في مطعم هادئ... ينطلق لحن جميل هادئ في أرجاء المكان... لحن يعزف بواسطة تلك الأصابع الرقيقة... تلك الأصابع الرشيقة الواثقة الخاصة بعازفة المطعم... تجلس عازفة البيانو إلي كرسيها الصغير... أصفها لك؟ هي علي قدر من الجمال... و لها عينان سوداوان كأنهما قطعتان من اللؤلؤ الأسود... عينان حزينتان... تجلس و قد أسدلت شعرها الأسود الفاحم علي كتفيها ليصل بطوله إلي خصرها...
تنطلق أصابعها علي أزرار البيانو... و تنطلق ألحان رقيقة عذبة لتنساب بهدوء في أرجاء المكان...
تجلس شاردة العينين لتحدق في دنيا المجهول... عالمها الخاص الذي لا يعرف بشر أين يقع...
باردة إلي حد كبير... و أصابعها منطلقة في انسجام لا يتوقف بينما تنظر للأمام...
تنساب دمعة شاردة من عينيها... و تظل ملامحها كما هي... نفس الشرود... و نفس النظرة... وكأن الدمعة لم تنسب...
هذه الدمعة تجعلك تشعر بأن هناك شئ ما في دنيا المجهول خاصتها أثار أحزانها...
في أعماقها هي فتاة وحيدة... تصرخ صرخات هائلة و كأنها - الصرخة لا الفتاة - آتية من أعماق الجحيم... حيث تحترق أرواح الخطاة...
تصرخ و تأن و تبكي و ترتجف...
عارية في دنيا المجهول... تروعها وحوش همومها...
دمعة أخري تنهمر من عينيها شاردة... و تهتز ألحانها في إيقاعها الهادئ و كأنها انتفاضة احتضارها...
من من هؤلاء السادة المترفين الجالسين حولها يعرف مدي حزنها و غربتها؟ من منهم يعرف أنها كانت تتمني أن تكون حياتها جميلة بقدر جمال الألحان التي تعزفها؟ لا أحد يعبأ... و لا أحد يهتم...
دمعة أخري تنساب من عينيها الشاردتين...
تدوي صرخاتها في أعماقها...
لكن اللحن يستمر...
اللحن يجب أن يستمر...
دمعة أخري تنهمر من عينيها...
منقول