-3-

ثم يُردّد النَّغمَة نفسها بتوسُّع في فصل الشيعة (266 ـ 278) منه، ويقول في صفحة 270: ((وفكرة الرّجعة هذه أخذها ابن سبأ من اليهوديّة. فعندهم أنّ النبيّ إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيد الدين ... ـ إلى قوله ـ وتطوّرت هذه الفكرة عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الائمة وأنّ الامام الُمختفي سيعود فيملا الارض عدلاً. ومنها نَبَعَت فِكرة المهديّ المنتظر))(10).
ويستنتج ممّا سبق في ص 276 فيقول: ((والحقُّ أنّ التشيّع كان مأوى يلجأُ إليه كلُّ من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حِقد. ومن كان يُريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانيّة وزردشتيّة ... إلى قوله: كلُّ هؤلاء كانوا يتّخذون حبَّ أهل البيت ستاراً يخفون وراءه كلَّ ما شاءت أهواؤهم. فاليهودية ظهرت في التشيّع بالقول بالرَّجعة...)).
ويقول في ص 277: ((وقد ذهب الاُستاذ ولهوسن إلى أنّ العقيدة الشيعيّة نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية مُسْتَدِلاّ ً بأنّ مؤسّسها عبداللّه بن سبأ، وهو يهوديّ)).
يتلخّص ما استنتجه أحمد أمين في أنّ الشيعة أخذت العقيدة بالوصاية والرجعة من ابن سبأ، وأنّهم أخذوا فكرة المهديّ المنتظر بواسطته من اليهود القائلين بعودة إلياس لاحياء الدين، وأنّ أبا ذر أخذ من ابن سبأ الاشتراكية، وابن سبأ أخذها من المزدكيّة التي كانت موجودة في عصر الامويّين. ولمّا كان مزدك فارسياً فقد انتقلت عقيدة الفرس في ملوكهم الساسانيين إلى الشيعة في أئمتهم، إذاً فالتشيّع كان مأوى يلجأ اليه كلُّ من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد أو أراد إدخال تعاليم آبائه من يهودية أو نصرانية أو زرْدُشتية ... الخ)). يستنتج كل هذا من اُسطورة ابن سبأ التي رجع إلى الطبري في نقلها مرّات وإلى ولهاوزن مرَّة واحدة. وسنرى فيما يأتي أنّ ولهاوزن أيضاً نقلها عن الطبري، ومن يرجع إلى ولهاوزن يرى أنّه سبق أحمد أمين فيما استنتج وله فضل السَّبق عليه!

ـ 9 ـ‍
حسن إبراهيم حسن:
وكذلك نجد الدكتور حسن إبراهيم حسن(11) في كتابه (تاريخ الاسلام السياسي) بعد أن يُمهّد بذكر الحالة التي كان المسلمون عليها في أُخريات خلافة عثمان يقول في ص 347 منه:
((فكان هذا الجوُّ ملائماً تمام الملاءمة ومُهَيَّأً لقبول دعوة (عبداللّه بن سبأ) ومن لفَّ لفَّه والتأثُّر بها إلى أبعد حدّ. وقد أذكى نيران هذه الثورة صحابي قديم اشتهر بالورع والتقوى ـ وكان من كبار ائمة الحديث ـ وهو أبو ذر الغفاري الذي تحدّى سياسة عثمان ومعاوية واليه على الشام بتحريض رجل من أهل صنعاء هو عبداللّه ابن سبأ، وكان يهودياً فأسلم، ثم أخذ يتنقّل في البلاد الاسلامية، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة فالكوفة والشام ومصر ... الخ)).
وهاهنا يُسجّل في الهامش: الطبريّ 1 : 2859.
ويقول في ص 349 منه: ((ولقد وجد ابن سبأ ـ وهو أوّل من حرّض الناس على كره عثمان ـ الطريق مُمهّدة لخلعه))، ويشير في الهامش إلى صفحات مصدره الطبريّ أربع مرّات. وهكذا يسردُ القصّة إلى ص 352 منه، ويشير 12 مرّة إلى صفحات الطبري مصدره الوحيد لهذه القصة. ولكنّه لا يستسيغُ ذكر ما رواه الطبري في حرب الجمل، مع أنّ (ابن سبأ) في كليهما واحد. المصدر واحد والقاصّ واحد. هكذا اعتمد الكُتاب ومؤرّخو المسلمين على تاريخ الطبري في نقلهم قصّة السبئيّة.

