تقديم
منذ أن خلق الله جل في علاه أدم عليه السلام وجعل حواء زوجا له حدد العلاقة بينهما بقوله تعالى [[وخلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ]] . فمن أنفسكم كانت هي العلاقة النسبية الأولى لحصول السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين ، وبهذا الزواج بدأت أول عائلة بشرية ، ثم بدأ أول نسل للكائن البشري . فجاء البطن الأول ذكرا و أنثى ، ثم جاء البطن الثاني ذكرا و أنثى . فعندما كبروا تزوج ذكر البطن الأول من أنثى البطن الثاني ، فكونوا العائلة الثانية ، وتزوج ذكر البطن الثاني من أنثى البطن الأول ، فكونوا العائلة الثالثة ـ وقد يستغرب البعض فيقول : كيف يتزوج الرجل أخته في ذلك الوقت ؟ فنقول وبالله التوفيق : إن الحلال و الحرام ليس هو ما استساغه العقل أو لم يستسغه ، بل الحلال هو ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله ، وهذا الأمر هو ما أحله الله لأهل ذلك الزمان ـ ثم أنجبت ( العائلة الثانية ) ذرية ، وأنجبت( العائلة الثالثة ) ذرية ، ربما كان القانون الذي يربطهم في هذه الحقبة : هو أن يتزوج ذكر العائلة الثانية من أنثى العائلة الثالثة ، وذكر العائلة الثالثة يتزوج من أنثى العائلة الثانية . فوُضعت ضوابط شرعية جديدة للزيجات . وهذه الضوابط تتحدد بالعلاقة النسبية التي تربط تلك العوائل . فكان لمعرفة النسب دور في ضبط شرعية الزيجات أو عدم شرعيتها … ثم لتنظيم درجات القرابة وتحديد مهام كل فرد في المجموعة الأسرية كان لابد من إيجاد نوع من التنظيم الأسري الذي ـ بني ابتداء اً على درجة القرابة ـ ينظم شؤون الأفراد ويحدد العلاقة الأسرية بينهم . ثم تطورت الأسرة الصغيرة إلى أسرة أكبر يجمعها أب جامع يرتبطون به نسبا … ثم توسعت حتى أصبحت بطنا ـ أي مرجعها إلى البطن الأول من أدم أو إلى البطن الثاني ـ ثم توسعت البطون إلى عمائر ، والعمائر إلى قبائل حتى أصبحت شعوبا فتشعب الناس في أصولهم ولكثرتهم لم يسعهم مكان فتشعبوا في المنازل . فأبتعد الناس أول ابتعاد عن النسب . فجهل من جهل أصوله وحفظ من حفظ . ولم ينسوا بعد الأب الجامع القريب ، فكان تشكيل الشعوب الأول قائما على أساس تعدد القبائل التي يجمع كل منها أب جامع معلوم ، ثم عندما اضطرت بعض القبائل إلى تكوين تحالفات قبلية استدعتها ظروف الدفاع الطارئة ، والمشاركة في المرعى ، نشأت علاقات أسرية قامت على أسس جديدة تجمعها الحاجة الاقتصادية ، فارتبط بعض الأحلاف ببعض برابطة أصبحت لها ضوابط جديدة ساعدت على أن يجهل البعض من المتحالفين أنسابهم ، وعندما جهلوا الصلة بالأب الجامع الكبير الذي كان أساس تنظيمهم ، أصبح الولاء للحلف القبلي ـ المرتبط بالحاجة الاقتصادية ـ دور في تحديد وتنظيم العلاقة الأسرية .
وبعد هذه المقدمة نستطيع تحديد أهمية معرفة النسب من الناحية الشرعية فنقول مستعينين بالله عز وجل :
1. ينظر الشرع إلى الأنساب على أنها من الفطرة حيث يقول عز من قائل : ((وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا))54 الفرقان . أي أن الله عز وجل هو الذي جعل النسب لا غيره .
2. والأنساب تنقسم من الناحية الشرعية إلى قسمين : قسم واجب تعلمه وقسم ليس بواجب ولا منهي عنه .
3. و الواجب تعلمه هو أن يعرف المرء نسبه إلى الجد الخامس أو السابع ، أو أن يعرف من الأنساب ما هو ضروري شرعا وضروري للدعوة ، واعتبر واجبا لان ما لا يقوم إلا به الواجب فهو واجب .
4. أما غير الواجب وغير المنهي عنه فهو ما زاد على ذلك ودليل عدم النهي أن رسول الله صلى الله عليه واله كان يصل نسبه إلى عدنان ( أي انه يعد ـ22 جدا ـ ليصل إلى عدنان ) . والنهي لا يكون إلا بنص صريح ولم يثبت في ذلك نهي .
5. أما ما يروى عن الرسول صلى الله عليه واله قوله ما بعد عدنان (( كذب النسابون )) ، فهو لأن النسابين يعدون من الوسائط ما لا يقوى على استيعاب الحقبة الزمنية وهذا ( ضابط من ضوابط علم الأنساب) فلا بد من وجود وسائط تستوعب الحقبة الزمنية التي كان فيها الجد الجامع الذي يصل أليه المنتسب .
6. وكون الأنساب الواجب تعلمها واجبا هو لأنها :
مطلوبة لمعرفة صلة الرحم ، وصلة الرحم حث عليها الرسول صلى الله عليه واله فقال : (( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فأن صلة الرحم محبة في الأهل منسأة للأجل مثراة للمال مرضاة للرب )).
