اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ

ليلة الحادي عشر

السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى ابا الفضل العباس ساقي عطاشا كربلاء وعلى زينب الحوراء بنت امير المؤمنين عليهما السلام

كانت زينب، ولم يكن غير زينب، زينب سيدة النساء.. في هذه الليلة كانت زينب هي الراعي، هي قائدة قافلة الأسرى وملجأ الأيتام.. رغم ثقل المصائب ومرارتها.. كانت زينب طوداً شامخاً، واجهت المصائب ولم يرمش لها جفن.
تولت حراسة الأسرى، تولت جمع النساء والأطفال، تولت تجميع الهائمين على وجوههم في الصحراء، تولت تمريض العليل الضعيف.. كانت الروح للأجساد التي فقدت الروح، والبهجة للقلوب التي فقدت البهجة، والرمق للنفوس التي فقدت الرمق.
كانت تمضي مسرعةً من هذه الجهة إلى تلك.. تبحث عمن افتقدت.. كان ضرب السياط يؤلمها، وأشواك الصحراء تدميها، إلا أن زينب تبحث عن اليتامى.. كانت كبدها تحترق، ولكنها تبحث عن اليتامى..
هذا الجسد الذي هده الألم، كان معجزة.. أثبتت زينب كفاءة منقطعة النظير،

وبعد أن انجزت زينب كل هذه المهام واطمأنت على سلامة الجميع، توجهت إلى الله وانصرفت إلى العبادة وصلت صلاة الليل.. لقد كانت متعبة جداً بحيث أنها لم تستطع أن تصليها وقوفاً، فصلت صلاة الليل من جلوس، وتضرعت إلى الله تعالى وابتهلت.
كانت زينب إلهية.. والإلهيون هكذا يواجهون المصائب، ولا يرمش لهم جفن.. صابرين .. شاكرين..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

خروج السيدة زينب إلى مصرع أخيها الحسين (عليهما السلام)
(بعد المصرع)

قال الراوي: خرجت زينب (ع) بعد مصرع الحسين (ع) هي تندبه بصوت حزين وقلب كئيب: يا محمداه، صلى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، مسلوب العمامة الرداء، وبناتك سبايا إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء
يا محمداه هذا حسين بالعراء، تسفي عليه الصباء.


كيفية هجوم القوم عليهم (بعد المصرع)

قال في البحار: إن فاطمة بنت الحسين قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أو يأسروننا؟ وإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من احمرة وأسورة وهن يصحن وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسنا أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا.

قالت: فطار فؤادي وارتعدت فرائصي وجعلت اجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني فبينما أنا على هذه الحال وإذا به قد قصدني فقلت مالي إلا البر ففررت منهزمة وأنا أظن أسلم منه وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي فسقطت على وجهي فخرم أذني وأخذ قرطي. وترك الدماء تسيل على خدي... وولى راجعا إلى الخيم وأنا مغشي عليّ وإذا بعمتي عندي تبكي وهي تقول قومي نمضي ما أعلم ما صدر على البنات وأخيك العليل فما رجعنا إلى الخيمة إلا قد نهبت وما فيها، وأخي علي بن الحسين (ع) مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والسقام فجعلنا نبكي عليه ويبكي علين

ايخويـه الحـرم بالوديـان هاجـن او عليك ايركضن امن الخوف هاجن
العقل من شبـت النيـران هاجـن العـده فرهـود صاحـوا بالثنـيـه

انتهاء القوم إلى زين العابدين (ع)

انتهى القوم إلى علي بن الحسين (ع) وهو مريض على فراشه لا يستطيع القيام، فقائل يقول: لا تدعوا منهم صغيرا ولا كبيرا، وآخر يقول: لا تعجلوا عليه حتى نستشير الأمير عمر بن سعد. وجرد الشمر سيفه يريد قتله. فقال حميد بن مسلم: يا سبحان الله، أتقتل هذا المريض؟ فقال: إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين. فصاحت زينب والله لا يقتل حتى أقتل دونه، ثم ألقت بنفسها عليه.

