محمود نائل يمكننا ان نستطيع تناول النقد الفني من ثلاثة نواحي مهمة هن: الناحية الفكرية والناحيه الاجتماعية والناحية الفنية ،وعلى الأساس يمكن لنا ان نستوعب ونميز النقد الفني، عن التذوق الفني. “ان النقد حدس وشفافية وخبرة تتجسد في التأثير الذي يولده الأثر الفني عند الناقد والإلمام بعناصر حيوية في جوهر الأثر الفني،والتمييز بدقة بين الأثر الفني بملامحه،وبين تجربة الناقد،نتيجة تأمله لذلك الأثر وسجنه داخل نفسه.” عرف الناقد قديما كونه كان يميز بين الحقيقي والمزَيف من العملة “النقود”فجاءت التسمية منذ ذلك الزمن،ولم تختلف التسمية في عصرنا عن ما جاءت به،لكنها تطورت لتشمل مجالات شتى من العلوم والفلسفات،ولاستحالة تزوير العملة في الوقت الحالي خصوصا العالمية منها ،ارتبطت هذه التسمية بكل ما يميز ويفرق ويظهر مساوئ وصفات الأعمال سوى الأدبية او الفنية او الفلسفية وحتى اللغوية والعلمية. الناقد في يومنا هذا ونعني به” الناقد الفني”قد بدء يقوم بعملية شرح وتفصيل الأثر الفني وفق معايير ومناهج ومدارس نقدية لها قواعد نظرية تستند عليها،تعددت مدارس النقد الفني ،بعدد المدارس والمذاهب الفلسفية والفكرية،حيث بداءت كل مدرسة نقدية تنظر لنفسها إنها الحقيقة في عملية تفسير العمل الفني”اللوحة”ولا يختلف الأمر كثيرا في الأدب،فقد ظهر المنهج الانطباعي الذي إعتمد على ذوق الناقد وإنطباعاته حول العمل الفني ،والمنهج التسجيلي الأكاديمي الذي يسجل على مبتدئي الفن أخطاءهم الأكاديمية وكان هذا المنهج يعتمد ،في معاهد الفن،لتقويم أعمال الطلبة وتطويرها،أما المنهج الإلزامي ،فكان يلزم العمل الفني بايدلوجية معينه ويعتقد بصحتها ويدعو الى الجهات التي يمثلها دينية،سياسية ،قومية،فكرية،والمنهج التطويري الذي يتناول المذاهب الفنية ،ثم يقوم بالبحث عن علاقة كل مذهب فني بسابقه في ظل نظرية “النشوء والارتقاء” للعالم الانكليزي “تشارلز دارون” ،وهذا المنهج أقرب ما يكون الى المنهج التاريخي الذي يتناول نتاج الفنان خلال مسيرة حياته وما مر به من متغيرات أثرت على منتجه الفني سلباً كان أم ايجاباً،أما المنهج الأكاديمي فهو منهج متطور ومتقدم من حيث عمره الزمني،ويعمل على إخضاع الأثر الفني للقواعد والأصول الفنية الذي يضعها نقاد الفن وفلاسفة الجمال وأساطين الفكر،أما الأحدث في المناهج النقدية يستخلص الجوانب الايجابية البناءة من تلك المناهج السالفة في الذكر،مع مراعاة روح العصر وطبيعة المجتمع ،ورغبات الفنان هو المنهج المتكامل،واذا أردنا أن نطرح تساؤلات ونقاط استفهام حول المناهج النقدية التي ذكرناها،لتمكنا من ذلك كون النقد الفني مرتبط بالفن، والفن مرتبط بالإبداع، والإبداع يرتبط بالتجديد والتجديد والتطوير،مما يجعلنا أمام مدارس نقدية جديدة في منهجياتها وأدواتها النقدية،باختلاف المدارس الفنية التي ستظهر في المستقبل، بمعنى كلما ظهرت مدارس ومذاهب فنية جديدة،ونستطيع ان نستشكل على أحد المناهج النقدية لاستطعنا،وبالأخص المنهج الإلزامي ،الذي يلتزم بقواعد وآليات منهجية يعتقد بصحتها،نستطيع بكل سهولة ان نشخص اكثر من مثلبة على هذا المنهج،واذا كان”هتلر” غاضبا وناقما على الفن ومعترضاً على المصطلحات الفنية مثل “التجربة الباطنية