لا تخلو اجندة اجتماع قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أيار/مايو المقبل من المصلحة الامريكية المباشرة في تامين صفقات أسلحة الى هذه الدول الغنية، تنعش صناعة السلاح الامريكية وتنقذها من أي ارتفاع محتمل في نسب الكساد ، وبالتالي فان هذه الاجتماعات ليست بريئة من النيات المبيتة من كلا الجانبين ، اذ تدرك دول الخليح انها يجب ان تقدم الجزرة الى الولايات المتحدة لكي تضرب بعصاها ايران والدول المتحالفة معها.

وفي تحليل لمايكل آيزنشتات، الزميل الكاهن، ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، تنشره "المسلة" بتصرف، فان من المتوقع أن تركز القمة رفيعة المستوى التي ستُعقد في الأسبوع الثاني من أيار/مايو، والتي ستضم قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" الست - البحرين، الكويت، عُمان، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة - على كسب دعمهم للاتفاق النووي الذي يجري التفاوض عليه مع إيران. ويُقال إن واشنطن تدرس إمكانية بيع أسلحة جديدة وتنظيم تدريبات مشتركة، إلى جانب اتخاذ تدابير أخرى، لطمأنة حلفائها القلقين، في حين أن بعض دول "مجلس التعاون الخليجي" على الأقل قد تطلب [إبرام] اتفاقية دفاع جماعية رسمية - على غرار تلك الخاصة بمنظمة "حلف شمال الأطلسي" - من شأنها إلزام الولايات المتحدة بالدفاع عن هذه الدول إذا تعرضت للهجوم.

إلا أن النظر في الجهود السابقة لطمأنة هؤلاء الحلفاء يبيّن أن الخطوات، التي يُقال أنها قيد الدراسة، غير كافية على الأرجح لتبديد مخاوف دول "مجلس التعاون الخليجي" بشأن نفوذ إيران المتنامي وجرأتها المتزايدة في المنطقة. وهذا هو الشغل الشاغل لقادة الخليج الذين يشعرون بالقلق من استخدام إيران للأموال التي ستحصل عليها من تخفيف العقوبات، والأسلحة النووية في نهاية المطاف، لتعزيز أجندتها في المنطقة.

بناء القدرات - ضد أي تهديد؟

في السنوات الأخيرة، باعت الولايات المتحدة الأسلحة لحلفائها في الخليج العربي بقيمة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات (وتشمل الدفاعات الصاروخية، والمروحيات الهجومية، والطائرات المقاتلة)، وساعدتهم على بناء الدفاعات السيبرانية في أعقاب الهجمات الإلكترونية الإيرانية. وكان الهدف من ذلك طمأنتهم من خلال تعزيز قدراتهم على ردع عدوان خارجي ومواجهته، وفي الوقت نفسه إقناع طهران بأن برنامجها النووي سيضر أمنها، بدلاً من تعزيزه.

ولكن، من غير المرجح أن تنخرط طهران في هذا النوع من العدوان التقليدي الذي من شأنه أن يوفر لجيرانها (والولايات المتحدة) سبباً للرد بالوسائل التقليدية. بل هي أكثر احتمالاً بكثير أن تنخرط في عمليات التخريب وفي خوض الحروب بالوكالة، كما فعلت في الماضي ولا تزال تفعل اليوم. على سبيل المثال، تؤكد دول "مجلس التعاون الخليجي" على دور طهران في مذبحة المدنيين العرب السنة في العراق وسوريا، وتأجيج العنف الطائفي في المنطقة، الذي (إلى جانب تقاعس الولايات المتحدة في الماضي) مكّن تنظيمي "القاعدة" و "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") من تقديم نفسيهما بصفة المدافعين عن أهل السنّة. وفي المقابل، أكد الرئيس الأمريكي أوباما على ما يلي في مقابلة أجراها معه توماس فريدمان في 5 نيسان/إبريل: "قد لا تكون أكبر التهديدات التي يواجهها [حلفاؤنا العرب السنّة] قادمة من التعديات الإيرانية. ستكون ناشئة عن عدم الرضا داخل بلدانهم". بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل استراتيجية "إعادة التوازن إلى آسيا التي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية"، وكلمات الرئيس الأمريكي في المقابلة التي أجراها معه فريدمان بأن "المصالح الأساسية للولايات المتحدة في المنطقة هي ليست النفط"، قد يرى قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" مبيعات الأسلحة الأمريكية الكبيرة بأنها أقل كتعبير ملموس عن التزام دائم من إشارة إلى أن الولايات المتحدة تقدم لأصدقائها الوسائل ليدافعوا عن أنفسهم بينما تستعد لمغادرة المنطقة.

