ي تاريخ العرب في فترة ماقبل الاسلام دلالات واضحة على كثير من واقعنا المعاصر ، فالكثير من الجغرافيا المعاصرة وقبائل العرب الحالية لاتزال تحتفظ باسمائها العربية القديمة ان اسم منطقة او قبيلة –عبر الحقب التاريخية- ربما لايتجاوز الاحتمالات التالية :

1- ان يكون اختفى تماما من التداول واصبح بذمة التاريخ ، وبذمة باحث منصف موضوعي يستطيع استنتاج احتمالات وجيهة عن مكان هذا الاسم او تلك القبيلة التي لم تعد معروفة في هذا الزمن ..ومثال ذلك من يزعمون ان قبائلا عربية لانعرف لها اثرا هي موجودة بيننا اليوم ..فنجد من يقول ان القوم الفلانيين هم بقايا بني حنيفة ، او غطفان ، او الانباط ...الخ !

2- ان يكون الاسم للقبيلة او المنطقة لازال معروفا ومتداولا ويدل بوضوح على المُسمى ذاته ، وربما تقلصت او اتسعت دلالاته فقط، وهذا حال قبيلة ( عنزة الوائلية) المعاصرة التي تحتفظ اليوم باسمهما الوائلي الربعي المتداول على السنة العامة والخاصة ، وان كنا نلوم الباحث الغير منصف في تلاعبه بالاسماء المختفية في عصرنا الحالي ومحاولة اسقاطها على ايا كان ، فكيف بنا ونحن نجد من شكك في اللقب الوائلي المعاصر واصله التاريخي المعتبر !!

ثمة نقطة هامة لابد من الاشارة اليها ، تتمثل في ان أي اسم لقبيلة معاصرة تحتفظ باسم يعود الى فترة الجاهلية فالاصل فيه ان نبحث في اصل اشتقاقه التاريخي لا النسب ، فلامعنى هنا ان نبحث عن النسب بمثل الطريقة التي نبحث فيها على غرار الخارطة الجينية ، او تتبع اسماء الاجداد فردا فردا ، فالقبيلة قد تعود في اسمها الى اسم جد ، او لقب ، او كليهما ، بل حتى المرجع الاول في انساب العرب القديمة وهو ابن الكلبي لايقدم أي فائدة تذكر لبطون القبائل المعاصرة والتي ذكرت في مدوناته على غير ماهي عليه اليوم .على سبيل المثال : ان عزلنا اسم عريق لقبيلة مثل جهينة عن بطونها المعاصرة فلن نجد لهذه البطون بهيكلها المعاصر أي ذكر في مدونات ابن الكلبي ، لكن استمرار تداول العمود الرئيس للنسب (جهينة )- اضافة الى استنطاق الجغرافيا والتاريخ حول تاريخ جهينة ومناطق انتشارها - اعطى قطعا لاشك فيه ان جهينة الحالية هي ذاتها القبيلة القديمة !!

مانود ان نقوله في هذه التوطئة هو اننا بحاجة ماسة للعضد التاريخي والجغرافي لتحرير اصل التسمية للقبيلة، لاحول تأكيد النسب ..اي حول اصل اشتقاق اسماء القبائل الرئيسية والتي لاتزال متداولة ، ومن ذلك اللقب الوائلي لقبيلة عنزة المعاصرة .

هنا نلخص عددا من الوثائق التاريخية التي تم تدوينها في فترة مبكرة من التاريخ العربي ، تعطينا ملامح عن هيكلية قبيلة ربيعة وبالذات البطون البكرية الوائلية التي كان فيها اسم ( عنزة) القديم في مكان متوافق تماما مع الواقع المعاصر للقبيلة ذاتها اليوم .

ان هذه الايام بين قبيلتي : بكر بن وائل ، وتميم ،لايمكن فهمها ان تعاملنا معها على اساس تفريعات وتفصيلات ابن الكلبي المتناقلة ، فالتاريخ يعطينا الصورة الحقيقية للبطون الوائلية القديمة .

ان الحشوية الذين يلتزمون نصوص ابن الكلبي وكأنها حقائق مطلقة لن يجدو انعكاسا واقعيا لهذه التفريعات في هذا التاريخ ، ولذلك لجأوا الى نظرية الاحلاف ، فكل فرع يذكره التاريخ ولم يجدوه مدونا عند ابن الكلبي اعتبروه حلفا ، وقاسوه على النزائع التي لن تؤثر مهما كانت على هيكلية القبيلة وعمود نسبها الرئيسي ، ولم يضعو احتمالات اخطاء ابن الكلبي ونقص مادته المنقوله التي هي اصلا مجمعة من بطون الكتب ، ويتجاهلون ان التاريخ – وخاصة الاحداث المتواترة – هو اكثر توثيقا روايات آحاد عن ام قحطان، وخالة عدنان !!

