حَدِيث أم الْخَيْر بنت الْحَرِيش بن سراقَة
وباسنادهم عَن الْعَبَّاس بن بكار قَالَ حَدثنَا عبد الله بن عمر والغسإني عَن الشّعبِيّ قَالَ كتب مُعَاوِيَة إِلَى وَإِلَيْهِ بِالْكُوفَةِ ان يحمل إِلَيْهِ أم الْخَيْر بنت الْحَرِيش بن سراقَة ويرحلها براحلة محمودة الصُّحْبَة غير مذمومة الْعَاقِبَة وَقَالَ لَهُ اعْلَم أَنِّي مجازيك بقولِهَا فِيك بِالْخَيرِ خيرا وبالشر شرا
فَلَمَّا ورد عَلَيْهِ الْكتاب ركب إِلَيْهَا واقراها اياه فَقَالَت أما أَنا فَغير زائغة عَن الطَّاعَة وَلَا معتلة بكذب وَلَقَد كنت أحب لِقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ لأمور تختلج فِي مجْرى النَّفس مني يغلي بهَا صَدْرِي كغلي الْمرجل يُوقد تَحْتَهُ بجزل السمر فِي الصَّيف فَلَمَّا حملهَا واراد مفارقتها قَالَ لَهَا يَا أم الْخَيْر ان أَمِير الْمُؤمنِينَ قد ضمن ان يجازيني فِيك بِالْخَيرِ خيرا وبالشر شرا فَمَالِي عنْدك قَالَت يَا هَذَا لَا يطمعنك برك بِي فِي تذويق الْبَاطِل وَلَا يؤنسك بِي معرفتي بك ان أَقُول فِيك إِلَّا الْحق قَالَ فسارت خير مسير فَلَمَّا قدمت على مُعَاوِيَة انزلها مَعَ الْحرم ثَلَاثًا ثمَّ اذن لَهَا فِي الْيَوْم الرَّابِع وَعِنْده جُلَسَاؤُهُ فَدخلت فَقَالَت السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام وبالرغم مِنْك وَالله دعوتني أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَه فان بديهة السُّلْطَان مدحضة لما يجب علمه قَالَ صدقت كَيفَ حالك يَا خَالَة وَكَيف كنت فِي مسيرك قَالَت بِخَير لم ازل فِي عَافِيَة وسلأمة حَتَّى ادتني اليك الركاب وَأَنا فِي عَيْش وَملك رَفِيق فتيق
ثمَّ قَالَ مُعَاوِيَة بِحسن نيتي وَالله ظَفرت بكم واعنت عَلَيْكُم قَالَت مَه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اعيذك بِاللَّه من خطل القَوْل وَمَا تردي عاقبته قَالَ لَيْسَ لهَذَا اردناك قَالَت لَهُ فَأَنا اجري فِي ميدانك إِذا اجريت شَيْئا اجريته ثمَّ قَالَت فاسأل عَمَّا بدا لَك قَالَ اخبريني كَيفَ كَانَ كلأمك يَوْم قتل عمار بن يَاسر قَالَت لم اكن رويته قبل وَلَا درسته بعد وَإِنَّهَا كَأَنْت كَلِمَات نفثهن لسإني حِين الصدمة فان أَحْبَبْت ان احدث لَك مقإلا غَيره فعلت قَالَ لَا اشاء ثمَّ الْتفت إِلَى اصحابه فَقَالَ ايكم يحفظ كلا مها فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا احفظه كحفظي سُورَة الْحَمد قَالَ هاته قَالَ نعم كإني بهَا فِي ذَلِك الْيَوْم وَعَلَيْهَا برد زبيدي كثيف الْحَاشِيَة وَهِي على جمل وبيدها سَوط منشورة الظفيرة وَهِي كالفحل يهدر فِي شقشقته وَهِي تَقول {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} ان الله عز وَجل قد أوضح الْحق وابان الْبَاطِل وَنور السبل وَرفع الْعلم فَلم يدعكم فِي عمياء مشتبهة وَلَا عشواء مدلهمة فَإلَى ايْنَ تُرِيدُونَ رحمكم الله افرارا من أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن الزَّحْف أم رَغْبَة عَن إلاسلام أم ارْتِدَادًا عَن الْحق أما سَمِعْتُمْ الله تَعَالَى يَقُول {ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلو أخباركم} ثمَّ رفعت راسها إِلَى السَّمَاء وَقَالَت اللَّهُمَّ إِنَّه قد عيل الصَّبْر وَضعف الْيَقِين وأنتشرت الرَّغْبَة وبيدك يَا رب ازمة الْقُلُوب فاجمع اللَّهُمَّ الْكَلِمَة على التَّقْوَى والف الْقُلُوب على إلهدى واردد الْحق إِلَى أَهله هلموا رحمكم الله إِلَى