تعزيز الوجود، بأي غاية؟

في الوقت الذي خفّضت فيه الولايات المتحدة من وجودها في العراق وأفغانستان في السنوات الأخيرة، إلا أنها قد عززت جوانب أخرى من وجودها في الخليج كجزء من الجهود الرامية إلى طمأنة حلفائها وردع إيران. على سبيل المثال، زادت بصورة تدريجية من دفاعاتها الصاروخية في المنطقة منذ عام 2006، من خلال نشر أكثر من كتيبتين من صواريخ "باتريوت باك 2/3" في أربع دول، وسفينتين إلى ثلاث من سفن "إيجيس" في الخليج العربي، ورادارات من طراز"AN/TPY-2 " تعمل بتقنية X-band"" في إسرائيل وتركيا وقطر. كما تحتفظ البحرية الأمريكية على حاملة طائرات واحدة على الأقل في المنطقة، بينما أصبح نشر طائرات الشبح "إف 22" هناك أمراً روتينياً. وفي الوقت نفسه، عملت قوات البحرية الأمريكية على تعزيز إمكانيتها على التعامل مع قدرات إيران في منع الوصول/ ومنع الدخول إلى المناطق.

بيد، لا توجد علامات تشير إلى أن الوجود الأمريكي الواسع في الخليج بعد عام 1991 قد منع إيران من استخدام عملائها لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة أو أي مكان آخر. فخلال تلك الفترة، تسببت طهران في مقتل تسعة عشر عسكرياً أمريكياً في تفجير "أبراج الخُبر" عام 1996 في المملكة العربية السعودية، وقدمت الأسلحة إلى "الجماعات الخاصة" الشيعية التي أودت بحياة المئات من أفراد القوات الأمريكية في العراق، وخططت لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عام 2011. كما أن هذا الوجود الأمريكي لم يردع إيران عن التدخل في الصراعات الإقليمية بطرق أدت إلى تفاقم التوترات الطائفية، وهددت أمن حلفاء الولايات المتحدة، وزادت من نفوذها في المنطقة. وباختصار، في حين أن وجود الولايات المتحدة يضمن حرية الملاحة في الخليج العربي، إلا أنه لم يردع إيران عن مواصلة استراتيجية الحرب بالوكالة التي تشكل تحدياً كبيراً للاستقرار الإقليمي.

وكثيراً ما يُذكَّر الحلفاء من دول "مجلس التعاون الخليجي" بأن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بأفراد من القوات الأمريكية يبلغ عددها 35 ألف عسكري تقريباً في المنطقة، ولكن هذا قد دفع بهم إلى التساؤل عن الهدف من هذا الوجود الواسع، وسط تقاعس الولايات المتحدة في سوريا.



وحتى عندما تحركت واشنطن أخيراً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، جاء ذلك، على الأقل في البداية، باسم الأقليات العراقية المحاصرة (اليزيديين في سنجار، والتركمان في قرية آمرلي، والأكراد في أربيل) بدلاً من العرب السنة.

الخطوط الحمراء تتلاشى بسرعة؟

وضعت واشنطن العديد من الخطوط الحمراء بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ ففي كانون الثاني/يناير 2012، على سبيل المثال، أعلن الرئيس أوباما أنه إذا حاولت طهران صنع سلاح نووي، ستستخدم الولايات المتحدة جميع الوسائل المتاحة لها لمنعها من القيام بذلك. غير أن هذا التحذير جاء بعد أن تخطت طهران ما لا يقل عن ستة خطوط حمراء أمريكية سابقة لكي تصبح دولة على العتبة النووية. كما أن ذلك أعقب الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس الأمريكي في آب/أغسطس 2012 فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، والذي فشل في فرضه لاحقاً عندما خرقه نظام الأسد بعد عام على إقراره.

ومنذ التحذير الذي وجهه لإيران في كانون الثاني/يناير 2012، مال الرئيس الأمريكي إلى التعبير عن تهديداته عبر لغة هامدة تبيّن التناقض أكثر من الحسم - للحلفاء والخصوم على حد سواء. ففي مقابلة أجراها مع جيفري غولدبرغ في آذار/مارس 2012، صرّح الرئيس قائلاً "أنا أيضاً لا أحبذ، كنهج سياسي سليم، الإعلان بالضبط عن نوايانا. ولكن ... عندما تقول الولايات المتحدة أنه من غير المقبول أن تمتلك إيران أسلحة نووية، فإننا نعني ما نقول". وقد صرح بلهجة مماثلة في المقابلة التي أجراها في الشهر الماضي مع فريدمان، بقوله أنه في حال عدم قيام إيران بتغيير [سلوكها] نتيجةً لجهود الولايات المتحدة لإشراكها "تبقى قدراتنا على الردع، وتفوقنا العسكري، قائمة. ونحن لا نتخلى عن قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا أو عن حلفائنا. وفي هذه الحالة، لمَ لا نختبرها؟".

وبالتالي، فإن الخط الأحمر الأمريكي منح طهران النطاق الذي تحتاج إليه لتصبح دولة على العتبة النووية. وفي حين أن ذلك قد لا يكون مصدر قلق وجودي بالنسبة للولايات المتحدة نظراً إلى مزاياها العسكرية الواسعة، إلا أنه يشكل، من وجهة نظر شركاء أمريكا الإقليميين، تطوراً أدى إلى تغيير قواعد اللعبة وتحويل ديناميات القوة في الشرق الأوسط إلى حد كبير.

من المحتمل أن يؤدي اعتماد طهران على التخريب والحرب بالوكالة (وفي الآونة الأخيرة، العمليات السيبرانية الهجومية) إلى تعقيد الجهود الرامية إلى الرد على اعتدء إيراني متصور، وهو الأمر بالنسبة إلى ميل بعض حلفاء الولايات المتحدة في الخليج إلى رؤية الأيدي الإيرانية وراء كل حدث تقريباً في المنطقة.

ضمانات أمنية

تبحث إدارة أوباما عن طرق لإضفاء طابع رسمي على التزام الولايات المتحدة بشركائها في الخليج. وقد شدد الرئيس الأمريكي على هذه النقطة في المقابلة مع فريدمان: "عندما يتعلق الأمر بعدوان خارجي، أعتقد أننا سنقف إلى جانب أصدقائنا [العرب]، وأريد أن أدرس الكيفية التي تمكننا إضفاء طابع رسمي على الأمر أكثر قليلاً مما هو قائم حالياً".

وبناءً على ذلك، يتوقع أن تسعى بعض الدول الخليجية في اجتماع القمة في الأسبوع الثاني من أيار/مايو إلى الحصول على ضمانات أمنية على غرار "المادة الخامسة" من "معاهدة واشنطن لعام 1949"، وهي الأساس القانوني لترتيبات الأمن الجماعي التي تقوم عليها منظمة "حلف شمال الأطلسي". وتنص "المادة الخامسة" على أن "أي هجوم مسلح ضد طرف أو أكثر من [أطراف المعاهدة] في أوروبا أو أمريكا الشمالية يُعتبر هجوماً ضد كافة الأطراف"، وأن "كل طرف" سيتخذ "الإجراءات التي يراها ضرورية... لاستعادة أمن منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه". وتجدر الإشارة إلى أن المادة لا تغطي سوى الهجمات التي تقع في أوروبا وأمريكا الشمالية، وتمنح كل طرف مجالاً واسعاً في اختيار كيفية الرد.

