قصة البحر الابيض و الجزيرة الخضراء و التى وجدت فى رسالة مخصوصة فى خزانة أمير المؤمنين(عليه السلام) بخط العالم الفاضل الفضل بن يحيى بن علىّ،و التى نقلها العلامة المجلسي و العلامة النوري.

قال العلامة المجلسي(قدس سره):

اقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الابيض احببت ايرادها لاشتمالها على ذكر من رآه،و لما فيه من الغرائب.

و انما افردت لها بابا لاني لم اظفر به في الاصول المعتبرة.و لنذكرها بعينها كما وجدتها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي هدانا لمعرفته و الشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته محمد الذى اصطفاه من بين خليقته و خصّنا بمحبة علىّ و الائمة المعصومين من ذرّيته صلى اللّه عليهم اجمعين الطيبين الطاهرين و سلم تسليما كثيرا.

و بعد:

فقد وجدت فى خزانة أمير المؤمنين(عليه السلام)،و سيّد الوصيّين،و حجة ربّ العالمين،و امام المتّقين،علىّ بن ابي طالب(عليه السلام)، بخط الشيخ الفاضل و العالم العامل،الفضل بن يحيى بن علىّ الكوفى(قدس اللّه روحه) ما هذا صورته:

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله و سلّم.

و بعد:

فيقول الفقير الى عفو اللّه سبحانه تعالى الفضل بن يحيى بن علىّ الطيّبي الامامىّ الكوفى(عفا اللّه عنه): قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلّي و الشيخ جلال الدّين عبد اللّه بن الحزام الحلّي(قدّس اللّه روحيهما و نوّر ضريحيهما) فى مشهد سيد الشهداء و خامس أصحاب الكساء مولانا و امامنا أبي عبد اللّه الحسين(عليه السلام)فى النصف من شهر شعبان سنة تسع و تسعين و ستمائة من الهجرة النبويّة على مشرّفها محمد و آله أفضل الصلاة و أتمّ التحيّة،حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي و الفاضل الورع الزّكىّ زين الدين علي بن فاضل المازندراني،المجاور بالغرىّ - على مشرّفه السلام - حيث اجتمعا به فى مشهد الامامين الزكييّن الطاهرين المعصومين السعيدين (عليهما السلام)بسرّ من رأى و حكى لهما حكاية ما شاهده و رآه فى البحر الأبيض،و الجزيرة الخضراء من العجائب فمرّ بى باعث الشوق الى رؤياه،و سألت تيسير لقياه،و الاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه باسقاط رواته،و عزمت على الانتقال الى سرّ من رأى للاجتماع به.

فاتّفق انّ الشيخ زيد الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سرّ من رأى الى الحلّة فى أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضى على جارى عادته و يقيم فى المشهد الغروي على مشرّفه السلام.

فلمّا سمعت بدخوله الى الحلّة و كنت يومئذ بها قد انتظر قدومه فاذا أنا به وقد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب،ذي النسب الرّفيع،و الحسب المنيع،السيد فخر الدين الحسن بن علىّ الموسوي المازندراني نزيل الحلّة(اطال اللّه بقاه) و لم أكن اذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور لكن خلج فى خاطري انّه هو.

فلمّا غاب عن عينى تبعته الى دار السيد المذكور فلمّا رآني مقبلا ضحك فى وجهي و عرّفني بحضوره فاستطار قلبى فرحا و سرورا و لم أملك نفسي على الصبر على الدخول اليه فى غير ذلك الوقت.

فدخلت الدّار مع السيد فخر الدّين فسلّمت عليه،و قبّلت يديه، فسأل السيد عن حالي، فقال له:هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيى الطيّبي صديقكم فنهض واقفا و أقعدني فى مجلسه و رحّب بي و أحفى السؤال عن حال أبي و أخي الشيخ صلاح الدّين لأنّه كان عارفا بهما سابقا،و لم أكن فى تلك الأوقات حاضرا بل كنت فى بلدة واسط،أشتغل فى طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي اسحاق ابراهيم بن محمد الواسطي الامامي تغمّده اللّه برحمته،و حشره فى زمرة ائمته(عليهم السلام).

فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متّع اللّه المؤمنين بطول بقائه فرأيت فى كلامه امارات تدلّ على الفضل فى أغلب العلوم من الفقه و الحديث،والعربيّة بأقسامها،و طلبت منه شرح ما حدّث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ شمس الدين و الشيخ جلال الدين الحلّيان المذكوران سابقا(عفا اللّه عنهما) فقصّ لي القصّة من أوّلها الى آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلّة صاحب الدّار،و حضور جماعة من علماء الحلّة و الأطراف،قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفّقه اللّه،وكان ذلك فى اليوم الحادى عشر من شهر شوال سنة تسع و تسعين و ستمائة و هذه صورة ما سمعته من لفظه أطال اللّه بقائه،و ربّما وقع فى الألفاظ التى نقلتها من لفظه تغيير،و لكنّ المعاني واحدة قال حفظه اللّه تعالى:

قد كنت مقيما فى دمشق الشام،منذ سنين،مشتغلا بطلب العلم،عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفّقه اللّه لنور الهداية فى علمي الاصول و العربيّة،وعند الشيخ زين الدّين بن علي المغربي الأندلسي المالكي فى علم القراءة لأنّه كان عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع،و كان له معرفة فى أغلب العلوم من الصرف و النحو و المنطق و المعاني و البيان و الأصولَيْن( ) وكان ليّن الطبع لم يكن عنده معاندة فى البحث و لا فى المذهب لحسن ذاته.
فكان اذا جرى ذكر الشيعة يقول:«قال علماء الاماميّة»،بخلاف من المدرّسين فانّهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة:قال علماء الرّافضة،فاختصصت به و تركت التّرددالى غيره،فأقمنا على ذلك برهة من الزّمان أقرأ عليه فى العلوم المذكورة.

فاتّفق انّه عزم على السّفر من دمشق الشام،يريد الدّيار المصريّة،فلكثرة المحبّة التى كانت بيننا عزّ علىّ مفارقته،وهو ايضا كذلك،فآل الأمر الى انّه هداه اللّه صمّم العزم على صحبتى له الى مصر،وكان عنده جماعة من الغِباء مثلي،يقرؤون عليه فصحبه أكثرهم.

فسرنا فى صحبتة الى أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالقاهرة،و هي أكبر من مدائن مصر كلّها،فأقام بالمسجد الأزهر مدّة يدرّس،فتسامع فضلاء مصر بقدومه،فوردوا كلّهم لزيارته و للانتفاع بعلومه،فأقام فى قاهرة مصر مدّة تسعة أشهر،و نحن معه على أحسن حال و اذا بقافلة قد وردت من الأندلس و مع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرّفه فيه بمرض شديد قد عرض له انّه يتمنّى الاجتماع به قبل الممات،و يحدّثه فيه على عدم التأخير.

فرّق الشيخ من كتاب أبيه و بكى،و صمّم العزم على المسير الى جزيرة الأندلس،فعزم بعض تلامذة على صحبته،و من الجملة أنا،لأنّه هداه اللّه قد كان أحبّني محبّة شديدة و حسّن لي المسير معه،فسافرت الى الأندلس فى صحبته فحيث وصلنا الى أوّل قرية من الجزيرة المذكورة،عرضت لي حمّى منعتني عن الحركة.

فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رقّ لي و بكى،و قال:يعزّ علىّ مفارقتك،فأعطى خطيب تلك القرية التى وصلنا اليها عشرة دراهم،و أمره أن يتعاهدني حتى يكون منّي أحد الأمرين،و انّ منَّ اللّه بالعافية اتّبعه الى بلده،هكذا عهد اليّ بذلك وفّقه اللّه بنور الهداية الى طريق الحقّ المستقيم،ثمّ مضى الى بلد الأندلس،و مسافة الطريق من ساحل البحر الى بلده خمسة أيام.

فبقيت فى تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدّة ما أصابني من الحمّى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمّي،و خرجت أدور فى سكك تلك القرية فرأيت قَفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطىء البحر الغربي يجلبون الصوف و السمن و الأمتعة،فسألت عن حالهم فقيل:انّ هؤلاة يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر،و هي قريبة من جزائر الرافضة.

فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت اليهم،و جذبني باعث الشوق الى أرضهم،فقيل لي:انّ المسافة خمسة و عشرون يوما،منها يومان بغير عمارة و لا ماء،و بعد ذلك فالقرى متّصلة،فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم،لقطع تلك المسافة التى لا عمارة فيها،فلمّا قطعنا معهم تلك المسافة و وصلنا ارضهم العامرة،تمشيت راجلاً و تنقلت على اختيارى من قرية الى اخرى الى أن وصلت الى اوّل تلك الأماكن،فقيل لي:انّ جزيرة الروافض قد بقي بينك و بينها ثلاثة أيام،فمضيت و لم أتأخر.

فوصلت الى جزيرة ذات أسوار أربعة،و لها أبراج محكمات شاهقات،و تلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطيء البحر،فدخلت من باب كبيرة يقال لها:باب البربر،فدرت فى سككها أسأل واقعا عن مسجد البلد،فهديت عليه،و دخلت اليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا على البحر من الجانب الغربي من البلد،فجلست فى جانب المسجد لأستريح و اذا بالمؤذن يؤذن للظهر و نادى بحىّ على خير العمل و لمّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

فأخذتني العبرة بالبكاء،فدخلت جماعة بعد جماعة الى المسجد،و شرعوا فى الوضوء على عين ماء تحت شجرة فى الجانب الشرقي من المسجد،و أنا أنظر اليهم فرحا مسرورا لما رأيته من وضوئهم المنقول عن ائمة الهدى(عليهم السلام).

