منصـب أمــير الأمــراء
324-344هـ/ 936-946م
ماهيته :هو نظام جديد ظهر بمؤسسات الدولة العباسية ، فهو من الناحية العملية تطورا للجمع بين المهام والاختصاصات المدنية والعسكرية، وأطلق عليهم اسم أصحاب السيف والقلم،فرمز السيف للاختصاص الحربي ورمز القلم للاختصاص المدني ، فهو عبارة عن نقل كافة صلاحيات الخليفة إلى قائد تتوفر فيه صفات الرئاسة المدنية والقيادة العسكرية 0 وهذا النظام قد شمل عهود ثلاثة خلفاء، هم:
الخليفة أبو العباس أحمد بن المقتدر الملقب: الر اضي بالله 322-329هـ/ 934-940م.
الخليفة إبراهيم بن المعتضد الملقب: المتقي بالله 329-333هـ/940-944م.
الخليفة عبد الله بن المكتفي الملقب: بالمستكفي بالله 333-334هـ/944-945م.

أسبــاب ظهـــــوره :

1. ظهر في بداية عهد الخليفة الراضي بالله سنة 324هـ963م كمحاولة لإنقاذ الخلافة العباسية من التدهور والضعف وتناولت هذه المحاولة مركز الخلافة والوزارة ، ووضع الأتراك وانتهى الأمر بظهور منصب أمير الأمراء 0

2. ظهر على حساب منصب الوزارة لأن الراضي استعان ببعض الوزراء الذين كانوا ضعافا فعجزوا عن النهوض بأعباء الوزارة بل أنهم أنفسهم أصبحوا عرضة للمصادرة والتنكيل 0

3. تراجع نفوذ الأتراك نتيجة للتنافس فيما بينهم على مركز الصدارة وتفشي الحسد بين قادتهم 0

4. الخوف من تطلع بعض الشخصيات المتنفذة إلى إسقاط الخلافة أو على الأقل إسقاط العباسيين وتولية من يرى نفسه أهلا لذلك 0 والاستقلال ببغداد كإمارة منفصلة وخاصة إننا في فترة زمنية كثرت فيها الدويلات المستقلة عن جسم الخلافة العباسية، وأصبحت الفرصة مواتية لكل من لديه القوة والنفوذ على الاستقلال.

5. تطلع الخليفة الراضي إلى حكام الإمارات العربية في الأراضي العراقية أو المجاورة لها لإنقاذ موقف الخلافة الحرج فاستدعى محمد بن رائق أمير واسط والبصرة وسلمه مقاليد الأمور، وأطلق في يده كل سلطات الدولة ولقبه أمير الأمراء. فنرى بشكل موجز أن سبب ظهور هذا المنصب هو الضعف السياسي والإداري المتمثل في ضعف الخلفاء العباسيين آنذاك وضعف الوزراء يعني أن التدهور شمل كل مؤسسات وهيكليات الجهاز السياسي والإداري للدولة العباسية، بالإضافة إلى الضعف العسكري، والاقتصادي، والتشرذم السياسي 0

نتـــائــجــــه :
1. ضعف سلطة الخليفة: أصبح الخليفة مجرد من صلاحياته ومهامه كخليفة سواء السلطة الزمنية أو الدينية فلم يبق له من الخلافة إلا لقبها.

2. ظهور التنافس: أجج ظهور هذا النظام روح التنافس السياسي فقد تولى ابن رائق لمدة سنتين إلا أنه ضعف نتيجة لمنافسة الأمراء له فقد حاربه البريدي وخرج عليه بجكم وهو أحد قادته سنة " 327هـ" هـ، واستولى على بغداد و آلت إليه إمرة الأمراء، وهرب ابن رائق للشام فحكم بجكم مدة ثلاث سنوات سادت فيها الفوضى والتدهور ثم قتل بجكم بيد أحد الأتراك ، ومات الراضي فتشاور أهل الحل والعقد، وولوا الخلافة إبراهيم بن المعتضد ولقب بالمتقي بالله سنة 329هـ وكان الخليفة ألعوبة بيد القادة المتنافسين، وقد نقل منصب أمير الأمراء إلى يد البريدي دون موافقة رسمية إلا أنه أصبح بيده المنصب المدني والعسكري ولكنه عجز عن مطالبة حاجات الجند، وأصبح هدفا لدسائسهم فترك بغداد وعاد للبصرة ثم تقلد ابن رائق المنصب للمرة الثانية حيث قلد ابن رائق البريدي منصب الوزارة وبعد سنة عزل ابن رائق البريدي فقدِم الأخير بجيش دخل بغداد وهرب ابن رائق والخليفة، واستولى على منصب أمير الأمراء ونتيجة لكره الناس لهم نتيجة للفوضى العارمة التي شهدتها بغداد، ونتيجة للسلب والنهب لذلك أرسل ناصر الدولة الحمداني جيشا لبغداد طرد البريدي وأعاد الخليفة وعين أميرا للمنصب 0

