د. أحمد شوقي بينين



الحديث عن فهرسة المخطوطات في المغرب يستوجب الحديث أولا عن مصادر هذه المخطوطات وعن الطرق المختلفة التي عملت على تجميعها نسخا واستنساخا وتأليفا وترجمة واقتناء إلى أن أصبحت هذا الرصيد الغني الذي تزخر به مكتباتنا والذي جعل المغرب الأقصى قبلة الباحثين من جميع الأصقاع بحثا عن نوادر المخطوطات التي قد يعز نظيرها في جهات أخرى.
إن هذا التراث المحفوظ اليوم في المغرب في مختلف خزاناته يعتبر شاهدا صريحا على اندماج بلد البرابر في الحضارة العربية منذ القرون الإسلامية الأولى. ولم يكن من المصادفة في شيء العثور في مسجد خزانة بزو وهي مدينة صغيرة على جبال الأطلس على النسخة الوحيدة في العالم لكتاب "البرصان والعرجان والعميان والحولان" لعالم البصرة الكبير أبي عثمان الجاحظ(1). وعلى الرغم من قلة الأخبار والمعلومات عن خزانات الكتب في مصادر التاريخ والتراث بالمغرب فإنه كان للكتاب مكانته في هذا البلد.
إن المسافة الجغرافية والثقافية التي تفصل بين المغاربة والشرق الذي يعتبر منبع حضارة الكتابة تحث هؤلاء المغاربة على إعطاء الكتب وكل شيء مكتوب عناية ومكانة شبه مقدسة تتجلى من خلال حركة الشيوخ الذين ينحدرون لجمع ورقة مطبوعة أو مخطوطة تعترضهم في طريقهم وحفظها في حفرة أو ثقبة حائطية حتى لا تدوسها أقدام المارة.
نلاحظ أن اهتمام المغاربة بالكتاب قديم وتقديسهم للورقة المكتوبة عريق. فلا غرابة إذن في كون المغرب يحتضن خزانات تضم أهم الأرصدة المحفوظة في مختلف بلدان الغرب الإسلامي بأكمله.
وإذا أردنا أن نعطي فكرة عن رصيد التراث العربي المخطوط في المغرب في الوقت الراهن فلا بد من الحديث ولو باختصار عن حالة هذا الرصيد في العصور السابقة. إن طبيعة المخطوطات في المغرب في العصور الأولى وحتى العهد المرابطي لا تكاد تختلف عن طبيعة المخطوطات في المشرق.
كل المعلومات التي أمكن استقاؤها - على ضآلتها - تنبئ بأن معظم الكتب كانت عبارة عن مصاحف قرآنية وكتب فقه وحديث، ويدلنا على هذا تلكم الأخبار المتعلقة باهتمام أمراء الدولة
المرابطية بالفقه المالكي، ودعوة الفقهاء إلى وضع كتب الفروع المتعلقة بهذا المذهب.
ولم يكن لكتب المعارف الأخرى، خاصة كتب الفلسفة والتصوف، مكان في الخزانة المغربية، بل يعاقب عقابا صارما من وجدت عنده هذه الكتب.
يقول المراكشي في "المعجب": "ولم يكن يقرب من أمير المسلمين ويحظى عنده إلا من علم علم الفروع، أعني فروع مذهب مالك، فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعمل بمقتضاها ونبذ ما سواها…. و دان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شيء من علوم الكلام. وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيح علم الكلام وكراهة السلف له وهجرهم من ظهر عليه شيء منه وأنه بدعة في الدين… فكان يكتب عنه في كل وقت إلى البلاد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه وتوعد من وجد عنده شيء من كتبه"(2).
لم تعرف الخزانة المغربية إذن تغييرا في محتوياتها حتى بداية القرن السادس الهجري الذي عرف نهاية المرابطين. ولكن مع بداية الموحدين الذين كانوا أكثر تفتحا من سابقيهم بدأت كتب الفلسفة والتصوف تجاوز كتب الفقه والحديث والتفسير في الخزانات الخاصة والعامة، وليس أدل على هذا من ظهور أكبر صوفية المغرب في هذا العهد ووضع أكبر التآليف وأشهر شروح كتب فلسفة الإغريق. بإيعاز من عبد المؤمن، وضع أبو مروان عبد الملك بن زهر كتاب "الأغذية". وبدعوة من أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن الموحدي، وضع الفيلسوف ابن رشد شروحه لمؤلفات أرسطو. وفي هذا العهد كذلك ألف ابن الزيات التادلي كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" الذي يعتبر أكبر مؤلف عن صوفية المغرب في العصر الوسيط(3).
