مدينة مدائن العراقيه - البارثيون

مدينة مدائنالعراقيه - البارثيون




البارثيون



البارثيون أو الفرثيون شعب من الشعوب الإيرانية القديمة (عرفوا في البداية باسم برني Parni) استقر بعد ترحال في منطقة بارثية Parthia (خراسان) التي تؤلف الجزء الشرقي من إيران، وتمكن من التخلص من السيطرة السلوقية خلال القرن الثالث قبل الميلاد، وإقامة حكم أرستقراطي إقطاعي بزعامة أرشاك أو أرشاق Arsakes زعيم إحدى قبائلهم الذي أسس سلالة ملكية حاكمة عرفت باسمه (الأرشاقيون)، دامت ما يقرب من خمسة قرون. وقد عُرف ملوكها في المصادر التاريخية العربية باسم «ملوك الطوائف».


أصل البارثيون

إن بدايات تاريخ البارثيين غامضة بسبب قلة المصادر. ولكنها بدأت تزداد مع ارتفاع شأنهم بعد قيام ميتراداتس الأول (171-138ق.م) بحملة نحو الغرب احتل إبانها مقاطعة ميدية وأجزاء من بلاد الرافدين، واحتل عام 141ق.م مدينة سلوقية دجلة.
تعزّزت السيادة البارثية على بلاد بابل خلفاً للسلوقيين في عهد أرطبان الثاني «أرتبانوس» عند اليونان (128-124ق.م)، وشهدت مملكتهم ازدهاراً واتساعاً في عهد ميتراداتس الثاني (123-88ق.م)، وصار الفرات منذ عام 66ق.م حدّها الغربي مع الامبراطورية الرومانية.
شهدت المملكة مرحلة ضعف في أواخر عهد ميتراداتس الثاني، فاستغل ذلك ديكران ملك أرمينية (95-55ق.م) وسيطر على مناطق لهم. ولكنهم استعادوا قوتهم في عهد أفراط الثالث «فرآتس» (70- 58ق.م)، وتحالفوا مع الرومان على ديكران وهزموه. ولكن تحالفهم مع الرومان لم يدم طويلاً بسبب الخلاف حول مناطق النفوذ، ودارت رحى معركة بين الطرفين قرب حرّان (الرها Edessa) انتهت بإبادة الجيش الروماني والاتفاق على جعل الفرات حدّاً بينهما.
مرت المملكة البارثية في المرحلة التالية بحالة اضطراب وضعف، سببها الصراع داخل السلالة الحاكمة وظهور تيارات معارضة لها. وقد انعكس ذلك في كثرة تبدّل الملوك واستقلال سلوقية دجلة سبع سنوات (36-42) وتعرض الحدود الشرقية إلى اعتداءات، واستقلال بعض المناطق.
استمر ذلك في القرن الثاني الميلادي، واستفاد الرومان منه. فقد انتزع تراجان مدينة دوراـ أوروبوس (الصالحية) منهم عام 113، وسيطر على بابل وسلوقية دجلة وطيسفون (115/116)، لكن خليفته هادريان تخلّى عنها في مطلع حكمه (117).
قاد الرومان إبان حكم ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius حملةً على البارثيين في أرمينية (162/163ق.م)، وأوصلوا إلى الحكم أسرة موالية لهم، ثم ساروا مع الفرات إلى بلاد بابل واحتلوا سلوقية دجلة في أواخر عام 165 وخربوها ثم انسحبوا منها. وفي عام 198 دمّر سبتيموس سيفيروس Septimius Severus مدينة طيسفون، وتوزعت قواته في بلاد بابل. وفي العام التالي عقدت بين الطرفين معاهدة سلام.
ظهرت بوادر نهاية المملكة البارثية في الجانب الآخر (الشرقي) منها، ففي إقليم فارس ـ الذي كان يتمتع منذ قرون بحالة شبه مستقلة عن المملكة البارثية ـ نهضت أسرة من سلالة ساسان، وتمردت منذ نحو 220، ووجهت حملات مؤثّرة إلى مناطق المملكة المركزية، وكانت خاتمتها الفاصلة في تاريخ إيران[ر] حملة خريف 224. وفي 226 توّج الساساني أردشير نفسه على العرش في طيسفون وأنهى السيادة البارثية في بلاد بابل.
امتدت المملكة البارثية من الفرات غرباً حتى الهند شرقاً، إذ تمكنت من بسط نفوذها على الممالك الهندية ـ السكيثية. ولكنها كانت تواجه تهديداً مستمراً من قبل شعوب السهوب الشرقية في آسيا الوسطى وخاصة من قبل الساكا السكيثية والقبائل التوخارية (الطخارية)، وقد سقط بعض الملوك الفرثيين قتلى إبان المعارك معها.
عدّ البارثيون أنفسهم ورثة الأخمينيين[ر] وادعوا الانتساب إليهم، واتبعوا في مملكتهم نظاماً مزيجاً من التقاليد الإيرانية والهلنستية، لكن السلطة المركزية كانت ضعيفة ومهلهلة، وذلك أن الأسر الأرستقراطية الإقطاعية الكبيرة كانت تتحكم باختيار الملك وتتوارث أهم الوظائف والقيادات. قُسمت المملكة إلى مقاطعات كبيرة يحكمها قواد عسكريون وولايات يحكمها ولاة (ستاربة). بينما كانت المدن الإغريقية تتمتع بحكم ذاتي يحد منه وجود ضابط وقاض ملكي. أما عن عواصم البارثيين فكانت أولاها هيكاتومبيلوس الواقعة في خراسان، ثم انتقلت إلى اقباتان (همذان) في ميدية، وصارت منذ القرن الأول ق.م طيسفون الواقعة على نهر دجلة.
كان البارثيون يتكلمون اللغة البهلوية (البارثية) وهي إحدى اللهجات الإيرانية الشمالية. ولكنهم استعملوا اللغة الإغريقية في مراسلاتهم مع المدن الإغريقية. واستخدموا علوم الإغريق وأساليبهم الإدارية. كما استخدموا التقويم السلوقي إلى جانب تقويمهم البارثي، الذي يبتدئ من تأسيس السلالة الأرشاقية في عام 247ق.م.
اعتنق البارثيون الديانة المزدكية الإيرانية الشعبية، لكنهم كانوا متسامحين مع الديانات الأخرى.
إن الآثار البارثية التي عثر عليها في إيران[ر] قليلة، أبرزها هياكل النار الحجرية في برسيبوليس ونورآباد ومشاهد منقوشة على صخور (صخرة تانجى سرواك).