هنا ننقل الاحداث كما اوردتها روايات المؤرخين ، ولنلحظ ان قبيلة بكر بن وائل – وهم اسلاف بني وائل الآن- انها تتفرع على فرعين رئيسين هما : اللهازم ، والذهلان ، وسنلحظ ورود اسم اللهازم ، وعنزة ، والعزوة الوائلية التي لاتزال عمود القبيلة الرئيس ، ونلحظ ابيات الشعراء وهي تذكر هذه الاسماء كقبائل ربعية وائلية ، لا احلاف متداخلة كما يزعم بعض الحشوية المعاصرين..

بقي ان نقول ان هذه الايام التي نرتبها هنا قد حصلت في السنوات القليلة السابقة للدعوة الاسلامية ، لابل عاصرت النبي محمد نفسه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك وجدت طريقها للتدوين على يد رواة ربيعة وتميم وسجلها العديد من المؤرخين ابرزهم : ابو عبيدة بن عمر المثنى المتوفى سنة 209هـ[1] ، وليس شاهدنا منها الا مايتعلق باللقب الوائلي واقترانه باسم عنزة في تلك الفترة المبكرة ، وحضور اللهازم القبيلة كل هذه الايام ، وهي التي كان اسم عنزة في تلك الفترة محصور في احد بطونها .

يوم الوقيط

في هذا اليوم تجمعت اللهازم : ( عنزة وتيم اللات وقيس بن ثعلبة وعجل ) لتغير على بني تميم في غفلة من الاخيرين ، وكان هناك اسيرا من بني تميم عند اللهازم اسمه ناشب العنبري[2] ، وقد شاهد اللهازم وهم يغيرون على قومه ، فطلب منهم رجلا يذهب لقومه ويوصي له بوصية ، فعلم اللهازم ان الرجل يريد أن ينذر قومه ، فأتوا له برجل احمق او هم قد ظنوه احمق ، الا ان الرجل حفظ وصية ناشب العنبري فأوصلها الى تميم منذرا اياها من بكر بن وائل.، ففر بني تميم الى منطقة الصمان ، الا بني حنظله ( بطن من تميم) فقد رفضوا التحول للصمان فصبحتهم اللهازم على الوقيط وهزمتهم شر هزيمة ، وقد غنمت قبائل بكر بن وائل الكثير من الابل والانعام في ذلك اليوم وقتلت عددا من فرسان تميم واشرافها تلك الحقبة .

يوم النباج وثيل

كان زعيم تميم في هذا اليوم هو قيس بن عاصم المنقري ، وقرروا الاغارة على قبائل بكر بن وائل ، فوجدوا اللهازم في النباج وثيل وهي ديار لبكر ، وصبحوهم وتقاتلوا قتالا شديدا حتى انهزمت بكر بلهازمها وشيبانها ، وقال شاعر تميم يمدح قيس بن عاصم :

فلا يبعدنك الله قيس بن عاصمٍ فأنت لنا عز عزيز ومعقل

وأنت الذي حربت بكر بن وائل وقد عطلت منها النباج وثيل

وقال قرة ابن قيس بن عاصم نفسه شعرا يشمت فيه من اللهازم :

أنا الذي شق المزاد وقد رأى بثيل احياء اللهازم حضرا

فصبحهم بالجيش قيس بن عاصم وكان اذا ما أورد الامر اصدرا

وهذا اليوم من اعنف الايام بين بكر وتميم . ولنلاحظ التركيز على من شعراء تميم على ذكر اللهازم كقبيلة .



يوم جدود

اجتمع الذهلين واللهازم بطني بكر بن وائل بقيادة الحارث بن شريك الشيباني للأغارة على بني سليط بن يربوع من تميم ، ويقال ان بينهم موادعة سابقة ولكن بكر بن وائل هموا بالغدر بهم ، لكن شخصا اسمه عتبة بن شهاب –من بني تميم- كان قد انذر تميم من غدر بكر ، وكان مع عتبة هذا قومه وقد حالوا بين بكر بن وائل ومناهل المياه ، وقال له الحارث الشيباني وقد رأى ان موقفه ضعيف :

انا لا أرى معك الا بني جعفر ، وانا في جماعة من بكر بن وائل ، فان ظفرت بكم قل عددكم ، وطمع فيكم عدوكم ، وان انتم ظفرتم بي لن تقتلوا الا اقاصي عشيرتي ، ووالله ماقصدتكم ، وقد عرفتم الموادعة بيننا وبين قومكم بني سليط بن يربوع ، فهل لكم ان تسالمونا وتاخذوا مامعنا من التمر وتخلوا سبيلنا ؟

واقول : يبدو ان الحارث الشيباني قد اسقط في يده وقد وصل النذير لبني تميم ، ولم يرى بدا من الموادعة والمسالمة .

واخذ منهم عتبة التمر كما قالوا واخلى سبيلهم .

لكن الحارث الشيباني مع ذلك قام بالاغارة على بني ربيع بن الحارث من تميم في موضع يقال له جدود ، وسلب اموالهم وممتلكاتهم ، واستصرخت تميم وركبوا في طلب قبائل بكر وقائدهم هو الاهتم بن سمي المنقري فصاح الاهتم :

يا آل سعد !

وصاح الحارث : يا آل وائل ( لاحظ الصيحة الوائلية وقدمها وقارنها بصيحة قبيلة عنزة في العصور القريبة)

واشتبك الطرفان وحمي الوطيس ، وهُزمت بكر بن وائل ، واستعادت تميم ماكان قد اخذ منهم ، وكان قيس بن عاصم قد طعن الحارث الشيباني طعنة في مؤخرته بقصد قتله او اسره لكنه نجا من هذه الطعنة التي سميت حفزة ، وسمي بعد ذلك باسم الحوفزان ، وقال شاعر تميم سوار بن بن حيان المنقري يشير الى ذلك :

ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة سقته نجيعا من دم الجوف أشكلا

فمالك من ايام صدق تعدها كيوم جواثا والنباج وثيلا



يوم ذي طلوح

كان رجل من بني تميم واسمه عميرة بن طارق اليربوعي مقيما عند بكر بن وائل ، وكان ابجر العجلي من فرسان بكر وعقدائها ، ولعميرة التميمي هذا زوجة عند بني تميم .

وحدث ان ابجر العجلي قال له ذات يوم :

اني لاأرجوا ان غزوا قومك وآتي لك بأهلك !

فقال له عميرة التميم : ما أراك ستبقي علي حتى تسلبني اهلي !

وقد ندم ابجر على قوله هذا للرجل التميمي وابدا اسفه على مابدر منه . وقال له وتعهد: ان أي حرب بين بكر وتميم لن تشمل قوم عميرة بن بن طارق ابدا .

مع ذلك قاد ابجر فريقا من اللهازم وهم عنزة، وبني عجل ، وتيم يريد غزو تميم بهم ، ومعه الحارث بن شريك الشيباني ( الملقب بالحوفزان ) اميرا على بني شيبان والذهلان ، ومعهم كذلك عميرة بن طارق التميمي !

واستاذن عميرة رجلا من بكر اسمه حرقصة في ان يحمل اهله قبل وصول الغزو الوائلي اليهم ، فاذن له حرقصة دون علم أبجر العجلي الذي افتقد عميرة وسأل عنه فقيل له انه ركب الى قومه .

وخلاصة الامر أن عميرة هذا قد وصل الى قومه تميم وانذرهم من قبائل بكر ، في ذات الوقت فأن ابجر العجلي في من معه من اللهازم كانوا واثقين من عميرة هذا .

الا السيف سبق العذل وتفاجأ البكريين بعدوهم ، واقتتلوا قتالا مريرا قتل كل من كان من بني شيبان حاضرا ذلك اليوم .



يوم الغبيط

ترأس بسطام بن قيس اللهازم ، والحارث بن شريك ( الحوفزان ) ومفروق بن عمروا على شيبان وذهل ، وقرروا غزو تميم .

فأغاروا على بني ثعلبة بن يربوع ، وبني ضبة ، وكان مع تميم بني ثعلبة بن فزارة ، وبطن من ذبيان متجاورين بصحراء فلج ( الافلاج ) بأول صحراء الدهناء الحالية .

وقد اشتبك الوائليون مع هذه القبائل واصابوا منها شيئا كثيرا ، واكتسحوهم اكتساحا ، فركب عليهم بنو مالك وهو بطن من تميم على رأسهم عتيبة بن حارث اليربوعي ، وقد تمكن بني تميم هولاء من احاطتهم ( أي احاطة بكر بن وائل ) ومع تميم من الفرسان مالك بن نويرة [3] والاحيمر بن عبد الله واسيد بن حماءة وغيرهم .

احاط هولاء الفرسان الاشداء بقبائل بكر بن وائل وقاتلوهم وهزموهم في الغبيط ، واستعادوا املاكهم التي اخذت ، ولكن عددا من فرسان تميم هولاء قد قتلوا ومنهم الاحيمر بن عبد الله قتله بسطام بن قيس .

