بَرَزَنْچة
البرزنچية سادة، كما هو في الوثائق العلمية، من ذرية السيّد إسماعيل المحدّث الأبن الأكبر للإمام موسى الكاظم عليه السّلام. وينسبون إلى بَرَزَنچة ناحية بشمالي العراق تابعة لمحافظة السليمانية، تقع على الحدود العراقية ـ الايرانية. وتتركب من مقطعين: ( بر ) وتعني بالكردية جهة الامام، وزنج، الأرض الخضراء، ومن مزج المقطعين يصبح معنى برزنجة: الارض ذات الطبيعة الجميلة الدائمة الخضرة.
وكانت بَرَزَنچه تسمّى بعدة أسماء قبل أن ينزل فيها أجداد السادة البرزنجية، إذ تحدثنا الروايات التاريخية أن اسم برزنجة مرتبط بوجود وسكن أولئك السادة، ففي سنة 686هـ نزلها الشقيقان ( عيسى وموسى ) ولدا السيّد علي الهمداني الحسيني السائح ابن السيّد شهاب الدين يوسف، وبَنَيا فيها مسجداً كبيراً ما زال قائماً إلى يومنا هذا، وعندما بني المسجد تجمّع حوله القرويون وصار نواة قرية واسعة تسمّت باسم برزنچة سرعان ما طَغَت باسمها وقدسيتها على آثار ومعالم القرية القديمة، وقد صارت فيما بعد مركزاً للعلم والتصوف وذلك بعد انتشار أحفاد وذريات السادة البرزنچية.
ويروي الأخباريون أن والد السيدين ( عيسى وموسى )، وهو علي الهمداني يرتقي بنسبه إلى السيّد إسماعيل المحدّث العلوي الشهير مؤلف كتاب ( الجعفريات ).
أمّا سبب سكن السيدين عيسى وموسى في قرية برزنچة فاكثر الروايات تذهب إلى أنهما حين عودتهما من الحج أرادا أن يستريحا في تلك القرية ويستقرّا بعض الوقت. وأثناء نومهما رأى كل منهما رؤيا مفادها أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خطط لهما أساساً لمسجد حُفِر بجانبه عين ماء، ولمّا استيقظا تطابقت رؤيتاهما من الواقع إذ وجدا الأرض قد حُدِّدت والعين تتدفق بالماء العذب، فقاما من نومهما يضربان اللبن ويبنيان حائط القبلة وقد اندهش أبناء القرية لما سمعوا وعرفوا قصد البناء الجديد في قريتهم، فذهبوا يخبرون مرشدهم الديني ( الشيخ خالد الكازوائي ) وهو عالم جليل زاهد كما تخبرنا الكتب فقام مستفسراً عن صحة الخبر، فامتطى ظهر أسد وسار إلى حيث مكان الخبر، وحين رأى الشقيقان عيسى وموسى هذا المنظر العجيب صعدا على حائط القبلة وقالا بصوت واحد: ( باسم الله مَجريها ومُرسيها )، فتحرّك الحائط وسار بقدرة الله. وفي الحال تجمّدت فرائص ذلك الشيخ الجليل وهرول مسرعاً إلى القرية مستغفراً مردّداً أمام أهالي القرية: لا طاقة لنا إزاء هؤلا السادة، فهم أعلم مني. ثم ختم قوله: ذهبتُ إليهم أركب الوحوش فجاؤوني يركبون الجمادات! ولزيادة اعجابه ودهشته قام الشيخ خالد الكازوائي فأهدى ابنته إلى السيّد موسى وتزوّجها لكنه لم يعقب، لأنه بعد ان فرغ من بناء المسجد انطلق يرشد أبناء النصيرية في تلك المنطقة، فقُتل شهيداً. وبعد تسلّم شقيق عيسى جثته دعا على النصيرية ورئيسهم، ومضت ثلاثة أيام، وهجم عليهم جمع غفير من قبائل الهماوند فقتلوهم جيمعاً وجعلوا رأس رئيسهم ( شفيعة قدر )، وبعد ذلك دُفن السيّد عيسى شقيقا السيّد موسى في حجرة المسجد. وتزوج السيّد موسى بزوجته فأنجبت له اثني عشر رجلاً، كان أكبرهم السيّد عبدالكريم القطب الذي تنتهي إليه ذريات السادة البرزنچيين في العراق وإيران، وكل الوثائق التي في حوزة السادة البرزنچية تؤكد ذلك!
وفي مسجد برزنچة الذي بُني سنة 686هـ توجد مقبرة البرزنچيين الكبرى، وفيها يرقد ساداتهم وعلماؤهم وشيوخ طريقتهم الصوفية منذ زمن السيّد موسى وإلى يومنا هذا. والناس هناك تسمي تلك المقبرة بـ ( أهل لا إله إلاّ الله )، وتدور حولها ذكريات اعتقادية عديدة منها: أن ذكر كلمة التوحيد تنبعث من القبور الراقدة فيها وبخاصة في ليالي الجمعات. والمقبرة في رأي الأخباريين أكبر مزار من المزارات المبثوثة في شمالي العراق وأعظمها حرمة على الإطلاق.
وعينُ الماء بقيت تجري عذبة دفاقة منذ تاريخ بناء المسجد، وما زال الناس يأتون إليها من كل فجّ عميق تأخذ منها قدراً للاستشفاء وقدراً للبركة..!
أمّا عميد السادات البَرَزَنچية اليوم فهو الشيخ إبراهيم بن السيّد محمد بن الشيخ عبدالكريم بن السيّد حسين بن السيّد عبدالكريم بن السيّد عبدالقادر بن السيّد حسين بن السيّد محمود بن السيّد إسماعيل الولياني الذي يستمر نسبه صعوداً إلى ان يصل إلى السيّد إسماعيل المحدّث بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام.
ومن كبار زعماء البرزنجة الشيخ جعفر بن الشيخ عبدالكريم البرزنجي، والشيخ محمد الشيخ عثمان قلاكه ي، والشيخ كاكه الشيخ عبدالكريم، والشيخ سعيد الولياني البرزنجي. ومن رجالهم الدكتور شادمان البرزنجي والشيخ طيب السيّد محمد عثمان والشيخ معتصم سعيد البرزنجي.