السؤال: معنى قوله تعالى (لم تحرم ما أحل الله لك)
السلام عليكم
قال تعالى: (( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم )) (( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم )) هل هذا عتب؟ ونرجوا بيان (( والله غفور رحيم )) هل يعني هناك ذنب ولو أولى والله سبحانة وتعالى غفر له؟
وما معنى الرحمة هذه؟
والمعروف ضدها غضب والعياذ بالله؟ والرسول (ص) معصوم. ورحمة للعالمين.
وما معنى (( قد فرض الله لكم تحلة إيمانكم )) وهل معنى هناك ذنب والعياذ بالله ؟ وان لم يكن ذلك لماذا فرض الله.. تحلة الايمان
وهلا ضربت لنا مثال في حياتنا؟
ان لم يكن ذنب وجب علينا تحلة الايمان؟
على العموم أنا مؤمن إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه معصوم من كل ذنب وكذلك الإئمة (عليهم السلام) ولكن أريد توضيح منكم.
الجواب:

يمكن أن يقال: ان ما جاء في الآية الكريمة (( لمَ تحرم ما احلَّ الله لك... )) (التحريم:1) ليس عتاباً وتوبيخاً، بل هو عطف واشفاق، نظير ان يقال للشخص: لماذا تتعب نفسك الى هذا الحدّ من دون نتيجة تعادل أتعابك.
فالآية الكريمة كأنها تريد ان تقول: لماذا تتعب نفسك بالزامها بترك ذلك الطعام الخاص ـ وهو العسل الذي كانت تقدّمه اليه زوجته زينب بنت جحش ـ لترضي بذلك بعض أزواجك، يعني حفصة وعائشة.

وأما قوله تعالى: (( والله غفور رحيم )) (التحريم:1) فيمكن رجوعه الى حفصة وعائشة، أي انه سبحانه يغفر لهما ما صدر منهما من إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث طلب من حفصة ان لا تخبر أحداً بانه أكل عسلاً في بيت زينب ولكنها أفشت سرَّ النبي (صلى الله عليه وآله).

وأما قوله تعالى: (( قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم... )) (التحريم:2) فهو في صدد بيان طريق لتخليص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه من القسم الذي الزم به نفسه ـ حيث حلف (صلى الله عليه وآله وسلم) على ترك تناول العسل الذي كانت تقدمه اليه زينب بنت جحش ـ وذكرت انه سبحانه قد شرَّع ما يمكن به تخليص النفس من القسم، وهو دفع الكفارة، فالمقصود من تحلّة ايمانكم هو الكفارة التي يحلّف بها الحالف حلفه، وهذا لا يدل على صدور ذنب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل على صدور القسم منه لا اكثر.



تعقيب على الجواب (1)
بسم الله الرّحمن الرّحيم


من خلال التأمّل في مجموع آيات سورة التحريم فإنّ الذهن ينصرف إلى أن القضيّة الأساس التي كانت سبباً لنزول هذه السورة المباركة وبهذه اللهجة الملفتة للنظر،ليست كما يذكره المفسرون من أن السبب هو مشكلة أسرية تتعلق بحادثة العسل أو شيء آخر من هذا القبيل والمعبّر عنه في الآية الثانية من السورة (( وإذ أسرّ النّبيّ إلى بعض أزواجه حديثاً )) ممّا يكون مسوغاً كافياً للتهديد بالطلاق أضف إلى ذلك أن المتبادر من إيراد مادّة (نبأ) في هذه الحادثة أربع مرّات في الآية الثانية من هذه السورة يؤكد للمتدبّر أنّ القضية تتخطى بكثير خلافاً أسريّاً سببه حادثة من هذا النوع،ذلك أن التأمل في الآيات التي ضمّت في مطاويها هذه المادة (نبأ) يفضي إلى الفهم أشياءَ خطيرة كان التعبير عنها بـ(النبأ) ما خلا بعض الآيات كآية سورة الحجرات التي وردت فيها هذه المادّة بنحو من التهكّم على (فاسق)، أو ما جاء في الآية الثالثة والثلاثين من سورة الرعد عند قوله (أم تنبؤونه) تنديداً بالذين كفروا ؛بل لو يستقيم الذي ذكروه سبباً للنزول لوردت مادّة (خبر) بدلاً عنها، ثم ما أعقبه من تحذير للذين آمنوا من مغبّة العاقبة السيّئة،كما جاء في الآية السادسة من السورة : (( يا أيها الّذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ... )) وما أعقب ذلك من تهديد عنيف للذين كفروا كما جاء في الآية السابعة،ثم ما جاء في الآية التاسعة من السورة من أمرٍ لهذا النّبيّ (ص)بمجاهدة الكفّار والمنافقين والغلظة عليهم .
ويتأكد هذا الفرض بعد ملاحظة لهجة الآية الرابعة من السورة التي تقول: (إن تتوبا فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ اللهَ هو مولاه وجبريلُ وصالحُ المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيراً) فإنه يصعب التصوّر أن السبب في كلّ هذا الوعيد والتنديد والتهديد هو ما ذكره الأعلام من أنّ القضية تتعلق بسبب لا ينهض أن يكون باعثاُ راجحاً على نزول السورة، حتى وكأنّ النّبيّ الأعظم (ص) لا همّ له إلاّ مضغ العسل (أو غيره)