(( الحلقة الثانية ))





وكانت قبيلة ثقيف
وقد تشبهت بسدنة قريش للكعبة
وكانت العرب تعظم صنم ثقيف
حتى كان الاسم مركب مثل ( خالد آلات )
وقد جاء ذلك
في الآية 31 من سورة الزخرف
في القرآن الكريم :

(( وقالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل
من القريتين عظيم ))

والمقصود مكة والطائف .

يقول أبو العباس المبرد
في الكامل ج2 ص 105 النص التالي :
(( لما دخل الحجاج مكة
في إحدى زيارته للحج
أعتذر من أهلها لقلة ما وصلهم منه .
فقال قائل : إذن والله لا نعذرك
وأنت أمير العراقيين وأبن عظيم القريتين .
وذلك أن عروة بن مسعود ولده من قبل أمه
وتأويل قوله عز وجل ( أعلاه ) مجازة في العربية :
أي على رجل من رجلين من القريتين عظيم : مكة والطائف .
والرجلان : عروة بن مسعود
والآخر الوليد بن المغيرة بن مخزوم ))
انتهى النص .

أما أبوه يوسف بن الحكم بن أبي عقيل
فكان من مشايخ ثقيف
وقد عابوا أبنه الحجاج بأن أباه يوسف كان معلما
وكان الحجاج يعمل معه
ولم يكن يوسف من ذوي اليسر والمال
ورددوا هذا في هجاء الحجاج .
لكن أبن خلدون كان له رأي في الحجاج وفي أبيه
حين أتهم بعض المؤرخين
بعدم إدراك بتبدل الأحوال
وتطور الناس مع قادم الزمان
فيقول في المقدمة ص22 :
(( ما ينقله المؤرخون من أحوال الحجاج
وأن أباه كان من المعلمين ....
مع أن التعليم لهذا العهد
من جملة الصنائع المعيشية
البعيدة عن اعتزاز أهل العصبية .
والمعلم مستضعف مسكين
منقطع الجذم
وإن التعليم في صدر الإسلام
والدولتين الأموية والعباسية لم يكن كذلك
ولم يكن العلم بالجملة صناعة
وإنما كان نقلا لما سمع من الشارع
وتعليما لما جهل من الدين على جهة البلاغة ...
فكان أهل الأنساب والعصبية الذين قاموا بالملة
هم الذين يعلمون كتاب الله وسنة نبيه ( ص )
على معنى التبليغ الخيري
وليس على وجه التعليم الصناعي
إذ هو كتابهم المنزل على الرسول
ومنهم وبه الهدايا والإسلام دينهم
فيحرصون على تبليغ ذلك
وتفهيمه لأمة ولا تصدهم عنه لائمة الكبر
ولا يزعهم عاذل الأنفة ))

وما يقصده أبن خلدون حول ( العهد )
هو العهد الذي عاش فيه ابن خلدون
ومعنى ( الجذم ) هو ( الأصل )
وأما ( الشارع )
هو النبي الذي أظهر للناس
ما شرعه الله لعباده من الدين .
وما يستدل عليه أن النبي عليه السلام
بعث كبار الصحابة مع وفود العرب
يعلمونهم حدود الإسلام .
وما كان يعمله والد الحجاج
ليس موضع هجاء
بقدر ما يمكن أن يكون مدح في حقه
لأن عمله كان لوجه الله تعالى .
ثم أن يوسف والد الحجاج
كان من سادات قومه وأشرافهم
ومكانهم في عصبية العرب
ومناهضة قريش في الشرف والمقام الرفيع
ولم يكن تعليمه للقرآن الكريم
على ما هو عليه لهذا العهد من أنه كان مجرد حرفة
من أجل الحصول على المال
أو أن يكون سبيل للمعيشة .
ولهذا السبب كان ابن خلدون
يعتب على المؤرخين الذين يتحدثون عن الدول القديمة
والتي تباعدت عهودهم
ويذكرون أسماء أبنائهم ونسائهم
والقاضي والوزير والحاجب في تلك الدول القديمة
التي لا يعرفون أصول هؤلاء
ولا أنسابهم ولا مقاماتهم فيقول :

(( أللهم إلا ذكر الوزراء الذين غطت آثارهم
وعفت على الملوك أخبارهم :
كالحجاج وبني المهلب والبرامكة
وبني سهل بن نوبخت وكافور الأخشيدي في مصر
وأبن أبي عام في الأندلس وأمثالهم ...
فغير منكر الألماع بآبائهم
والإشارة إلى أحوالهم
لانتظامهم في عداد الملوك ))

وهذا رأي أبن خلدون في أبى الحجاج
والحجاج نفسه .





إلى حلقة أخرى