وفي الطبري عن حميد بن مسلم قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجال معه يقولون: ألا تقتل هذا؟ فقلت: سبحان الله أتقتل الصبيان؟ إنما هذا صبي وإنه لما به ـ أي من العلة ـ قال: فما زال ذلك وأنا ادفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال: ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم قال فو الله ما رد أحد شيئا( أقول لقد بقي آل محمد بعد أبي عبد الله وأبي الفضل ينتظرون ابن سعد وحميد بن مسلم ليقولوا كلمة يدفعون بها عنهم الأذى؟! وا عجباه.

يتيمة الحسين تتعلق بأذيالها النار (بعد المصرع)

قال حميد بن مسلم في ما روي عنه: لما أضرم أصحاب ابن سعد النار في خيم النساء رأيت طفلة تعدو والنار تشتعل في ثيابها، فجئت إليها، وأخمدت النار، وقلت: من أنت؟
قالت: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال بلى.
قالت: يا شيخ أقرأت قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر)؟ قلت: بلى قرأت ذلك.
قالت: يا شيخ أنا يتيمة أبي عبد الله الحسين، ثم قالت: يا شيخ دلني على طريق الغري، فإن عمتي أخبرتني أن قبر جدنا أمير المؤمنين هناك. فقلت لها: بنية الغري بعيد عن هذا المكان فهلمي معي إلى شاطئ الفرات لتشربي الماء لأنك عطشى قال فسارت معي إلى شاطئ الفرات فلما وقفت على الماء ورأته يجري أنّت أنّة تزلزلت لها الأرضون وأخذت تبكي وتقول كيف أشرب الماء وقد قتل ابن رسول الله عطشانا فال حميد بن مسلم فما شربت شيئا من الماء فعدت بها على عمتها وأخواتها

حرق الخيام وتشريد حرائر الرسالة (بعد المصرع)


لما هجم القوم على المخيم ارتفع صياح النساء فصاح ابن سعد اكبسا عليهن الخباء، واضرموها نارا فأحرقوها ومن فيها. فقال له رجل منهم: ويلك يا ابن سعد أما كفاك قتل الحسين وأهل بيته، وأنصاره عن إحراق أطفاله ونسائه؟ فقد أردت أن يخسف الله بنا الأرض؟ فامتنع ابن سعد، ولكنه نادى على بمشعل من نار لأحرق بيوت الظالمين، فجاءوا إليه بمشعل، فأضرم النار في المخيم، ففررن بنات رسول الله وأطفاله والتجئوا إلى عمتهم زينب.
فجاءت بهم الحوراء زينب إلى الإمام زين العابدين (ع) وهي تقول:
يا بقية الماضين، وثمال الباقين أضرموا النار في مضاربنا فما رأيك فينا؟
قال عليكن بالفرار، ففررن بنات الرسول صائحات، باكيات نادبات

يفترن خوات احسين من خيمه لعد خيمـه
اوكل خيمه تشب ابنار ردن ضربن الهيمه

طفلان من آل عقيل يموتان عطشا (بعد المصرع)

قال الراوي: فلما خمدت النيران يوم عاشوراء افتقدت زينب (ع) الأطفال وإذا بها تفتقد طفلين وهما سعد وعقيل ابنا عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (ع) فجعلت تدور في المعركة إلى أن وصلت الى تل من الرمل فوجدت هناك الطفلين قد كشفا عن صدريهما وقد حفرا الأرض وجعلا صدريهما على الرمل الرطب من شدة العطش والطفلان معتنقان فلما حركتهما فإذا هما قد ماتا عطشا.
صاحت: يا أم كلثوم ويا فضه هلممن لنحملهما فحملنهما إلى السجاد وصحن صيحة واحده فاندهش العسكر فسأل عمر بن سعد ما الخبر؟ قالوا له طفلان للحسين ماتا من العطش فاجتمع رؤساء عسكره عنده وجعلوا يوبخونه ويلومونه على منعه عنهم الماء فأمر السقائين أن يحملوا القرب وجاءوا بها إلى الأطفال والعيال وهم ينادون هلموا واشربوا الماء فلما رأى الأطفال الماء قد أبيح لهم تصارخوا وهرعوا في البيداء ينادون نحن لا نشرب الماء وسيدنا الحسين قتل عطشانا

