لعبت الأبلة دورا مهما في تاريخها منذ الفتح الإسلامي، وتمتعت الأبلة بدور الوسيط في التجارة البحرية مع الشرق، ويعد ميناؤها من أهم مراكز البحرية الإسلامية والملاحة البحرية العربية.

الأبلة .. الاسم وسبب التسمية
قال ياقوت الحموي: "الأُبُلَّة بضم أوله وثانيه وتشديد اللام وفتحها"، وحكي عن الأصمعي في قولهم الأُبُلَّة: "كانت به امرأة خمَّارة تعرف بهوب في زمن النبط، فطلبها قوم من النبط، فقيل لهم: هوب لاكا، بتشديد اللام، أي ليست هوب ههنا، فجاءت الفرس فغلَّظت، فقالت: هو بلَّت، فعرَّبتها العرب فقالت: الأُبُلَّة".

ومدينة الأبلة كانت تعرف قبل الإسلام باسم مدينة "أبولوكس" "Apologus"، و"Uubulum" في الكتابات الأكادية [1].

الأبلة .. الموقع الجغرافي والأهمية
تتمتع الأبلة بموقع جغرافي مهم، فهي تقع على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصِّرت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى".

فهي تقع في نهاية الرأس الجنوبي لنهري دجلة والفرات، الصالحين للملاحة وعلى زاوية الخليج الذي يدخل بقناة اصطناعية إلى مدينة البصرة.

ويرجع تاريخ الأبلة الملاحي إلى عهد الإسكندر الأكبر، ووصفها البحار تيارجس في المائة الرابعة قبل الميلاد بأنها مستودع تجارات الخليج [2].

الفتح الإسلامي لمدينة الأبلة
كانت الأبلة من أهم المواضع المهمة في نظر الساسانيين من الوجهة الحربية، وكانت تعد عندهم "فرج أهل السند والهند"، وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنًا، وصاحبه يحارب العرب في البر، والهند في البحر, وقد وضعوا هذا الفرج تحت إمرة قواد عسكريين.

ونظراً لأهمية الأبلة توجهت إليها أنظار العرب المسلمين منذ عهد مبكر، فالخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد أن فرغ من حرب اليمامة سنة 12هـ/ 633م: " أن سِر إلى العراق حتى تدخلها، وابدأ بفرج الهند، وهي الأبلة".

إلاَّ أن الأبلة لم تفتح بصورة كاملة إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 14هـ/ 635م، وعلى يدعتبة بن غزوان رضي الله عنه، وذلك بعد أن مصَّر البصرة، فأقام عتبة بالبصرة شهرا، ثم خرج إليه أهل الأبلة، فقاتلهم عتبة بن غزوان وفتح الأبلة عنوة، قال الطبري: "وَجَعَلَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ السَّدُوسِيُّ وَقَسَامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ الْمَازِنِيُّ فِي عَشَرَةِ فَوَارِسَ، وَقَالَ لَهُمَا: كُونَا فِي ظَهْرِنَا، فَتَرُدَّا الْمُنْهَزِمَ، وَتَمْنَعَا مَنْ أَرَادَنَا مِنْ وَرَائِنَا ثُمَّ الْتَقَوْا فَمَا اقْتَتَلُوا مِقْدَارَ جَزْرِ جَزُورٍ وَقَسْمِهَا، حَتَّى مَنَحَهُمُ اللَّهُ أَكْتَافَهُمْ، وَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ، حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَرَجَعَ عُتْبَةُ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَأَقَامُوا أَيَّامًا، وَأَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَخَرَجُوا عَنِ الْمَدِينَةِ، وَحَمَلُوا مَا خَفَّ لَهُمْ، وَعَبَرُوا إِلَى الْفُرَاتِ، وَخَلُّوا الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَهَا الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابُوا مَتَاعًا وَسِلاحًا وَسَبْيًا وَعينًا، فَاقْتَسَمُوا العين، فأصاب كل رجل منهم درهمان، وَوَلَّى عُتْبَةُ نَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ أَقْبَاضَ الأُبُلَّةِ، فَأَخْرَجَ خُمُسَهُ، ثُمَّ قَسَّمَ الْبَاقِي بَيْنَ مَنْ أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ".

وأصاب المسلمون بالأبلة من الدراهم ستمائه دِرْهَمٍ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ دِرْهَمَيْنِ، فَفَرَضَ عُمَرُ لأَصْحَابِ الدِّرْهَمَيْنِ مِمَّنْ أَخَذَهُمَا مِنْ فَتْحِ الأُبُلَّةِ في ألفين من العطاء، وكانوا ثلاثمائة رَجُلٍ، وَكَانَ فَتْحُ الأُبُلَّةِ فِي رَجَبٍ، أَوْ فِي شَعْبَانَ مِنْ سنة 14هـ.

