رسالة مؤتمر اربيل موجهة بشكل أساس إلى المنكوبين. إما أن تقبلوا بنا ملوكا وهو ما سيجنب المالكي المساءلة أو أن يستمر جحيم داعش مصحوبا بالقصف الاميركي في الاطباق عليكم. فاروق يوسف… بحضور أميركي لافت عقد امراء الحرب السنة في العراق مؤتمرا في اربيل، كان شعاره المعلن محاربة الارهاب، غير أن جوهره يقع في محاولة تقسيم الغنائم المتوقعة في حقبة ما بعد داعش. وهي حقبة يعرف المشاركون في المؤتمر ودعاته أنها لن تكون شبيهة بحقبة ما قبل داعش. المباركة الاميركية لأعمال ذلك المؤتمر هي في حقيقتها مباركة لأهدافه المريبة. ما يعني أن فكرة اقامة الأقليم السني قد انضجتها الوقائع الدامية التي عاشتها الملايين من العراقيين في حقبة داعش التي ستكون بمثابة عربة للقتل انتقلت بتلك الملايين من حقبة المالكي الطائفية إلى حقبة خصوم المالكي الذين لا يقلون عنه طائفية. وما بين الحقبتين يمتد خيط أميركي رفيع، هو ضمانة لاستمرار الطائفيين من الفريقين في الحكم وهو علامة رضا أميركي عما جرى في الأمس وما يجري اليوم وما سيجري غدا ما دام العراق يقع بعيدا عن أيدي المناوئين للمخطط الاميركي والمشروع الايراني. فلو استعرضنا الوجوه الحاضرة في مؤتمر اربيل لن نرى بينها وجها لشخصية عراقية لم تقف بطريقة أو بأخرى تحت المظلة الاميركية. وهي المظلة نفسها التي يقف تحتها المالكي وسواه من خاطفي القرار الشيعي. وإذا ما كان البعض ممن شاركوا في ذلك المؤتمر قد أظهروا في وقت من الأوقات امتعاضهم من توسع النفوذ الايراني في العراق فإن الغالبية العظمي منهم تتبنى مبدأ غض النظر عن ذلك النفوذ في انتظار أن تنفرد في حكم الأقليم السني، وهو نواة الدولة الأخوانية التي لا يخفي الكثيرون رغبتهم في إنشأها. وهو المشروع الذي لا ينظر إليه المالكي وسواه من الطائفيين الشيعة بعين السخط، فالنبرة الطائفية هي مصدر راحة بالنسبة للطائفيين، وهي تشكل في الوقت نفسه خطوة الشروع في تنفيذ مخطط الغزو الاميركي. وقد لا يبدو مبالغا فيه القول أن ما فكر فيه المؤتمرون يشكل حبل نجاة بالنسبة للمالكي من المحاكمة بسبب تخليه عن ثلث مساحة العراق لتنظيم داعش من غير قتال. فحين يدير السنة ظهورهم للعراق الموحد يكون المالكي في حل من مواجهة تهمة الخيانة العظمى. لقد دفعت المناطق ذات الغالبية السنية ثمن تلك الخيانة غاليا. وإذا ما كان مسعود البرزاني قد قال بما معناه إن العودة إلى مرحلة ما قبل الموصل ستكون أمرا مستحيلا وهو يقصد أن الاراضي التي وقعت في ايدي البيشمركة بعد هروب القوات الحكومية ستكن إلى الابد جزءا من اقليم كردستان المستقل عمليا فإن في ما قاله الشيء الكثير من الصواب. كان الاحتلال الداعشي لحظة فاصلة بين زمنين. فما صار من الصعب تخيله أن تعود المناطق التي تخلى عنها المالكي وجيشه طائعة إلى حضن حكومة بغداد بعد تحريرها. هو الواقع الذي يحاول المتعاونون السنة أن يستثمروه لصالحهم مدعين الدفاع عن حق الغالبية السنية في ادارة شؤونها بنفسها، وهم من خلال ذلك الادعاء إنما يسعون إلى تنصيب أنفسهم حكاما على شعب، كانوا قد توطأوا مع رفاقهم الطائفيين من الفريق الآخر على اذلاله وتمزيقه واضعاف روحه الوطنية وافقاره وابتزازه والمتاجرة به. وهو ما يدركه سكان المدن المنكوبة بداعش ومن قبله بالمالكي وسياساته التي كانت في جزء منها تقوم على شراء الذمم وافساد الضمائر سعيا وراء تمزيق صفوف المعارضة التي ناهضت تلك السياسات مثلما قاومت الاميركان في وقت سابق. مهرجو مؤتمر اربيل الطائفيون كشفوا عن نزعتهم الانتهازية في وقت عصيب يعيش فيه سكان المناطق التي يزعمون أنهم يمثلونها بين نارين. نار داعش ونار القصف الاميركي الذي يرافقه امتناع الحكومة العراقية عن مد يد العون إليهم. كانت رسالة مؤتمر اربيل موجهة بشكل أساس إلى أولئك المنكوبين. إما أن تقبلوا بنا ملوكا وهو ما سيجنب المالكي المساءلة أو أن يستمر جحيم داعش مصحوبا بالقصف الاميركي في الاطباق عليكم. فمَن سيربح الرهان، الشعب أم قطاع الطرق الذين نصبهم المحتل امراء في بلد غيبت فيه أصالة انتمائه الى التاريخ؟ المصدر :ميدل ايست أونلاين

أكثر...