أهل البيت
اختلفت الروايات التاريخية في المعنى الاساس لمصطلح ( أهل البيت ) وكل استند في اختلافه إلى آيات محددة من القرآن الكريم، فمن الروايات، ما ذهب إلى أن المقصود بذلك هو أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وهم: أزواجه وأولاده وجميع بني هاشم وبني عبدالمطلب. لكن الإجماع الذي حدث وخالف هذا التفسير نصّ على أن المقصود بأهل البيت هم: علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام، والآية: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّركم تطهيراً ، نزلت في خمسة: النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله عليهم. أمّا الآية: قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نَزِد له فيها حُسناً فهي تؤكد على نفس السياق الأول للآية المتقدمة، فقد سئل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَن قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم ؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما.
وتتفق الروايات على أن ( آل الكساء ) هم المقصودون في تلك الآيات. عن عائشة أن النبيّ صلّى الله عليه وآله جلّل هؤلاء الاربعة ( وهم: علي وفاطمة وابناهما ) بكساء كان عليه، ثم قال: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا .
وعن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فينا خطيباً، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما ألا ايها الناس، أنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور. ثم قال: وأهل بيتي، اذكّركم الله في أهل بيتي.
وعن أبي ذر الغفاري قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: ألا إن مَثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.
وأخرج الطبراني في الكبير قال: نظر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال: أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم.
وأصل المصطلح آل البيت والآل أصله في اللغة الأهل ( كما في القاموس المحيط ) وأُبدِلت الهاء همزة فصارت أأل حيث توالت همزتان، فأُبدلت الثانية ألفاً، فعندما نقول: أهل الرجل، نعني عشيرته.
أشراف
أشراف الحجاز: كان لأشراف الحجاز في عصورهم المتأخرة عددهم الكبير، إلاّ أنهم كانوا على درجات متفاوتة في المنزلة والنفوذ، فالاشراف الذين يرجعون بانتمائهم إلى أسرة الحاكم آنذاك يُعتبرون من الدرجة المقرّبة الأولى، وهي اشبه بمنزلة الأمراء المقرّبين إلى ذلك الامير أو السلطان. وهناك من كانوا يعانون شظف العيش والفقر المدقع وخاصة الذين يسكنون في صحراء ( جدة ) وجبالها، وهم اشراف علويون وحسنيون وحسينيون.
لقد ظل اشراف الحجاز حتى منتصف القرن الرابع الهجري لا نفوذ لهم في السياسة والحكم، وليس هناك ما يميزهم عن سواهم من عامة الناس سوى مكانتهم الرفيعة المنبعثة عن انتسابهم إلى النبي صلّى الله عليه وآله. وفي غضون عام ( 358هـ ) الموافق ( 969م ) تمكن احد الاشراف ( الحسنيون ) ـ وهو جعفر بن الحسن من ذرية السيد موسى الجون ـ من تأسيس نوع من الإمارة اسماها ( شرافة مكة ). وقد استمرت هذه الإمارة حتّى عام 1925م عندما خطط ابن سعود للاطاحة بها والقضاء عليها. ومما يذكر أن الظروف التي كانت سائدة آنذاك ساعدت جعفر بن الحسن إلى حد ما على تأسيس ( شرافة مكة )، ذلك لأن الحجاز في تلك الحقبة الزمنية كانت تابعة للدولة ( الاخشيدية ) في مصر والتي سقطت في أيامها الاخيرة على ايدي الفاطميين، وان المعزّ الفاطمي هو الذي عين جعفر بن الحسن والياً على الحجاز.
لقد توالى على حكم ( شرافة مكة ) قبل سقوطها على يد ابن سعود عدد من الابناء بعد وفاة مؤسسها جعفر بن الحسن في سنة ( 370 هـ )، والذي خلفه ابنه ( عيسى )، ثم انتقلت إلى أخيه ( الحسن ) بعد وفاته سنة ( 384 هـ )، إلاّ أن الحسن الملقب ( أبو الفتوح ) كان من اقوى الاشراف واكثرهم حنكة وطموحاً، إضافة إلى كونه شاعراً مجيداً. وقد شهدت مرحلته الكثير من الصراعات والحروب. وكان يطمح في الخلافة بعد ان تأكد له ان ثلاثة من الخلفاء يتنازعون على خلافة العالم الإسلاميّ، وهم العباسي في بغداد والأموي في الاندلس والفاطمي في مصر. وكان هذا طموحه حتّى وفاته سنة ( 430 هـ )، فانتقلت الشرافة إلى ولده ( شكر ) الذي توفي سنة (452 هـ ) وكانت له ابنة واحدة. وكان هذا سبباً في الصراع بين عائلتين من الاشراف هما السليمانيون ـ والهواشم ) ثمّ تولّى ( شرافة مكة ) رئيس الهواشم ( محمد ) الذي اشتهر بلقب ( أبو الهواشم ).
وفي سنة ( 598 هـ ) أُسدل الستار على امارة الهواشم بعد ان تغلب عليهم احد منافسيهم من الاشراف ويدعى ( قَتادة بن إدريس ). ومن بعد توالى العديد من الاشراف على ( شرافة مكة ).
وللاشراف في الحجاز دستورهم كما ورد في كتاب ( تاريخ الحجاز )، ومن فقراته التسع نقتطف ما يلي: ـ
1 ـ شاتم الشريف يُقطع لسانه.
2 ـ صافع الشريف تُقطع يده.
3 ـ الشرافة وراثية في الاسرة الهاشمية.
4 ـ إذا هم الشريف بقتل الشريف أو رفع عليه السلاح يُنفى من البلاد.
إن هذا القانون وان كان لم ينفّذ حرفياً إلاّ أنه حافظ على صيانة مكانة الاشراف في الحجاز.
