كربلاء عبر التاريخ



كربلاء اسم قديم يشخص في عمقالتاريخ ويرجع الى العهد البابلي حيث كانت كربلاء عبارة عن مجموعة من القرىالبابلية القديمة وقد دلت الآثار في تلك القرى القديمة على وجود هياكل عظمية داخلاوان خزفية يعود تاريخها الى السلالات البابلية حيث كان البابليون يدفنون موتاهمفيها وهذا يدل على انها كانت ارض مقدسة منذ عهد البابليين ومما يؤكد ذلك ان اسمهاكان في ذلك العهد (كرب ايلا) أي حرم الاله باللغة البابلية وسميت كور بابل ومعناهابالعربية مجموعة قرى بابلية ويرى الباحثون ان كربلاء كانت ام لقرى عديدة تقع بينبادية الشام وشاطئ الفرات وتعد من امهات مدن مابين النهرين الواقعة على ضفاف نهر(بالاكوباس) الفرات القديم وكانت مركزا للعبادة فقد انشأ البابليون على ارضهامعبدا للصلاة.



واستقطبت كربلاء الكثير منالاقوام على مدى التاريخ لخصوبة تربها وعذوبة مائها فأخذت تزدهر شيئا فشيئا لاسيماعلى عهد الكلدانيين والتنوخيين واللخميين والمناذرة عندما كانت الحيرة عاصمةلملكهم وسميت كربلاء بعدة اسماء ترجع بعضها الى اسماء القرى في العصور الغابرة فقدسميت الطف وذلك لوقوعها على جانبي نهر العلقمي وهو فرع من الفرات كان يسقي كربلاءقديما وقد اندثر ومحيت اثاره وكان هذا النهر يمر الى الشمال الغربي من المدينة حيثضريح سيدنا العباس بن علي(ع) كما سميت الحاير وهو موضع قبر الحسين(ع) وقد اختلف فيتسميته بهذا الاسم فقيل انه جاء من الحير أي الحمى ويقول الدكتور المرحوم مصطفىجواد (الحاير اسم عربي وكانت ارض كربلاء من مساكن العرب في الجاهلية فهذا الحائركان في جزيرة العرب فيجوز فيه الامران اعني انه سمي في الجاهلية بالحائر وسمي فيالاسلام بهذا الاسم).



ثم يتابع المرحوم مصطفى جواد(وقد ذكرنا ان الحائر اسم عربي وان العرب سكنوا هذه البلاد منذ عصور الجاهليةفلابد من ان يكون معروفا قبل استشهاد الحسين لان هذه التسمية هي والحير والحيرة مناصل واحد) اما القول الثالث في هذه التسمية فقيل لان الماء حار حول قبر الحسين(ع)على عهد المتوكل العباسي حين امر بهدم قبر الحسين(ع) واغراق المكان بالماء كماسميت كربلاء بالغاضرية وقد قيل في سبب تسميتها بهذا الاسم نسبة الى غاضرة من بنياسد وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء.



وهذا الاسم ليس قديما في التاريخاذ اطلق على كربلاء بعد انتقال بني اسد الى العراق في صدر الاسلام ومن اسماءكربلاء نينوى وهو اسم قرية كانت عامرة في العصور السحيقة ومن اسمائها ايضا شفيهوهي بئر حفرتها بنو اسد بالقرب من كربلاء وانشات بجانبها قرية كما سميت كربلاءبالعقر وهو اسم قرية قديمة ومن اسمائها ايضا النواويس وهي مقبرة قديمة للنصارىوسميت بعين التمر ايضا وهي بلدة قديمة كما عرفت كربلاء اضافة الى هذه الاسماء بامالقرى لوقوعها على شاطئ اكوباسي وهو الاسم القديم لمجرى نهر الفرات القديم الذييمر بها وقد اكتسبت كربلاء اهميتها التاريخية منذ استشهاد الامام الحسين(ع) واهلبيته وصحبه عام61 هـ 680م فاصبحت قبلة للمسلمين يتوافدون عليها من مشارق الأرضومغاربها.