لكن تميماً استطاعت اسر بسطام بن قيس اهم فرسان بكر على الاطلاق ، وكان الذي اسر بسطام هو عتيبة بن الحارث ، ورغم مطالبة تميم لعتيبة ان يقتل بسطاما الا انه فاداه واطلق صراحه ونجا بسطام من الموت ، بعد ان حلقت ناصيته واخذ علي عهدا أن لايغزوا بني شهاب رهط عتيبة ، ولعتيبة شعرا في اسر بسطام :

أبلغ سراة بني شيبان مالكة أني أبأت بعبد الله بسطاماً

أن تحرزوه بذي قارٍ فذاقنةٍ فقد هبطت به بيداً وأعلاماً

قاظ الشربة في قيد وسلسلةٍ صوت الحديد يغنيه اذا قاما

يوم الاياد

كان الفرس في ذلك الوقت على علاقة بقبائل بكر بن وائل ، وقد جعلوا عين التمر[4] مركزا لبكر وتغلب يجهزونهم منها ويستعينون بهم في الحروب .

وكان عدد من فرسان اللهازم من بكر عند عامل عين التمر من قبل الفرس ، وقام العامل بتجهيزهم وتسليحهم ، واغراهم ذلك بمهاجمة بني تميم في منطقة يقال لها الحزن[5] وهي مرعى لبني تميم من اجل مراعي العرب .

كان زعيم بكر ذلك اليوم هو بسطام بن قيس وهو من عقداء بكر وفرسانها الاشداء .

وكان الوقت شتاء فرحل بني تميم بطن مليحة وهو وادي خصب ، ونزل بسطام بقبائله من بكر هضبة اسمها الحصى .

ثم رأى بسطام جيش تميم في قلة الحزن ، وشاهد غلام من بني تميم عرفه بسطام بن قيس وقال له :

اخبرني ايها الغلام خبر حيك ، اين هم من السواد الذي بالحديقة ؟

قال الغلام : هم بنو زبيد ( بطن من تميم )

قال بسطام : كم هم من بيت ؟

قال الغلام :خمسون بيتاً .

قال بسطام : فأين بنو عتبة ؟ (وهو يعني بطناً آخرا من تميم )

قال الغلام : نزلو روضة الثمد .

ورجع بسطام لقومه وقال لهم :

اتطيعوني ؟ أرى لكم أن تميلوا على هذا الحي الحريد من بني زبيد ( يعني المتنحي عن القوم) فتصبحوا غدا غانمين سالمين .

قالوا لبسطام : ومايغني عنا بنو زبيد هولاء؟ لايردون رحلتنا ! يعنون انه لافائدة من غزوهم

قال لهم بسطام : أرى ان السلامة في احد الغنيمتين ..

وبعد مشاورات بسطام لقومه بكر اتفق الجميع على غزو تميم ، ووضعو لذلك خطة انتهت بالفشل الذريع ودارت الدائرة على بسطام وقبائله من بكر ، مما جعل شعراء بكر يهجونه ويهجون من تبعه من بني وائل ، ومنهم العوام الشيباني الذي قال :

قبح الأله عصابة من وائل ٍ يوم الافاقة أسلموا بسطاما

كنتم اسودا في الرخا فوجدتم يوم الافاقة بالغبيط نعاما



ويشير بالبيت الثاني الى يوم الغبيط عندما اسر بسطام بن قيس على يد فرسان تميم .



يوم قشاوة

في هذا اليوم غزا بسطام بن قيس في اللهازم جمعا من تميم ، واخذ منهم غنائما كثيرة ، ولحق به ركب من تميم ، بيد ان الركب التميمي الذي لحق ببكر لم يكن كافياً حيث انه لم يشمل بني تميم اهل العدد والعدة .

انتهز بسطام قلة عدد بني تميم وهاجمهم قبل وصول المدد التميمي، فهزمهم بسطام واسر من فرسانهم ابا مليل وهو من كبار تميم وقد قتل ابنه في ذلك اليوم .

ثم اطلق بسطام ابا مليل بشرط ان لايغزوهم مرة اخرى ، وجز ناصيته ، ولكنه عندما غادر الى قومه لم ينفذ الوعد ، وهم ان يغدر ببسطام في نفس اليوم الذي اطلق فيه ، ولكن بسطاما كن حذراً منه ولم يصبه ابا مليل بشيء ، فاضطر ابو مليل ان يعود لقومه ويخبرهم خبره .

يوم زبالة

هذه المرة كان بني تميم هم المبتدئين بالغارة، حيث خرج ابو عجل احد فرسان بني حنظلة ومعه عدد من فرسان قومه ورئيسهم الاقرع ، واغاروا على بكر بن وائل في منطقة اسمها زبالة (جنوب محافظة رفحا شمال المملكة في الوقت الحالي) .

