ليس هناك رجل تنازل من أجل امرأة مثلما تنازل الملك إدوارد الثامن، فهو الحاكم البريطاني الوحيد الذي تنازل متعمداً عن الحكم من أجل الزواج بعشيقته الأمريكية وليس سمبسون، وكان ملك المملكة المتحدة ودول الكومونولث وأيرلندا والهند.

ولد إدوارد الثامن في 23 يونيو 1894 وهو عم الملكة إليزابيث الثانية، والذي ظل دون زواج حتى سن متأخرة نسبيا ولم يكن يفكر في الزواج حتى غير رأيه واتخذ قراره فجأة دون أسباب منطقية من وجهة نظر الكثيرين، بعدما أحب "وليس" التي كانت مطلقة فرفضت الحكومة البريطانية زواجه منها كما تنص التقاليد.

وعلى الرغم من أنه كان بالفعل الملك وكان في مطلع القرن العشرين حيث التقاليد ما زالت صارمة لا يجرؤ أحد على مخالفتها، فقد قاتل ولم يخضع للتقاليد فاستطاع أن ينتصر ويحتفظ بحبه ليس فقط إلى نهاية حياته ولكن إلى الأبد.

يقول أيمن التهامي مؤلف كتاب "ملوك وملكات.. مائة عام من الحب مائة عام من الخيانة"، أن إدوارد أدار ظهره للعرش دون أن ينحني، فقد كان ذا عواطف جياشة ورومانسية رقيقة ودفء كبير في المشاعر.

بدأت حكايته عام 1926 عندما تعرف على "وليس سمبسون" وهي أمريكية أتت لتعيش في انجلترا مع زوجها أرنست سمبسون الذي كان يعمل سمسارا للسفن.. ولكن توطدت علاقتها تدريجيا بإدوارد الذي كان ما يزال أميرا في ذلك الوقت، وسرعان ما أصبحت عشيقته.

أحد أصدقاء ادوارد المقربين قال عنها أنها كانت ذات شخصية قوية ومتسلطة، بينما كان هو شديد التهذيب والرقة ظل طول حياته يتعلم الأدب على يد المربيات، مما جعل منه في النهاية رجلا ليس من السهل إثارته بالرغم من كونه عاطفيا.. كان يحتاج بشدة إلى امرأة بمثل تلك الشخصية لتستطيع تفجير انفعالاته.

كانت مشكلة ادوارد أنه يتمنى أن تعشقه امرأة لمجرد كونه رجلا وليس الأمير، ويقول مؤلف الكتاب أن هذه السيدة الذكية ذات الخبرة الطويلة بالرجال تمكنت من العثور على حل بالنسبة لمشكلة ادوارد فقد توددت له باعتباره مجرد رجل، ثم أصرت على أن يتودد هو لها باعتباره الأمير!.

ويضيف أن إدوارد الثامن أحب لأول مرة في حياته تلك المرأة التي لم تكن بنصف جمال وجاذبية أي امرأة من اللاتي عرفهن الأمير ولم يكن يحب أيا منهن.

تقول سمبسون عن إدوارد "كان شعره ذا تجعيدة خفيفة، وأنفه مرفوعا إلى أعلى، وكانت نظرته غريبة حزينة وراغبة". أما الأمير نفسه فقد اعترف ذات مرة ببساطة أن طبيعتها قد بهرته قائلا "لقد بهرت بشجاعتها وعزة نفسها والطبيعة التي تتجلى في حركاتها".

وكانت سمبسون خلال عامين كاملين توطدت علاقتها بالأمير الذي استضافها للإقامة معه فترات طويلة في بيته في الريف الانجليزي، وكانت هي قد انفصلت عن زوجها منذ بدأت علاقتها بالأمير.

في 20 يناير 1936 أصبح الأمير ادوارد هو ملك بريطانيا بعد وفاة والده وبعدها مباشرة حصلت "سمبسون" على الطلاق من زوجها، وبدأت ترتيبات الزواج من الملك.

لكن كان من المستحيل أن يبارك رئيس الحكومة هذا الارتباط لأن الملك باعتباره راعي الكنيسة الانجليزية لا يحق له الزواج من مطلقة، وبالفعل واجه رئيس الوزراء الملك بتلك الحقيقة وأخبره أن عليه الاختيار بين العرش وبين الزواج من تلك المرأة.


واليس سمبسون


وجاء رد فعل الملك ليقول "إن العرش لا يعني شيئا بالنسبة لي بدون وجود "واليس" إلى جانبي"، وبذلك اختار المرأة وفضلها على العرش.

وتشير الملفات الرسمية التي نشرتها السلطات البريطانية إلى أن ادوارد أثار غضب الحكومة لأنه أراد توجيه دعوة عبر الإذاعة إلى الشعب ليسانده خلال الأزمة التي انتهت بتخليه عن العرش.
وكان ادوارد الثامن يريد إلقاء خطاب مثير عبر الإذاعة على أمل أن يتمكن من الزواج من واليس سمبسون والبقاء على العرش. لكن رئيس الوزراء حينذاك ستانلي بالدوين الذي كان يعارض بشدة هذا الاحتمال عرقل الخطاب ولم يسمح لادوارد في نهاية الأمر بأكثر من كلمة وداع عبر الإذاعة.

وأخيراً في اليوم العاشر من شهر ديسمبر 1936 وباجتماع عائلي وقع الملك وثيقة التخلي عن العرش، ولم يتردد لحظة واحدة قبل أن يجلس ويكتب "أنا إدوارد الثامن ملك بريطانيا العظمى وإيرلندا وبلاد الدومينون البريطانية فيما وراء البحار، إمبراطور الهند، لقد اتخذت قراري ولا رجوع عنه بالتخلي عن العرش لنفسي ولورثتي من بعدي وعن رغبتي في أن يصبح صك التنازل هذا ساري المفعول فورا، ولبيان الواقع أضع توقيعي هنا هذا اليوم العاشر من شهر ديسمبر بحضور الشهود الموقعين أدناه".

وفي الثالث من يونيو 1937 بعد أن تنازل عن العرش بشكل نهائي ليتزوج من واليس سمبسون في حفل زفاف متواضع بقصر كاندي في فرنسا وسط أصدقائهما فقط ودون أن يحضر أي فرد من العائلة الملكية التي كانت مستاءة جدا من هذا الزواج ومن تخليه عن العرش من أجل امرأة.

وقد عاش الزوجان في باريس واشتهرا بحفلات العشاء الفاخرة التي كانا يقيمانها لأصدقائهما، وقد استمرت مقاطعة العائلة المالكة له حتى وفاته سنة 1972 عن 77 عاما، لكنه عاش بقية حياته كرجل يشعر في أعماقه أنه ملك عظيم، وليس كملك الكوتشينة الذي لن يشعر أبداً في أعماقه أنه رجل.


منقول