أما في العهد المريني، فإن كل علوم العصر قد درست وألف فيها. ففي جامع القرويين يدرس – إلى جانب الفقه والتفسير – علوم الرياضيات وعلم الفلك وعلوم أخرى مشابهة. وقد جلبت أو نسخت كل المؤلفات التي تعالج هذه العلوم مما زاد رصيد المخطوطات في المغرب تنوعا وغنى وحفز العلماء والوجهاء والملوك إلى البحث عن المخطوطات واقتنائها مهما كان الثمن. إنه العهد الذي عرف خلاله المغرب أكبر العقول وأهم الكتب في التاريخ والحضارة. ولم تكن عهود الشرفاء السعديين والعلويين بأقل اهتماما من هؤلاء بجمع الكتب ونسخها واستنساخها وجلبها من جميع الجهات.
كان المنصور الذهبي السعدي –مثلا- يأتي بالكتب من إصطنبول والقاهرة وشبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدان، وكانت أكبر وأفخر هدية يتلقاها من سفرائه وأقربائه ووزرائه، تلكم التي تكون عبارة عن كتاب مخطوط أو كتاب نادر أو مصحف يحتفظ به في خزانته.
ومما يدل على اهتمام الملوك العلويين بهذا الجانب هو كون جلهم علماء شاركوا في البحث والتأليف والترجمة(4) وقد أسسوا الخزانات التي لعبت أكبر الأدوار في الحفاظ على هذا التراث ووضعوا على رأسها عالما أو قاضيا أو ربما وزيرا، كما صنع المولى إسماعيل حين عين على رأس خزانته الخاصة الوزير اليحمدي. هذا الاهتمام هو الذي جعل الخزانة المغربية في الوقت الحاضر من أهم خزانات العالم غنى بالمخطوطات وحفاظا على أصولها ونفائسها.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد الباحثون في مجال المخطوطات أن المغرب يحتفظ في بعض الخزانات العامة، وربما ضمن الأرصدة التي لم تفهرس بعد وكذلك في خزانات أخرى خاصة، كتب الإغريق واللاتين التي نقل بعضها إلى العربية والتي لا توجد في أي بلد عربي آخر. ومما يدل على هذا هو اهتمام الباحثين الأوروبيين بهذه الكتب وبحثهم عنها في بلاد المغرب. لقد أصبح المغرب في نهاية القرن التاسع عشر تقريبا البلد العربي الوحيد الذي لم تطأ أرضه بعد أقدام المستعمر، فاعتبارا لهذه الوضعية السياسية ونظرا لاهتمام المغاربة بالكتاب أصبح المغرب كعبة الباحثين الذين يسعون إلى الحصول على ما تعذر العثور عليه من مخطوطات عربية ومترجمة.
إن عددا من الوثائق التاريخية التي نشر بعضها هنرى دو كستري في كتابه: "المصادر الدفينة لتاريخ المغرب"، تؤكد ما ذكرناه سلفا، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الباحث الشرقي "باي العباسي"(5) قد قدم إلى المغرب وقضى وقتا طويلا في خزانة جامع القرويين يبحث عن عشريـات تيتوس ليفوس (Tite live) الذي يعتبر محفوظا في إحدى خزانات هذا البلد، وعلى الرغم من عدم العثور عليه في ذلك الوقت فإن المستشرق ليفي بروفنسال الفرنسي(6) الذي بحث بدوره عن عشريات المؤرخ اللاتيني أكد من جهته أن المؤرخ ابن خلدون قد قرأ هذا الكتاب في ترجمته الكلية أو الجزئية إلى العربية واستقى منه الأخبار المتعلقة بواقعة "كان" (Cannes)، التي جرت سنة 216 قبل الميلاد وهزم خلالها القرطاجنيون بزعامة "هانيبال" عساكر الرومان برئاسة "فارون".
