللسن في (21 آب 1918م) وسلكت طريقها من جنوبي معان إلى الجفر ثم باير ومروراً بقصر الطوبة ووصولاً إلى الأزرق حيث وصلتها في (16 أيلول 1918م) وكان الشريف ناصر بن علي أول من وصل إلى الأزرق على رأس مجموعة من الفرسان الذي عهدت إليه عملية تنظيمهم وتجهيزهم للعمليات المقبلة 11.
ولقد كانت مسؤولية الأمير فيصل تتركز في حشد القوى وتعبئة الجهود، وقد غادر ومعه قائد القوات النظامية معسكر أبو اللسن في (16 أيلول 1918م) وكانت مهمته عسكرية وسياسية واجتماعية وقد انتدب نسيب البكري لينقل رسالته إلى عشائر حوران والدروز هذا نصها : " بسم الله الرحمن الرحيم، إلى عموم أهل جبل الدروز وحوران المحترمين :
بما أننا قد انتدبنا السيد نسيب البكري إلى جهاتكم بالوكالة عنّا ريثما نحضر بذاتنا أو يحضر أخونا الأمير زيد فيجب والحالة هذه إجراء جميع التسهيلات التي اعتدنا أن نراها من أمثالكم الموصوفين بالغيرة العربية والحمية والشهامة العدنانية بطرد أعدائنا وأعداء وطننا الذين إذا لم نتحدّ على طردهم من ديارنا وننقذ البقية الباقية من أبناء قومنا من أيديهم فإنهم لا يبقون منا فرداً وإننا بعونه جل جلاله سنأتيكم قريباً بجيوشنا ومعداتنا، هدانا الله وإياكم سواء السبيل ووفقنا للتغلب على الأعداء وراحة العباد وتخليص البلاد " .
8 جمادى الآخرة 1336هـ-الموافق 28 مارس 1918م 12
ثم عقد مؤتمر أبو اللسن العسكري في قاعدة أبو اللسن جنوب معان وتم وضع خطط المرحلة القادمة للحركة من أبو اللسن إلى الشمال وانعقد المؤتمر بقيادة الأمير فيصل بن الحسين وحضرته بعثة الارتباط البريطانية واتخذت القرارات والتي فيها : الاتصال مع القبائل العربية في المنطقة لتنظيمها ولتكنون عوناً فاعلاً لقوات الواجب الرئيسي 13.
اعتزم " اللنبي" أن يشن هجوماً عاماً في (أيلول سنة 1918م) فحشد معظم قواته على الجانب الغربي من الجبهة ضد الجيشين السابق والثامن 14 ، وكان فيصل ما يزال في أبي اللسن يعد العدة ويستقبل وفود عشائر البلقاء والكرك وجبل الدروز وحوران وقبائل البادية15.
وتقرر أن يبقى الجيش العربي النظامي بقيادة الأمير زيد وجعفر باشا العسكري حول معان فيما لواء الهجانة الذي تقرر أن يشكل قوة سريعة وخفيفة تتحرك بمعداتها ومؤنها وذخائرها على ظهور الهجن لمهاجمة الأتراك في قلب خطوطهم عند درعا.
تحركت الحملة في أوائل أيلول من أبي اللسن إلى الجفر ومنها إلى باير فالأزرق حيث جرى تمهيد قطعة من الأرض لنزول طائرتين وصلتا في (10 أيلول)، وفي الأزرق بدأ تتجمع قوات من عشائر الرولة بقيادة نوري الشعلان ومن قبائل السردية وبني صخر والسراحين 16.
كما انضم إليهم كثيرون من أهل حوران وجبل الدروز حتى زاد مجموع رجالها على ثلاثة آلاف مقاتل 17.
وقد ألقى الأمير زيد بن الحسين القبض على بعض شيوخ معان والطفيلة لانحيازهم للأتراك أثناء القتال وعرقلة حركة جيش الثورة ثم أرسلهم إلى الحجاز، ثم تحرك بقواته شمالاً إلى عمان وأثناء ذلك انضم رجال الكرك في مقاومة الهجوم العربي والسبب في ذلك حسب قول بعض المؤرخين يعود للعداوة بينهم وبين البدو، وقيل أيضاً أنهم كانوا يخشون بطش الأتراك فيما لم تمنعوا عن القتال وروى عودة القسوس في مذكراته أن رفيفان المجالي قال لفيصل - عندما لامه على مساعدته للأتراك – أنه كان مضطراً لموالاتهم خوفاً من أن يصيب الكرك ما أصاب السلط والطفيلة من دمار 18.
