10 سنوات على سياسة (تدوير الأزمات) و واشنطن تغيّر استراتيجياتها : التغيير يكون من (الداخل) ssssdsd.jpg

بغداد/ المسلة : بعد عشر سنوات على سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، لايزال حديث (الحرب على العراق) في العام 2003 ، يشغل الرأيين العالمي والعربي ، فضلاً عن العراقي ، في محاولة لتفسير الدوافع الحقيقية التي كانت وراء الحرب والنتائج التي تمخضت عنها .



وإذ يرى الدبلوماسي و الباحث في معهد واشنطن دنيس روس، بأن "ثمن تغيير النظام في العراقي لم يكن متوقعاً ، بسبب التكاليف الباهضة" ، منتقداً النتائج التي تمخضت عنها الحرب والمتمثلة في "شيوع العنف وتحكم الصراعات الطائفية في تشكيل السياسات" ، فان ديفيد أوتواي، الباحث بمعهد وودرو ولسون يصف صورة العراق الان " ديمقراطية ضعيفة البنية في ظل عنف طائفي".



التغيير من الداخل


غير ان روس يلمح الى ان الدرس المستفادة من (غزو) العراق ، هو ان " واشنطن باتت مقتنعة بان أي تغيير لاي نظام سلطوي ، يجب ان يأتي من الداخل وليس من الخارج" .



اما ديفيد أوتاواي، فيرى أن المصلحة الوحيدة التي جنتها واشنطن من حرب العراق هو "التخلص من طاغية ، لكن عواقبه تكمن في وضع العراق على شفا التفكك، مع نزوع كردي نحو الاستقلال ، واتجاه السكان (السّنة) إلى التمرد ضد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة" .



قصة تحذيرية


في ذات الوقت تكتب باربرا سلافين، الخبيرة في مركز جنوب آسيا في معهد أتلانتيك، ان "حرب العراق كانت ( قصة تحذيرية) لدول عظمى انساقت لهوس مجموعة صغيرة ومحدودة داخل الأمن القومي ، لتتحول بموجب أهواء هؤلاء الى قوة متغطرسة" .



وكانت القوات الأمريكية بدأت حرب العراق لاسقاط نظام صدام حسين في التاسع عشر من مارس/آذار 2003 ، وتوقّفت في التاسع من إبريل/نيسان، حين أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أن (المهمة أنجزت) .



آراء النخب العربية والعراقية


لكن آراء النخب العربية والعراقية ، تلتقي مع وجهات النظر الغربية في بعض النقاط ، وتبتعد عنها بمسافات في تفاصيل أخرى .



ففي حديثه عن حرب العراق ، يلخّص الكاتب المصري أميل أمين نتائج حرب العراق بالقول " الاطراف السياسية عجزت عن تسوية الإشكالات الأساسية بعد 2003، حتى بعد إقرار الدستور العراقي في 2005، واستمرت هذه الإشكالات في إعادة إنتاج نفسها عبر سياسة (تدوير الأزمات)" .



ويزيد أمين في القول:" التوافقية، للحفاظ على الوضع السياسي الهش اعتماداً على ميزان القوى القائم وليس على مبادئ مرجعية حاكمة يقبلها الجميع، لم تتحول إلى أعراف سياسية ملزِمة ".



الحاكم المطلق


وفي حديثه الى "المسلة" يشير الكاتب العراقي رياض الغريب ، الى ان " كل التجارب الديمقراطية التي مرت بها الشعوب التي سبقتنا ، مرّت بمراحل ربما تكون اصعب من المراحل التي مررنا بها خلال 10 سنوات من عمر هذه التجربة التي مازالت تحبو ، بسبب العقلية التي مازالت لا تصدق و لا تريد ان تصدق ، ان زمن الحاكم المطلق والنظام الشمولي قد ولىّ الى الأبد .



ويستطرد الغريب في حديثه :" تجربة العراق السياسية تختلف تماما عن تلك المنظومة السائدة في البلدان التي مر بها (الربيع العربي) ، وقد يرى البعض ان ما حصل في العراق بعد العام 2003 ساعد وشجع على انهيار مجموعة من القيم في المنظومة المجتمعية والسياسية التي كانت سائدة ، لكن هذا الكلام غير دقيق كون تلك المنظومة قد تعرضت للتفكك منذ عقود وقد ساهم النظام السابق بتفككها وجعلها حاضرة ومستعدة للانفلات مع أول صدمة ، وكان الاحتلال ومن ثم الأحداث الطائفية والتناحر السياسي والتحول الكبير الذي حصل في العقلية السياسية العراقية مع ابتعاد الموجّهات الحقيقية والجادة لتلك المنظومة جعلها تتفكك وتقترب من نقطة الانهيار ، لكن الامل بغد افضل دائما لايزال حاضرا ".



الثقافات الفرعية


وبعد عشر سنوات من التغيير في العراق ، يصف الاعلامي فلاح المشعل في حديثه الى "المسلة" ، التجربة الديمقراطية ب (الهشة) و( المشوّهة) ، اذ أن هناك تعثراً وأخطاءً استراتيجية ربما تؤدي بالبلاد الى التفتت والتمزق الطائفي والأثيني .



ويستطرد المشعل في القول :" ان وجود دستور يغلّب ثقافة (المكون) وينميّ الثقافات الفرعية على حساب المواطنة وعسكرة المجتمع وحشوه بالميليشيات ، تكريس لديمقراطية شكلية" .