القبر الشريف عبر التاريخ



تشير المصادر التاريخية الى انبني اسد الذين كانوا يسكنون قريبا من كربلاء اقاموا رسما لقبر سيد الشهداء(ع) ونصبوا له علامة ورمزا وبنوا سقيفة على القبر الشريفوعندما ظهر المختار بن ابي عبيدة الثقفي في الكوفة واعلن حكومته الموالية لاهلالبيت (ع) وبدا بالانتقام من قتلة الحسين(ع) في الكوفة حتى تم القضاء عليهم في معركة الخازر وقتلاميرهم عبيد الله بن زياد على يد ابراهيم بن مالك الاشتر سارعت الشيعة لزيارة قبرالامام الحسين(ع) والشهداء من اهل بيته وصحبه فظهر القبر الشريف واصبحمحطا لانظار الشيعة في كل مكان وخاصة في الكوفة والمدائن والبصرة فقام المختاربتشييد بناء على القبر الشريف واتخذ له قريه من حوله.



ويظهر من الروايات عن الامامالصادق(ع) شكل القبر في ذلك الوقت ففي حديث له مع صفوان الجمال قال (اذا اردت قبرالحسين في كربلاء فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ثم ادخل الروضة وقم بحذائهامن حيث يلي الراس ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين ثم توجه الىالشهداء ثم امش حتى تاتي مشهد ابي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم.



ونستدل من خلال هذه الرواية عنالا مام الصادق (ع)المولود سنة 80 هـ والمتوفي سنة 140 هـ على وجود قبة فوق القبرالشريف والذي يحتوي على اكثر من باب وعلى قبر ابي الفضل العباس(ع) سقيفة وباب للولوج الى الداخل ويظهر من روايات اخرىعلى وجود سقيفة الى جانب قبر الحسين (ع) تظللها شجرة السدرة وقد بقي هذا البناءقائما طيلة فترة الحكم الاموي وحتى قيام الدولة العباسية سنة 132 هـ.



وقد فسح العباسيون في بدايةحكمهم المجال لزيارة قبر الحسين (ع) فكانت ام موسى والدة الخليفة المهدي العباسيقد صرفت اموالا على القائمين بالعناية بالقبر الشريف وبقي الشيعة يتوافدون لزيارةقبر الحسين(ع) حتى جاء هارون الرشيد خامس الخلفاء العباسين فضيق الخناق على زوارالحسين(ع) وقطع شجرة السدرة وكرب موضع القبر وهدم ماحوله من البيوت وكان ذلك عام 193هـ.



وفي عهد المامون بني على القبربناءا شامخا بقي حتى سنة 233 هـ وهي السنة التي تولى فيها الخلافة المتوكل العباسيالذي حذا حذو الرشيد في عدائه لاهل البيت وزاد عليه فعندما راى ان زوار الحسين(ع) يتزايدون يوما بعد يوم ويقصدون القبر من كل مكان.



ولم يقتصر الزوار على الشيعة فقطبل امتدوا الى بقية طوائف المسلمين وان محبة الحسين(ع) تغلغلت في قلوبهم امر بهدم القبر الشريف وماحوله منالبيوت ومنع الناس من زيارته ثم حرث ارضه وافاض الماء عليه فحار حول القبر من كلجانب وكان الذي نفذ كل هذه الاعمال رجل من اصحاب المتوكل اسمه ديزج وكان يهوديافكان يؤتى اليه بزائر قبر الحسين(ع) من قبل المسالح المنتشرة على سائر الطرق فيقتله بامرمن المتوكل وفي تهديم القبر الشريف يقول ابن الرومي



ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهمكلابكـم منها بهيـم وديــزج



بعد هلاك المتوكل سنة 247 هـ جاءابنه المنتصر با لله الذي شيد من جديد الضريح المقدس وبنى على المرقد الشريف بناءاعاليا يرشد الناس اليه ويشجع الناس على زيارته كما اطلق اوقاف العلويين التي كانالمتوكل قد صادرها واحسن الى اهل البيت(ع) وقربهمواجزل لهم العطاء مما شجع بعض العلويين الى الاقامةبالقرب من القبر الشريف في كربلاء وكان في مقدمتهم ابراهيم المجاب بن محمد العابدبن الامام موسى بن جعفر(ع) وهو اول علوي استوطن كربلاء وكان ذلك عام 247 هـوبعد ان تداعى البناء الذي بناه المنتصر على قبر سيد الشهداء قام بتجديده محمد بنمحمد بن زيد بن الحسن بن محمد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بنعلي بن ابي طالب (ع) الملقب بالداعي الصغير حيث بنى قبة على القبر الشريف لهابابان ثم بنى حولها سقفين واحاطهما بسور وذلك سنة 280 هـ.



وعند قيام الدولة البويهية قامعضد الدولة عام 379 هـ ببناء ضريح من العاج ذي اروقة وعليه قبة ومع قيام الضريحالجديد بدا تشييد البيوت والاسواق حول القبر الشريف وقد احيطت المدينة بسور كبيروازدهرت كربلاء في عهد عضد الدولة ازدهارا واسعا وتقدمت معالمها الدينية والاجتماعيةوالسياسية والاقتصادية والادبية.



