ياسين طه العمر يتفق الكثير منا على إن الأزمة التي يمر بها سنة العراق اليوم اكبر وأعمق من أن يتحملها شخص مهما كان يحمل قوة وقدرة ومؤهلات قيادية, فتعدد المشكلات وتعقدها يتطلب تفكيرا وجهدا جمعيا وتنسيقا على مستوى عال. وللأسف الشديد فان طبيعة العقل العربي مرتبطة بشكل وثيق بالقائد الأوحد الذي يجمع الصفوف ويوحد الجموع ويحقق الانتصارات, ووفق هذا التفكير فان فلسطين لن يحررها إلا صلاح الدين الجديد, ولن تعود الأمة إلى عصرها الذهبي قبل أن تجود مرة أخرى بهارون الرشيد, ولن يلم شعثها إلا بمخلص يأتي معه بالمعجزات . هذه الفكرة علقت في أذهاننا لأسباب عديدة ليس هنا محل شرحها لكن مما لا شك فيه إن عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية تظافرت لتشكلها وترسخها في العقلية العربية التي يمثل العراقيون جزء منها. لاشك ان الشورى مبدأ اسلامي اصيل اقره الكتاب وايدته السنة, حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور اصحابه وهو المعصوم الموحى اليه, وتراثنا يحفل بعشرات القصص والامثلة والقصائد والخطب التي تمجد الجماعة وتحث على التمسك بها خصوصا في الامور العظيمة . واذا كان هذا امرا لا غنى عنه في الظروف المثالية او الطبيعية التي عاشتها الامة فان الظروف الاستثنائية التي يمر بها سنة العراق اليوم ادعى الى قيادة جماعية تتنوع حسب الاختصاص وتتمتع بالمرونة حسب الظرف, لديها حصانة التفكير الجمعي العاصم من الزلل, والمانع من السخط الشعبي او النقد على اقل تقدير. لقد شهد السنة طوال السنوات التي تلت احتلال العراق شخصيات متعددة حاولت ان تختزل القرار السني او تدعي تمثيله لكنها فشلت لاسباب شتى, فمن هذه الشخصيات من شذ برايه فأكلته الذئاب التي تترصد للغنم القاصية, ومنهم من مالأ العدو وجامل الخصوم على حساب قضايا اهله المصيرية, ومنهم من لهث خلف المصالح ومال مع الريح حيث تميل, فكان ان لفظتهم الجماهير السنية وادارت لهم ظهرها. وبين هؤلاء واولئك المخلص الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه أو ظلت تتآكل سمعته بالدعاية المضادة الكاذبة التي يدفع ثمنها المغرضون . والدرس الذي يفترض بهؤلاء ان يتعلموه هو ان جمهورا عريضا يشكل المثقفون جزء كبيرا منه لا يمكن ان يقاد بخطاب هنا او لقاء هناك, بصلاة في مسجد او حضور مؤتمر عشائري, مجتمع لا يقاد بطريقة فردية او ارتجالية, بل بعملية مؤسساتية تحترم ارادته, وتواكب وعيه, شعارها هو القاعدة الذهبية ( فلنتعاون في ما اتفقنا عليه, وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه), تنفتح على الجميع, ولا تصم اذانها عن احد, مؤسسة تجمعها مصيبة اهلها على اختلاف انتماءاتهم, انجازها يسبق شعارها, يسندها الدعاء ولا يغرها الهتاف, وتبتعد عن الظهور الذي يقصم الظهور. ان الامور المتعلقة بشان الامة او المجتمع الكبير لا ينبغي ان تخضع للتقديرات او الاجتهادات الفردية بل تقتضي جهودا جماعية تسعى نحو التكامل, ويؤطرها التفاعل الايجابي البناء, لانضاج القرار نظريا وضمان نجاحه ميدانيا. وبما أن أهل السنة في العراق ليس لديهم عصا موسى او خاتم سليمان, لم يبق أمامهم إلا اختيار القيادة الجماعية التي تقود السفينة الى شاطئ الامان .. السفينة التي تحتاج الى بحارة مخلصين اكثر من حاجتها الى قائد ضرورة يعيد تجربة لازلنا نتجرع نتائجها الى اليوم.

أكثر...