3. ظهور شخصيات متنفذة: ظهرت شخصيات متنفذة على المسرح السياسي كظهور توزون وهو قائد عسكري برز في تلك الأحداث فتولى المنصب، وكان توزون أقوى الأمراء الذين تولوا هذا المنصب في العصر العباسي الثاني 0فاستولى على الحكم من منافسيه الحمدانيين والبريديين، وتقرب للخليفة للإيقاع به خوفا من تقربه للإخشيديين ،وأجبر الخليفة على خلع نفسه، وسملوا عينيه سنة 333هـ، وسجنوه لمدة 25 عام، واختار توزون عبد الله بن المكتفي خليفة ولقب بالمستكفيبالله وقد استبد توزون بالحكم حتى توفي ثم خلفه ابن شيرزاد ،وبقي في منصب أمير الأمراء حتى استولى معز الدولة بن بويه على بغداد وألغي هذا المنصب 0

4. الاضطراب والفوضى السياسية: لم تستفد الخلافة العباسية من هذا النظام الذي أنشأه الراضي لإقامة الخلافة من عثرتها بل زاد أحوالها سوء 0فمن يستقصي عهود الخلفاء الذين ظهر هذا المنصب في عهودهم وهم: الراضي بالله، والمتقي بالله، والمستكفي بالله يجده عبارة عن سلسلة من المنازعات لا تنقطع بين رجال الدولة العباسية للاستئثار بالسلطة وتولي منصب أمير الأمراء.

5. دخول بني بويه: كنتيجة لظهور هذا النظام دخلت قوات البويهيين بغداد واستولت على السلطة وبدأ العصر البويهي الذي استمر أكثر من 113 سنة خضعت الخلافة العباسية خلالها للبويهيين الديالمة خضوعا تاما.
المحصلة النهائية لهذا النظام والتي يمكننا أن نستخلصها من نظام إمرة الأمراء:
هو أن هذا النظام أثبت عدم جدواه ، وعدم كفاءته، فالتدابير والإجراءات التي أدخلها الراضي لم تنقذ الخلافة من أزمتها بل زادتها تعقيدا وغموضا.

قائمة المصادر والمراجع
أولا: المصادر:
1. حمد بن محمد ابن الأثير، الكامل في التاريخ،تحقيق: عبد الله القاضي،ط3،( بيروت: دار الكتب العلمية،1418هـ-1998م ).
2. محمد بن جرير الطبري،تاريخ الطبري " تاريخ الأمم والملوك"،( بيروت: دار الكتب العلمية،1422هـ-2001م ).
3. محمد بن عبد الله الأزدي،فتوح الشام ، عناية : عبد المنعم عامر، ( القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 197م).
4. عبد القادر بدران، تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر، ( بيروت: دار المسرة، 1979م).
5. أحمد بن يحي البلاذري،فتوح البلدان، ( بيروت : دار الكتب العلمية،1403هـ).
6. علي بن منصور الأزدي،أخبار الدول المنقطعة، تحقيق: عصام هزايمة وآخرون، إربد: دار الكندي ، 1999م.
7. عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة،ط 5،بيروت: دار القلم،1984م.
8. يزيد بن محمد الأزدي، تاريخ الموصل، تحقيق: علي حبيبة، القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي،1967م.
9. حمزة الأصفهاني، تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء،ط2، بيروت: مكتبة الحياة،د.ت.
10.عبد الرحمن بن علي الجوزي،المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، " ضمن كتاب القرامطة، جمع وتحقيق: سهيل زكار،دمشق:د.ن، 1980م.
11.أبو الحسن هلال الصابي، تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء، وضع حواشيه:خليل المنصور، بيروت:دار الكتب العلمية،1998م.
12.أبو الفضل أحمد بن طيفور، بغداد في تاريخ الخلافة العباسية، بغداد: مكتبة المثنى،1968م.
13.ابن كثير، البداية والنهاية،توثيق: علي معوض، وعادل عبد الموجود، وضع حواشيه: أحمد ملحم،فؤاد السيد، علي عطوي، مهدي ناصر الدين،بيروت: دار الكتب العلمية،1421هـ2001م.
ثانيا:المراجع:
14.أمينة البيطار ، دراسات في تاريخ الخلافة العباسية، الرياض: مكتبة دار القلم والكتاب، 1997م.
15.رشيد الجميلي، دراسات في تاريخ الخلافة العباسية، الرباط: مكتبة المعارف،1984م.
16.مصطفى شاكر، دولة بني العباس، الكويت: وكالة المطبوعات،1973م.
17.محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة العباسية، بيروت: دار النفائس، 1996م.
18.فائزة أكبر،التاريخ السياسي للخلافة العباسية،جدة:مطبعة الثغر،2003م.
19.يوسف العش، تاريخ عصر الخلافة العباسية، دمشق: دار الفكر، 1982م.
20.فاروق عمر فوزي، الجذور التاريخية للوزارة العباسية، بغداد:د.ن،1986م.



بقلم: أ/ نـــورة أحمد حامد الحارثي
جامعة أم القرى
قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية