محمد واني يعد البعض سقوط الخلافة العثمانية في عام (1924)، بداية النهاية للحضارة الإسلامية ونكبة كبيرة ولعنة أصابت الأمة الإسلامية المعاصرة وهي تتعرض للانتكاسات المتواصلة والهزائم المستمرة منذ ذلك الحين، وتعيش حالة من الانقسام والتشرذم العرقي والطائفي لم تشهد لها مثيلا من قبل. وإثر الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي المقسم، انكفأ المسلمون على أنفسهم واكتفوا باجترار أمجاد حضارتهم الغابرة لفترة من الزمن، ثم ظهرت أحزاب وحركات تحمل طابعا إسلاميا سياسيا معاصرا لمواجهة الحركات الليبرالية القومية الصاعدة التي قفزت إلى الحكم نتيجة الانقلابات العسكرية بدعم غربي مباشر (صرح «علي صالح السعدي» الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وأحد القيادات الأساسية لانقلاب 8 شباط عام 1963 على الزعيم عبدالكريم قاسم «بأنهم جاؤوا إلى الحكم بقطار أمريكي»)، واستمر الصراع بين الحركات الإسلامية الطامحة إلى تولي الحكم وإعادة أمجاد الخلافة الإسلامية، ولكن من دون أن يكون لها برنامج سياسي واضح واستراتيجية مكتملة لإدارة البلاد رغم رفعها شعار «الإسلام هو الحل» دون ذكر التفاصيل المهمة التي لا بد منها لإظهار جوانب من هذا الحل المطروح. وظل هذا التخبط ملازما لأهم الحركات الإسلامية وهي جماعة الإخوان المسلمين حتى وهي تتولى شؤون الحكم في أكبر دولة عربية وهي مصر، وبين الحركات القومية التي جاءت إلى سدة الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، حتى وصل الصراع بين الطرفين إلى أشده في زمن «جمال عبدالناصر» الذي نكل بالعديد من قيادات الجماعة، وأجهض أحلامهم في قيادة البلاد. إذن العالم الإسلامي انشغل منذ سقوط الخلافة ولفترة طويلة بنهجين سياسيين وفكريين مختلفين تمام الاختلاف؛ نهج إسلامي يخوض صراعا مريرا من أجل الوصول إلى الحكم، ولكن من دون أن يمتلك برنامجا سياسيا واضحا ينسجم مع مستجدات العصر، وبين نهج سياسي «انقلابي» يحكم بالحديد والنار ويكرس سياسة دكتاتورية في المنطقة، والصراع المرير الطويل بين الطرفين أهدر الكثير من طاقات الشعوب العربية والإسلامية وأضاع عليها فرصة لمواكبة التطور المعاصر.. وإن كان الصراع قد انتهى لصالح الحركات الإسلامية أخيرا عقب اندلاع ثورات شعبية سميت بالربيع العربي، وتوليها الحكم في عدة بلدان مهمة في المنطقة كـ»تونس ومصر وليبيا» ولكن برزت نفس المشكلة الأزلية التي عانت منها هذه الحركات طويلا وهي عدم وجود برنامج سياسي لإدارة البلاد! وهي نفس العلة التي صاحبت نظام الحكم والإدارة في الدولة العثمانية في مراحلها الأخيرة وجعلته تحت رحمة ووصاية الدول الغربية لعقود طويلة قبل سقوطها الرسمي، هذه الدولة التي حكمت أكثر من ستمئة عام (تأسست عام 1299) أصبحت عاجزة عن إدارة مدنها وولاياتها المترامية الأطراف والدفاع عنها من هجمات الأعداء الغربيين التاريخيين الذين استولوا على ممتلكاتها واقتسموها فيما بينهم وفق اتفاقية سميت باتفاقية «سايكس بيكو»، رغم أن سقوط الخلافة العثمانية جاء طبيعيا وبعد معاناة طويلة مع المرض والشيخوخة الحضارية والركود الفكري والاقتصادي استمر زهاء القرنين وفيها «فقدت الإمبراطورية العثمانية المقومات التي بنت على أساسها إمبراطوريتها الواسعة، إذ أخذت بوادر الضعف تظهر عليها منذ أواخر القرن الـ 16م، حيث تعرضت لهزائم عسكرية متتالية، ففرضت عليها مجموعة من المعاهدات اقتطعت أجزاء مهمة من ترابها ..» .. وأخيرا وبعد تفاقم الأزمات في الداخل والخارج، استسلمت الإمبراطورية التي شغلت البشرية لمدة ستمئة عام لقدرها وأعلنت عن نهايتها المحتومة بعد أن ظلت تقاومها لفترة من الزمن.. وفعل سقوط الخلافة فعله في نفوس المسلمين وشيوخ بعض الطرق الصوفية، فقاموا بثورات شعبية ضد الحكام الجدد من القوميين الأتراك بزعامة «مصطفى كمال أتاتورك» ومن أهم هذه الثورات، ثورة «الشيخ سعيد بيران الكردي النقشبندي عام 1925» في مدينة «ديار بكر» التركية في مسعى لإعادة الخلافة إلى الحكم، ولكن الثورة فشلت وأعدم زعيمها.. وما زالت بعض الحركات الإسلامية المعاصرة تعمل من أجل إحياء فكرة «الخلافة»، وقد فاجأ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين «محمد بديع» الشعب المصري وربما العالم جميعا بإعلانه أن الجماعة صارت قريبة من تحقيق غايتها العظمى، ألا وهي إقامة الحكومة والخلافة الإسلامية التي حددها حسن البنا مؤسس الجماعة.. ومن جانبه أعلن تنظيم «داعش» عن دولة الخلافة بعد هيمنته على «الموصل» العراقية بالقوة، ودعا العالم إلى الاعتراف بالدولة الجديدة! عن جريدة مكة الالكترونية      

أكثر...