فلمّا فرغوا من وضوئهم و اذا برجل قد برز من بينهم بهىّ الصورة،عليه السكينة و الوقار،فتقدّم الى المحراب،و أقام الصلاة،فاعتدلت الصفوف وراءه و صلّى بهم اماما و هم به مامومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن ائمتنا (عليهم السلام) على الوجه المرضىّ فرضا و نفلا و كذا التعقيب و التسبيح،و من شدة ما لقيته من وعثاء السفر،و تعبي فى الطريق لم يمكنّي أن أصلّى معهم الظهر.

فلمّا فرغوا و رأوني أنكروا علىّ عدم اقتدائي بهم،فتوجّهوا نحوي باجمعهم و سألوني عن حالي و من أين أصلي،و ما مذهبى؟

فشرحت لهم أحوالي و انّي عراقي الأصل،و امّا مذهبي فانّني رجل مسلم أقول أشهد ان لا اله الّا اللّه وحده لا شريك له،و أشهد انّ محمد عبده و رسوله أرسله(بالهدى)و دين الحقّ ليظهره على الأديان كلّها و لو كره المشركون.

فقالوا لي:لم تنفعك هاتان الشهادتان الاّ لحقن دمك فى دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنّة بغير حساب؟

فقلت لهم:ما تلك الشهادة الأخرى؟اهدونى اليها يرحمكم اللّه فقال لي امامهم:الشهادة الثالثة هى أن تشهد أنّ أمير المؤمنين،و يعسوب المتّقين،و قائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب و الأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول اللّه و خلفائه من بعده بلا فاصلة،قد أوجب اللّه عزوجل طاعتهم على عباده،و جعلهم أولياء أمره و نهيه،و حججا على خلقه فى أرضه،و أماناء لبريّته،لأنّ الصادق الأمين محمدا رسول ربّ العالمين (صلى الله عليه وآله) أخبر بهم عن اللّه تعالى مشافهة من نداء اللّه عزوجل له (عليه السلام) فى ليلة معراجه الى السماوات السبع،و قد صار من ربّه كقاب قوسين أو أدنى،و سمّاهم له واحدا بعد واحد(صلوات اللّه وسلامه عليه و عليهم اجمعين).

فلمّا سمعت مقالتهم هذه حمدت اللّه سبحانه على ذلك،و حصل عندي أكمل السرور،و ذهبت عنّي تعب الطريق من الفرح،و عرّفتهم انّي على مذهبهم،فتوجّهوا الىّ توجّه اشفاق،و عيّنوا لي مكانا فى زوايا المسجد و ما زالوا يتعاهدوني بالعزّة و الاكرام مدة اقامتي عندهم و صار امام مسجدهم لا يفارقني ليلا و لا نهارا.

فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي اليهم فانّي لا أرى لهم أرضا مزروعة؟
فقال:تأتي اليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض،من جزائر أولاد الامام صاحب الأمر(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

فقلت له:كم تأتيكم ميرتكم فى السنة؟

فقال:مرّتين،و قد أتت مرّة و بقيت الأخرى.

فقلت: له: كم بقي حتى تأتيكم؟

قال:أربعة أشهر.

فتأثرت لطول المدّة،و مكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعوا اللّه ليلا و نهاراً بتعجيل مجيئها،و أنا عندهم فى غاية الاعزاز و الاكرام.

و فى آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدّة فخرجت الى شاطىء البحر انظر الى جهة المغرب التى ذكر أهل البلد انّ ميرتهم تأتي اليهم من تلك الجهة.

فرأيت شبحا من بعيد يتحرّك،فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد و قلت لهم:هل يكون فى البحر طير أبيض؟فقالوا لي:لا،فهل رأيت شيئا؟قلت:نعم،فاستبشروا و قالوا:هذه المراكب التى تأتي الينا فى كلّ سنة من بلاد أولاد الامام(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

فما كان الّا قليلا حتّى قدمت تلك المراكب،و على قولهم انّ مجيئها كان فى غير الميعاد،فقدم مركب كبير و تبعه آخر و آخر حتّى كملت سبعا،فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة،بهىّ المنظر،حسن الزىّ،و دخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن ائمة الهدى (عليهم السلام) و صلّى الظهرين،فلمّا فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علىّ،فرددت عليه السلام،فقال:ما اسمك و أظنّ أنّ اسمك علي؟قلت:صدقت.

فحادثني بالسرّ محادثة من يعرفني فقال:ما اسم ابيك؟و يوشك أن يكون فاضلا؟
قلت:نعم،و لم أكن أشك فى انّه قد كان فى صحبتنا من دمشق.