وإذا خلت اليوم المكتبات العمومية المغربية من هذه المخطوطات، فهذا لا يعنى أنها غير موجودة أو أنها فقدت إلى الأبد، بل إنه من شبه المؤكد أنها آلت إلى خزانة من خزاناتنا الخاصة العديدة التي لا تزال مجهولة(7) والتي تضم بلا شك في خباياها أرصدة هائلة من المخطوطات تكاد تفوق ما هو محفوظ ومفهرس ومتداول في مختلف الخزانات العامة.
إن هذا التراث الغزير الذي تجمع لدى المغاربة منذ العصور الإسلامية الأولى قد حفظته وصانته مكتبات مختلفة يمكن حصرها في أنواع ثلاثة: المكتبة الملكية، والمكتبات الخاصة، والمكتبات العامة. وقد لعبت كلها دورا بارزا في حفظ وتنظيم هذه الحصيلة الحضارية التي أفادت الباحثين مستشرقين وعربا في الوقوف على معالم الثقافة والحضارة العربية الإسلامية في المغرب.
إن الخزانة الملكية التي تعتبر أول مؤسسة تفصح عنها كتب التاريخ والحضارة قد عملت على نسخ المخطوطات واستنساخها وترجمتها إلى لغة الضاد فتجمع لديها ذلك الرصيد الذي جعل منها، كما قلنا سابقا، أهم خزانة في الغرب الإسلامي بأكمله. فبصدد حديثه عن الحركة الثقافية على عهد الأدارسة يخبرنا أبو عبيد البكري في المسالك والممالك أن عددا كبيرا من العلماء والأدباء، أندلسيين ومغاربة، قصدوا بلاط الخليفة الإدريسي يحيى الرابع وأن كثيرا من الوراقين كانوا يعملون بخزانة القصر ينسخون الكتب. "... إنه كان ينسخ له عدد من الوراقين"(8).
وقد بلغت هذه الخزانة مكانة مرموقة على عهد المرابطين والموحدين وعرفت نموا وازدهارا على عهد المرينيين والسعديين والعلويين. يحدثنا المراكشي في "المعجب" عن الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المؤمن الذي كان عالما محبا للفلسفة أنه أمر بجمع كتبها، فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي(9). "ولم يزل يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب ويبحث عن العلماء، وخاصة أهل علم النظر، إلى أن اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك من قبله ممن ملك المغرب"(10). ولم يكن يكتفي هذا الخليفة بما يقتنيه من كتب، وبما يهدى له منها من طرف السفراء والعلماء والوجهاء، بل كان يلجأ إلى القوة لاحتكار أي خزانة خاصة جاء إلى سمعه أنها تضم مجموعة من كتب الفلسفة التي كان يعشقها. وقصة السيطرة على خزانة العالم "المراني التي حدثنا عنها المراكشي في كتابه "المعجب" أكبر دليل على هذه الظاهرة(11).
وقد بلغت هذه الخزانة أوجها ابتداء من القرن الثامن الهجري حيث كان معظم ملوك المغرب علماء محبين للكتب، لا يدخرون وسعا في اقتنائها واستنساخها وترجمتها، للاستفادة منها وإفادة الباحثين من العلماء والمؤلفين الذين كانت تعج بهم بلاطاتهم على مر العصور، ولا تزال المكتبة الملكية المغربية تحتفظ بالكثير من المخطوطات عليها حواشي الملوك وتعليقاتهم وتملكاتهم أو إشارات إلى أوامرهم بتأليفها برسم خزاناتهم الخاصة. وقد جعلوا على رأس هذه المكتبات قضاة و وزراء وحجابا، إيمانا منهم بدور هذه المؤسسات في تطوير المجتمع وترقيته. وإذا كانت الخزانة الملكية خزانة خاصة، فإن الوضع الذي تتميز به، من حيث محتوياتها وغناها واقتناؤها لنفائس المخطوطات ونوادرها ودورها العلمي الكبير الذي أناطت به نفسها منذ ظهور الملكية في المغرب، جعلها تتبوأ مكانة تميزها عن المكتبات الخاصة التي تميزت بها البيوتات المغربية منذ القديم.