أما في بلاد الرافدين فقد كشف عنها في مواقع عدة أبرزها:
1ـ أوروك (الوركاء): كشف فيها عن مبانٍ سكنية وثلاثة معابد بارثية هي:
أ- معبد صغير في الساحة الجنوبية للمبنى «بيت ريش».
ب- معبد الإله ميثرا (المخلّص) Mithreum، وهو عبارة عن مبنى نصف دائري Apsis.
ج- معبد جاريوس Gareus في جنوبي المدينة.
2ـ نيبّور (نُفَّر): ضمت ثلاث سويّات من العصر البارثي، من آثارها:
أ- معبد صغير في القسم الشرقي من المدينة.
ب- «القصر الصغير» في وسط القسم الغربي. تتوسطه ساحة ذات أعمدة من الآجر المشوي. ويختلف الباحثون في تأريخه بالعصر السلوقي المتأخر أو البارثي المبكر.
3ـ بابل: ظهرت فيها سويّات بارثية ضمن الشواهد المعمارية القديمة، كما كُشف عن:
أ ـ قلعة بارثية في أقصى الشمال.
ب- مبنى شمال معبد عشتار يشبه معبد جاريوس في أوروك.
ج- آثار ميناء بارثي متأخر كان يستخدم عند جزر مياه الفرات.
د- قبور متفرقة ومقبرة كبيرة في شرقي المدينة (تل حُميره) وبيوت سكنية كثيرة.
4- سلوقية دجلة (تل عمر): كُشف فيها عن معبدين بارثيين يتصل بهما مسرح، وعن أبنية ودمى طينية وقطع فخارية. اتسعت هذه المدينة خلال العصر البارثي في الضفة اليسرى لدجلة، حيث نشأت مدينة طيسفون (المدائن).
5- حطرا (الحضر): ابتكر البارثيون أسلوباً جديداً في تصميم مخططها على شكل دائرة يحيط بها سوران في كل منهما أربع بوابات. كُشف فيها عن عدة معابد أهمها معبد الشمس وعن قصر ذي سقف مقبّب زُيّنت جدرانه الخارجية بوجوه بشرية منحوتة نافرة.
6- دورا ـ أوروبوس (الصالحية): أُعيد فيها بناء معبد أرتميس، وبني معبد للإلهة أترجاتيس (31م) وآخر للإلهة أزّانا ثكونا وسبعة معابد أخرى. وكُشف فيها عن عدد من المنحوتات الطقسية التي يظهر فيها تأثير الفن التدمري بوضوح.
تأثر البارثيون بادئ الأمر بالحضارة الهلنستية تأثراً كبيراً، ثم برز بينهم تيار مشبع بالروح الإيرانية الشرقية دعا إلى نبذها. وبقيت حضارتهم ممتزجة بملامح هلنستية وبابلية آشورية قديمة.
يتمثل الطابع الفني البارثي الخالص في خصوصية أشكال الأشخاص المصورين، وتميّز أزيائهم وزيادة الاهتمام بجماليتها. كما تظهر في شواهدهم المعمارية عناصر وأساليب فنية متميزة.
تركت أعمالهم الفنية تأثيراً واضحاً في الفن الساساني، وهي تعدّ مرحلة أساسية من تاريخ الحضارة الإيرانية.


منقول