فقلت:أيّها الشيخ!ما أعرفك بي و بأبي؟هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام الى مصر؟

فقال:لا.

قلت:و لا من مصر الى الأندلس؟

قال:لا،و مولاي صاحب العصر(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

قلت له:فمن أين تعرفني باسمي و اسم أبي؟

قال:اعلم أنّه قد تقدّم الىّ وصفك،و أصلك،و معرفة اسمك و شخصك و هيئتك و اسم أبيك،و أنا أصحبك معي الى الجزيرة الخضراء.

فسررت بذلك حيث قد ذُكِرْتُ ولي عندهم اسم،و كان من عادته انّه لا يقيم عندهم الّا ثلاثة أيام فأقام اسبوعا و أوصل الميرة الى أصحابها المقرّرة لهم،فلمّا أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرّر لهم،عزم على السفر،و حملني معه،و سرنا فى البحر.

فلمّا كان فى السادس عشر من مسيرنا فى البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر اليه،فقال لي الشيخ و اسمه محمد:ما لي أراك تطيل النظر الى هذا الماء؟

فقلت له:انّي أراه على غير لون ماء البحر.

فقال لي:هذا هو البحر الأبيض،و تلك الجزيرة الخضراء،و هذا الماء المستدير حولها مثل السّور من اىّ الجهات أتيته وجدته،و بحكمة اللّه تعالى ان مراكب اعدائنا اذا دخلته غرقت و ان كانت محكمة ببركة مولانا و امامنا صاحب العصر(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).فاستعملته و شربت منه،فاذا هو كماء الفرات.
ثمّ انّا لمّا قطعنا ذلك الماء الأبيضّ وصلنا الى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة آهلة،ثم صعدنا من المركب الكبير الى الجزيرة الخضراء و دخلنا البلد،فرأيته محصّنا بقلاع و أبراج و أسوار سبعة واقعة على شاطىء البحر،ذات أنهار و أشجار مشتملة على انواع الفواكه و الأثمار المنوّعة،و فيها أسواق كثيرة،و حمّامات عديدة،و أكثر عمارتها برخام شفّاف،وأهلها فى أحسن الزىّ و البهاء،فاستطار قلبي سرورا لما رأيته.

ثمّ مضى بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا فى منزله الى الجامع المعظّم،فرأيت فيه جماعة كثيرة و فى وسطهم شخص جالس عليه من المهابة و السكينة و الوقار ما لا أقدر(أن)أصفه،و الناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم،و يقرؤون عليه القرآن و الفقه،و العربيّة بأقسامها،و أصول الدين و الفقه الذى يقرؤونه عن صاحب الأمر(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)مسألة مسألة،و قضيّة قضيّة،و حكما حكما.

فلمّا مثلت بين يديه،رحبّ بي و أجلسني فى القرب منه،و أحفى السؤال عن تعبي فى الطريق و عرّفني انّه تقدّم اليه كلّ أحوالي،و انّ الشيخ محمد رفيقي انّما جاء بى بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال اللّه بقاءه.

ثمّ أمر لي بتخلية موضع منفرد فى زاوية من زوايا المسجد،و قال لي:هذا يكون لك اذا اردت الخلوة و الراحة،فنهضت و مضيت الى ذلك الموضع،فاسترحت فيه الى وقت العصر،و اذا أنا بالموكّل بي قد أتى الىّ و قال لى:لا تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد و أصحابه لأجل العشاء معك،فقلت:سمعا و طاعة.

فما كان الّا قليلا و اذا بالسيد سلّمه اللّه قد أقبل،و معه أصحابه،فجلسوا و مدّت المائدة فأكلنا و نهضنا الى المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب و العشاء،فلمّا فرغنا من الصلاتين ذهب السيد الى منزله،و رجعت الى مكاني و أقمت على هذه الحال مدّة ثمانية عشر يوما،و نحن فى صحبته أطال اللّه بقائه.

فأوّل جمعة صلّيتها معهم رأيت السيد سلّمه اللّه صلّى الجمعة ركعتين فريضة واجبة.

فلمّا انقضت الصلاة قلت:يا سيّدي قد رأيتكم صلّيتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة؟

قال:نعم،لأنّ شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت.

فقلت فى نفسى:ربّما كان الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) حاضرا.

ثم فى وقت آخر سألت منه فى الخلوة:هل كان الامام حاضراً؟

فقال:لا،ولكنّي أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

فقلت:يا سيدي!و هل رأيت الامام(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)؟

قال:لا،و لكنّي حدّثني أبي (رحمة اللّه عليه) انّه سمع حديثه و لم ير شخصه و انّ جدّي (رحمة اللّه عليه) سمع حديثه و رأى شخصه.