وبقيت عمارة عضد الدولة البويهييحتى قام الوزير ابن سهلان ببناء سور جديد حول المرقد الشريف واقام العمارة من جديدعلى القبر الشريف وبعدانقراض دولة البويهيين جاء السلجوقيون الى الحكم وقد ابدوااهتماما ملحوظا بالعتبات المقدسة فقام السلطان ملك شاه السلجوقي ووزيره نظام الملكبتجديد السور وفي سنة 553هـ زار الخليفة المقتفي قبر الحسين (ع) وتوالت الخلفاءبعده على زيارة القبر الشريف فزاره الخليفة الناصر لدين الله والمستنصر والمستعصم.



وبقيت عمارة ابن سهلان على القبرالشريف قائمة على حالها في عصور الخلفاء ماعدا ماكان من امر المسترشد بالله الذيامتدت يده لسلب الحائر من امواله لينفقه على الجند ويصف ابن شهر اشوب هذه الحادثةفيقول اخذ المسترشد من مال الحائر وكربلاء وقال ان القبر لايحتاج الى الخزانةوانفق على العسكرفلما خرج قتل هو وابنه الراشد ).



وبعد سقوط الدولة العباسية عام656 هـ على يد هولاكو ودخوله بغداد سلمت الحلة وكربلاء والنجف من الدمار والقتلوعندما فتح الشاه اسماعيل الصفوي بغدادعام 914 هـ توجه الى كربلاء لزيارة قبرالحسين (ع) فامر بتذهيب الضريح واهدى اثني عشر قنديلا من الذهب كما امر بصنع صندوقللقبر من الفضة دقيق الصنع وقد تم نصبه عام 932هـكما فرش الحضرة الطاهرة بانواع من المفروشات القيمةوقد اعتكف الشاه اسماعيل الصفوي في حضرة الامام الحسين ليلة ثم توجه لزيارة قبرالامام امير المؤمنين في النجف الاشرف.



وفي العهد القاجاري تم تذهيب قبةالحسين (ع) ثلاث مرات فقام السلطان انما محمد خان مؤسس الدولة القاجارية في ايرانبتذهيب القبة سنة 1207 هـ اما التذهيب الثاني فقد حصل في عهد السلطان فتح علي شاهالقاجاري لان التذهيب الاول كان اسودا فكتب اليه اهالي كربلاء بذلك فامر الشاهبقلع الاحجار الذهبية القديمة واستبدالها بالذهب الجديد كما انه اهدى شبكة فضيةالى المرقد الشريف وقد تبرعت زوجته بتذهيب المئذنتين اما التذهيب الثالث للقبةالسامية فقد ذكره المرحوم عبد الجواد الكليدار في كتابه تاريخ كربلاء ص 264 فقال(تجده مكتوبا على القسم الاسفل من القبة السامية فوق الشبابيك المطلة على داخلالروضة بسطر من ذهب في ضمن الايات القرانية المكتوبة في الكتيبة من حول القبة).



في عام 1216 هـ تعرضت كربلاءوالحرم الحسيني الطاهر لهجمة بربرية حيث قامت الجماعة الوهابية بقيادة سعود بن عبدالعزيز الذي استغل ذهاب معظم اهالي كربلاء الى النجف الاشرف لزيارة ضريح اميرالمؤمنين في يوم الغدير فحاصر المدينة ودخلها عنوة وقتل اكثر اهلها في الاسواقوالبيوت وكان سعود بن عبد العزيز على راس قوة كبيرة تقدر بنحو اثني عشر الف وبعدقتلهم اكثر سكان كربلاء التفوا نحو خزائن القبر الشريف وكانت مشحونة بالاموالوالنفائس فاخذوا كل ما وجدوا فيها.



منارة العبد



شيدت منارة العبد سنة 767 هـ فيمؤخرة الحرم الحسيني في الجانب الشرقي من الصحن الشريف يقول عنها المرحوم الدكتورعبد الجواد الكليدار (وكانت مئذنة جبارة اعظم وافخم من كل الماذن الموجودة فيالعتبات المقدسة من كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء ومن حيث الفخامة في الابنيةالتاريخية كانت هي الثانية في العراق بعد ملوية المتوكل في سامراء فكان يبلغ قطرقاعدتها عشرين مترا تقريبا وارتفاعها اربعين مترا مكسوة بالفسيفساء والكاشانيالثري البديع الصنع مما يندر في وجودهما جدا في هذا اليوم في بقية الاثارالتاريخية القديمة ان كان في العراق او ايران).



