(المستقلة).. عن دار دوسييه ستوديو في بلغراد صدرت للكاتبة والروائية هدية حسين مجموعة قصصية بعنوان “وتلك قضية أخرى” مترجمة الى اللغة الصربية، وتضم عشرين قصة اختارتها المترجمة ميلونكا ستويانوفسكا من ثلاث مجموعات للكاتبة هي (وتلك قضية أخرى) و(قاب قوسين مني) و(كل شيء على ما يرام) والعنوان مأخوذ من إحدى القصص والذي سبق للكاتبة أن استخدمته لمجموعتها القصصية الثالثة التي فازت بالجائزة الأولى لأدب المرأة العربية عن أندية فتيات الشارقة عام 1999. القصص المترجمة هي: شوارع حديثة جداً وخارج الزمن وألق امرأة وحقائب والبطل وكل شيء على ما يرام، ووليس على سلوى حرج، وفي طابور الانتظار ومكان فارغ لاثنين والقناص وغبار الوحشة وعاشق الكمان وضوء أحمر و”وتلك قضية أخرى” وكلاب الساعة العاشرة وفي زاوية ما وامرأة من أقصى الجنوب ورباعية الألم و”وثمة بقية” و(…..)! سبق أن تُرجم للكاتبة روايتها “ما بعد الحب” الى اللغة الانكليزية عن دار سيراكيوس يونفيرستي بريس الأميركية. المشروع القادم للمترجمة ميلونكا ستويانوفسكا هو رواية “شرق المتوسط” للروائي الراحل عبد الرحمن منيف. وعن قصة “غبار الوحشة” قال الناقد الدكتور اسماعيل نوري الربيعي: في سبعة مشاهد تؤثث هدية حسين عوالم قصتها (غبار الوحشة) في تمرين عاطفي شديد الاصطبار، حيث المكوث في دائرة الانتظار الذي يطول بانفتاح زمني يثير الانتباه، تلك المشهدية المستندة الى، السراب، اللعبة، المحنة، الاختلاط، الإمعان في الوحشة، إصلاح العالم، الحياة انتظاراً.. تلك هي عوالم الغبار الذي يقترب حد التماهي بغبار “الطِلع” حيث ملمح التكيف في محدداته الوظيفية استناداً الى نظام الأفعال البيولوجي، فكما تستمد الزهور شروط حياتها من هذا الغبار فإن القاصة هنا تعمد الى تحديد خصوصية العنوان من خلال المفارقة والانفتاح على المجاز الذهني، وهكذا يتم توسيع الاستعارة حتى لتبدو الحكاية وكأنها تحدد ما هو شخصي في ما تملكه من قدرات، وما هو اجتماعي حيث التوازن من أجل البقاء وصولاً الى تثبيت محور الأهداف الذي تنشده القاصة، إنه التعالق من خلال الاتكاء على الترميز والقول خلافاً، فإذا كانت الزهور تعتمد غبار الطلع للحياة فإن القاصة تقول بأن غبار الوحشة هو الأصل الذي تقوم عليه حياة المرأة. وعن قصة “القناص” يرى الناقد محمد درويش أن القصة ابتعدت كثيراً عن التناول الاعتيادي للحدث القصصي، وأوجزت حقيقة الوصول بوسيلة ذهنية مركبة، واقتربت من المساس بما هو جوهري وعميق في نقل تجربة الكاتبة، وإن الفنتازيا التي اعتمدتها القصة بديلاً عن التناول الواقعي للتعبير العميق والمؤثر لموضوعة ليس من السهل التعامل معها، وهي موضوعة الحرب، ولم تختر القاصة الواقع لتصويره بل سعت الى خلق واقع آخر وأوصلت شحنة استفزازية في بنائه. ويقول الناقد درويش إن قصة القناص تبدأ بعبارة (وحدي أرقب المشهد، على جدار الصالة لوحة كبيرة وصورتان فوتغرافيتان) ثم تستعرض ما في اللوحة والصورتين، فاللوحة تحوي (نهراً، وجسراً خشبياً، وشجرة وارفة الظلال، وفتاة بثوب أزرق، وبيوتاً طينية، وامرأة بدينة، وصياد سمك، ورجلاً يحمل بندقية صيد، وكلباً، وغيوماً متناثرة) الصورة الأولى تحوي أباً في الثلاثين يطوق كتف طفل لم يتجاوز العاشرة، أما الصورة الثانية فهي لأب في الستين وهو الراوي يطوق كتف ابنه.. تتكرر عبارة وحدي أرقب المشهد، وبعدها ينزل الشخوص الى الواقع ويمارسون غرائبيتهم، مضافاً إليهم شخوصاً آخرين هم، القناص والشاب الذي يرتدي بدلة كاكية، وزوجة الراوي.. الشاب (حين أغضبته الفتاة عاد الى الجبهة وسلم نفسه لوابل الرصاص) والفتاة هي ذات الثوب الأزرق في اللوحة.. أما التي تنقل تفاصيل موت الشاب فهي المرأة البدينة التي (لم تعد الى الشاطىء منذ ذلك الحين) والإبن يقتله القناص بطلقة (تستقر في الصدغ الأيمن) والقصة تبدأ من منطقة غارقة في الاغتراب والتوحد، وتلك هي الأحاسيس التي تمنحها الحرب لشخوصها. أما عن قصة “خارج الزمن” فيقول القاص نعيم شريف: تدخلنا الكاتبة في (خارج الزمن) الى مكان له قراءة خاصة وإغراء حاد للدخول فيه، فهي بعرضها لنماذج عالمها (المجنون) بمستشفى الأمراض النفسية تظهر لنا من خلال النسوة المهمشات المطرودات من العالم (العاقل) المفارق لهن، بشاعة المحيط الذي نحياه، فهي تختتم قصتها الجميلة بهذه الرسالة الشعرية المختصرة نيابة عن (حربية) تلك المرأة التي تريد أن تكتب رسالة للعالم العاقل، أو غيرها من النسوة اللاتي تماهت معهن وتبنت آلامهن، فتقول (ثمة اضطراب غامض وشائك في رأسي يجعلني أرى العالم فجأة مشوهاً على نحو مروّع، أشعر باللاجدوى وغوص الأشياء من حولي).

أكثر...