ولكن تميم هزمت في غارتها هذه واسر عدد من فرسانها ، فاللهازم اسروا الاقرع وسلموه بسطام بن قيس ومعه اخوه ومجموعة من بني تميم .

يوم مبايض

كانت الفُرسان إذا كانت أيامُ سوق عُكاظ المعروف في الشهر الحرام وأَمن بعضهم بعضاً تقنّعوا (لبسو اقنعة) كيلا يُعرفوا، وكان طَريف بن تميم العَنْبري لا يتقنع كما يتَقنِّعون، فوافى عُكاظَ وقد كشفت بكر بن وائل، وكان طريفُ قد قتل شَراحيل الشَيباني، أحد بني عمرو بن أبي ربيعة بن ذُهل بن شيبان. فقال حَصِيصه: أروني طريفاً. فأروه إياه. فجعل كُلّما مرّ به تأمَله ونَظر إليه ففَطِن طَريف، فقال: مالك تنظر إليِّ؟ فقال: أتوسّمك لأعرفك. فلله علي إن لَقِيتُك أن أقتلكَ أو تَقْتلني. فقال طريف في ذلك:

أَوَ كُلما وردتْ عُكـاظَ قَـبـيلةٌ





بَعثوا إلي عريفَـهـم يتـوسَّـم

فتوسموني إنّـنـي أنـا ذلـكـم





شاكِي سلاحي في الحوادث مُعْلَم

تحتي الأغر وفوق جِلْدي نَـثْـرةٌ





زَغف تَردُ السيفَ وهو مُثَـلّـم

حولي أُسَيِّدُ والهـجـيم ومـازنٌ





وإذا حللتُ فحولَ بيتيَ خَـضَـم

قال: فمضى لذلك ما شاء الله. ثم إنّ بني عائذة، حُلفاء بني أبي ربيعة بن ذهل بن أبي شيبان. وهم يزعمون أنهم من قريش، وأن عائذة ابنُ لُؤي بن غالب-خرج منهم رجلان يَصِيدان فعَرض لهما رجل من بني شَيبان فذَعر عليهما صيدَهما، فوثبا عليه فقتلاه. فثارت بنو مُرّة بن ذهل بن شَيبان يريدون قَتلهما. فأبت بنو أبي ربيعة عليهم ذلك. فقال هانئ بن مَسعود: يا بني أبي ربيعة، إن إخوتَكم قد أرادوا ظُلمكم، فانمازوا عنهم. قال: ففارقوهم وساروا حتى نَزلوا بمُبايض ماء، - ومُبايض: عَلَم من وراء الدهناء- فأَبق عبدٌ لرجل من بني أبي، ربيعة فسار إلى بلاد تَميم، فأخبرهم أنّ حيَاً جديداً من بني بكر بن وائل نُزول على مُبايض، وهم بنو أبي ربيعة، أو الحيّ الجديد المُنتقى من قومه. فقال طَريف العَنبريّ: هؤلاء ثأرى يا آل تَميم، إنما هم أَكَلة رأس. وأقبلَ في بني عمرو بن تميم، وأقبل معه أبو الجَدْعاء، أحد بني طُهيَّة، وجاءَه فَدكيُّ بن أَعْبد المِنْقري في جَمْع من بني سعد بن زيد مَناة، فنَذِرت بهم بنو أبي ربيعة، فانحاز بهم هانئ بن مَسعود، وهو رئيسهم، إلى عَلَم مُبايض، فأقاموا عليه. وشرَّقوا بالأموال والسرح، وصَبّحتهم بنو تميم. فقال لهم طَريف: أطيعوني وافرغُوا من هؤلاء الأكلب يَصْفُ لكم ما وراءهم. فقال له أبو الجدعاء رئيس بني حَنظلة، وفدكيّ رئيسُ سعد بن زيد مناة: أُنُقاتل أكْلباً أحرزوا نفوسهم ونترك أموالهم ما هذا برأي، وأبو عليه. فقال هانئ لأصحابه: لا يُقاتل رجل منكم. ولحقت تميم بالنَّعم والبغال، فأغاروا عليها. فلمّا ملئوا أيديهم منِ الغَنيمة، قال هانئ بن مسعود لأصحابه: احمِلوا عليهم. فهزموهم وقتلوهم طَريفاً العَنبري، قتله حَمصيصَة الشَّيباني، وقال:

ولقد دعوتُ طريف دعوةَ جاهل





سَفَهاً وأنت بعَلم قـد تَـعـلُـم

وأتيتُ حيَّاً في الحُروب محلَّهـمَ





والجيشُ باسم أبيهم يسـتـقـدم

فوجدتُ قوماً يَمنعون ذِمارهـم





بُسْلاً إذا هاب الفوارسُ أَقْدموا

وإذا دُعُوا أبني رَبيعة شَمَّـروا





بكتائب دون السَّماء تُلَـمْـلـم

يوم الزورين

من اهم اسباب الصراع بين بكر وتميم هي تجاورهم في المراعي ، ورغبة البكريين الدائمة في الانتجاع حول مناهل المياه التميمية التي كانت عادة افضل حظا من بكر بن وائل في فصل الشتاء .