وكتب عتبة إلى عمر يعلمه ذلك، يقول: "أما بعد، فإن الله، وله الحمد، فتح علينا الأبلة، وهي مرقى سفن البحر من عمان، والبحرين، وفارس، والهند، والصين، وأغنمنا ذهبهم وفضتهم وذراريهم، وأنا كاتب إليك ببيان ذلك إن شاء الله"، وأنفذ الكتاب مع نافع بن الحارث الثقفي [3].

الأهمية الاقتصادية لمدينة الأبلة[*]
وكان من ضرورات فتح الأبلة هو إحكام الطوق الاقتصادي على الفرس والسيطرة على طريق الملاحة التجارية مع الهند والصين والعالم، وكانت الأبلة ميناء صالح لرسو السفن البحرية، فكانت السفن المتوسطة تستطيع الوصول إلى الأبلة.

وكان لانتقال الخلافة العباسية إلى بغداد دور في زيادة الاهتمام بالأبلة، وبالتالي أثر في ازدهارها، فكان تجارها يربحون ربحًا عظيمًا، قال خالد بن صفوان: "ما رأينا أرضًا مثل الأبلة، أقرب مسافة، ولا أطيب نطفة، ولا أوطأ مطية، ولا أربح لتاجر، ولا أخفى لعابد".

لذا زادت ملاحة الأبلة حتى وصفت بأنها "مرفأ سفن البحر من عمان والبحرين وفارس والهند والصين". وكان الاتصال المائي وقرب المسافة بين بغداد العاصمة وميناء الأبلة، فضلاً عن قابلية الميناء لاستيعاب السفن البحرية، ممَّا ساعد على وجود حلقات اتصال بحريّ بين الأبلة ومختلف المناطق. فكانت تسمى أرض الهند أو فرج الهند والسند [4].

وكانت الأبلة تؤمن حاجات الدولة العربية الإسلامية المطلوبة من الهند مثل السيوف والساج والعطور وغيرها من الكماليات التي تطلبها الدولة، خاصة بغداد، وكانت تستورد من الهند مختلف المواد، خاصة الكمالية منها. أما عن اتجار الأبلة مع الصين، فكانت هي أيضاً مزدهرة ومتنوعة؛ "كانت مرفأ السفن من الصين" [5].

وتوجد تجارة منتظمة بين الصين والعراق ترد إلى ميناء الأبلة مباشرة، حيث كانت تستورد مختلف السلع التي تحتاجها الدولة وتصدر السلع الفائضة إلى الصين. وكان للعراق نشاطٌ ملحوظٌ مع سواحل شرق إفريقيا.

وتعد تجارة جلب العبيد رائجة في البصرة؛ كما تُعَدُّ تجارة الذهب من منطقة سفالة بأرض الزنج أهم الصادرات من شرق إفريقيا إلى العراق عن طريق الأبلة.

وفضلاً عن ذلك، كانت للأبلة أهمية في التجارة الداخلية، فكانت تصدر إلى العراق وأنحاء الجزيرة العربية وكذلك اليمن، ما تحتاجه من السلع والبضائع الوافدة لها من الخارج [6].

عن موقع قصة الإسلام

الهوامش :

[1] ياقوت الحموي: معجم البلدان، بيروت، دار صادر- دار بيروت، ط2، 1995م، ج 1، ص76- 77.
- جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الناشر: دار الساقي، طبعة: الرابعة 1422هـ/ 2001م، 13/ 275.
[2] ياقوت: المرجع السابق، ج 1، ص97. العاني: المرجع السابق، ص193. العلي: المرجع السابق، ص232.
- عادل محيي الدين الآلوسي: تجارة العراق البحرية مع أندونيسيا حتى أواخر القرن السابع الهجري/ أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، دار الشؤون الثقافية والنشر، بغداد، 1984م، ص61.
[3] البلاذري: فتوح البلدان، الناشر: دار ومكتبة الهلال- بيروت، عام النشر: 1988م، 1/ 333.
- أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، الناشر: دار إحياء الكتب العربي - عيسى البابي الحلبي وشركاه / القاهرة، الطبعة: الأولى، 1960م، 1/ 117.
- الطبري: تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 3، بيروت، 1967م، ج 3، ص343، 350، 594- 595.
- جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 4/ 300.[*]خالد إسماعيل الحمداني: البحرية الإسلامية في الخليج العربي والمحيط الهندي خلال العصور الإسلامية، مجلة التاريخ العربي.
[4] الجاحظ: البيان والتبيين، الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت، عام النشر: 1423هـ، ج 2، ص203.
- أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، القاهرة، 1960م، ص117.
- الطبري: المرجع السابق، ج 3، ص347.
- أمل عبد الحسين عباس السعدي: الأبلة في العصر الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، 1976م، ص232.
[5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، بيروت، 1965م، ج 2، ص239. العلي: المرجع السابق، ص232.
[6] أمل عبد الحسين عباس السعدي: الأبلة في العصر الإسلامي، ص243- 250.
منقوول