وهي مطلوبة لتقسيم الإرث و توزيعه فبدون معرفة الأنساب تَضْيعُ حقوق وتُضْيعَ مواريث .
وهي مطلوبة لمعرفة العصبات ومن يحجب في الإرث ، والفروض ، والنفقة ودفع الديات الشرعية أي أحكام العاقلة .
ومعرفة الأنساب مطلوبة لمعرفة بعض أحكام الزكاة ، والصدقات ، و الخمس ، ومن تحرم عليه الزكاة ومن تحرم عليه الصدقة .
وهي مطلوبة لمعرفة بعض أحكام الولاية ، والخلافة ، والحاكمية .
كما أنها مطلوبة لمعرفة الأولياء في عقود الزواج ومن يتقدم على غيره منهم ومن يمكن التعويض عنه .
و هي مطلوبة لمعرفة المحرمات من النساء ذوات الأرحام .
وهي مطلوبة لمعرفة مفهوم القاعدة الشرعية : ((الاقربون أولى بالمعروف))
وهي مطلوبة لمعرفة الآية الكريمة } } قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى {{ فمعرفة قربى رسول الله (صلى الله عليه واله) لا تكون إلا بمعرفة نسبهم الصحيح
وهي مطلوبة لمعرفة النصرة الشرعية وقول رسول الله صلى الله عليه واله : (( انصر أخاك ظالما أو مظلوما )) قالوا كيف ننصره ظالما قال بحجزه عن الظلم .
وهي مطلوبة لمعرفة معنى الآية الكريمة (( أدعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم،وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما )) . بحيث لا يعتزي أحد إلى غير آبائه ولا ينتسب إلى سوى أجداده .وهذه الآية الكريمة تقسم الأمر إلى ما يلي :
1. ينبغي دعوة الناس لآبائهم ، ويترتب على ذلك منع الانتساب الأبوي لغير الأب الحقيقي ، وهذا نسب .
2. ولكن إن لم تعلموا يقينا من هم آباؤهم وهذا يحصل لأمور كثيرة ، فلا ضير في ذلك فأخوة الإسلام والدين تعوض عن ذلك .
3. لا جناح في الخطأ غير المتعمد ، ولكن التعمد في التزييف و التحريف فذلك هو المنهي عنه .
وهي مطلوبة لمعرفة أحكام الوقف ،وخاصة إذا خُص بعض الأقارب أو بعض الطبقات النسبية دون بعض .
وهي مطلوبة لمراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة ومعرفة المطلوب من قول رسول الله صلى الله عليه واله (( تخيروا لنطفكم فأن العرق دساس)) ، و((إياكم وخضراء الدمن))التي تنبت في منابت السوء . ومن حق الولد في الإسلام على أبيه أن يحسن اختيار أمه
وهي مطلوبة لمعرفة الإمامة وكون الأئمة من قريش و[ قدموا قريشا ولا تتقدموها] .
وهي مطلوبة لمعرفة الرق وتبعاته .
وهي مطلوبة لمعرفة كفاءة الزوج للزوجة في النكاح وخاصة لمن يعتبره شرطا في صحة الزواج .
وهي مطلوبة في معرفة نسب النبي صلى الله عليه واله مما لا يعذر جهله .
7.جواز الرفع في النسب كما فعل رسول الله صلى الله عليه واله حينما ذكر نسبه إلى عدنان ، وما ثبت عن السلف الصالح من هذه الأمة وان بعضهم كان من علماء هذا العلم وانهم كانوا يتحدثون فيه أمام رسول الله صلى الله عليه واله ولم ينههم عن ذلك .
8.وعلم الأنساب علم ينفع و الجهل به مضر .
9.وقد استخدمه رسول الله صلى الله عليه واله في الدعوة إلى الله ، فبه فَتَحَ عقولا وآذانا صماء كانت مغلقة ، فكان صلى الله عليه واله يسال ((ممن القوم)) قبل أن يدعو من يريد دعوته إلى الله تعالى . وان الله جل جلاله أمر نبيه بان يبدأ بعشيرته أولا فقال : ((وانذر عشيرتك الاقربين))..فالدعوة تبدأ بالأقربين .
10. وقد ذم الله من كان زنيما أي ملصقا إلى غير أبيه حيث قال عز من قائل : ((عتل بعد ذلك زنيم )) .
11. إن النسب الشريف من خصال الأنبياء فعندما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب النبي قال له : ((انه فينا ذو نسب)) فقال هرقل : ((هكذا يبعث الأنبياء في نسب قومهم)) أي من علية القوم نسبا .
12.كما إن علم الأنساب ضابط من ضوابط علم الحديث فبه يميز بين الرواة وحملة الأخبار والآثار لتميزهم وتمييز مرويا تهم ، فقد يتشابه راويان للحديث بالاسم فيميز بينهما بالنسب ، فأنس بن مالك الخزرجي رضي الله عنه هو غير أنس بن مالك الأصبحي رضي الله عنه والد مالك بن أنسرضي الله عنه صاحب المذهب المشهور .
13.كما إن تحريم الزنا والعلاقات المشبوهة تأكيد شرعي على إبقاء الأنساب نقية لا يخالطها شوبٌ .

منقوول