د. صبحي ناظم توفيق منذ أشهر عديدة ونحن نستمع إلى تصريحات يطلقها مسؤولون عراقيون وقادة أمريكيون عن قرب البدء بتحرير “الموصل” من براثن (داعش)، ولما تكررت في الأسابيع الأخيرة وخصوصاً بعد تسنم الأخ “خالد متعب العبيدي” حقيبة وزارة الدفاع فقد أمسينا ننتظر بشرى التحرير قريباً وخلال أسابيع ليس إلاّ… أما التصريح الأخير فقد جاء هذه الأيام على لسان القيادة المركزية الأمريكية حول التهيؤ لعملية كبرى لإستعادة السيطرة على هذه المدينة العزيزة خلال شهري نيسان أو آيار المقبلين… ولكن ((ليس كل ما يتمناه المرء يدركه)) فحسب رؤيتنا المتواضعة فقد ننظر لهذه التصريحات كونها بعيدة عن الواقع والمتناول لأسباب تفرض أوزارها ليس على التنفيذ فحسب بل على مجرد المباشرة بالخطة، قد يكون أولها البُعد الجغرافي لـ”الموصل” بواقع عدة مئات من الكيلومترات عن تلك المناطق التي إستطاعت القوات العراقية الإحتفاظ بها رغم (نكبة حزيران2014) أو البقاع التي حررتها وأمسكت بها وحققت فيها نوعاً من الأمن النسبي… وثانيها أن مسافة أفقية تقدّر بـ(300) كلم بين قاعدة “عين الأسد” الجوية التي يتمركز فيها المستشارون الأمريكيون وعدد (غير معروف) من أبناء عشائر الأنبار المتطوعين ومجموعات (ضبابية) من قوات خاصة أمريكية لا تـُعرف مهماتها، تلك القاعدة التي تعتبر منطقة تحشد غير آمنة يمكن أن ينطلق منها أحد الأرتال المخصصة للعملية رغم المعضلة التي تكمن في كيفية قطعها تلك المسافة بالسير على طرق بسيطة لا تستوعب أرتالاً عسكرية ثقيلة… وثالثها مسافة (250) كلم الفاصلة بين منطقة التحشد الواقعية الرئيسة في ضواحي “سامراء” الآمنة نسبياً وبين تلك المدينة… ورابعها (100) كلم التي تفصل منطقة التحشد المحتملة الأقرب إلى “الموصل” في محيط بلدتي “مخمور والكوير” رغم عدم تحقق الأمان الكامل فيها… وخامسها -وهو الأهم- أن كل تلك البقاع الواسعة تمسكها عناصر (داعش) بقوة مفترضة حيث يتطلب تخليصها منهم تباعاً لتكون “الموصل” هدفاً ميدانياً للتحرير… وسادسها -وهو الأعظم- أن أداء القوات المسلحة العراقية في معظم المعارك التي خاضتها خلال الأشهر الثمانية الماضيات كان متواضعاً للغاية بحيث لا يمكن التلمّس أن يكون بإمكانها الإقدام على شكل قوات خاصة بإندفاعات جريئة وحاسمة في كل تلك المحاور بتوقيتات متزامنة تتخطى العشرات بل المئات من المدن والبلدات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة المُستحوذ عليها ولا تكترث بها فتجازف وسط تلكم البقاع الشاسعة مثلما عمله الآلمان في الساحة الأوروبية واليابانيون في ساحات المحيطين الهادئ والهندي والمارشال “رومل” في شمالي أفريقيا خلال النصف الأول من الحرب العالمية الثانية… وهناك مشكلات سياسية مضافة ومؤثرة في هذا الشأن تكمن في مدى تقبّل مواطني تلكم المناطق وأبناء عشائر “الأنبار” والجزء الغربي الأعظم من محافظة “صلاح الدين” وربما جميع محافظة “نينوى” لمشاركة “الحشد الشعبي” في هذه العمليات مهما أطلق البعض من الساسة عكس ما أقول… ناهيك عن طفوح معضلات أخرى في الأيام الأخيرة بين قادة إقليم كردستان والحكومة الإتحادية حول مدى تقبّل الأكراد لإنتشار تشكيلات من الجيش العراقي ومجاميع الحشد الشعبي في أراضي محافظاتهم الثلاث وحتى وسط البقاع المسماة دستورياً بـ”المناطق المتنازع عليها” بما فيها “كركوك” التي إستحوذوا عليها عنوة عام (2003) بشكل عام، وعلى وجه الخصوص إثر إقحامهم قوات البيشمركة في عموم المحافظة بُعَيدَ نكبة الموصل (10حزيران2014)… لكل ذلك ولرؤيتنا للأداء القتالي المتدني لجميع القوات المسلحة من دون إستثناء، ولأمور عديدة مُضافة -لا نبتغي الإفصاح عنها- فلا نرى أن يعقل عاقل أن تنهي القوات العراقية -بمختلف مسمياتها الرسمية وأشباهها وسواها- إعادة سيطرتها على جميع المناطق الشاسعة والملغومة بـ(داعش) و(الدواعش) في فترة لاتتجاوز شهرين تمهيداً لخوض المعركة الكبرى لتحرير “الموصل” بحلول شهر نيسان أو آيار القادمين…. وفي حالة حصول هذا الإفتراض اللامعقول الذي يتمناه العراقيون جميعاً، حينئذ سأراهن -بصفتي خبيراً إستراتيجياً وعسكرياً عراقياً غير مؤمن بنظريات المؤامرات السياسية الخبيثة- أن (داعش) في حقيقته ليس سوى صنيعة “واشنطن وإسرائيل” وأنه يأتمر بأوامرهما، وما أن توعزان إليه فإن قادته سيوعزون لمسلحيهم بالإنسحاب الفوري من جميع ربوع العراق المستحوذ عليها في غضون أيام معدودات ومن دون مقاومة تـُذكَر، وأن جميع الذين شاركوا في جعل تشكيلات القوات المسلحة العراقية تنسحب سراعاً من كل تلك البقاع بين عشية وضحاها وتترك أسلحتها الخفيفة والثقيلة في حزيران2014 هم ليسوا سوى دمىً خبيثة تحركهم أصابع أمريكية وصهيونية وإقليمية تتلاعب حسب هواها بحاضر العراقيين وعموم هذه المنطقة ومستقبلها في سبيل تسيير المخططات المرسومة لتحقيق (الشرق الأوسط الكبير) وتقسيم “العراق” إلى ثلاثة أقاليم أو أربعة. عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ

أكثر...