فقلت له:و لم ذاك يا سيدي يختصّ بذلك رجل دون آخر؟

فقال لي:يا أخى!انّ اللّه سبحانه و تعالى يؤتي الفضل من يشاءمن عباده،و ذلك لحكمة بالغة و عظيمة قاهرة كما انّ اللّه تعالى اختصّ من عباده الأنبياء و المرسلين،و الأوصياء المنتخبين،و جعلهم اعلاما لخلقه،و حججا على برّيته،و وسيلة بينهم و بينه ليهلك من هلك عن بيّنة،و يحيي من حىّ عن بيّنة،و لم يخل أرضه بغير حجّة على عباده للطفه بهم،و لابدّ لكلّ حجة من سفير يبلغ عنه.

ثمّ انّ السيد سلّمه اللّه أخذ بيدى الى خارج مدينتهم،و جعل يسير معى نحو البساتين،فرأيت فيها أنهارا جارية،و بساتين كثيرة،مشتملة على أنواع الفواكه،عظيمة الحسن و الحلاوة،من العنب و الرّمان،و الكمّثرى و غيرها ما لم أرها فى العراقين،و لا فى الشامات كلّها.

فبينما نحن نسير من بستان الى آخر اذ مرَّ بنا رجل بهىّ الصورة،مشتمل ببردتين من صوف أبيض،فلمّا قرب منّا سلّم علينا و انصرف عنّا،فأعجبنى هيئته فقلت للسيد سلّمه اللّه:من هذا الرجل؟

قال لي:اتنظر الى هذا الجبل الشاهق؟

قلت:نعم.

قال:انّ فى وسطه لمكانا حسنا و فيه عين جارية،تحت شجرة ذات اغصان كثيرة و عندها قبّة مبنيّة،بالآجر و انّ هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبّة،و أنا أمضي الى هناك فى كلّ صباح جمعة،و أزور الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) منها و أصلّي ركعتين،و أجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج اليه من المحاكمة بين المؤمنين،فمهماتضمّنته الورقة أعمل به،فينبغي لك أن تذهب الى هناك و تزور الامام(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)من القبّة.

فذهبت الى الجبل فرأيت القبّة على ما وصف لي سلّمه اللّه،و وجدت هناك خادمين،فرحّب بي الذي مرّ علينا و أنكرني الآخر،فقال له:لا تنكره فانّي رأيته فى صحبة السيد شمس الدين العالم،فتوجه الىّ و رحّب بي و حادثاني و أتيا لي بخبز و عنب فأكلت و شربت من ماء تلك العين التى عند تلك القبّة،و توضّأت و صلّيت ركعتين.

و سألت الخادمين عن رؤية الامام(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)،فقالا لي:الرؤية غير ممكنة و ليس معنا اذن فى اخبار أحد،فطلبت منهم الدعاء،فدعيا لي،و انصرفت عنهما،و نزلت من ذلك الجبل الى أن وصلت الى المدينة.

فلمّا وصلت اليها ذهبت الى دار السيد شمس الدين العالم،فقيل لي:انّه خرج فى حاجة له،فذهبت الى دار الشيخ محمد الذي جئت معه فى المراكب فاجتمعت به و حكيت له عن مسيري الى الجبل،و اجتماعي بالخادمين،و انكار الخادم علىّ،فقال لي:ليس لأحد رخصة فى الصعود الى ذلك المكان،سوى السيد شمس الدين و امثاله،فلهذا وقع انكار منه لك،فسألته عن أحوال السّيد شمس الدّين أدام اللّه افضاله،فقال:انّه من أولاد الامام،و انّ بينه و بين الامام(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) خمسة آباء و انّه النائب الخاص عن أمر صدر منه(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرّفه السلام:و استأذنت السيد شمس الدين العالم،أطال اللّه بقاءه فى نقل بعض المسائل التى يحتاج اليها عنه،و قراءة القرآن المجيد،و مقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينيّة و غيرها فأجاب الى ذلك و قال:اذا كان و لابدّ من ذلك فابدأ أوّلا بقراءة القرآن العظيم.

فكان كلّما قرأت شيئا فيه خلاف بين القرّاء أقول له:قرأ حمزة كذا،و قرأ الكسائي كذا،و قرأ عاصم كذا،و أبو عمرو بن كثير كذا.

فقال السيد سلّمه اللّه:نحن لا نعرف هؤلاء،و انّما القرآن نزل على سبعة أحرف،قبل الهجرة،من مكة الى المدينة و بعدها لمّا حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّمحجّتة الوداع،نزل عليه الروح الأمين جبرئيل(عليه السلام) ،فقال:يا محمد اتل علىّ القرآن حتّى أعرفك أوائل السور،و أواخرها،و شأن نزولها.

