(( الحلقة الخامسة ))









المنهج والرسالة





آمن الحلاج ....

أن هناك صلات لا تنفصم بين الكمال الروحي الذي ينشده

والإصلاح الإيماني الذي يستهدفه .

في أعماقه قوى ضخمة ... تفور وتتصارع

ويشعر بأن هناك في أبعد عمق من نفسه وقلبه ووجدانه ... تنفجر ينابيع

وتتدافع تيارات وثورات

يرى بعين خياله وبصيرة أحلامه


(( أنها ستغير وجه الحياة ))


حياته ... وحياة الناس

على العالم الإسلامي أن يبعث من جديد

على نور من كتاب الله وحبه .. وشعاع من حياة الرسول الكريم وهديه

فتشهد الدنيا أمة قرآنية

يحبون الله ويحبهم

ويحملون الناس على الجادة والطريق الذي اصطفاه الله وارتضاه

فلا تفترق السياسة عن الصلاة

ولا الحكم عن الحب

ولا العمل عن العبادة


فتتحول الدنيا
من
غاية للشهوات والصراع ...
ولهو الشياطين

إلى مساجد للحب والسلام ..
ونجوى الساجدين




هي أحلام الحلاج



التي تعيش في أعماقه

وتبعث الحركة والاضطراب في حياته .. ونرى هل هو أهل لها بعد ؟

هل يستطيع النهوض بها ؟

فتتحول الأحلام والأماني إلى حقيقة حية ..
تسعى وتعيش وتخلد ؟

وهل تستطيع الصوفية ... والمنهج الصوفي إن يقدم له القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها

حتى يثب من فوقها ؟

لقد جاهد الصوفية أنفسهم في سبيل التصفية والتحلية والتطهر ... جهادا خالدا



فلم تعرف صحف الجهاد النفسي مثيلا له من قبل

فرضوا على أنفسهم مناهج في السلوك

وآدابا في الطريق

واجبات في العبادات .. وأخلاقا في الحياة

هي أسمى تصورات الكمال التي عرفها هذا الوجود

وكانت الثروة هائلة .. ضخمة

في سبيل الوصول إلى أفق الحب الإلهي ... وسموات الإلهام والنجوى

تركوا للإنسانية

زادا صالحا .. زكي بعطره

الحلاج عاش الصوفية ...
بل حياتهم داخل أنفسهم

حلقات دروسهم ووجد أنهم لم يمدا أعينهم إلى ساحة الحياة الكبرى ..
وميادين جهادها الأخرى

وجد في المنهج الصوفي ...
في أخلاقه وعباداته وجهادهم الروحي

أنما يمثل وجها واحدا من الدعوة الإسلامية

ووجه واحدا من حياة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام

يمثل مرحلة الإعداد فحسب

ثم تأتي في أعقابها ... مرحلة الكمال

مرحلة الجهاد العام لتبليغ الدعوى

وحمل الناس عليها

والدفاع عنها

فلو اكتفى الأنبياء والأولياء والصالحون المصلحون والزعماء بأنفسهم

ولم يحملوا ما تلقوه وما تعلموه وآمنوا به إلى الناس

ولم يجاهدوا في سبيله .. حتى تعلو كلمات الله

وتسود تعاليمه ورسالاته لفسدت الأرض .

وامتطها شياطين الجن والإنس .. يوحي بعضهم لبعض زخرف الأرض غرور .

لقد فسد عصر الحلاج فسادا كبيرا اختلف الناس وتفرقت بهم السبل

أغرقوا في الشهوات

والملذات ............. والترف



وكانت قمة الفساد
قصور الخلفاء والأمراء

مسرحا لعبث الجواري والإماء

مرتعا للمرتشين
والمقامرين والملحدين !!!!



بغداد .. عاصمة الخلافة

إذا في البصرة 4 ألاف من العارفين ... كم إذن في بغداد

هو كلام المتصوف سهل بن عبدا لله التستري

كان في بغداد عاصمة الخلافة انحلال ديني وفساد اجتماعي

ماذا فعل أصحاب المنهج الصوفي ؟

ولهم المكانة ........ والجاه

فكر الحلاج في كل هذا .. لم يرضى عنه

وعبر عن سخطه بكلمات .. فيها لهيب وبرق



(( إن الله سبحانه
لن يقبل من الناس عبادتهم
إذا اختلت سياستهم

وفسدت أخلاقهم ..
ثم استكانوا للبغي والفساد ))




كان ينتظر منهم .. تقديم دمائهم في ساحة الاستشهاد والفداء

حان الوقت .. لكي يرفع صوته خالي من تردد أو ضعف .. إن يطمئن على عدته

هل نضجت مجاهداته ... هل خلص له قلبه ؟

إن قلبه لينازع عقله فيما يريد والوجدان فيما يحب

ورصد كل قواه منذ صباه لحب الله وعبادته .. والجهاد في مرضاته

حتى يصل إلى فناء كامل .. تفنى فيه إرادته في إرادة الله

هذا الحب والتفاني في الحب .. عاصفة من التفكير المزلزل

كان في حاجة إلى خلوة كاملة .. يعيشها متحنثا متطهرا ذاكرا قانتا

خلوة في أرض الوحي والإلهام


بيت الله






إلى حلقة أخرى