فمن مبلغُ الزهراء بضعـة أحمـدِ
قضى نجلها ظامٍ بصـارم ملحـد
أيقضي ظماً سبـطُ النبـيِّ محمـد
ووالده الساقي على الحوض في غد

وفاطمةُ ماء الفراتِ لها مهر


العقيلة زينب إلى جنب الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)

قال الراوي: لما هجم القوم على خيام الحسين وانتهبوا ما فيه ثم أضرموا النار فيها فرت النساء، واليتامى من النار، إلا زينب الكبرى، فإنما كانت واقفة تنظر إلى زين العابدين (ع) لأنه لا يتمكن من النهوض والقيام. قال بعض من شهد المعركة: رأيت امرأة جليلة واقفة بباب الخيمة، والنار تشتعل في جوانبها، وهي تارة تنظر يمنة ويسرة، وأخرى تنظر إلى السماء، وتصفق بيديها، وتارة تدخل في تلك الخيمة، وتخرج فأسرعت إليها، وقلت يا هذه ما وقوفك هاهنا والنار تشتعل من جوانبك، وهؤلاء النسوة قد فررن، وتفرقن، ولم تلحقي بهن؟ وماشأنك؟ فبكت، وقالت: يا شيخ إن لنا عليلا في داخل الخيمة، وهو لا يتمكن من الجلوس والنهوض، فكيف أفارقه، وقد أحاطت به النار وفي تلك الحال نادت زينب (ع) بصوت يقرح القلوب مخاطبة جدها رسول الله (ص): يا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا وهذا الحسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردى بأبي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى... بأبي العطشان حتى قضى بأبي من شيبته تقطر بالدماء...

السيدة زينب (ع) عند الحسين (ع) (بعد المصرع)

قال في الدمعة الساكبة: ونقل عن مسلم بن رياح أنه قال: شهدت وقعة كربلاء فلما قتل الحسين (ع) أتته امرأة وهي تعثر بأذيالها حتى سقطت على الأرض ثم قامت وهي مسفرة وجهها وإذا هي كبزعة الشمس وتنادي: وا حسيناه وا إماما وا أخاه ثم أنها أتت إلى جسده الشريف وهو جثة بلا رأس فلما رأته اعتنقته ونامت بطوله وشهقت شهقات متتابعات حتى أبكت كل من كان حاضرا فسألت عنها فقالوا: هي زينب بنت أمير المؤمنين (ع)(

الحوراء زينب (ع) تجمع العيال بعدما شتتها العدو

يا لها من ليلة مؤلمة مرت على بنات رسول الله (ص) بعد ذلك العز الشامخ الذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن فلقد كن بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة، وبقين في هذه الليلة في حلك دامس من فقد تلك الأنوار الساطعة. بين رحل منتهب، وخباء محترق، وحماة صرعى، لا محامي لهن، ولا كفيل، ولا يدرين من يدافع عنهن إذا دهمهن داهم. ومن يكسن فورة الفاقدات ويخفض من وجدهن.

في هذه الليلة، قامت الحوراء زينب (ع) بجمع العيال، والأطفال في مكان واحد، فلما جمعتهم أخذ الأطفال ينظر بعضهم إلى بعض ودموعهم تتحادر على الخدود، وأخذوا يسألون الحوراء زينب عن أهاليهم من الرجال هذه تنادي: عمه زينب أين أبي؟ وذاك ينادي: أين عمي؟ وأخر ينادي: عمة أين أخي؟ بماذا تجيبهم زينب؟ أتقول لهم إنهم صرعى على وجه الأرض؟ أم عندها جواب آخر؟ نعم قامت إليهم، فأخذت تضم الطفلة إلى صدرها لتهدئها عن البكاء والعويل، فإذا هدأت، أخذت الأخرى ضمتها إلى صدرها. وكأني بها في تلك اللحظات، لحظات اللوعة والألم، تلتفت إلى أبي عبد الله الحسين (ع).