ومن مشاركات عشائر السردية في الثورة يقول فنخير الفواز السردية 19، وذلك في كتاب التاريخ العسكري للثورة أنه عندما علمنا بتوجه الأمير فيصل إلى الأزرق سار خمسة وعشرون خيالاً من خيالة السردية متوجهين إلى جنوب الأزرق والتقينا هناك الشريف على بن عريد وقد أبدينا استعدادنا للمساعدة فيما يراه الشريف مناسباً فعرض علينا تسهيل مهمة خبير المتفجرات وهو رجل إنجليزي يرافقة بعض الجنود النظاميين 20.
وفي هذه الأثناء تسلمنا عدداً من "البواريد " بعد أن غمرنا الشريف بكرمه وحسن ضيافته انطلقنا شمالاً باتجاه الجسور بعد أن أخذنا صندوق متوسط الحجم، في مساء ذلك اليوم وصلنا مع غياب الشمس إلى منطقة " أم السرب " واستمرينا في المسير حتى وصلنا " زملة الطرقي " وربطنا الركايب وترجلت مجموعة من رجال السردية ومعنا الإنجليزي ومرافقيه، كانت سكة الحديد محروسة جيداً من قبل الجنود الأتراك، ولكننا تسللنا وقام "فروان المرهي " أنشطنا في الركض وأخذ كيس الديناميت ووضعه تحت جسر السكة وأخذنا نخفي السلك الواصل ثم قام الإنجليزي " ففقس " الصندوق الذي كان يحمله فانفجر " البابور" وتعرضنا لرماية قوية من قبل حرس البابور وعدنا إلى الشرق ومن الخيالة الذين رافقونا غالب الفواز السردية وموسى العون السردية وعيد الدبيس السردية وعايد الدبيس السردية 21.
وجاء في مذكرات فائز الغصين 22 أنه في يوم الأحد (14 ربيع الثاني – 27 كانون الثاني 1918م) وبعد دخول الشريف ناصر وأبو تايه للطفيلة جاء إلى الشريف علي موسى العون من عرب السردية وهو ممن خدم الشرفاء بإخلاص ودعا الشريف علياً لتناول طعام الغداء عنده فلبى الدعوى وجيء بالهجن فركب الشريف علي وأخذني معه – الكلام لفائز الغصين – وكان أينما ذهب يأخذ آلة نسف القطارات والديناميت معه فوصلنا إلى مضارب السردية بعد الغروب بساعة وعاد المطر للنزول ودام طول تلك الليلة، فنمنا بعد العشاء والسهرة في بيت موسى العون، وثاني يوم جاء غالب الكنج رئيس عشيرة السردية وسلم على الشريف علي ورحب به وبعد الغداء إعطاه الشريف علي باسم الشريف فيصل مائة جنيه، وقد عزم الشريف على أن يغزو السكة الحديدية لنسف القطارات، وهكذا رحلنا من مضارب السردية بعد أن رافقنا موسى العون وبضعة خيالة من فرسان السردية المشهورين بالشجاعة والفروسية، ولما قطعنا وادي أبو صوانة وجاوزنا الحلابات وقصر الحمام أنخنا ركابنا، وفي المساء جاء قبلان شيخ عشيرة الجاموس للسلام على الشريف علي، ثم اعتلينا ظهور الركايب في الصباح وسرنا إلى أن وصلنا إلى خربة أم الجمال بعد العصر، ومكثنا للغروب ثم تحركنا حتى وصلنا " الرحبة " وقيل أنه صالح لإخفائنا لوضع الديناميت، فأنزلنا الديناميت وأخذناه معنا إلى السكة وحفرنا تحت الحديد ووضعنا كمية من الديناميت تكفي لنسف جبل وغطيناها بالتراب وبعد أن وضعنا السلك والديناميت ثبتنا الكبسولة وحفرناها تماماً، وكان الصبح قد أصبح وإذا بجنديين يظهران بغتة من وراء الوادي المقابل ويأتيان للمحل الذي وضعنا فيه الديناميت، ويكشفان الأرض المحفورة والموضوع فيها السلك ثم أقبل القطار وأطلق الجنديان النار فوقف القطار ونزل منه الجنود بسلاحهم ولما رأينا أن أمرنا قد افتضح وأن لا فائدة من المتابعة أخذنا الآلة الكهربائية وتركنا الديناميت وعدنا مسرعين من حيث أتينا ولم تنجح غزوتنا، ولقد كنا اثنين وثلاثين فارساً: الشريف علي وعبد له يدعى خير الله، وكاتب هذه السطور – فائز الغصين – وخازر بن كعيبر وضامن بن رافع من شيوخ السرحان وضامن وموسى العون من السردية وبخيت العطنة من بني خالد وفلاح مدحلة من عرب الجبل وقبلان الجاموس من عشيرة الجوامسة 23 وبضعة خيالة من فرسان عرب السردية 24.
