لعل منطقة تلمسان في الجزائر : هي من أهم المناطق الجزائرية التي استقبلت الكثير من الهجرات العَكسية ( أي الهجرات المنطلقة من الاندلس بعد سقوطها ) لقرب سواحل هذه الأخيرة من الأندلس ، فتمركز هؤلاء الاندلسيون في بداية أمرهم في حاضرتها (المدينة ) ثم انتشروا في ريفها وقراها ، حيث مارسوا مهنهم المعتادة ( كالتجارة والزراعة الجبلية المشهورة لدى أهل الأندلس ونقلوا معهم العلوم والفنون واللباس والكلام والصناعة ) واندمجوا مع المجتمع المحلي لتلمسان ، ثم ما لبثت أن ضاقت بهم تلمسان (خصوصا بعد الهجرة الثانية التي كانت أكثر كثافة ) فأقطع سلاطين تلمسان هؤلاء الأندلسيون الجدد أراضي وممتلكات خارج المدينة ومازال التلمسانيون لحد اليوم يفتخرون بأن مدينتهم استقبلتْ لوحدها مايزيد عن 50 ألف أندلسيلجأوا إليها بعد سقوط مدينة قرطبة عام 1236م، هذا في وقت لم تكن المدينة تتسع لهذا الرقم الضخم الذي كان يقارب عدد سكانها ، مما اضطر العديد من الأندلسيين للاستقرار خارج المدينة وتأسيس قراهم ومدنهم الخاصة بهم .
قبيلة بني صُميل المضرية الأندلسية في تلمسان -الجزائر 10698490_10202912746
ومن القبائل الأندلسية التي استقرت في تلمسان والتي مازالت موجودة لحد اليوم ، في شرقها تحديدا ، نجد قبيلة بني الصُميئل أو بني صميل، كما تُنطق محليا، وهي فرع من قبائل مضر العربية التي كانت متواجدة في الأندلس منذ الحقبة الأموية قبل انتقالها إلى الغرب الجزائري قادمة من جِيَّان واستقرارها في المنطقة التي تحمل اسمهم اليوم وهي بلدة بني صميل التابعة لأولاد ميمون. ، يحدهم شرقا قبيلة أولاد ميمون العامرية و بلدة عين تالوت وغربا بلدة الواد الأخضر (واد الشولي سابقا -مستوطن فرنسي- ) وجنوبا موطن قبيلة هلال أنجاد ( الأنقاد ) احدى قبائل بني المعقل ( القور) ، أما نسب هذه القبيلة الأندلسية ( بني صميل ) فيرجع إلى :
قبيلة بني صُميل المضرية الأندلسية في تلمسان -الجزائر 1016952_622841177750
جدهم كماذكر نسابة الأندلس ، هو الأمير الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن الضبابي ، أمير وزعيم القبائل المُضرية في الأندلس ، وأحد الأمراء الدهاة الشجعان الجواد, قدم الأندلس رفقة قومه في أمداد (جيش) الشام أيام بني أمية ، فرأس بها وتزعم قبائل مُضر العربية . كان عقبه بلخشيل من شوذر من عمل جيان ، ومنها انتقلوا إلى الجزائر واستقروا بتلمسان وباسمهم اليوم مدينة بني صميل وهي بلدة تابعة إقليميا إلى دائرة أولاد ميمون ولاية تلمسان الجزائرية