خويه اتحيرت والله ابيتاماك ما ينحمل يحسين فـرگاك
والمثل هذا الوكت ردناك

ولكنها لم تسمع من الحسين جوابا. وأنى له بالجواب، وقد فرق بين رأسه وجسده؟ ولهاذ حولت بوجهها إلى الغري شاكية لأبيها أمير المؤمنين (ع):

بويه عليـه الليـل هـودوانه حرمه غريبه او مالي أحد
بيمن يبويه الگلب يضمـد بالحسين هلعنـدي امـدد
وابن والدي العباس مـاردخلصـوا هلـي الله لحـد

السيدة زينب(ع) تفتقد الرباب زوجة الإمام الحسين (ع)

أمسوا ليلتهم، والحماة صرعى على وجه الأرض مجزرون، كالأضاحي، وأمسوا ليلتهم وهم بأيدي عدو ليس في قلبه رحمة، بحيث إذا بكت طفلة من أطفال الحسين (ع) أسكتوها بكعب الرمح، وبالسياط التي تتلوى على متنها، وهي تستغيث وتنادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولاعلي لي اليوم، وا حسيناه ولا حسين لي اليوم، وا عباساه ولا عباس لياليوم.
وفي تلك الليلة افتقدت الحوراء زينب الرباب زوجة الحسين، فأخذت تبحث عنها بين النساء فلم تجدها، فنزلت إلى ساحة المعركة لعلها تجدها عند جسد الحسين (ع) فلما صارت قريبة من الجسد سمعت أنينا،وحنينا وقائلة تقول: بني عبد الله! صدري أوجعني، وثدياي درّا. فعرفت زينب أنها الرباب قال: رباب ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت: يا بنت رسول الله انه لما أباح لنا القوم الماء در للبن في صدري فجئت لأرضع ولدي.


جيت ارضع ابني الما شرب ماي=درَّت بيـت حيـدر ثـدايـاي
بلكـت يزينـب يسمـع انـداي=ويگوم روحي اولبـة احشـاي

وفي تلك اللحظات اغتنمت السيدة زينب الفرصة لتعبر عن آلامها ومصائبها، وبث شكواها إلى أخيا الحسين (ع) وكأني:


مـن أي رزءٍ أشتكـي ومصيبـةٍ=فراقُك أم هتكي وذُلّـي وغربتـي
أم الجسم مرضوضا أم الشيبُ قانيا=أم الرأسُ مرفوعا كبـدر الدجنـة

قال الشيخ أسد حيدر (ره):

توجهت ـ زينب ـ إلى مصرع أخيها الحسين (ع) فأكبت على جسده الطاهر وهي تحاول موضعا يسمح لها بتقبيله لكثرة النبال وجمود الدم على جسده الطاهر فلم تجد، وأخذت تخاطبه بحرارة:

أمسى المسه يحسين وحدي=او متحيره ويدي اعلى خدي
بس الأطفال اتنوح عنـدي=يحسين يومك مرد چبـدي

السيدة زينب (ع) تبحث عن فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين (ع)

في ليلة الحادي عشر: طلبت زينب خيمة من عمر بن سعد تجمع فيها النساء والأيتام، لأن النار لم تبق لهم خيمة، فلما جاءوا لهم بالخيمة وجمعت فيها النساء والأيتام، وإذا بها تفتقد فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين (ع) فجاءت إلى أختها أم كلثوم سألتها عنها، قالت: أطلبيها عند جسد المولى أبي عبد الله لعلها هناك.
قامت الحوراء زينب (ع) وقصدت جسم الحسين في ذلك الليل الدامس، تتعثر بأشلاء القتلى، وهي تقول: عمه فاطمة أين أنت؟ حتى قربت من الجسد الشريف، وإذا بها تسمع أنينا، وحنينا، وقائلة تقول: أبه يا حسين من الذي حزَّ وريديك؟ أبه من الذي أيتمني على صغر سني؟
يا والدي والله هضيمه
أنه اصير من صغري يتيمه
والنوح من بعدك لجيمه
أثاري الأبو يا ناس خيمه
بفيي على ابناته وحريمه

قال زينب (ع) فاطمة هذه؟ قالت: بلى يا عمة، قالت: بنية ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت: عمة عندما هجم القوم على المخيم ارعبتني الخيل والرجال، فقلت ألوذ بجسد والدي.