فاجتمع اليه علىّ بن أبي طالب،و ولده الحسن و الحسين(عليهما السلام) ،و ابّي بن كعب،و عبد اللّه بن مسعود،و حذيفه بن اليمان،و جابر بن عبد اللّه الانصاري،و أبو سعيد الخدري،و حسّان بن ثابت،و جماعة من اصحابه رضى اللّه عن المنتجبين منهم،فقرأ النبي صلّى اللّه عليه و اله القران من اوّله الى آخره،فكان كلّما مرّ بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرئيل(عليه السلام) و أمير المؤمينين(عليه السلام) يكتب ذاك فى درج من أدم،فالجميع قراءة أمير المؤمنين و وصىّ رسول ربّ العالمين.

فقلت له:،يا سيدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها و بما بعدها،كأنّ فهمي القاصر لم يصر الى غورية ذلك.

فقال:نعم،الأمر كما رأيته أو ذلك (انّه) لمّا انتقل سيّد البشر محمد بن عبد اللّه من دار الفناء الى دار البقاء و فعل صنما قريش ما فعلاه،من غصب الخلافة الظاهرية،جمع أمير المؤمنين(عليه السلام) القرآن كلّه،و وضعه فى ازار و أتى به اليهم و هم فى المسجد.

فقال لهم:هذا كتاب اللّه سبحانه امرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلّم أن أعرضه اليكم لقيام الحجّة عليكم،يوم العرض بين يدي اللّه تعالى،فقال له فرعون هذه الأئمة و نمرودها:لسنا محتاجين الى قرآنك،فقال(عليه السلام) :لقد أخبرني حبيبي محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقولك هذا،و انّما أردت بذلك القاء الحجة عليكم.

فرجع أمير المؤمنين(عليه السلام) به الى منزله،و هو يقول:لا اله الّا انت،وحدك لا شريك لك،لا رادّ لما سبق فى علمك،و لا مانع لما اقتضته حكمتك،فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك.

فنادى ابن ابي قحافة بالمسلمين،و قال لهم:كلّ من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها.

فجاءه أبو عبيدة بن الجراح،و عثمانو سعد بن أبي وقاص،و معاوية بن أبي سفيان،و عبد الرحمن بن عوف،و طلحة بن عبيد اللّه،و أبو سعيد الخدري،و حسّان بن ثابت،و جماعات من المسلمين و جمعوا هذا القرآن،و أسقطوا ما كان فيه من المثالب التى صدرت منه،بعد وفاة سيّد المرسلين(صلى الله عليه وآله).

فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة و القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين(عليه السلام) بخطّه محفوط عند صاحب الأمر(عليه السلام) فيه كلّ شىء حتى أرش الخدش،و أمّا هذا القرآلن،فلا شك و لا شبهه فى صحّته، و انّما كلام اللّه سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر(عليه السلام).

قال الشيخ فاضل علىّ بن فاضل:نقلت عن السيد شمس الدين حفظه اللّه مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة،و هي عندي جمعتها فى مجلّد و سمّيتها بالفوائد الشمسيّة و لا أطلع عليها الاّ الخاص من المؤمنين،و ستراه ان شاء اللّه تعالى.

فلمّا كانت الجمعة الثانية و هي الوسطى من جمع الشهر،و فرغنا من الصلوة و جلس السيد سلّمه اللّه فى مجلس الافادة للمومنين و اذا أنا أسمع هرجا و مرجا و جزلة عظيمة خارج المسجد،فسألت من السيد عمّا سمعته،فقال لي:انّ أمراء عسكرنا يركبون فى كل جمعة من وسط كلّ شهرّو ينتظرون الفرج فاستأذنته فى النّظر اليهم فأذن لي.

فخرجت لرؤيتهم،و اذا هم جمع كثير يسبحون اللّه و يحمدونه،و يهلّلون جلّ و عزّ،و يدعون بالفرج للامام القائم بأمر اللّه و الناصح لدين اللّه محمد بن الحسن المهدي الخلف الصالح،صاحب الزمان(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

ثمّ عدت الىّ مسجد السيّد سلّمه اللّه فقال لي:رأيت العسكر؟

فقلت:نعم.

قال:فهل عددت أمراءهم؟

قلت:لا.

قال:عدّتهم ثلاثمأة ناصر،و بقي ثلاثة عشر ناصرا،و يعجّل اللّه لوليّه الفرج بمشيّته انّه جواد كريم.

قلت:يا سيدي و متى يكون الفرج؟

قال:يا أخي انّما العلم عند اللّه و الأمر متعلّق بمشيّته سبحانه و تعالى،حتى انّه ربّما كان الامام(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) لا يعرف ذلك بل له علامات و أمارات تدلّ على خروجه،من جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه،و يتكلّم بلسان عربي مبين:قم يا ولىّ اللّه،فاقتل بى اعداء اللّه.

