السؤال: معنى قوله تعالى (عفا الله عنك ...)
السلام عليكم
قال الله تعالى: ((عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) (التوبة:43)
نلاحظ الخطاب موجه لرسولنا الكريم (ص) هل معناه ترك الاولى؟ أو ليس من ذلك شيء؟ وان كان ليس للرسول (ص) هل يعني الله سبحانه وتعالى عفا عن المنافقين كما قال عز من قائل: ((عفا الله عنك....))؟
وهل النبي (ص) لم يأذن لهم؟
ومنهم الذي أذن لهم؟ أي من هو الشخص الذي أذن لشخص آخر؟
الجواب:

علينا في البداية أن نعرف المضمون الاجمالي للآية الكريمة. وحاصله: ان بعض المنافقين جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك وأخذ ببيان بعض الأعذار الواهية في تركه الخروج للغزوة وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يعرف أن أعذارهم باطلة وانهم لا يريدون الخروج رأساً وان استنادهم الى تلك الاعذار ليس صادقاً.
أي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم انه حتى لو لم يأذن لهم سيتركون الحرب وينكشفون آنذاك لجميع المسلمين، وحيث أن النبي (صلى الله عليه وآله) عرف واقع الحال أذن لهم ونزلت الآية لتقول انك لو لم تأذن لهم لانكشف حالهم الى جميع المسلمين بسرعة، فالمسألة مسألة عتاب على ترك الأولى، أي أن الأولى له كان هو عدم الإذن لهم حتى ينكشف حالهم للجميع بسرعة.
فالخطاب إذن موجّه الى النبي (صلى الله عليه وآله) وليس الى المنافقين، والعفو المذكور عفو عن ترك الأولى.
تعليق على الجواب (1)
هل يجوز للنبي ص ان يترك الاولى؟ الا يفترض انه ص لايترك الاولى؟

الجواب:

ما ذكرناه في اجابتنا السابقة هو ما استفدناه من الشيخ الطوسي في التبيان 5/227 ولكن هناك من المفسرين من يفهم (الاولى) بشكل اخر فيقول صاحب تفسير الميزان السيد الطباطبائي ج 9 - ص 285:
والآية كما ترى وتقدمت الإشارة إليه في مقام دعوى ظهور كذبهم ونفاقهم وانهم مفتضحون بأدنى امتحان يمتحنون به ومن مناسبات هذا المقام القاء العتاب إلى المخاطب وتوبيخه والانكار عليه كأنه هو الذي ستر عليهم فضائح أعمالهم وسوء سريرتهم وهو نوع من العناية الكلامية يتبين به ظهور الامر ووضوحه لا يراد أزيد من ذلك فهو من اقسام البيان على طريق إياك أعني واسمعي يا جاره .
فالمراد بالكلام اظهار هذه الدعوى لا الكشف عن تقصير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسوء تدبيره في احياء أمر الله وارتكابه بذلك ذنبا حاشاه وأولوية عدم الإذن لهم معناها كون عدم الإذن انسب لظهور فضيحتهم وانهم أحق بذلك لما بهم من سوء السريرة وفساد النية لا لأنه كان أولى واحرى في نفسه وأقرب وأمس بمصلحة الدين .
والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعد ثلاث آيات لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم إلى آخر الآيتين فقد كان الأصلح ان يؤذن لهم في التخلف ليصان الجمع من الخبال وفساد الرأي وتفرق الكلمة والمتعين ان يقعدوا فلا يفتنوا المؤمنين بالقاء الخلاف بينهم والتفتين فيهم وفيهم ضعفاء الايمان ومرضى القلوب وهم سماعون لهم يسرعون إلى المطاوعة لهم ولو لم يؤذن لهم فاظهروا الخلاف كانت الفتنة أشد والتفرق في كلمه الجماعة أوضح وأبين .
ويؤكد ذلك قوله تعالى بعد آيتين ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عده ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين فقد كان تخلفهم ونفاقهم ظاهرا لائحا من عدم اعدادهم العدة يتوسمه في وجوههم كل ذي لب ولا يخفى مثل ذلك على مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نباه الله باخبارهم قبل نزول هذه السورة كرارا فكيف يصح ان يعاتب ههنا عتابا جديا بأنه لم لم يكف عن الاذن ولم يستعلم حالهم حتى يتبين له نفاقهم ويميز المنافقين من المؤمنين فليس المراد بالعتاب الا ما ذكرناه .