ويأخذنا التاريخ عبر صفحاته المليئة بالاحداث والنزاعات ويتوقف بنا في محطة الهواشم لنبدأ رحلة اخرى مع ( السيّد الحسين بن علي ) وهو الأقدر والاشهر وافضل من تولى شرافة مكة، وهو ( شريف مكة الحسين بن الشريف علي عون بن الشريف محمد بن الشريف عبدالمعين بن الشريف عون بن الشريف محسن بن الشريف عبدالله ( امير مكة ) بن الشريف حسين بن الشريف الحسن ( ملك الحجاز ) بن الشريف محمد بن الشريف بركات ابن الشريف محمد ( ملك الحجاز واليمن ) بن الشريف الامير بركات الاول بن الشريف الحسن الثاني بن الشريف الامير علي بن الشريف رميثه ( شريف مكة ) بن الشريف محمد ( أبو نَمي الأول ) بن الشريف الحسن بن الشريف علي الاكبر بن الشريف قتادة بن الشريف ادريس بن الشريف مطاعن بن الشريف عبدالكريم بن الشريف عيسى بن الشريف الحسين بن الشريف سليمان بن الشريف علي بن الشريف عبدالله بن السيّد ثعلب بن السيّد عبدالله الاكبر بن السيّد عبد الإله الاكبر بن السيّد محمد الاكبر بن السيّد موسى الثاني بن السيّد عبدالله ( الشيخ الصالح ) بن السيّد موسى الجون بن السيّد عبدالله المحض بن السيّد الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط عليه السّلام.
وبتاريخ 24 تموز 1908م تمّ الإعلان عن الدستور العثماني، وكانت آنذاك شرافة مكة بيد ( علي بن عبدالله ) وهو ابن عم الشريف الحسين إلاّ أنه تريّث في تأييد الدستور المذكور، فصدرت الاوامر بعزله عن تولي الشرافة وتعيين عمه ( عبد الإله بن محمد ) بدلاً منه إلاّ أن الاخير كان في ( اسطنبول ) وكان طاعناً في السن وليس باستطاعته ممارسة الشرافة التي استقرت فيما بعد في بيت الشريف ( الحسين بن علي ) الذي لعب دوراً في اندلاع الثورة العربية.
والاشراف ـ كما تشير العديد من المصادر ـ يرجعون بانتمائهم إلى مضر من العدنانية ومن قريش، وينتمي إليهم عدد كبير من القبائل في العديد من البقاع، ويمكن تقسيمهم إلى فرعين:
1 ـ بقايا قريش.
2 ـ سلالة الإمامَين السبطَين ( الحسن والحسين ).
أوّلاً: بقايا قريش، ومنه الشُّعَب التالية: ( الشيبيون ) وهم سدنة الكعبة، ومنهم في ( منى والطائف )، اما قريش في ثقيف فليس منهم.
ثانياً: العبادلة في الحجاز وعسير، ومنهم الشريف الحسين بن علي وذووه وسلالته، ومنهم كذلك علي بن الحسين امير لزيمة. ومنهم الحارث وذووه في الحزمة.
ومن الاشراف من الابناء والاحفاد في العراق والحجاز والمغرب والجزيرة العربية والاردنّ وغيرها مما ليس بالامكان حصرهم أو الحديث عن سلالتهم الهاشمية العريقة.
ثم نتساءل: هل هناك من تمايز بين الشريف والسيّد ؟ إن الاشراف كما هو متعارف عليه في عدد من المراجع هم في الحقيقة يمثلون شريحة اجتماعية نجدها في الاقطار الإسلامية كافة، وهي ظاهرة تقديس واحترام الافراد الذي ينتمون بالانتساب إلى الرسول محمد صلّى الله عليه وآله، وأن ابناء هذا الانتماء يعتبرون طبقة متميزة ورفيعة المنزلة ومحوطة بالتقدير، ويطلق على الفرد من هذه الشريحة الاجتماعية ألقاب مختلفة في الاقطار الإسلاميّة. وعلى سبيل المثال يطلق على الفرد منهم في كل من العراق واليمن وماليزيا وإيران واندونسيا لقب ( السيّد ). أمّا في المغرب ومصر فيطلق عليه لقب ( الشريف ). وفي بعض انحاء الهند وتركيا فيطلق عليه ( مولى ). أمّا في الحجاز والجزيرة العربية فيطلق على ( الحَسَني ) لقب ( الشريف ) بسبب طول الفترة الزمنية التي مارس فيها الحسنيون نقابة الاشراف، ويطلق على الحسيني لقب ( السيّد ). ومن هذا يتضح لنا بجلاء أن الشريف هو من ينتمي بجذوره إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وان السيّد هو من كان من ذرية الأئمّة الاطهار أي من نسب النبيّ صلّى الله عليه وآله.
أمّا في العراق بشكل خاص فلقب ( السيّد ) يطلق على طبقة السادة من ذرية النبي صلّى الله عليه وآله ومن ذرية الأئمّة أهل البيت. وذلك لان من كان من ذرية الأئمّة الأطهار فهو من ذرية النبي صلّى الله عليه وآله بطبيعة الحال من حيث المكانة الجليلة لا من ناحية الانتساب المباشر، وان كان الأئمّة هم من احفاد الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله بارتقائهم إلى جدهم علي بن أبي طالب عليه السّلا وهو ابن عم الرسول الكريم وزوج الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السّلام. وهذه الحقيقة تجرنا إلى الاشراف من ذرية الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام، ومنهم.
أوّلاً: الاشراف في اليمن.
ثانياً: الاشراف في المغرب.
ثالثاً: الاشراف في الادراسة.

منقوول