و منها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلّهم،الصوت الأوّل:أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.

و الصوت الثاني:ألا لعنة اللّه على الظالمين لآل محمد عليهم السلام.

و الثالث بدن يظهر فيُرى فى قرن الشمس يقول:انّ اللّه بعث صاحب الأمر محمد بن الحسن المهدي(عليه السلام) فاسمعوا له و أطيعوا.

فقلت:يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث عن صاحب الأمر(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) انّه قال لمّا أمر بالغيبة الكبرى:من رآني بعد غيبتي فقد كذب،فكيف فيكم من يراه؟!

فقال:صدقت انّه (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) انّما قال ذلك فى ذلك الزّمان لكثرة اعدائه من أهل بيته و غيرهم من فراعنة بني العباس،حتى انّ الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدّث بذكره،و فى هذا الزمان تطاولت المدّة و أيس منه الأعداء و بلادنا نائية عنهم و عن ظلمهم و عنائهم،و ببركته عليه السلام لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول الينا.

قلت:يا سيدي!قد روت علماء الشيعة حديثا عن الامام عليه السلام انّه أباح الخمس لشيعته،فهل رويتهم عنه ذلك؟

قال:نعم،انّه عليه السلام رخّص و أباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السلام و قال:هم فى حلّ من ذلك.

قلت:و هل رخّص للشيعة أن يشتروا الاماء و العبيد من سبي العّامة؟قال:نعم،و من سبي غيرهم لأنّه عليه السلام قال:عاملوهم بما عاملو به أنفسهم،و هاتان المسألتان زائدتان على المسائل التى سمّيتها لك.

و قال السيّد سلّمه اللّه:انّه يخرج من مكة بين الرّكن و المقام فى سنة وتر فليرتقبها المؤمنون.

فقلت:يا سيدي قد أحببت المجاورة عندكم الى أن يأذن اللّه بالفرج،فقال لي:اعلم يا أخي انّه تقدّم الىّ كلام بعودك الى وطنك،و لا يمكنني و ايّاك المخالفة،لأنّك ذو عيال و غبت عنهم مدّة مديدة،و لا يجوز لك التخلّف عنهم أكثر من هذا.

فتأثّرت من ذلك و بكيت.

و قلت:يا مولاي و هل تجوز المراجعة فى أمري؟

قال:لا.

قلت:يا مولاي و هل تأذن لي فى أن أحكي كلّما قد رأيته و سمعته؟

قال:لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم،الّا كيت و كيت،و عيّن ما لا أقوله.

فقلت:يا سيدي أما يمكن النظر الى جماله و بهائه عليه السلام؟

قال:لا،ولكن اعلم يا أخي انّ كلّ مؤمن مخلص يمكن أن يرى الامام و لا يعرفه،فقلت:يا سيّدي أنا من جملة عبيده المخلصين،و لا رأيته.

فقال لي:بل رأيته مرّتين;مرّة منها لمّا أتيت الى سرّ من رأى و هي أوّل مرّة جئتها،و سبقك أصحابك و تخلّفت عنهم،حتى وصلت الى نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس على فرس شهباء،و بيده رمح طويل،و له سنان دمشقي،فلمّا رأيته خفت على ثيابك،فلمّا وصل اليك قال لك:لا تخف اذهب الى أصحابك،فانّهم ينتظرونك تحت الشجرة.

فأذكرني و اللّه ما كان،فقلت:قد كان ذلك يا سيّدي.

قال:و المرّة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي،و انقطعت عن القافلة،و خفت خوفا شديدا،فعارضك فارس على فرس غرّاء محجّلة،و بيده رمح ايضا،و قال لك:سر ولا تخف الى قرية على يمينك و نم عند أهلها الليلة،و أخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه،و لا تتّق منهم فانّهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق،مؤمنون مخلصون،يدينون بدين علي بن ابي طالب و الأئمة المعصومين من ذرّيته عليهم السلام.أكان ذلك يا ابن الفضل؟

قلت:نعم و ذهبت الى عند أهل القرية و نمت عندهم فأعزّوني و سألتهم عن مذهبهم،فقالوا لي - من غير تقيّة منّي - :نحن على مذهب أمير المؤمنين،و وصيّى رسول ربّ العالمين علي بن ابي طالب و الأئمة المعصومين من ذرّيته عليهم السلام.

فقلت لهم من أين لكم هذا المذهب؟و من أوصله اليكم؟

قالوا:أبو ذر الغفاري رضي اللّه عنه حين نفاه عثمان الى الشام،و نفاه معاوية الى أرضنا هذه،فعمّتنا بركته،فلمّا أصبحت طلبتُ منهم اللحوق بالقافلة فجهّزوا معي رجلين الحقاني بها،بعد أن صرّحت لهم بمذهبي.