إن كتب التاريخ والحضارة المغربية تعج بالأخبار عن هذه الخزانات التي تزين بيوت الأمراء والوزراء والوجهاء والعلماء والتجار والأغنياء الذين لم يكن جهل بعضهم ليثنيهم عن البحث عن الكتب الجميلة الأنيقة والمزخرفة، وإذا غفل المؤرخون عن ذكر بعض هذه الخزائن فإننا نعرفها اليوم ونقيمها من خلال التملكات التي لا تزال ماثلة على ظهر الكثير من المخطوطات المحفوظة في مختلف الخزانات.
وللتدليل على ذلك يحدثنا الإفراني في "نزهة الحادي" أن الوزير السعدي عبد العزيز الوزكيطي وحاجب السلطان أحمد المنصور الذهبي كانت له خزانة خاصة تضم خمسين ألف مخطوط، على الرغم من مستواه العلمي المتوسط، وتدلنا خاتمة كتاب "الدر المنظم في مولد النبي المعظم" أن هذا الكتاب ألف برسم خزانة أمير سبتة أبي القاسم بن أبي العباس العزفي. ومن مميزات هذه الخزانات أنها كانت مفتوحة في وجه الباحثين من العلماء للقراءة والنسخ وأنها كانت تسمح بإعارة الكتب.


أما المكتبات العامة فإنها بدأت في المغرب على غرار البلاد المشرقية داخل المساجد، وتتلخص هذه المكتبات في أربعة أنواع: مكتبات المساجد، مكتبات المساجد الجامعة، مكتبات المدارس العتيقة، ومكتبات الزوايا.
مكتبات المساجد ظهرت مع ظهور المسجد في المغرب، وما سميته بمكتبات المساجد الجامعة فإنها تلكم المكتبات التي أسست بإزاء بعض الجوامع الكبرى التي كانت تقوم بدور الجامعة في العصر القديم، وأخص منها بالذكر خزانة جامع القرويين الذي يعتبر أقدم جامعة عربية إسلامية، وخزانة جامع ابن يوسف بمراكش الذي أسسه علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي في مطلع القرن السادس الهجري، وقد كان للخزانتين، مع ما يماثلهما من مؤسسات، دور كبير في تطوير الثقافة وفي الحفاظ على المخطوطات، ولا تزالان إلى اليوم تؤديان هذا الدور.
وبإزاء هذه المكتبات توجد مدارس عتيقة، خصوصا في المدن القديمة كفاس ومراكش، لإيواء الطلاب الآفاقيين. إن هذه المؤسسات التي كان يقطن فيها الطلبة كانت مزودة بمكتبات للمطالعة والقراءة، ولم تكن مقتصرة على القاطنين وحدهم بل كانت تتجاوزهم إلى غير القاطنين من طلبة المساجد والمعاهد الأخرى(12).
وبالإضافة إلى ذلك بدأت تظهر في المغرب، خصوصا ابتداء من القرن العاشر الهجري، زوايا قامت بأدوار بارزة سواء في تطوير الثقافة أو في سبيل الحفاظ على التراث المخطوط. وعلى الرغم من كون السبب الرئيسي في إنشاء هذه المؤسسات سياسيا وذلك لمواجهة الغزو المسيحي للمغرب منذ القرن التاسع، فإنها قد أعطت أكبر العقول وأعظم المؤلفات وأهم الخزانات التي عرفها تاريخ المغرب، بدءا من عصر السعديين، ولا تزال خزانة زاوية تامجروت الناصرية بالجنوب المغربي تشهد على ذلك. أما خزانة الزاوية الدلائية التي كاد يتم لزعمائها الاستيلاء على المغرب بأكمله في القرن الحادي عشر الهجري فإنها كانت حسب المؤرخين في مستوى خزانة الحكم المستنصر الأموي التي كانت تضم أربعمائة ألف كتاب. يحدثنا الشيخ عبد الحي الكتاني أن الكثير من كتب هذه الخزانة قد آل إلى خزانة السلطان العلوي المولى الرشيد الذي حبس بعضا منها على خزانة المسجد الكبير بمكناس(13).
كما آل رصيد منها إلى خزانات أخرى كخزانة الزاوية العياشية وخزانة مسجد مدينة "بزو" التي عثر فيها على النسخة الوحيدة لكتاب "البرصان والعرجان والعميان والحولان" للجاحظ ت255هـ.