للفنان”و”الموقف الملحمي”و”الإرادة الانفعالية”بل تمادى في غضبه واعتراضه ،حيث اعتبر الفن صورة متخيلة لا مبرر لبقاءها في المستقبل لان المجتمع المتوافق مع نفسه سيكون بالضرورة في غنى عن كل إبداع فني ،وسيصبح الجمال واقعه المعاش ي مجتم المستقبل،لكن ما حدث للمجتمع الألماني عكس الخرافات التي قال بها “هتلر”فأصبح الموت والدمار والخراب،هو واقع المجتمع الألماني والمجتمع الأوربي بعد ان تولى “هتلر” سدة الحكم في ألمانيا،وخلف وراءه أكثر من خمسين مليون قتيل،واذا كان الحزب النازي معادي للفن ولا يرى ضرورة لبقائه ،لكنه رغم ذلك استولى على مدرسة”الباوهاوس” العمارة،واتخذ من بعض الفنانين مؤيدين له ،أمثال “،اميل نولدة”،وهذا ما شارك الماركسيون النازيين فيه،حيث احتقروا الفن وازدروه واعتقد الماركسيون بعدم أهمية الفن في الحياة كونه جانبا من الترف بعيد عن الواقع ونستشهد بقول احد المفكرين الروس “بيساروف”حيث قال:اني لا أؤثر ألف مرة من ان أكون اسكافيا روسيا ،عن أكون رفائيل “ان هذا التعالي على الفن من قبل الماركسيين جاء بسبب توجههم نحو العمال والحياة الصناعية التي لا تنمي الإحساس بل تحسره وتتوجه نحو المادية،المبنية على الطاعة والعمل،متناسين ان الفنان مروًج وشارح للحياة اليومية والواقع الاجتماعي بل مشخص في أحيانا كثيرة لكل السلبيات في المجتمع،ويمكن للفنان ان يقوم بدور ناثر البذور للديمقراطية وزارعها وجاعلا من الممكن لكل إنسان ان يرى العالم من زاويته،وقد ساعد الفنان في ذلك الناقد الفني الذي يقوم بتحليل الأعمال الفنية وشرحها وتوضيحها وجاعلا من الفن متاح لأي إنسان بعد ان كان حكرا على المترفين الذين يتخذون من الفن حلية للتباهي بها،فقد قال الفيلسوف الألماني “شوبنهاور”:ان الناقد يعيرنا ناظريه لنبصر العالم”بينما كان لعالم الجمال “شارل لالو”رأي آخر حيث اعتبر الناقد الفني من العوامل التي مهدت الطريق لظهور فلسفة الجمال ،بينما كان الفيلسوف الايطالي “بندتو كروتشه” يرى بالناقد فنان وفيلسوف من خلال قوله:ان الناقد ليس فناناً يضاف الى فنان،بل فيلسوف يضاف الى فنان”. إن الآراء السالفة الذكر تمثل رأي ثلاثة من اهم فلاسفة الجمال العصر الحديث حيث اعتبروا الناقد شارحاً ومحللاً للعمل الفني من جهة وفيلسوف وفنان من جهة أخرى،وهذا ما كان يعتقده “روشنبيرغ”بأن الناقد مفسراً وشارحا للجديد من الأشكال الفنية التي يستعصى على المتلقي فهمها،وعلينا فهم المادة التصويرية بكلمات تنيط اللثام عن التصورات والحجج التي تختبئ الصورة الحلمية خلفها،وهذا ما أعترض عليه الفيلسوف الفرنسي “جان فرانسو ليوتار”بقوله :إننا لا نرسم لنتحدث ،بل العكس نرسم لكي نصمت ” فالنقد الفني هو الذي يحلل العمل الفني سوى كان لوحة أو قصة أو قصيدة،……..بالنظر الى جزئياته وتفصيلاته بغية الحكم عليه”وهذا ما يعرف بالتفكيك”من جهة النقص والكمال مستمداً في ذلك مبادئ ومناهج علم الجمال. من الممكن أن يكون الفن لهواً ونزوةً وترفاً،لكن النقد لن يكون أهواء ورغبات ومتاهة في غياهب التأملات ،وإننا نرى في الناقد واسطة بين العمل الفني والمتلقي”المتذوق”يفسر ويشرح ويحلل ويستنتج من العمل الفني ،وللمتلقي”المتذوق”حق الرضا والقبول أو الرفض والنكول.

أكثر...