وقد اسفرت حدة الصراع العنيف بين الطرفين ان اصبح كل تميمي مهدور الدم عند بكر والعكس صحيح .

وفي هذا اليوم الذي هو يوم الزورين احتشدة بكر بقيادة ابو مفروق عمرو بن قيس بن مسعود الشيباني .

واقبلت تميم ببعيرين مجلللين هما الزورين المسمى هذا اليوم باسمهم .

يقول ابن الاثير في تاريخه : فبلغ خبرهم بكر بن وائل فتقدموا وعليهم الأصم عمرو بن قيس بن مسعود أبو مفروق وحنظلة بن سيار العجلي وحمران ابن عبد عمرو العبسي، فلما التقوا جعلت تميم والرباب بعيرين وجللوهما وجعلوا عندهما من يحفظهما وتركوهما بين الصفين معقولين وسموهما زويرين، يعني: إلهين، وقالوا: لا نفر حتى يفر هذان البعيران. فلما رأى أبو مفروق البعيرين سأل عنهما فأعلم حالهما، فقال: أنا زويركم، وبرك بين الصفين وقال: قاتلوا عني ولا تفروا حتى أفر. فاقتتل الناس قتالاً شديداً، فوصلت شيبان إلى البعيرين فأخذوهما فذبحوهما. واشتد القتال عليهما، فانهزمت تميم وقتل أبو الرئيس مقدمهم ومعه بشر كثير، واجترفت بكر أموالهم ونساءهم وأسروا أسرى كثيرة، ووصل الحوفزان إلى النساء والأموال، وقد سار الرجال عنها للقتال، فأخذ جميع ما خلفوه من النساء والأموال وعاد إلى أصحابه سالماً؛ وقال الأعشى في ذلك اليوم:

سلم لا تسألي عنّا فلاً كشفت عند اللقاء ولا سود مقـاريف

نحن الذين هزمنا يوم صبّـحـنـا يوم الزّويرين في جمع الأحاليف

ظلّوا وظلّت تكرّ الخيل وسطهـم بالشيّب منّا والمرد الغـطـاريف

تستأنس الشرف الأعلى بأعينـهـا لمح الصقور علت فوق الأظاليف

انسلّ عنها بسيل الصّيل فانجردت تحت اللّبود متونٌ كالزحـالـيف



يوم الشيطين

انه آخر يوم لبكر بن وائل في الجاهلية مع بني تميم ، لانه حدث متزامنا مع توافد القبائل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم معلنة اسلامها في سنة الوفود .

وقبائل بكر وتميم كانت بعيدة نسبيا عن المواطن التي دارت في احداث الرسالة المحمدية ، ولكنها رات ان مصيرها اما الاسلام او المواجهة مع النبي واتباعه من الصحابة من قريش والاوس والخزرج .

في تلك الفترة كانت العداوة لازالت مستعرة بين بكر وتميم ، وقد قرر البكريون الاغارة على تميم في منطقة الشيطين ( شمال نجد ) ومن ثم ارسال وفدهم الى رسول الله معلنين اسلامهم ، لعلمهم ان الاسلام يجب ماقبله فلاتستطيع تميم الانتقام منهم بغارة مضادة لانها ستكون مضطرة عندئذ للدخول في الاسلام .

نفذ البركيون خطتهم الذكية والانتهازية ، واغاروا على تميم في منطقة الشيطين ، قادمين من منطقة اسمها لعلع في العراق اليوم ، وهجم البكريون هجوما ناجحا وكاسحا وكتب لهم الانتصار ذلك اليوم ، وصور شاعر اللهازم من بكر رشيد بن رميض العنزي ذلك :

وماكان بين الشيطين ولعلع لنسوتنا الا منا قل اربع

فجئنا بجمع لم يرى النس مثله يكاد له ظهر الوريعة يضلع

ورد عليه شاعر تميم يذم قبيلة عنزة مما يؤكد ارتباطها ببكر :

فخرتم بيوم الشيطين ولعلع وغيركم يضر بيوم الشيطين وينفع

وجئتم بها مذمومة عنزية تكاد من اللؤم المبين تظلع

وما منكم افناء بكر بن وائل لغارتنا الا ذلول موقع

وبعد هذه المعركة الحاسمة اسلمت قبائل بكر بن وائل واوفدت وفدا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .



يوم ذي قار ( مفخرة العرب الكبرى )

هذا اليوم هو مفخرة ربيعة خاصة ومفخرة العرب العامة ، فهو اول يوم انتصف فيه للعرب من الفرس كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وقد حدد ابن خلدون تاريخ ذلك اليوم في السنة الثالثة من البعثة النبوية [6] .

كانت القبائل العربية ومنها ربيعة بطبيعة الحال على علاقة مباشرة بالفرس وملوكهم ، ولتنظيم العلاقة بين العرب والفرس كانت هناك بعض الممالك العربية والتي تتبع ملوك الفروس وتقوم بالنيابة عنهم في سياسة هذه القبائل وضمان عدم تعرضها لمصالح فارس وتجارتها ، وتختلف اساليب هذه السياسة بين الاخذ بالقوة ، او باللين ، اضافة الى تأليف هذه القبائل عن طريق الاعطيات التي توزع على امرائها وشيوخها .

كان الفرس يحتقرون العرب ، والعرب انفسهم كانو مشتتين على قبائلهم ، احدى الممالك العربية التي كانت مسؤولة عن تنظيم العلاقة بين قبائل العرب والفرس هي ممكلة الحيرة بالقرب من عين التمر .

وقد مر معنا ان قبائل بكر وتغلب حظيت بأهمية خاصة عند الفرس وجعلت لهم عين التمر مركزا رئيسيا يمتارون منه كشأن خيبر في العصور القريبة .

وقصة معركة ذي قار هي قصة طويلة قام الكثير من اهل التأليف بادراجها بمؤلفاتهم ، وتناولها بعضهم بخيالهم وقيلت فيها تفاصيل كثيرة ، ونحن يهمنا من هذا الحدث التاريخي الهام هو نتائجه المباشرة ، والقبائل الربعية المشاركة فيه سواء تلك التي كانت في طرف المنتصر او المنهزم ، لان القصة بحسبة رواة ابناء قبيلة عنزة الوائلية لاتزال تلقي بظلالها على الموروث الثقافي لديهم ، رغم مرور مايزيد على الالف ونصف من الاعوام والسنون ، ومن الطبيعي ان تختلف رواية هولاء قليلاً عن الرواية التاريخية الموثقة قديما .

اما سبب معركة ذي قار الكبرى ، فهي ببساطة أن ملك الحيرة في وقته كان اسمه النعمان بن منذر ، وكان معينا ومدعوما من قبل ملوك فارس ، ويكفيهم شرور القبائل العربية المحيطة ببلده الحيرة والتي تاتي في فترة القيظ عادة وتزعج الفرس ، وكانت بكر في تلك الفترة تاتي من نجد للقيظ في ذي قار شمال منطقة الحماد (قرب طريف) ، في حين كانت تغلب والنمر تاتي الى ذات المنطقة من عين التمر .

كان ملك الفرس تلك الحقبة واسمه (كسرى ابرويز ) قد غضب على النعمان الملك بسبب اشكال بين الطرفين لاحاجة لذكره هنا ، وعرف النعمان ان كسرى سيقتله لامحاله ويسبي ذراريه ، فرأى أن يلجأ لقبائل العرب عله يجد من يحمي -على الاقل اهله ونسائه- ان قتل هو ، ورغم رحيله لعدة قبائل الا ان أي منها لم يكن على استعداد لمعاداة كسرى ، فلجأ الى قبائل بكر ( الذهلين واللهازم ) واميرهم في ذالك الوقت هانيء بن مسعود الذهلي الشيباني ، الذي تعهد بأمانته واقطعه عهدا أن الحر لايسلم امانته ابدا ولو لآخر رجل من قبائل ربيعة .

ومن الطبيعي ان يغضب تحدي الربعيين كبرياء كسرى ، الذي امر اتباعه من العرب بتحذير هولاء مغبة مايقومون به ، الا أن هانيء تمسك برأيه وصمم على القطع بعهده وليكن مايكن .

ويذكر بعض المؤرخين ان بني تغلب والنمر بن قاسط الجذم الثاني من ربيعة كانوا يكرهون بكرا لدرجة انهم هم من اشار على كسرى بعدم غزو قبائل بكر حتى يأتي موسم القيظ وتاتي جموع بكر الى مواردها المعتادة في حنو ذي قار .