ومنارة العبد هذه هي مئذنة مرجانعبد السلطان اويس الجلائري الذي عينه السلطان الجلائري واليا على بغداد فرفع رايةالعصيان ضده واستبد ببغداد حتى اضطر السلطان اويس ان يسير اليه جيشا من تبريزليقضي على حركته ولما علم انصاره بقدوم السلطان اويس لمحاربته تفرقوا عنه فلجا الىكربلاء واستجار بحرم الامام الحسين فلما علم اويس بذلك صفح عنه ثم استدعاه اليهواكرمه واعاده الى وظيفته واليا على العراق من جديد وكان حين استجار بالضريح نذران يبني خاصة بالصحن الحسيني الشريف اذا خرج من محنته ففعل ذلك وبنى حولها مسجداخاصا ثم اجرى لهما من املاكه في كربلاء وبغداد وعين التمر والرحالية اوقافا يصرفواردها على المسجد والمئذنة.



واصبحت تلك الاموال الموقوفةاوقافا حسينية من ذلك الوقت وبقيت هذه المئذنة حوالي ستة قرون حتى عام 1354 هـ1937م فهدمت لميلانها وتعرضها للانهدام.



كربلاء في عيون الرحالة



وصف السائح العربي والرحالةالمعروف ابن بطوطة كربلاء عند زيارته لها عام 726ه 1307 م قائلا ( زرت كربلاء فيايام السلطان سعيد بهادر خان بن خدابنده بعد ان تركت الكوفة قاصدا مدينة الحسينوهي مدينة صغيرة تحيطها حدائق النخيل ويسقيها الفرات والروضة المقدسة داخلهاوعليها مدرسة عظيمة وزاوية كريمة فيها الطعام للوارد والصادر وعلى باب الروضةالحجاب والقومة لايدخل احد الا باذنهم فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة وعلىالابواب استار الحرير).



بيدرو تكسيرا



وفي عام 1604م – 1024هـ زاركربلاء الرحالة الإسباني بيدر وتكسيرا فوصفها قائلا (بلدة تحتوي على أربعة آلافبيت وسكانها من العرب وبعض الإيرانيين والأتراك وفي المدينة أسواق ذات بناء محكمبالطابوق وهي ملأى بالحاجات والسلع التجارية ويتردد عليها أناس كثيرون وقد بنيتفيها خانات عابرة ثم بناؤها للزوار وهي من الأعمال الخيرية)وقد كتب تكسيرا عنالروضة الحسينية وذكر أهميتها الدينية وتوارد المسلمين لزيارتها من جميع الجهاتكما تطرق الى ذكر السقاة الذين يسقون الماء للناس في سبيل الله وطلبا للأجروالثواب أو أحياء لذكرى الإمام الحسين الذي قتل عطشان في هذه البقعة من الأرضوكانت فيها أمكنة ومخيمات كانت تنصب للزوار في موسم الزيارات الكبيرة .



كارستن نيبور



وفي القرن السابع والعشرين منكانون الأول عام 1765م زار مدينة كربلاء الرحالة الألماني كارستن نيبور فوصفها بأنلها خمسة أبواب وفي وسطها يقع المشهد الحسيني وقد رسم ينبور مخططا تقريبيا أستقىتفصيلاته من ملاحظاته الخارجية وفي دخوله أليه في أحدى الأمسيات لفترة وجيزة بصحبةالملا بغدادي الذي أصطحبه معه بعد أن تزيا بزي تركي ولبس عمامة تركية وقد قارنينبور مدينة كربلاء بمدينة النجف من حيث كثرة النخيل في الأولى وأزدياد سكانهالكنه يقول بأن بيوتها لم تكن متينة البنيان لأنها كانت تبنى باللبن غير المشوي وقدوصف ينبور الحضرة الحسينية فقال بأن أطراف الحضرة والصحن كانت متنورة للشبابيك الكثيرةالتي كانت موجودة فيها وقد كان ذلك شيء غريب في بلاد يقل فيها زجاج النوافذ يومذاكوتحيط بالصحن من أطرافه الأربعة مساكن السادة والعلماء كما ذكر نيبورا أيضا وجودجامع كبير آخر للإمام العباس بن علي تقديرا لبطولته التي أبداها في يوم عاشوراءوتضحيته بنفسه من أجل أخيه الحسين.