أجرى اللقاء الأديبة د.سناء الشعلان حنون مجيد محطّات وإبداعات:حنون مجيد أديب عراقيّ،من مواليد عام 1939 في محافظة ميسان العراقيّة،يحمل بكالوريوس في التّربية وعلم النّفس،مارس التّعليم لأكثر من ربع قرن في مدارس ميسان وبغداد،هو تربويّ وقاص وروائي ومسرحي وكاتب للأطفال،كم شغل منصب مسؤول الصفحة الثّقافيّة في جريدة طريق الشّعب العراقيّ،وهو يشغل الآن منصب تحرير سلسلة الموسوعة الثّقافيّة.له الكثير من الإصدارات الإبداعيّة،منها: تعاقب الفصول،البحيرة،الطائر،لوحة الفنان،تاريخ العائلة،لحظة الشباك،المنعطف،مملكة البيت السّعيد،الخيانة العظمى،حجز غزّة،وعدد كبير من قصص الأطفال،مثل:مغامرة في ليل الغابة،ديكو يتزوّج جيجي،وغيرها. * بماذا استفاد حنون مجيد الأديب من حنون مجيد التّربويّ؟ # أسمحي لي يا سيدتي أن أحييك وقراءك الكرام أولاً…حقاً تلازمت الشخصيتان تلازماً زمنياً يكاد يكون عضوياً. فلقد تخرجت في دار المعلمين الإبتدائية وعينت معلماً في أحد أرياف مدينة العمارة عام 1961 من القرن الفائت وكنت عرفت الأدب وكتابة القصة منه، منذ ذلك الزمن. كنت نشأت أولاً في ريف من أرياف هذه المدينة الجنوبية الزاخرة بالماء! ثم غادرتها الى بغداد عام 1948 تلميذاً في الرابع الابتدائي لأعود اليها طالباً في الصف المنتهي من دار المعلمين لاسباب سياسية، ثم معلما فيها كما أسلفت. في حياتي التربوية مررت بثلاث محطات؛ العمارة مركز ميسان، الكوت مركز واسط وبغداد مركز العراق، ولربما كانت تجربتي في العمارة من أغنى تجاربي في الحياة أولاً وفي الإفادة من ذلك أدبياً، فلقد كانت عودتي الى مدينتي إستقاءّ لموضوعات قديمة، لامست عيني وقلبي مذ كنت طفلاً أقطع طريقي الى مدرستي البعيدة عبر حقول وانهار وفلاحين مبكرين وأغنام وابقار وحمير وخيول وسماء كانت في نظري البريء اجمل سماء، أثرت تجربتي القصصية لكثرة ما انطبع في عيني ثم في ذهني من أجواء وألوان وبشر وقيم وعمارة جميلة من القصب والبردي وملابس وفقر وجوع، في ذلك العالم كان التداخل بيني طفلاً سابقاً ورجلاً معلماً يمارس أبوته وتعليمه على من كان بسنهم يوماً، يغذي عالمي القصصي بموضوعات لا يعرفها إلا من عاش هناك، من ذلك قصتي للأطفال” البقرة الصفراء” عن طفل يقبض على ذيل بقرته ليعبر النهر هرباً من الفلاح الذي رعت البقرة في حقله وقد تهددها بمنجل يبتغي فيه قطع ذيلها. ومن يعد إلى قصتي “البحيرة” التي حملت عنوان مجموعتي الثانية، يتبينْ حجم الإفادة من عالم الهور وما يكتنف من أسرار وأحداث ومفاجآت. إن عالم الطفولة الذي كان جزءاً من عالمي النفسي بفعل عملي فيه، مهاداً زاخراً لكثير من قصصي، ولعل قصص مثل ” الدرس” و “أبغض الحلال ” من مجموعتي الأولى ” تعاقب الفصول” و”العربة” من مجموعتي الثانية ” البحيرة” أبرز ما يمكن أن يعلّم قصصي بعلامات العلاقة بيني قاصاً ومربياً فضلاً عن قصص أخرى لا يتسع لها الحديث، جاءت في قصص قصيرة جداً أو للأطفال. * هل السّرد هو طريقتك الجميلة لتأثيث هذا العالم القبيح والانتصار على لؤمه وإكراهاته وقسوته؟ # مشكلتي أنني أحب العالم، برغم ما تعرضت له فيه. فتحت عيني الواسعة على اواخر الخمسينيات واوائل الستينيات، واوائل الانتماء السياسي الذي كان بالنسبة لي مثل أغنية عذبة طموح. كانت بغداد هي الاجمل في معظم محيطها الداخلي والخارجي.. في هذه المساحة الزمانية والمكانية عرفت القراءة الجديدة والمكثفة بعد ان فتحت ثورة 14تموز 1958 مكتبات العراق لكل طارف وتليد كما يقولون من كتب الشرق والغرب، فعرفنا الادب الواقعي الاشتراكي والوجودي وكتب السياسة والفلسفة والرأي، مثلما عرفنا الفن الغنائي، المقام العراقي المبهر والغناء العربي المصري العظيم والسينما العالمية والمسرح العراقي الجاد والأخاذ، وعشنا الشارع البغدادي بزهوه الوطني واحتفالات ساحاته بالمناسبات والاعياد…وكل ذلك كان يتنامى في احاسيسنا واخيلتنا برغم ما تعرض له البلد من نكسة دموية في 8 شباط 1963، كنت واحداً من ضحاياها. وأغلب الظن أن ما كان يسودنا هو أننا إن قهرنا فلا يعني ذلك أننا هزمنا، فمن أعظم اسرار الانسان تجدده ولا موته… كانت الحياة تتجدد في الدرس والتعلم الجامعي والزمالات والصداقات وفسح النفس في الرياضة والاغنية والآمال التي ظلت حية، وكأننا الحادلة التي تسحق الأرض لتسويها أو المطرقة التي تصفّح الحديد. واغلب الظن كذلك أن هذا نابع ليس من نفسي وحدها وإنما من علاقاتي الكثيرة ونوع صداقاتي الجميلة الأخاذة، كل ذل ذلك ظل يلازمني كالتثبيتات الطفولية ليقاوم بصلابة وجلد، سياط التعذيب والتحقيق والسجن وسحق العظام.هل يمكن القول؛ أن السرد لدي تأكيد على جمال العالم الذي فيه المرأة والشعر والموسيقى والطفل والفعل البطولي، وإنني ما زلت أترنم بهذا البيت الشعري الذي حفظته منذ الستينيات ” ؟ العالم طيب إني أبارك على الحياة”؟ هل كان لرامبو؟ ذاكرتي تقول ذلك وليتها صدقت. * هل قادك العمل التّربويّ إلى أن تكتب في أدب الأطفال؟ # أدب الأطفال لون خاص في السرد، قد يكون الأصعب، ولا يكفي للكاتب أنه كان يوماً طفلاً ولا لأنه كان تربوياً أساساً. ليس من شك في العلاقة بالأطفال تستحث طفولتك وما فيها من رغبات وأولاع، لكن الامر لا ينتهي هنا بقدر ما ينتهي عند الصياغة الفنية لما تعرف أو تستيقظ عنه ذاكرتك. في حياتنا العراقية أن أغلب صاغة الذهب من الأخوة المندائيين، لكن ليس كل مندائي صائغاً. أعتقد أن قصة الطفل صنعة مبكرة في نفس الإنسان شأنها شأن كل قصة، لكن الحس المرهف وجمال النفس والقدرة الصياغية المتقنة وسعة العين اللاقطة واستعدادات الفطرة المدربة، ولفتات الموضوع واللغة الحاذقة الطروب، هي جميعا في انصهارها ببوتقتها الذهبية ما ينتج قصة للاطفال فضلاً عن المسؤولية النفسية والتربوية. ربما كان من حظي أنني كنت معلماً لأفيد من عالم الطفولة الذي أحاطني، ولكن لعل حظي الاعظم أنني جدّ ولي أحفاد أقص عليهم قصصاً ما ألبث أن أنهض سريعاً لأدونها. * تكتب في أكّثر من جنس إبداعيّ.ففي أيّ منها تجد نفسك بحقّ؟ #  إذا كان السؤال الخالد ماذا تريد المرأة والعهدة على من قال ذلك، فهذا هو السؤال الخالد كذلك. ولما كان لكل سؤال جواب، فإنني أعتقد إنه الجنس الذي أبدع فيه. ولما كان من علامات شعوري بدرجة إبداعي فرحي وسعادتي في العمل الذي أكون أبدعت فيه، يكون هو الأقرب، فالمسألة لا تحسم قبلاً بقدر ما تتعلق بزمنها حينما تتجلى فيها قدرة الإبداع. ليس من شك في […]

أكثر...