وفي يوم الأحد (21 ربيع ثاني – 3 شباط 1918م) لما جاء لورانس من غزوته مع الشريف علي تلك الغزوة التي ضربا قطاراً فيه جمال باشا الصغير 25، كما قد شارك موسى العون وزيد العبد الله من عشيرة السردية كدليلين للطريق مع فائز الغصين وأرسلا كتاب يقولان فيه أنهما جاهزان للسفر معهم حيث يريدون 26.
ولقد مرت قوات الثورة في " المفرق " يوم (12 أيلول 1918م) ، غادرت الأزرق حملة من قوات الثورة تضم فيما تضم قوات من " الرولة " ومن قبائل السردية والسرحان وعشائر المنطقة 27.
فمرت هذه الحملة في طريقها بخرائب أم الجمال، ويوم 16 أيلول قام العرب بنسف جسر سكة الحديد القائم شمالي المفرق كما نزعوا عدداً من قضبان السكة، فتعطلت المواصلات بين عمان ودرعا وعندما ذاعت أنباء تراجع الترك من المفرق سيراً على الأقدام بادر العرب إلى مهاجمتهم وأسر المئات منهم 28.
وجاء في كتاب أعمدة الحكمة السبعة لمؤلفه لورانس أنه كان إلى جانبنا بنو السردية وبنو السرحان وجماهير الحوارنة وأن السردية تحت قيادة ابن كنج السردي 29، كما جاء في مذكرات سلطان الأطرش 30 أنه سرعان ما جاء الفرج في رسالة تلقيتها من الأمير فيصل يقول لي فيها من جملة ما يقول : " أخي سلطان الملقى درعا غداً ... " فاستنفرت من فوري أنصاري، فلبوا الدعوى مشاة وفرساناً وأقبلوا تحت بيارقهم الخفاقة كالسيل الجارف ولكنني احتفظت بنحو خمسمائة فارس، وطلبت من المشاة أن يعودوا إلى قراهم وينتظروا عني علماً آخر إذا دعت الضرورة إلى وجودهم في جبهة القتال.
سرنا نحو بصرى فاستسلمت حاميتها دون مقاومة تذكر، واستولينا على الأسلحة والذخائر ومستودعات الحبوب، ورحنا نوزعها على الأهالي الذين انضموا إلينا في البلدة نفسها تعويضاً لهم عما صادرته منهم السلطة العثمانية أيام الحرب، ثم توجهنا إلى الشيخ مسكين دون أن نعرج على درعا التي أوشكت أن تسقط بيد الجيش العربي ينافسه على ذلك بعض سرايا الجيش البريطاني، فالتقينا هناك بفريق من رجال حملة الجبل وكان القسم الأكبر منهم قد عاد إلى الجبل عن طريق الأزرق ومن الفرسان الذين كانوا إلى جانبي في هذه الحملة – كما يقول سلطان الأطرش – 31 فرسان عشائر السردية تحت قيادة خلف الكليب السردي ونذكر منهم فارس القطعان السردية وغيرهم من فرسان المنطقة، كما التقينا بالحوارنة بقيادة الشريف ناصر، وأخذنا نطارد القوات العثمانية والألمانية المتراجعة ولكننا توقفنا في جبهات " الكسوة " حيث تمكن الأتراك من إقامة خط دفاعي حصين تساقطت منه علينا قنابل المدفعية الثقيلة بكثافة ودون انقطاع، وقد اتصل بنا الأمير فيصل طالباً مواصلة الزحف بأقصى سرعة لدخول دمشق قبل وصول الجيش البريطاني إليها، ويتابع سلطان الأطرش 32 قوله : " لقد قمنا بحركة التفاف حول مواقع الأتراك وباغتناهم بهجوم صاعق عطلنا به أكثر بطاريات مدفعيتهم وقاتلناهم في خنادقهم بالسلاح الأبيض، حتى استسلم لنا من بقي حياً منهم، وفي (30 أيلول 1918م) وصلنا إلى سلحة المرجة – في دمشق – ورفعنا فوق دار الحكومة العلم العربي الذي كان يخفق في مقدمة حملتنا منذ خروجنا من الجبل.
وجدير بالذكر أن فرسان عشيرة السردية قد دخلوا دمشق مع جيش الثورة العربية الكبرى وجاءوا بصحبة سلطان باشا الأطرش وكانوا تحت قيادة خلف الجنازة السردي 33.
كما ساهم فرسان عشيرة السردية بحل الخلاف الذي نشب بين سلطان باشا الأطرش وعودة أبو تايه في دمشق 34، فقد جاء في مذكراته قوله : إنني أشعر بالندم على ما بدر مني بحق عودة أبو تايه ... لقد قررت أن أزوره صباحاً في منزله لأعيد صلة ما انقطع بيني وبينه في ذلك الحادث المؤسف، وفي اليوم التالي ركبت لزيارته ولكننا لم نجده في مقره، وبعد عودتي للجبل تبادلت وإياه رسائل شفوية عديدة بواسطة بعض أصدقائنا من عشيرة السردية 35 فزال أثر الخلاف الذي وقع بيننا.
