ولد كريستوفر كولومبس فى جنوة الإيطالية ما بين عامى : 1440 – 1450



كان والداه ( دومينيكو – سوزانا ) يعملان فى حياكة الصوف ، و أسماه والده كريستوفر تيمناً بالقديس كريستوفر دومينيك حامى المسافرين فى البر و البحر



و كانت جنوة من أهم الموانئ المطلة على البحر المتوسط ، و لابد أنها أثارت أحلامه فجذبته إلى عشق البحر و المغامرة



فمنذ أن كان عمره 10 سنوات كان ينتهز كل فرصة للمشاركة فى لاحلات بحرية ، و زار موانئ فى أسبانيا و البرتغال و اليونان و فرنسا و انجلترا ، كما شارك فى معركة بحرية ضد المسلمين فى تونس ، كذلك التحق بقافلة بحرية ايطالية مسلحة اشتبكت فى معركة مع بعض السفن الفرنسية و كاد أن يغرق لولا تعلقه بلوح خشبى




كانت دوقية البندقية و أساطيل العثمانيين تسيطر على تجارة الشرق فى البحر المتوسط .. و فى نفس الوقت كان بحارة البرتغال يتوسعون فى نشاطهم على السواحل الغربية من آيسلند شمالاً حتى غينيا جنوباً ، مما جذب مغامرين جنوة إلى الرحيل إلى لشبونة عاصمة البرتغال



كان من بينهم كولومبس و بارتلميو زوج أخته




سكن كولومبس بالقرب من نهر تاجه tagus الذى كان يصب فى المحيط الأطلنطى فكان يزخر بالسفن و مختلف الجنسيات مما ساعد كولومبس على دراسة عدة لغات



كان يتنقل ما بين لشبونة و جزيرة بورتو سانتو ، و كان شغله الشاغل رسم الخرائط و بيعها ..




====================




بداية الحلم




تزوج من حفيدة المساعد الأول للأمير هنرى ( هنرى الملاح ) فكانت تزخر خزائن والدها بالخرائط و الآلات البحرية



كان والد زوجته ملاحاً و يقال أنه كان حاكم جزيرة بورتو سانتو ، و تعلم كولومبس على يديه كل ما كان معروفاً حتى ذلك الوقت عن الرياح و التيارات البحرية فى المحيط الأطلنطى



كل ذلك مهد له و لزوج أخته الإختلاط بالربابنة و البحارة و معرفة آخر أخبار الكشوف الجغرافية و الأوضاع القتالية بين أسبانيا و البرتغال من جهة ، و المسلمين من جهة أخرى ؛ فقد كانت أسبانيا و البرتغال متنافستان فى أهدافهما التوسعية الإستعمارية التجارية و فى نفس الوقت متفقتان ضد الإسلام و ملاحقته مع إحياء العصبية الصليبية مرة أخرى و نشر المسيحية ..




فى هذا الوقت وجد البرتغاليون منبعاً خصباً للذهب على ساحل غينيا أسموه غانا ، و كانوا يحولون هذا الذهب إلى عملة اسموها كروزادوس و هو الإسم الذى كانوا يطلقونه على الحروب الصليبية



لكن هذه السواحل كانت مملؤة أيضاً بالأمراض و الحمى ..



و فى يوم ، عبّر أحد الربابنة أمام كولومبس عن سخطه على هذه المحاولات الإستكشافية لقارة أفريقيا .. و تساءل :



إذا كان الهدف هو الوصول للشرق لتطويق المسلمين فلماذا لا تنطلق السفن غرب المحيط الأطلنطى فتصل للهند ؟



التقط كولومبس الفكرة



و هى فكرة قديمة راودت أحلام البشر من أيام الإمبراطورية الرومانية




جاء فى كتاب دييجو ابن كولومبس أن ما زاد اشتعال الفكرة لدى والده هو التقدير الخاطئ فى حساب مسافات الكرة الأرضية و درجاتها ؛ فقد تصور أن رحلته فى المحيط لن تتجاوز 2400 ميل بحرى فى حين أنها تبلغ 10600 ميل بحرى ..



و السبب فى ذلك أنه اعتمد على كتب و خرائط لباحث إيطالى اسمه باولو توسكانيللى الذى كان يعتمد على تقديرات الجغرافيين الإغريق و ملاحظات ماركو بولو الخاطئة ..



و على تفسيرات خاطئة لبعض آيات الكتاب المقدس ( الإنجيل )



كذلك تأثر بكتاب imago mundo لبيير د. آيلى



و تخمينات العلماء الإغريقيين



و فى نفس الوقت تجاهل معارضة الفرغانى ( جغرافى عربى مسلم من القرن التاسع الميلادى ) على هذه التقديرات الخاطئة لمسافات الكرة الأرضية




====================




إخفاقات متتالية




عام 1484 عرض كولومبس الأمر على الملك جون الثانى ملك البرتغال و ابن أخت الأمير هنرى ( هنرى الملاح ) ، و كان كخاله مشجعاً على استمرار الإكتشافات بطول الساحل الإفريقى



فأحال الأمر إلى لجنة لكى تبت فيما عرضه كولومبس



عام 1485 رفضت اللجنة عرضه .. و ماتت زوجته التى كانت سنداً له عند البلاط الملكى .. فقرر الرحيل إلى أسبانيا و عرض مشروعه على الملكة إيزابيللا و زوجها الملك فرديناند الخامس




