محمود نائل إن الفن الأمريكي رغم تاريخه القصير بالمقارنة مع الفن الأوربي ،إلا أنه استطاع أن ينهج منهجه الخاص به،واستقلاليته الخاصة ايضاً في تجربته الفنية وأننا إذ نقول ذلك لكون الفن الأمريكي إستطاع ان يُخلد ويوظف ويستخدم في مواضيعه، الحوادث ،مستخدما الأدوات ومخلفات البيئة على حد سواء ،مما جعله فن أمريكي خالص ،لكن بتأثيرات (أوربية ـ انكليزية) ولعل من العوامل التي أدت الى إيجاد فن ( البوب ـ آرت ) لم تكن عالمية،بل كانت لها علاقة وثيقة بالحضارة ،والثقافة الحضارية في بريطانيا وأمريكا في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية،والفنانون الذين كانوا على صلة بهذه الثقافة ،هم فقط من استطاعوا ان يلتقطوا خيوطها وفكرتها،وهذا الاسلوب من بين الأساليب المتوقعة بعد الحرب العالمية،مما جعل من أمريكا قبلة ورتعا للفنانين العالميين،وليس من المبالغة اذا الادعاء بان فن (البوب ـ آرت) قد أدى الى بناء أو إعادة بناء تاريخ الفن الامريكين وقد وجدوه الامريكين انعكاسا حقيقياً للمجتمع الذي يحيط بهم،هذا ما جعل الفنان الأمريكي(دافيس) يقول:أنا أصور ما أرى في أمريكا،أي إنني أصور بمعنى آخر المجتمع الأمريكي،كون فن البوب في أمريكا كان يرتبط بطبيعة الظروف الاجتماعية للمواطن الأمريكي . إن انتماء الفنان الأمريكي الى هويته الوطنية والى حضارته ،جعلت منه فنان راسخ يعرف ما يريد فعله وعمله،فكان الإبداع والأصالة طريقهم نحو صنع خارطة طريق أمريكية في الفن العالمي ،لكننا لا نستطيع ان ننكر إن الانكليز قد سبقوا الفنانين الأمريكان الى ذلك لكنهم لم يكونوا بذلك التطور الفني الأمريكي فن البوب،فكانت بداية فن البوب في إنكلترا ونشأ عن طريق سلسلة من المجادلات التي عقدت في معهد الفنون المعاصرة في لندن،على أيدي مجموعه أطلقت على نفسها اسم “المجموعة المستقلة”وكانت تضم مجموعه كبيرة من الفنانين والنقاد والمصممين والمعماريين من المشاهير وقتذاك،ونذكر منهم (إدورد، بالولتسي، اليسون،بيتر سمثون، ريتشارد ) وأقامت هذه المجموعة معرضا في عام 1965 يحمل عنوان “هذا هو الغد”. كان  فن البوب قد ظهر كاتجاه مضاد للتعبيرية التجريدية ،لمل فيه من وضوح وسهولة فهم ،هادفاً تغيير المجتمع حيث اوجد طريقة خاصة لرؤية الحياة لدى الفنان ،وإنتاج أعمال تقوم على أعمال موضوعات اجتماعية لا تتنكر لروح العصر، وقد عبر هذا الفن عن الشعور الدفين والحاجة الماسة للتغير على يد مجموعه من الفنانين الراغبين بتغير الواقع الفني المصاحب للقيم الموروثة والثابتة،الداخل عليهم من الخارج ـ من خارج أمريكا ـ واستطاعوا ان يصنعوا مدرسة فنيه أمريكية بمواضيعها وأهدافها ،وجمالها، وقد نجحوا في ذلك ،وقاموا بنقد المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي ،وقد استطاعوا فناني فن البوب من ان يوظفوا ويستخدموا في أعمالهم كل ما هو محتقر مع الإصرار على الوسائل الأكثر تداولاً وأقل جمالية فنية،والأكثر شهرة في مجال الإعلام ـ أي المنتجات الأكثر استهلاكاً من قبل المجتمع الأمريكي ـ واستطاعت مجموعه من فناني( البوب ـ آرت) نذكر منهم ” لخنتشاين ـ توم ويسلمان ـ جورج سيكال ـ جاسبر جونسان ـ روشنبروغ ـ ليناندرـ”من خلق أو صنع علاقة جديدة بين الخامات الجاهزة الصنع ،مستخدمين نفايات وأدوات مستهلكة،في عمل وتوليف أعمال فينة مجسمة،وإستخدام الصور واللغة المكتوبة بدلالاتها الرمزية في إحداث علاقة تبادلية بين الجمهور والعمل الفني ،وفي الجانب الفكري كانوا يجعلون من الثقافة الشعبية الجديدة،من أهم أفكارهم في العمل الفني،ولكي يعبروا عن المجتمع الصناعي ،وهذا ما أعرب عنه الفنان الأكثر أهمية في أمريكا “روي لخنتشاين” حيث كان يرى في واقع مجتمعه موضوع العمل الفني ولا تتضمن أعماله سوى الواقع المعاصر،كما في تقنية النماذج والألوان المسطحة،حيث المضمون لا يروي أهدافا متتابعة لقصة ما ،لكنه يحول هذه الأحداث الى صورة كبيرة بمثابة الإيقونة المعاصرة، ويعد هذا المفهوم الفني مرتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الاجتماعية للمواطن الأمريكي ،كما يرتبط بسذاجة هذا العالم،السذاجة التي تشكل احد أهم مظاهر بل أحد ثوابت التعبير الفني الأمريكي، ومواضيع فن البوب كانت ذات طابع اجتماعي تجاري لا تثير مشاعر وأحاسيس المتلقي(المشاهد)حيث كانت مواضيعه لا تحمل أشكال تُثير العواطف والمشاعر لدى المتلقي،بل كان الهدف لفن البوب هو الانتقال الى عقلية المستهلك الأمريكي عن طريق الشعارات الدعائية التي تنطبع بعقلية المواطن الأمريكي المستهلك نكي يقوم بتسويق المنتجات والسلع التجارية ،وكانت الألوان المستخدمة في لوحات فن البوب هي شبيهة بألوان الملصق لكن بطريقة تُثير انتباه المواطنين الذين يشاهدون هذه الألوان الدعائية والزاهية البراقة اللافتة لنظر المتلقي “المشاهد” هذا ما يدل على ان فن البوب قد كان يهتم في مجاله الأول هو المواطن ،المتلقي،المتذوق،من اجل ان يكون فناً شعبياً ،وهذا مايدل عليه من تسميته “البوب ـ آرت” مشتقة من كلمة “popular” أي “الشعبي” أي ان يكون فن العامة من الناس ويستطيع قراءته جميع المواطنين أي الشعب الأمريكي ،حيث نجح في ان يقدم أعمال فنية رائعة من مخلفات بيئتهم تتلاءم مع روح العصر الأمريكية التي اعتبرت المجتمع الأمريكي وما يعانيه أول أولوياتها،وقد جاءت هذه التسمية على لسان الناقد الانكليزي “لورانس الوي”ما بين عامي ( 194 ـ 1957) للتعريف بأعمال جماعة المستقلين من الفنانين الشباب المعارضين للفن اللا شكلي، وقد نجحت هذه المجموعة من الشباب بإنتاج مدرسة جديدة في الفن ،وكان لها صدى واسع في الساحة الفنية العالمية وانتقال الفن من المشاعر والأحاسيس الى السذاجة والبساطة في الفهم بين الصغار والكبار ،ومن النخبة الى العامة من الناس ،حيث كان فن البوب يزين شوارع الولايات المتحدة الأمريكية بالغريب والمدهش من الأعمال الفنية التي تدهش المتلقي من خلال ألوانه الزاهية البراقة ،ومواضيعه البسيطة والقريبة من المواطن لا من الفنان ،وهذا لا يعني إن فن البوب غير ممتع وجمالي ورصين بل على العكس تماما فقد انزل الفن من برجه العاجي إلى عموم الناس ،وما أحوجنا اليوم إلى ولادة فن جديد يعيد الفن إلى الساحة الحياتية اليومية بعد ان اجتاحت العلوم التقنية الحياة الاجتماعية بتطوراتها المتتالية .

أكثر...