غير ان الكاتب جهاد الخازن يشير الى نقطتيين اساسيتين في حسابات الحرب ، تتعلقان بالربح والخسارة



فيقول ان :" الثمن المباشر للحرب كان ترليوني دولار، وتصل إلى خمسة ترليونات أو ستة مع استمرار تعويضات الموت والعلاج والتقاعد والسلاح ، وفي ذات الوقت اسفرت تلك (المغامرة ) عن مقتل مليون عربي ومسلم، مع أكثر من خمسة آلاف شاب أميركي في العراق وحده، ولا يزال القتل مستمراً" .



فوضى عارمة


لكن أفكار الاعلامي مصطفى السنجاري ، رئيس رابطة مثقفي سنجار المستقلة ، في هذا الصدد تعبّر عن وجهة نظر مواطن عراقي عايش تفاصيل الحرب ، فيقول في حديثه الى "المسلّة " : " لم تنجح بالمقاييس المعروفة من وجهة نظر الشعب والبسطاء من الناس الذين حمّلوها أحلاما ظهرت فيما بعد أنها كانت خيالية قياسا إلى ما تحقق وما ترتّب على ما تمّ تحقيقه ، فهي من وجهة نظري جاءت بنصول تمزّق وحدة الشعب وتفكك لحمته ، فالديمقراطية كما قيل عنها هي أسوأ أنظمة الحكم بعد الدكتاتورية ، فتلغى بموجبها الكفاءات الحقيقية ، والأكثرية هم من يحكمون بفوضى عارمة ..وكلّ حزب أو طائفة تحاول إثبات وجودها من خلال الخدمات التي تتم توفيرها لرعاياهم ".



نظام حديث الولادة


وفي حديثه الى "المسلّة" يشير الاعلامي مهند جواد كاظم ، الى أن " العراق نجح في انتاج افضل نظام ديمقراطي في العالم لكن المشكلة ان الشعب والمسؤولين لا يزالون لا يفقهون شيء عن هذا النظام لعدة اسباب منها طائفية ومنها عاداتنا القبلية الدكتاتورية التي لا تزال تعيش فينا وتسيطر على افكارنا وتصرفاتنا ، فضلا عن تدخل دول الجوار في تشويه هذا النظام حديث الولادة في منطقة الشرق الاوسط " .



احتكار الوطنية


وعلى نفس الصعيد يشير الاعلامي علي اينوما إيليش في حديثه الى " المسلّة" الى أن " الجزء الأكبر من أزمتنا السياسية ، هي إن نخبة ما بعد 2003 الموجودة الآن في السلطة بكافة قوائمها وأحزابها وزعمائها، ما زالت تعمل بموروثها العقائدي القديم التحكمي، الانفرادي، الأحادي" .



ويطّرد في حديثه :" كل جماعة تعتقد أنها أفضل من الآخرين، وتدعي احتكار الوطنية والمشروعية في الحكم. بالإضافة إلى أنهم يؤمنون بالزعيم "القوي" أو "الإمبراطوري"، عكس ما مطلوب من رجل وسطي يؤمن بالتعددية والتداول السلمي للسلطة" .



ويدعو إيليش بعد عشر سنوات من التجربة السياسية الجديدة في العراق ، الى " التحرر من عقلية النخبة والوصاية والعمل بمنطق المشاركة والتداول السلمي للسلطة ، فالمطلوب هو أن نغير النظرة الأحادية في أصلاح مؤسسات الدولة ، وترك الفكر"التركيبي ".



ويستدرك:" مستقبل الديمقراطية يعتمد على مدى قناعتنا بالآخر والاعتراف به ، و التمرس على مبدأ التداول والحوار مع من هو مستبعد أو مهمش" .



كما يدعو إيليش ايضا الجميع الى "حمل المسؤولية والأمانة ، لكي نعيد البناء من أجل المستقبل ".



مآسي الفتنة


من جهة أخرى ، يذكّر الكاتب العربي أمجد عرار ، العراقيين ، بعد مرور عشر سنوات على الحرب ، بانهم مطالبون " ببلسمة الجراح التي خلّفها الغزو، وعمقها العنف الطائفي والأزمات السياسية وغذاها العنف المسلّح، ليتحول العراق إلى دفيئة للمفخّخات والقتل الطائفي والتفتيت المجتمعي، وإتاحة الفرصة للتدخّلات الخارجية المسيئة لعروبة العراق ووحدة أبنائه" .



ويسترسل في القول :" عندما يدرك الجميع أن مآسي الفتنة لا تستثني أحداً ولا تخدم أحداً، يعود العراق إلى عراقته، وتغلق الأبواب على أي جهة خارجية تفكّر بالتدخّل والعبث" .



صوت من الداخل


وعلى صعيد وجهة نظر المحلية ، يؤكد المشرف التربوي والأكاديمي العراقي قاسم الربيعي على ان " مسيرة التجربة الديمقراطية ذات مخاض عسير، ولا نحبذ أن نبدو في حديثنا متشائمين حين نقول إننا انتقلنا من أزمة إلى أخرى، والأسلم أن نقول: نحن انتقلنا من تحدٍ إلى آخر، لأننا لا زلنا نتمرن على العملية الديمقراطية" .



الأسرار


لكن وجهة النظر العربية المتمثلة في حديث الكاتب السعودي يوسف الكويليت ، تتجسد في حديثه عن لعبة الامم العظمى ، اذ يقول :" عقد من الزمن مرّ على احتلال العراق من قبل أمريكا، ولن تخرج الأسرار إلا بعد مرور عدة عقود، غير أن القضية فتحت المنافذ المغلقة على الخداع الذاتي للقوة العظمى عندما انتهى عصر القطبية الثنائية بزوال الاتحاد السوفياتي " .




أكثر...