وكثيراً ما يُذكَّر الحلفاء من دول "مجلس التعاون الخليجي" بأن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بأفراد من القوات الأمريكية يبلغ عددها 35 ألف عسكري تقريباً في المنطقة، ولكن هذا قد دفع بهم إلى التساؤل عن الهدف من هذا الوجود الواسع، وسط تقاعس الولايات المتحدة في سوريا.

ربما لن يوافق الكونغرس الأمريكي على معاهدة يمكن أن تجر الولايات المتحدة إلى المزيد من الصراعات العديدة في المنطقة. كما أن اتفاقاً تنفيذياً [ملزماً سياسياً] لا يكون مطمئناً على وجه التحديد، لأنه من شبه المؤكد أن تكون لغته غامضة بما يكفي لكي لا تكون له قيمة عملية تُذكر. وفي هذا الصدد، فإن "مذكرة بودابست لعام 1994"، التي قدمت ضمانات غامضة لأوكرانيا مقابل تخلي هذه الأخيرة عن الأسلحة النووية الموروثة عن الاتحاد السوفياتي السابق، تشكل مثالاً واضحاً على أوجه القصور في مثل هذا الاتفاق نظراً إلى تدخل روسيا في الآونة الأخيرة من قبل عملاء لها هناك.

بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يؤدي اعتماد طهران على التخريب والحرب بالوكالة (وفي الآونة الأخيرة، العمليات السيبرانية الهجومية) إلى تعقيد الجهود الرامية إلى الرد على اعتدء إيراني متصور، وهو الأمر بالنسبة إلى ميل بعض حلفاء الولايات المتحدة في الخليج إلى رؤية الأيدي الإيرانية وراء كل حدث تقريباً في المنطقة.

المحصلة

تعاني الولايات المتحدة حالياً من نقص في المصداقية، تهدد مصالحها وتعرض حلفائها للخطر. وحتى الآن، فإن الخطوات التي اتخذتها لطمأنة حلفائها من دول "مجلس التعاون الخليجي" - نقل الأسلحة، الوجود الواسع، والخطوط الحمراء - غالباً ما فشلت في تبديد شكوكهم، وكثيراً ما فاقمت من مخاوفهم.

ولا يمكن لواشنطن أن تأمل في استعادة مصداقيتها إلا من خلال مكافحة مساعي إيران لتوسيع نفوذها الإقليمي. ولكي تحقق ذلك، يجب على الولايات المتحدة القيام بما يلي:

1. تكثيف الدعم للمعارضة في سوريا.

2. منع شحنات الأسلحة الإيرانية إلى حلفاء إيران وعملائها في المنطقة بفعالية أكبر.

3. تعزيز الدعم للشركاء المنخرطين في نزاعات مع حلفاء طهران.

4. إلحاق التدريبات الدفاعية الروتينية بتمارين تركز على ضربات العمليات الهجومية طويلة المدى في منطقة الخليج.

5. ايلاء الأهمية للخطوط الحمراء وشحذها فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني لكي تبين بمزيد من الوضوح الثمن الذي ستدفعه طهران إذا حاولت تجاوز [العتبة النووية].

ليس هناك سبب يحول دون تزامن هذه السياسة مع إشراك إيران، تماماً كما واجهت الولايات المتحدة العدوان السوفيتي مع إشراك موسكو في آن واحد خلال الحرب الباردة. فبقدر ما قد يصب إبرام اتفاق نووي طويل الأمد مع طهران في مصلحة الولايات المتحدة، فإن الحد من النشاطات الإيرانية - التي تؤجج العنف الطائفي، وتساهم في تعزيز عامل الجذب لجماعات مثل "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، وتهدد في النهاية استقرار وأمن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة - يصب أيضاً في مصلحة الولايات المتحدة. كما ستؤدي مثل هذه السياسة إلى قطع شوط طويل على الطريق نحو إصلاح العلاقات مع الحلفاء التقليديين في جزء من العالم لا يزال هاماً إلى حد كبير.