لما بقيت عائلة الحسين (ع) بلا خيمة بعد حرقها يوم عاشوراء وقد جنهم الليل وإن الأطفال والنساء ليس لهم مأوى وقد شتتوا، أرسلت زينب (ع) إلى عمر بن سعد قائلة له: يا ابن سعد أيرضيك أن بنات رسول الله (ص) بلا خيمة ولا خباء مشتتون في العراء يا ابن سعد أريد خيمة أجمع فيها أيتام الحسين ونسائه. فأمر لهم بخيمة كبيرة فنصب وقامت زينب وأم كلثوم بجمع تلك العائلة المفجوعة من أيتام وأرامل فيها ثم وقفت كل واحدة على باب من أبواب الخيمة لحراسة العائلة.

أقول ما أشد الفراق بين ليلة عاشوراء وليلة الحادي عشر من المحرم حيث كان الحسين وأبو الفضل وبقية بني هاشم (عليهم السلام) كلهم حراس على خيم النساء والأطفال أما هذه الليلة فبنو هاشم كلهم صرعى وحارس العائلة وحاميها فهي زينب (ع) وكأني بها:

تنادي بصوت طبَّق الكون شجوه=وقلبٍ كأجناح الحمائـم خافـق
اضامُ ومن أهلي الأباة تعلمـت=إباها وآبائـي كـرام المعـارق

وقيل ان السيدة زينب (ع) رأت في تلك الليلة سوادة تقترب منهم وإذا به رجل، فقالت من أنت؟ أأنت لنا أم عينا؟ قال لها: أنا راوي أروي المعركة ولكني لما رأيتكم لا أحد معكم من الرجال يحرسكم، رقَّ قلبي لحالكم فجئت لأحرسكم سواد هذه الليلة.

فبكت زينب وقالت: أو أنت تحرسنا بعد أبي الفضل العباس؟ وكأني بزينب:

أنه زينب يخويه اللي اكفلتني=او بيدك على البل ركبتنـي
وسـا عفتنـي او ضيعتنـي=او بيتـام كثـرة محنتـنـي
والديرتي ياهو اليردني

الإمام زين العابدين (ع) ليلة الحادي عشر

لما وضعت معركة بدر أوزارها أوثقوا أسرى المشركين وكان من بينهم العباس عم النبي (ص)، فلما جن الليل، ونام الناس بقي النبي ساهرا، وما نامت عيناه، وكان يتقلب يمينا وشمالا. فقيل له: يا رسول الله (ص) ما الذي نزل بك لا تنام عيناك مع ما لقيت من التعب والمشقة وقد نامت العيون؟ فقال (ص): كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس ونشيجه؟ فقاموا إلى العباس، وحلوا ما عليه من الحبال، فلما سكن أنينه نام رسول الله (ص) تلك الليلة.

أقول سيدي يا رسول الله، ليتك تسمع أنين ولدك الإمام زين العابدين ليلة الحادي عشر من المحرم، وهو عليل، قد فقد أخوته وأباه وأبناء عمومته، ليتك تسمعه ينادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولا علي لي اليوم.

أتهجعون وهم أسرى وجدُّهملعمِّه ليل بدرٍ قطُّ ما هجعـا
فليت شعري من العباس أرَّقهأنينه كيف لو أصواتها سمعـا

هذا والإمام يسمع ويرى ما يجري على أخواته وعماته، فتزداد علته وتعضم عليه مصيبته، وليس بمقدوره أن يصنع لهن شيئا يا لله ما أعظمها من مصيبة؟

گلبي انكسر بعد اشلون ينشدعلى الجبريل اله باللوح ينشد
ما شفنه عليل ابگيد ينشـد شفنه عليـل الغاضريـه


منقول