فلما تم ذلك واجتمعت بكر في حنو ذي قار ، جاءت الفرس معها الجنود والفيلة عليها الأساورة، فالتحموا بأرض ذي قار. فلما كان اليوم الأول،استظهر الفرس على العرب، ثم جزعت الفرس في اليوم الثاني من العطش، فصارت إلى منطقة يقال لها الجبابات، فتبعتهم بكر وباقي العربان، فعطش الأعاجم، ومالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب، وانهزمت الفرس، وكسرت كسرة هائلة، وقتل اكثرهم وفيهم الهامرز وجلابزين من اهم قوادهم ، وانتصر العرب على الفرس انتصاراً عظيماً، وانتصفت فيه العرب من العجم.[7]

يقول الدكتور جواد علي في كتابه ( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ) :

" ويوم ذي قار لم يكن اذن يوماً واحداً، أي معركة واحدة وقعت في ذي قار وانتهى أمرها بانتصار العرب على الفرس، بل هو جملة معارك وقعت قبلها ثم ختمت ب "ذي قار"، حيث كانت المعركة الفاصلة فنسبت المعارك من ثم إلى هذا المكان. ومن هذه الأيام: يوم قُراقر، ويوم الحنو. حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العُجرم، ويوم الغدوان، ويوم البطحاء: بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار" أ.هـ

ملاحظة هامة : جميع هذه المناطق قرب مدينة طريف المعاصرة شمال منطقة الحماد ، ولاعلاقة لمحفاظة ذي قار العراقية بالمنطقة فهي تسمية معاصرة!

وقد صور عدد من الشعراء العرب وخاصة الشعراء الوائليين هذا اليوم التاريخي ومنهم الاعشى ميمون بن قيس وقد مدح بني ذهل قائلا :

فدىً لبني ذهل بن شيبان ناقتي وراكبها يوم اللقاء، وقـلـت

هم ضربوا بالحنو، حنو قراقرٍ مقدمة الهامرز حتى تولـت

وأفلتنا قيسٌ وقلـت لـعـلـه هنالك لو كانت به النعل زلت

وقال المؤرخ الطبري عن شعراء وائل :

وقال بكير، أصم بني الحارث بن عباد، يمدح بني شيبان:

إن كنت ساقية المدانة أهلـهـا فاسقي على كرمٍ بني هـمـام

وأبا ربيعة كلها ومـحـلـمـاً سبقـاً بـغـاية أمـجـد الأيام

ضربوا بني الأحرار يوم لقومهم بالمشرفي على مقيل الـهـام

عرباً ثـلاثة آلـفٍ وكـتـيبةً ألفين أعجم من بنـي الـفـدام

شد ابن قيس شدةً ذهبت لـهـا ذكرى له في معـرقٍ وشـآم

عمروٌ وما عمروٌ بقحـمٍ دالـهٍ فيها، ولا غمـرٍ ولا بـغـلام

فلما مدح الأعشى والأصم بني شيبان خاصة غضبت اللهازم وهم عنزة وتيم وقيس وعجل، فقال أبو كلبة، أحد بني قيس يؤنبها بذلك:

جدعتما شاعري قوم أولى حسبٍ حزت أنوفهما حزاً بمنـشـار

أعني الأصم وأعشانا إذا اجتمعا فلا استعانا على سمعٍ بإبصـار

لو لا فوارس لا ميلٌ ولا عـزلٌ من اللهازم ما قاظوا بذي قـار

نحن أتيناهم من عند أشملـهـم كما تلبـس ورادٌ بـصـدار ؟



ولنلاحظ ذكر اللهازم ودورهم في اهم ايام العرب على الاطلاق ، وهو مايتوافق مع المتعارف عليه عن قبيلة عنزة الوائلية المعاصرة التي لاتزال تحفظ لقبين هامين من القاب ربيعة : عنزة ، ووائل على التوالي ، بينما اختفت القاب اخرى لم نعد نسمع لها ذكرا ، او نرى لها اثرا ، فلم تعد اسماء مثل بكر ، بني محلم ، وشيبان وغيرها متداولة ، ولذل نضع لها احدى احتمالين :

الاول - ان تكون دخلت ضمن اسم بني وائل المعاصر وهو الارجح.

الثاني- ان تكون اضمحلت خارج هيكيلية القبيلة فانتهت ككيانات وتفككت ، ويمكن تشبيه هذا الامر بشجرة عملاقة تبقى راسخة وكل مايسقط منها يموت وتذروه الرياح ، الا ان الشجرة تبقى صامدة على جذعها الرئيسي.

اما من يحاولون من الحشوية المعاصرين التقاط هذه الاسماء من بطون الكتب ومن ثم اسقاطها على عرب معاصرين فيمكن تشبيه ذلك بمن يحاول احياء الشجرة من اوراقها الصفراء الميتة ، متناسيا ان بحاجة للبذور التي تمتلكها حصريا قبيلة عنزة الوائلية بدلالة لقبها المتوارث شفاهة لانقلا من الكتب .


نايف الفقير




منقول