فقلت له:يا سيدي هل يحجّ الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) فى كلّ مدّة بعد مدّة؟

قال لي:يا ابن فاضل!الدّنيا خطوة مؤمن،فكيف بمن لم تقم الدّنيا الّا بوجوده و وجود آبائه عليهم السلام نعم يحجّ فى كلّ عام و يزور آباءه فى المدينة و العراق،و طوس،على مشرّفيها السلام،و يرجع الى أرضنا هذه.

ثمّ انّ السيّد شمس الدين حثّ علىَّ بعدم التأخير بالرجوع الى العراق و عدم الاقامة فى بلاد المغرب، و ذكر لي انّ دراهمهم مكتوب عليها:لا اله الّا اللّه،محمد رسول اللّه،علي ولي اللّه،محمد بن الحسن القائم بأمر اللّه.و أعطاني السيّد منها خمسة دراهم و هى محفوظة عندي للبركة.

ثمّ انّه سلّمه اللّه،وجّهني مع المراكب التى أتيت معها الى أن وصلنا الى تلك البلدة التى أوّل ما دخلتها من أرض البربر،و كان قد أعطاني حنطة و شعيرا فبعتها فى تلك البلدة بمائة و أربعين دينارا ذهبا من معاملة بلاد المغرب،و لم أجعل طريقى على الأندلس امتثالا لأمر السيّد شمس الدين العالم أطال اللّه بقائه،و سافرت منهامع الحجيج المغربىّ الى مكة شرّفها اللّه تعالى و حججت،و جئت الى العراق و أريد المجاورة فى الغرىّ على مشرّفه السلام حتى الممات.


إشارة : (1)

الخلاف فى صدق وجود الجزيرة الخضراء و البحر الأبيض و كذبه،قائم منذ زمن طويل،و كذا الخلاف فى صحّة الرواية و عدمها،فانّ مصب الخلاف على امرين،

الاول:وجود مثل هذا المكان على الكرة الارضية

و الامر الثانى:هو صحة هذه الرواية و عدمها حتى على فرض وجود تلك الجزيرة،

و من هنا فالمختلفون ثلاثة اقسام على اقل التقادير،فقسم ينكر الامرين معا،و قسم ينكر الرواية فقط و قسم يقبلهما معا و هناك اقسام اخرى مثل اؤلئك الذين يناقشون فى بعض ما جاء فى الرواية و ليس كله و هؤلاء متفاوتون أيضا فى هذا.

و لكن الكثير من كبار علمائنا المتقدمين ذكروا القصة فى كتبهم و قد ذكر الشيخ النوري(قدس سره)اسمائهم فى النجم الثاقب،و قال السيد ياسين الموسوي في تعليقته على النجم الثاقب:و لم نجد نصّا لاحد من علمائنا السابقين قد انكرها الّا ما نسب الى الشيخ جعفر الكبير(قدس سره) صاحب كشف الغطاء.

نعم،فى تأليفات بعض افاضل علمائنا القريبين بعض الاعتراضات على القصة او بعضها حيث قد يظهر التهافت فى بعض الفقرات،و لكن هذه التهافتات فى بعض الفقرات،تهافتات ظاهرية يمكن بالتدقيق تصحيحها و تقويمها.

و من أراد زيادة الاطلاع،فليراجع النجم الثاقب الجزء الثاني منه.

ثم انه ظهرا أخيرا ما يدل على وجود هذا المكان ببعض الخصوصيات التى وردت فى القصة،او ما يدل على وجود اماكن و نقاط فى هذا العالم لم تصل اليها اقدام الانسان،كما هو المعروف اليوم فى قضايا مثلث برمودا،و بعض الجزر و الغابات الكبيرة المجهولة عندنا،فلعلّ تلك الغابات و الجزر مسكونة و لها اهلها و لها حياتها الاجتماعية الخافية علينا.

فانكار مثل هذه الجزيرة لمجرد وجود بعض العبارات الموهمة أو المتهافتة فيها،غير صحيح.

هذا و قد اخبرني احد اساتذتي الذي لا أشك فى علو قدره و فضله و تقواه،انّ هناك من يزور هذه الجزيرة فى كل سنّة،و يبقى فيها اياما،و لعلّ ذلك يكون فى ايام شهر محرم،شهر شهادة الامام الحسين(عليه السلام) و اقامة العزاء عليه.

فهنيئا لمن يوفق لذلك و يتشرف بلقاء اولاد الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) او يتشرف بالنظر الى الطلعة الرشيدة و الغرّة الحميدة لمولانا و مولى العالمين «الحجّة بن الحسن المهدي المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف».

(1) مؤلف الكتاب
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة الأربعون في المهــدي وقصة الجزيرة الخضراء - تأليف : السيد جلال الموسوي



منقول