بعد هذا العرض المختصر عن العوامل والظروف التي عملت على إنشاء المكتبات وتجميع أرصدة المخطوطات في المغرب، نرى الآن كيف تم تنظيمها وفهرستها قديما وحديثا.
إن كتب التراث والحضارة التي تشير إلى خزانات الكتب إشارات عابرة لا تحدثنا عن أنظمة هذه الخزانات إلا نادرا وعندما تتعرض لذلك فإنها تقتصر على ذكر اسم القيم عليها وذكر بعض محتوياتها من غير أن تتجاوزهما إلى الحديث عن عملية الفهرسة التي هي موضوع البحث.
وعلى الرغم من جهود المغاربة القدماء في محاولة فهرسة المخطوطات فإنها لا تعدو أن تكون قوائم و لوائح لا تخضع لأي نظام أو ترتيب، والواقع فإن الفهرسة بدأت مع بداية الخزانة المنظمة في المجتمع المغربي في العصر الحديث. وأول فهرس من هذا الصنف، جدير بالإشارة إليه، هو الفهرس الذي وضعه المستشرق الفرنسي (ألفرد بل) Alfred Bel لمجموعة خزانة القرويين في مطلع هذا القرن.
وسنتتبع الآن الفهارس التي وضعت حتى الآن لمختلف الخزانات المغربية، حسب التقسيم الثلاثي الذي اقترحناه في مقدمة هذا البحث ثم نتبعه الحديث
عن المناهج المتبعة في الفهرسة وتقييمنا لها ثم نختم بموقفنا من الفهرسة وبعرض بعض المقترحات، لتقويم هذه العملية التقنية والعلمية في آن واحد.
1 – الخزانة الملكية:
أشرنا آنفا إلى أن المصادر لم تفصح عن ذكر فهارس الخزانة الملكية إلا ما أشارت إليه من لوائح تفتقر إلى كل المواصفات التي تتميز بها الفهرسة الحديثة، ويبقى أن أول محاولة وضعت لترتيب مخطوطات الخزانة الملكية(14) وفهرستها تلكم التي قام بها العلامة محمد الفاسي، من خلال البحث الذي نشره عام 1964 بمجلة البحث العلمي بعنوان: "الخزانة السلطانية وبعض نفائسها": بعد مقدمة موجزة عن تاريخ المكتبات المغربية عموما و المكتبات الملكية خصوصا.
أشار المؤلف إلى الدور الرئيسي الذي لعبته هذه المؤسسات في حفظ التراث، مع عرض لعدد من نوادر الخزانة محيلا على بروكلمان وليفي بروفنسال وحاجي خليفة.
وقد كان الترتيب الذي وضعه محمد الفاسي لهذه الخزانة على الشكل التالي:
- وصف بعض النوادر والنفائس.
- السيرة النبوية.
- الجغرافية.
- الرحلات.
- الأنساب.
- تاريخ المغرب العربي.
- التراجم.
- القرآن الكريم.
- القراءات.
- التجويد.
- علوم القرآن.
- التفسير.
- الطب.
- علم الفلك.
- الفقه.
- اللغة.
- النحو والصرف.
- العلوم الطبيعية.
- الموسيقى.

وقد نشر محمد الفاسي عددا من المقالات في نفس المجلة وصف خلالها هذه المخطوطات ورتبها حسب الفنون المشار إليها أعلاه(15).
وقد تلا هذه الأبحاث كتاب محمد المنوني بعنوان: منتخبات من نوادر المخطوطات، نشر عام 1978 بتقديم مدير الخزانة عبد الرحمن الفاسي. حاول الفقيه المنوني أن يختار من نوادر المكتبة، بعض مؤلفات الملوك والسلاطين، وما كتبه الأندلسيون والسودانيون والمشارقة، وما كتب بالخط الكوفي، وقد ذكر بعض المخطوطات التي لها قيمة ببليوغرافية مع عرض موجز لمحتوى المخطوط. وتشكل الكتب المختارة الفنون التالية:
المصاحف، التفسير، الحديث، السيرة، الفقه
وملحقاته، الكلام، اللغة والنحو، الأدب، التاريخ، الأنساب، التراجم، الجغرافية والرحلات، السياسة، الرياضيات، الطبيعيات، الفلاحة، الكيمياء، الفلك والتنجيم، الطب، الموسيقى، علوم متنوعة.