فى الطريق عرج كولومبس على قرية أسبانية اسمها لارابيدا ؛ هذه القرية كان بها دير للرهبان الفرنسيسكان ، و كان رئيس الدير دون بيريز هو أب الإعتراف للملكة إيزابيللا [ أى القس الذى يتلقى اعتراف المذنبين ليتطهروا ] و من ثم فله دلال عليها



كما كان على دراية بعلم الفلك



فلجأ كولومبس إلى هذا الدير طالباً منح ابنه الصغير رعاية الدير حتى يتفرغ لمشروعه ، و تحادث مع رئيس الدير عن مشروعه هذا ، فتحمس له و وعد كولومبس بمحادثة الملكة فى ذلك




كان الملك و الملكة مشغولين فى هذه الأوقات بحرب غرناطة و جمع المساعدات لخوض الحرب



و كان كولومبس يتابعهما محاولاً لقائهما



و حين استقر بهما المقام فى قرطبة تمكن من مقابلتهما و عرض مشروعه و أكاره عليهما



لم يرحب الملك بالفكرة ، أما الملكة فأشارت إلى أنه لا يمكن عمل شئ إلا بعد إنقضاء الحرب مع المسلمين



و لكن مع توصية الأب بيريز أمرت الملكة بتشكيل لجنة لدراسة المشروع ..




إستغرق الأمر 4 سنوات و انتهى بالرفض



فكتب كولومبس لملك البرتغال يرجوه بأن يعطيه فرصة ثانية لشرح أفكاره ، فدعاه الملك لزيارته



طار كولومبس فرحاً و أسرع إلى البرتغال و لكن خابت آماله مرة أخرى .. إذ عاد بارتلميو دياز قائد إحدى الحملات الإستكشافية التى أرسلها الملك للدوران حول القارة الإفريقية من الغرب إلى الجنوب ثم الهند ، و قدم تقرير يشير إلى نجاح مهمته فى إيجاد الطريق إلى الهند دون المرور بمصر .. و رغم أنه لم يكمل الرحلة إلى الهند لما واجهه من عواصف شديدة و عدم توافر الإستعدادات اللازمة إلا أنه سمى هذا الطريق " رأس الرجاء الصالح " تيمناً لرحلة قادمة [ و هذا ما أتمه فاسكو دى جاما فى سنوات لاحقة ]




كان هذا الكشف ضربة قاسمة لمشروع كولومبس



فعاد إلى أسبانيا



و ليضفى على نفسه هالة من الصدق و الإخلاص تطوع فى القوات المقاتلة لغرناطة



عام 1491 تمكن من مقابلة الملكة و رجاها أن تساعده فى تنفيذ مشروعه و هو يحاول إغراءها بالثروات المستقبلية و نشر الدين المسيحى الذى يحاربون من أجله



فأمرت بتشكيل لجنة أخرى لمناقشة كولومبس و أبدت ميلها إلى تبنى أفكاره .. فأوصت اللجنة بقبول مشروعه على أن يبدأ تنفيذه بعد الإنتهاء من الحرب مع المسلمين و سقوط غرناطة



و كان السبب الذى تقدمت به اللجنة لقبولها هذا المشروع هو أن كولومبس إذا عاد بشئ من خيرات البلاد المكتشفة قد يساعد هذا فى سد حاجة الخزانة التى ستصبح خاوية بعد الحرب




سقطت غرناطة



و قدم كولومبس شروطه التعسفية التى مازال يصر عليها رغم أنها كانت أهم الأسباب فى الرفض المتتالى لمشروعه



فرفض مشروعه مرة أخرى



فأرسل كولومبوس زوج أخته بارتلميو إلى ملك انجلترا لعرض مشروعه ، فرفضه



فأرسله مرة أخرى لملك فرنسا ، فرفضه



فقرر كولومبوس السفر إلى فرنسا و مقابلة الملك بنفسه ليحاول إقناعه بمشروعه




كانت السفن تغص بالمسلمين المطرودين من الأندلس ، و كانت سفن أخرى تغص باليهود الذين رفضوا اعتناق المسيحية



و كان لويس دى سنتا نجيل – رئيس خزانة الدولة الإسبانية – يهودياً متظاهراً باعتناقه المسيحية



و مع رؤيته لليهود يطردون ، فربما وجد فيما يعرضه كولومبس أملاُ فى إيجاد أرض يلجأ إليها المطرودين من اليهود



فتقدم للملكة بتقرير يشرح فيه أن تجهيز سفينتين لن يضير الخزانة كثيراً



أما طلبات كولومبس المغالى فيها فهذه أمور سوف تحسمها النتيجة التى سيصل إليها كولومبس نفسه ؛ فإن نجح فمطالبه ستكون شيئاً تافهاً ، و إن هلك هو و من معه فيعودون إلى الإهتمام بمثل ما يقوم به البرتغاليون



و لأن التقرير كان واضحا و مغرياً فقد قبلته الملكة ، و أرسلت من يلحق بكولومبس فى فرنسا و يدعوه إلى العودة إلى أسبانيا



و فى أبريل 1492 تم توقيع عقد بين كولومبس و ملك و ملكة أسبانيا يفيد بقبولهما كل شروطه ، و أنهما سيتحملان نفقات سفينتين بكل تجهيزاتهما ، و عينت ابنه دييجو وصيفا لإبنها دون خوان ، كما أعلنت الملكة عن مكافأة قدرها 10000 مارافيداس ( عملة أسبانية ) شهرياً لأول رجل يرى الأرض الجديدة


يتبع