الحضور الوائلي في معركة الجمل سنة 36هـ


عندما بويع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت قبائل العرب البعيدة عن المدينة المنورة في العراق ونجد ومنها ربيعة مؤيدة للموقف العلوي ، مما أشعل جذوة التعصب القرشي في مكة المكرمة والشام .

وكان قادة الموجة القرشية هم كل من عائشة بنت ابي بكر الصديق ، وطلحة بن عبيد الله ، ومروان بن الحكم ، والزبير بن العوام ، وهولاء في الحجاز، بينما تولى معاوية بن أبي سفيان جبهة الشام المعارضة لمقتل عثمان وتنصيب علي بن ابي طالب .

كانت قبيلة بكر بن وائل ذات دور كبير في هذه الفترة حيث كانت مقر مشيختهم الكوفة ، وقد شكلت عائشة بمعونة طلحة والزبير جيشا هدفه استمالة قبائل بكر بن وائل وعبد القيس في العراق ومصادمة قتلة عثمان المبايعين لعلي .

كان زعيم عبد القيس هو حكيم بن جبلة العبدي ، وقد رفض الانضمام الى الى جيش عائشة وطلحة ، وفي تاريخ ابن الأثير أن بني عبد القيس عندما رفضوا الانصياع الى ماجاء به جيش عائشة ، وأن ذلك أدى الى اشتعال الحرب بين الطرفين ، ومن ثم انضمت قبائل بكر الى عبد القيس في حربهم لطلحة وعائشة .

كان هدف جيش عائشة هو إجبار قبائل ربيعة ومن معهم من العرب النازلين في سواد العراق لخلع بيعتهم لعلي والانضمام لهم في المطالبة بدم عثمان ، وتمسكت قبائل ربيعة في بيعتها لعلي بالخلافة ، وان لاعلاقة لهم بمقتل عثمان حتى يناصرون اية مطالب بدمه .

الا أن جيش عائشة الذي كان مجهزا من كبار اثرياء قريش في مكة تمكن من الانتصار في الاشتباكات ، وقُتل حكيم بن جبلة زعيم عبد القيس ، فهرب عدد كبير من قبائل بكر بن وائل وعبد القيس الى علي بن ابي طالب الذي خرج بدوره الى العراق للحاق بعائشة ومساندة من بايعه من العرب ، واصبح موقف جذمي ربيعة الكبار : عبد القيس وبكر مع الامام علي بن ابي طالب ضد عائشة وطلحة والزبير لتبدأ بين الطرفين معركة الجمل .

نشوب المعركة سنة36هـ

بلغ الامام علي مافعله طلحة والزبير وقتال قبائل ربيعة لهم في ارض العراق قرب البصرة ووفاة حكيم بن جبلة احد أهم رجالات ربيعة ، وقد علم ان قبيلة ربيعة خرجت من العراق ملاقاة الامام علي ومناصرته فقال أبياتاً عنهم عندما سمع عن حربهم لجيش عائشة :

يا لهف نفسي على ربيعه





ربيعة السامعة المطيعـه

قد سبقتني فيهم الوقيعـه





دعا علي دعوةً سميعـه

حلوا بها المنزلة الرفيعه



ولكن الامام علي بن أبي طالب فضل أن يكون النزاع قرشيا داخليا لادخل لقبائل العرب الاخرى فيه ، فقد قال لوفد من بكر بن وائل أنه لايريد تدخلا منهم في صفه ، وان موضوع طلحة والزبير هو امر يخص المهاجرين والانصار من الصحابة فقط ، ومع ذلك اتحدت راية ربيعة مع الامام علي بن ابي طالب ، بل أن تغلب وعلى الرغم من نصرانيتهم اتحدوا مع بكر وعبد القيس تحت رئاسة وعلة بن محدوج الذهلي[1] .

وسبب التحاق بني تغلب مع بكر وانضمامهم لعلي بن أبي طالب هو أن معاوية الذي كان مستقلا بحكم الشام ومعارضا لعلي بن ابي طالب قد استمال قبيلة تغلب وهم في الجزيرة الفراتية ، فعزم علي على قتالهم وارسل لهم سرية بقيادة الحارث بن نمر التنوخي ، إلا أن قبائل بكر اخذتهم الحمية على ابناء عمهم من تغلب ولم يريدوا ان يحارب ابناء عمهم ، فكلموا الامام علي فيهم ، وقالوا لعلي أنهم معنا ومعك ، فكان ان انضمت تغلب الى اخوانها من ربيعة وهم عبد القيس وبكر .

وكان من ابرز زعماء ربيعة الذين مع علي يوم الجمل : شقيق بن ثور من بكر ، وعمرو بن مرحوم العبدي من كبار عبد القيس .

وقد يجدر بنا ان ننوه أن جمعا بسيطا من ربيعة كان بجانب عائشة وطلحة والزبير ، انما تحدثنا عن موقف جمهرة ربيعة والسواد الأعظم منها وموقفهم المؤيد لعلي في هذا الصراع الذي انتهى بمعركة دامية انتهت بهزيمة اتباع عائشة رضي الله عنها وقتل طلحة والزبير ، وسميت المعركة باسم الجمل نظرا لأن عائشة رضي الله عنها كانت تركب جملا تحث اتباعها بواسطته الاستماتة في القتال[2] .

وقد انتهت المعركة بنصر حاسم للامام علي واتباعه ، وقتل جمل عائشة رضي الله عنها ، وقتل طلحة والزبير ، وجرح مروان بن الحكم الذي كان الى جانب عائشة ، ويروي المؤرخ الطبري ان مروان عندما جرح وجده رجل من ربيعة هو ابو الحفص العجلي ، واخذه بشكل سري وذهب به الى مضارب بكر بن وائل دون علم اتباع علي بن ابي طالب ، والتجأ الى بيت من قبيلة عنزة وتطبب فيه رغم موقف عنزة المؤيد للامام علي ، وقال مروان للعنزيين : علموا مالكا ابن مسمع بمكاني ! ، وكان مالك هو زعيم بكر في المعركة ، فلما علم مالك ان مروان لاذ بقومه قال مالك بن مسمع لعنزة : التمسوا له الأمان من عليّ، فإن آمنه فذاك الذي نحبّ وإن لم يؤمنه خرجنا به وبأسيافنا؛ فإن عرض له جالدنا دونه بأسيافنا، فإمّا أن نسلم، وأمّا أن نهلك كراماً ![3]

وهذا يدل على ان مالك بن مسمع اختار وفضل القتال دون الدخيل ، ولكن الإمام علي بن أبي طالب صفح عن مروان إكراما لمالك ، والدخيل عادة عربية معروفة حتى في الأزمنة القريبة ، كما تدل هذه الحادثة على أن عنزة هي جزء من بكر بن وائل وفي عدادها ، ذلك أن مروان قد دخل فيهم أولا ثم بزعيم بكر مالك بن مسمع ، ويقول الطبري في تاريخها ان مروان عندما اصبح خليفة حفظ لعنزة وآل مسمع هذا المعروف مما ساهم في تحسن العلاقات الربعية الاموية في عهده .


منقول


بقلم : نايف الفقير