وفي تلمسان أيضا، إلى جانب بني الصميئل في أولاد ميمون، توجد في سهل غْريس بين تلمسان ومعسكر قبيلة أخرى أندلسية من أصل عربي تنحدر من ملوك بني حمُّود الأندلسيين وهي قبيلة “أولاد سيدي دَحُّو أبو زرفة” المنتشرة بين تلمسان وعين تيموشنت ومعسكر….وقد ذكر الباحث ( فوزي سعدالله ) المتخصص في تاريخ الأندلسين ، الكثير من العائلات التلمسانية ذات الأصول الأندلسية والتي مازالت لحد اليوم تحتفظ بألقابها الأندلسية حيث يقول :
“….عندما أوشكتْ غرناطة على السقوط في أيدي الإسبان، اختار السلطان النصري أبو عبد الله الزَّغل وحاشيته ترْكَ مملكته ومملكة أجداده لاجئا ليستقر نهائيا في تلمسان عام 897هـ/1491م… ومنذ وفاته في عاصمة بني زيان، بقي نسل هذا الملك الأندلسي يُعرَف لدى عامة التلمسانيين ببني سلطان الأندلس لفترة طويلة بعد مماته…
وإذا كانت تلمسان قد نسيتْ الأمير الغرناطي أبا عبد الله وأسرته فإنها احتفظت بذكرى عائلات أخرى لجأت إليها من الأندلس على مرِّ السنين قبل وبعد سقوط غرناطة على غرار السَّرَّاج،القَرْمُونِي (نسبة إلى مدينة قرمونة (Carmona))، قرطبي (نسبة إلى قرطبة)، شَبْلي أوشْبِيلي (نسبةً إلى إشبيلية)، شْيَالِي أو شْيُولِي المنحدرة من جزر البَالِيَارْ ، كَازِي وكَازِيطَعْنِي السَّرقُسْطِيَّة، العَشْعَاشِي التي قدِمتْ إلى تلمسان من مُسْتَغَانِم التي كانت أوَّلَ محطة جزائرية لها بعد اللجوء، الآبلي (نسبة إلى آبلة)، الأندلسي، العزُّوني، الحَصَّار المنحدرة من إشبيلية، فخَّار التي يقول بعضُ أفرادها إن جذورهم تضرب في أعماق أرض قرطبة بينما يعتبر آخرون أنفسَهم من مدينة مالقة، الصَّقَّال التي تنتسب إلى حاضرة رُنْدة، مَدْلْسِي أو مَطْلْسِيالتي تُنسَب إلى إشبيلية مثلها مثل أسرة الأُوشْدِي أو لُوشْدِي ، عُقباني، بن غَبْرِيطْ أو بن غَبْرِيتْ التي توجد فروع لها في قسنطينة، بن يَلَّسْ، قَوَارْ، مالْكي (نسبةً إلى مالقة)، بالإضافة إلى صُورْدُو (Sordo)، ورمعون (Remaoune) الذي يُعتقَد أن أصلَه رَامُونْ (Ramon)، وبن عبُّو، وبرَّزَّال، وخلدون، وميدون، وعبْدون وغيرها من العائلات التي تعرضتْ ألقابُها إلى بعض التحويرات. ونَذْكُرُ من بين هذه الحالات آل بن رضوان، التي تحوَّل اسمها بلكنة تركية/عثمانية إلى برَّزْوان والتي يوجد عدد من أفرادها في تلمسان والجزائر وعنابة منذ قرون ويُعتقَد أن أصولها من مالقة، ولو أننا نعلم أن ابن رضوان بن يغش كان من بين كبار قادة سلطان غرناطة الأخير أبي عبد الله النصري عند سقوط مملكته بيد النصارى، لكننا لا ندري إن كانت تربط العائلتين علاقةُ قرابة قديمة تعود إلى العهد الأندلسي/الموريسكي .

كما ذكر الصحفي عَلاَّل بكَّايْ إذ قال بإن الفائض من اللاجئين والمهاجرين (الأندلسين )الذي عجزتْ المدينة عن استيعابه تَوَجَّهَ إلى منطقة “لُورِيتْ” والتي يُقال إن أصلها هو “لَوْ رَأَيْت” ، وإلى باب الجِياد وأيضا عيْن فزَّة …. لكن الجميع يتفق بأن تلمسان كانت قاعدة خلفية للأندلسيين حيث لم يتوقفوا عن اللجوء إليها كلما سقطت حاضرة أو قلعة من الحواضر والقلاع الأندلسية إلى غاية الطرد النهائي للموريسكيين ما بين 1609م و1614م…”.(انتهى كلامه)


منقوول