وقد استهل المنوني هذا الكشاف بمقدمة تناول فيها مجموعة من الوثائق، وهي عبارة عن بيعات سلطانية، وظهائر ملكية أصلية، ومكاتبات ورسائل وتقاييد، ثم تناول الحديث عن الوثائق التي توجد في الكنانيش(16).
وقبل هذا العمل المتعلق بالمنتخبات كان الفقيه المنوني قد شرع في وضع فهرس شامل لمخطوطات الخزانة الحسنية حسب أرقامها على الرفوف(17) عالج فيه 438 مخطوطا.
بعد مقدمة عن المكتبات الملكية بالمغرب، يبدأ المنوني فهرسه الطوبوغرافي للمكتبة الحسنية، حيث يذكر عنوان الكتاب، رقمه، اسم المؤلف، عدد أوراقه وشكله، وصف الخط، اسم الناسخ إذا وجد، تاريخ النسخ، يشير كذلك أحيانا إلى كتب التراجم التي ترجمت المؤلف والفهارس، والكتب الببليوغرافية التي ذكر فيها الكتاب، وكذلك إلى بعض الخزائن المغربية التي توجد فيها نسخة من المخطوط، كالمكتبة العامة وخزانة القرويين. ولم يحتو الفهرس على مسارد أو كشافات لأن صاحبه لم يتمه، وآخر كتاب ذكره هو شرح الرسالة السمرقندية في آداب البحث.
وفي سنة 1980 نشر محمد عبـد الله عنـان ت 1985 أول فهرسة للمخطوطات التاريخية(18)

المحفوظة بالخزانة الحسنية.
بعد مقدمة تعرض فيها المؤلف إلى حرص ملوك المغرب على جمع نفائس الكتب ونوادرها، أشار إلى أن عدد كتب التاريخ نحو الألف وأنها تعالج الموضوعات التالية: التاريخ العام، تاريخ الشرق العربي، تاريخ المغرب العربي، السيرة والأنساب، التراجم والمناقب، الرحلات، وأخيرا مجموعة الوثائق وهي عبارة عن رسائل سلطانية وإجازات العلماء وظهائر ملكية.
ويضم هذا الفهرس ما جاء كذلك من مؤلفات تاريخية ضمن ما يسمى بالمجاميع. وقد عرف المؤلف هذه المخطوطات، وذلك بوصفها وذكر وفاة مؤلفيها واستعراض محتوياتها وذكر ما يمكن ذكره من نظائرها الموجودة في المكتبات الأخرى، مع إحالتها على أمكنتها في معاجم الفهارس العلمية، مثل بروكلمان والغزيري (الإسكوريال) والمتحف البريطاني والفاتيكان وغيرها، ثم يختم بذكر تاريخ ومكان النشر، هذا إن كان الكتاب قد نشر. وقد سلك المفهرس، في الترتيب الفهرسي لأسماء الكتب على حروف المعجم، الطريقة المغربية التي تقدم الكاف واللام والنون على الصاد والضاد والعين والسين والشين، جريا على ما سار عليه الكتاب المغاربة منذ القديم في تصنيف فهارسهم الأبجدية(19).
وابتداء من سنة 1982 بدأت الخزانة الحسنية بإشراف محافظها آنذاك محمد العربي الخطابي، تصدر فهارس المخطوطات، اقتداء بفهرس عبد الله عنان
الذي يعتبر المجلد الأول لهذه الفهارس. وهكذا نشر الخطابي عام 1982 فهرس الطب والصيدلة والبيطرة والحيوان والنبات(20).
بعد مقدمة تاريخية على غرار مقدمة المجلد الأول، تعرض المفهرس للحديث عن العلوم عند المسلمين ثم ذكر السبب الذي دعاه إلى تناول مخطوطاتها بالفهرسة وهو، حسب ما جاء في المقدمة، تلبية لرغبة أكاديمية المملكة المغربية، ومقررات مؤتمر الطب(21) الإسلامي الذي انعقد في الكويت في شهر يناير 1981، التي أوصت في نهاية هذا المؤتمر بتشجيع دراسة الطب الإسلامي ونشر كتبه وإنشاء منظمة إسلامية تعنى بإحياء العلوم الطبية الإسلامية في مجال التراث والبحث العلمي.