ويعترف " إدوار ميدايدل " في كتابه " صانعو الاستراتيجية الحديثة " بالدور العظيم الذي قامت به حملة الأزرق والتي تكونت من الجنود العرب وقوات البدو وكانت مهمتهم خطيرة وصعبة مؤادها أن تقوم هذه القوات بحملة سريعة الحركة وبهجوم خاطف من الخلف على درعا ملتقى الخطوط الحديدية بين دمشق وفلسطين وشرقي الأردن بقصد قطع خطوط مواصلات الجيوش التركية قبل قيام " اللبني " بالهجوم ويعترف أنه لولا نجاح هذه الحملة لما نجح هجوم " اللبني " 36.
وهناك أيضاً أمر هام بالنسبة لأهل دمشق وهذا قد تكررت صورة في تاريخ دمشق القديم والحديث وهي أنهم يصبرون صبراً طويلاً على الأذى حتى تحسب أنهم ضعاف لا حياة فيهم ويبالغون في تلقي الأذى حتى لتحسب أنهم يريدون الذل، ثم يثورون فجأة ثورات عنيفة شديدة مخيفة، وإذا الباغي قد زال يتبعه أذاه 37، ومن ضمن مساعي الأمير فيصل لتصفية النزاعات بين عشائر حوران جاء في مذكرات سلطان باشا الأطرش 38 " أنه ذات يوم زارني حديثة الخريشا وبعد أن تناول القهوة قال : جئت من قبل الأمير فيصل لأعلمك بالقرار الذي اتخذه بعد مشاورة كبار معاونيه وأعضاء حكومته لتصفية الخلافات القديمة بين العشائر البدوية والتي كانت تناصب بعضها العداء، وإعادة الوئام بينها في الجبل بقصد توحيد الصف وتمهيد الطريق للاستقلال الصحيح، وما هي إلا أيام قليلة حتى جمعنا الأمير فيصل في ديوانه 39 بالمهاجرين وأبدى رغبته في إزالة آثار الخلاف التي نشبت بيننا في الجبل فتصافحنا وتعاهدنا علي السير في خط واحد تحت راية الدولة العربية الناشئة ويضيف سلطان باشا قائلاً: لقد ظلت ذكرى الثورة العربية الكبرى وأمجاد معاركها المظفرة في جيزرة العرب وبلاد الشام من أعز الذكريات وأعمقها أثراً في نفسي وعلى الرغم مما ظهر من محاولات فردية للتشكيك بجدواها في أول عهدها، وهو ما يفعله البعض في أيامنا هذه أيضاً من تهم باطلة وأحكام جائرة عليها لإخراجها من دائرة الحركات النضالية والثورات التحررية الأصلية في تاريخ العرب الحديث 40.
وحتى ذلك التاريخ وبعده بقليل أيضاً لم تزل العصبية العشائرية مسيطرة على أفكار تلك العشائر فلقد قامت عشيرة السردية بمهاجمة شيشان الزرقاء 41 وكتب المرحوم مصطفى وهبي التل " عرار " والذي كان يشغل حاكمية الزرقاء في ذلك الحين بالحادث تقريراً مطولاً إلى قائم مقام جرش الأسبق المرحوم الشريف " عبد الرحيم الهيمق " ونظراً للموقف الحازم الذي وقفه " عرار " من عربان السردية راح هؤلاء يطعنون في تقريره بدعوى أنه كتب التقرير في غرفته ولم يكتبه في دار الحكومة وعليها يرفرف العلم الأردني وليدحض " مصطفى " مزاعمهم ويضفي على التقرير صبغة رسمية أمر بصنع علم نصبه فوق منزله وهدفه من هذا العمل أن يقول لمن طعنوا في تقريره " ها هو العلم خفاقاً فوق غرفتي وفوق دار الحكومة وما يصح في منزلي من أوامر وتقارير يصح في دار الحكومة.
وفي عام (1928م) قامت الحكومة الفرنسية فتكرمت بقبول الصلح بين السردية والسرحان على أثر خلاف قديم بينهم 42.
وقد تعرض السردية لمذبحة من قبل الوهابيين " الأخوان السعوديين " وذلك عندما ذهب حوالي الخمسون فارساً من السردية ترافقهم النساء لجلب الملح من القريات وخيموا في الهزيم بالقرب من الأزرق وكان ذلك في العشرينيات من هذا القرن والذي صادف عبور جموع الوهابيين الأردن محاولين نشر دعوتهم في بلاد الشام فوجدوا السردية بالهزيم فقتلوهم جميعاً ولم ينج منهم إلا القليل وكان من ضمن القتلى شاطر الدبيس السردية وسالم الهدوبي السردية.


المصدر منتديات البدو