ـ 10 ـ‍
فان فلوتن:
وأمّا المستشرقون فقد قال (فان فلوتن) في كتابه (السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات في عهد بني اُمية) ترجمة الدكتور حسن إبراهيم حسن ومحمد زكي إبراهيم في ص 79 الطبعة المصرية الاُولى سنة 1934 في ذكره طوائف الشيعة: ((أما (السبئية) أنصار (عبداللّه بن سبأ) الذي كان يرى أحَقيَّةَ عليّ بالخلافة منذ أيام عثمان ابن عفّان)) الحديث. ويشير في هامش ص 80 إلى مصدره الطبري وصفحته.

ـ 11 ـ‍
نيكلسون:
وقال نيكلسون في كتابه تاريخ الادب العربي طبعة كمبردج ص 215 ما يلي:
(فعبداللّه بن سبأ) الذي أسّس طائفة (السبئيّين) كان من سكان صنعاء اليمن، وقد قيل إنّه كان من اليهود وقد أسلم في عهد عثمان وأصبح مبشّراً متجوّلاً، فيذكر لنا المؤرخون أنّه كان يتنقّل من مكان إلى مكان ليُغوي المسلمين ويوردهم موارد الخطأ. فظهر في الحجاز، ومن ثمّ في البصرة والكوفة، ومن ثمّ ظهر في سورية، وألقى عصا الترحال أخيراً في مصر إذ استقرّ هناك حيث كان يدعو الناس إلى الاعتقاد بالرّجعة. وقال:
(عقيدة ابن سبأ) كان يقول: ((من الغريب حقّاً بأن أي شخص يعتقد بعودة عيسى إلى الحياة الدنيا ولا يؤمن بعودة محمّد التي نصّ عليها القرآن. وفضلاً عن ذلك فإنّ هناك ألف نبيّ ولكلّ نبيّ وصيّ، أمّا وصيّ محمّد فهو عليّ، فمحمّد هو آخر الانبياء وعليّ آخر الاوصياء)).
ويشير في الهامش إلى مصدره الطبري ويعيّن صفحته.

ـ 12 ـ‍
دائرة المعارف الاسلامية:
وفي دائرة المعارف الاسلامية التي ألّفها الاساتذة: هوتسمان، وينسينك، ورنولد، وبروفنسال، وهيفينك، وشادة، وباسية، وهارتمان، وجيب(12) طبعة ليدن 1 / 29 ما يلي:
((وإذا اقتصرنا على روايات الطبري والمقريزي، فقد كان ممّا يدعو إليه (ابن سبأ) رجعة محمّد... وأنشأ عبداللّه كذلك القاعدة المعروفة عنه وهي: لكلّ نبيّ وصيّ، وان علياً هو وصيّ محمّد، فرأى لذلك أنّه يجب على كلّ مؤمن أن ينصر الحقّ مع عليّ قولاً وعملاً. ويقال: إن عبداللّه كان يستعمل مبشّرين لنشر هذه الفكرة، وكان ابن سبأ من بين اُولئك الذين تحرّكوا في شهر شوّال من سنة 35 ه‍‍ إبريل سنة 656 م من مصر إلى المدينة ... الخ)).
لقد ذكرنا عن دائرة المعارف المذكورة هاهنا ما نقلوه عن الطبري. وأما المقريزي فلا يُعتمد على روايته في حوادث وقعت قرابة 800 سنة قبله دون أن يذكر سنده إليها ولا المصدر الذي ينقل عنه، وليس من الصحيح أن نعتبر خطط المقريزي في عداد تاريخ الطبري الذي يُسند القصة إلى راويها مع تقدّم عصر الطبري عليه قرابة 500 سنة. وسوف نتعرض لرواية المقريزي في الكتاب الاخير من سلسلة هذه الدراسة إن شاء اللّه تعالى(13).
سنة قبله دون أن يذكر سنده إليها ولا المصدر الذي ينقل عنه، وليس من الصحيح أن نعتبر خطط المقريزي في عداد تاريخ الطبري الذي يُسند القصة إلى راويها مع تقدّم عصر الطبري عليه قرابة 500 سنة. وسوف نتعرض لرواية المقريزي في الكتاب الاخير من سلسلة هذه الدراسة إن شاء اللّه تعالى(13).