يضم مجموع الفهرس 288 كتابا يمكن حصرها في ثلاثة مواضيع:
1 - كتب الطب والصيدلة والأغذية وحفظ الصحة.
2- أراجيز ومنظومات في الطب والصيدلة.
3- البيطرة والحيوان والنبات.
من بين كتب الطب: هيولى علاج الطب(22) لحنين ابن إسحاق، وهو ترجمة من السريانية إلى العربية لكتاب المادة الطبية Materia Medica للطبيب اليوناني Dias Coridas. وتقوم الأدوية(23) ليوحنا ابن بختيشوع وكتاب الأغذية لأبي مروان ابن زهر وغيرها. ومن بين الأراجيز أرجوزة في الطب(24) لابن سينا وأرجوزة ابن عزرون في الحميات

والأورام وأرجوزة الفشتالي في الطب. أما ما يخص البيطرة والفلاحة، فنذكر منها ديوان الحيوان للسيوطي (911هـ) وكتاب الفلاحة لابن بصال (ت499هـ)(25).
وفيما يخص وصف المخطوط، فقد سلك المفهرس الطريقة الشرقية في ترتيب الحروف، فيذكر اسم المؤلف وعنوان الكتاب وكل ما يدخل فيما يسمى بالعنوان الببليوغرافي، ثم يذكر بداية ونهاية المخطوط، على غرار كشف الظنون لحاجي خليفة، ثم الزخرفة والتفسير واسم الناسخ وتاريخ النسخ، إن ذكر، ثم المسطرة والقياس وعدد الأجزاء. وختم الفهرس بأربعة كشافات:
1 – كشاف عناوين المؤلفات.
2 – كشاف الأراجيز.
3 – كشاف أسماء المؤلفين.
4 – كشاف الناسخين.
وكلها مرتبة ترتيبا ألفبائيا. ويمكن اعتبار هذا الفهرس كتابا في تاريخ الطب، لأن الخزانة الملكية تضم عددا من النصوص الطبية نقلت في العصر الوسيط من العربية إلى اللاتينية والعبرية ودرست في جامعات أوربا، مثل مونبوليي بفرنسا وأكسفورد بإنجلترا وليدن بهولندة. وفي نفس السنة أي عام 1983 ظهر المجلد الثالث من فهارس الخزانة الحسنية وهو الفهرس الوصفي لمخطوطات الرياضيات والفلك وأحكام النجوم والجغرافيا(26).
أكد المفهرس في مقدمته أنه لم يخرج عن الطريقة التي اتبعها في ترتيب هذا الفهرس عن النهج الذي اتبعه في فهرسة الطب. وتمتد عصور مخطوطات هذا الفهرس من القرن الثالث إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري. وينتسب مؤلفوها إلى مختلف آفاق العالم الإسلامي، ومنهم عدد من المشاهير الأعلام الذين أسهموا بعلمهم ومصنفاتهم إسهاما نافعا كان له أبعد الأثر في تطور العلوم، وتقدم الحضارة البشرية. ويؤكد المفهرس كذلك أن المجموعة التي يضمها هذا الفهرس تحتوي على عدد كبير من النوادر تنفرد بها الخزانة الحسنية أو يعز نظيرها في خزانات الكتب الشهيرة الأخرى، ومن هذه النوادر مصنفات علماء ينتسبون إلى أقطار الغرب الإسلامي برزوا في الحساب والجبر والمساحة والهيئة والتوقيت وآلات الرصد المختلفة(27).
فهرس المؤلف 589 مخطوطا: يذكر عنوان الكتاب، اسم المؤلف، أول النسخة، نهايتها ثم ملخصا لمحتوى المخطوط، نوع الخط، لون المداد وأخيرا اسم الناسخ وتاريخ النسخ إن وجد في حَرْدِ المتن (colophon). وقد ذيّل المفهرس كتابه بكشافات ثلاثة: أولها خاص بأسماء المخطوطات: الرياضيات وعلم الفلك ثم الجغرافيا، والثاني خاص بأسماء المؤلفين، وآخرها خاص بأسماء النساخ، وكلها مرتبة ترتيبا ألفبائيا.
يتبع