إلامأم الْعدْل والتقي الوفي وَالصديق الْوَصِيّ إِنَّهَا احن بدرية وضغائن جأهلية واحقاد احدية وثب بهَا مُعَاوِيَة عِنْد الْغَفْلَة ليدرك بهَا الفرصة من ثَارَاتِ بني عبد شمس ثمَّ قَالَت {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم لَعَلَّهُم ينتهون} صبرا معاشر الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قَاتلُوا على بَصِيرَة من ربكُم وثبات من دينكُمْ وَكُونُوا قوما مستبصرين فَكَأَنِّي بكم وَقد لَقِيتُم أهل الشَّام كحمر مستنفرة لَا تَدْرِي ايْنَ يسْلك بهَا من فجاج الأَرْض باعوا الْآخِرَة بالدنيا واشتروا الضَّلَالَة بِالْهدى وَبَاعُوا البصيرة بالعمى وَعَما قَلِيل لتصبحن نادمين حِين تحل بكم الندأمة فتطلبون إلاقالة {ولات حِين مناص} إِنَّه وَالله من ضل عَن الْحق وَقع فِي الْبَاطِل وَمن لم يسكن الْجنَّة نزل النَّار ايها النَّاس ان إلاكياس استقصروا عمر الدُّنْيَا فرفضوها واستطالوا مُدَّة إلاخرة فسعوا لَهَا سعيا وابتاعوا بدار لَا يَدُوم نعيمها وَلَا تتصرم همومها ايها النَّاس إِنَّه لَوْلَا ان يبطل الْحق وتعطل الْحُدُود وَيظْهر الظَّالِمُونَ وتقوى كلمة الشَّيْطَان لما اخترنا وُرُود المنايا على خفض الْعَيْش وطيبه فَإلَى ايْنَ تُرِيدُونَ رحمكم الله افرارا عَن ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزوج ابْنَته وَأبي سبطيه خلق وَالله من طينته وتفرع من نبعته وَخَصه بسره وَجعله بَاب مدينته وَعم بحبه الْمُسلمين وابان ببغضه الْمُنَافِقين فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى ايده الله بمعونته يمْضِي على سنَن استقامته لَا يعرج لراحة اللَّذَّات هَا هُوَ مفلق إلهام ومكسر الاصنام صلى وَالنَّاس مشركون واطاع وَالنَّاس مخالفون مرتابون فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى قتل مبارزي بدر وافنى أهل اُحْدُ وَهزمَ الله بِهِ الاحزاب وَقتل أهل خَيْبَر وَفرق بِهِ جمع هوَازن فيا لَهَا من وقائع زرعت فِي قُلُوب قوم نفَاقًا وردة وشقاقا قد اجتهدت فِي القَوْل وبالغت فِي النَّصِيحَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أم الْخَيْر وَالله مَا أردْت بِهَذَا الكلأم إِلَّا قَتْلِي وَلَو قتلتك لما حرجت فِي ذَلِك قَالَت إِنَّه وَالله إِنَّه ليسرني ان يجْرِي الله قَتْلِي على يَدي من يسعدني الله بشقائه فَقَالَ هَيْهَات يَا كَثِيرَة الفضول مَا تَقُولِينَ فِي عُثْمَان بن عَفَّان قَالَت وَمَا عَسَيْت ان أَقُول فِيهِ اسْتَخْلَفَهُ النَّاس وهم راضون بِهِ وقتلوه وهم لَهُ كَارِهُون ثمَّ قَالَ مُعَاوِيَة هَذَا وَالله اصلك الَّذِي تبنين عَلَيْهِ قَالَت لَكِن الله يشْهد وَكفى بِهِ شَهِيدا إِنِّي مَا أردْت بعثمان نقصا وَلَقَد كَانَ سباقا إِلَى الْخَيْر وَإنَّهُ لرفيع الدَّرَجَات غَدا قَالَ فَمَا تَقُولِينَ فِي طَلْحَة بن عبيد الله قَالَت وَمَا عَسَيْت ان أَقُول فِيهِ اغتيل من مأمنه واتى من حَيْثُ لم يحذر ووعده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة قَالَ فَمَا تَقُولِينَ فِي الزبير قَالَت لَا تدعني يَا مُعَاوِيَة ارْجع كرجيع الثَّوْب الصبيغ يعرك فِي المركن قَالَ حَقًا لتقولن قَالَت وَمَا كنت أَقُول فِي الزبير ابْن عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحواريه وَقد شهد رَسُول الله لَهُ بِالْجنَّةِ وَلَقَد كَانَ سباقا إِلَى كل مكرمَة فِي إلاسلام وَأَنا اسالك يَا مُعَاوِيَة الاعفاء فان قُريْشًا يَزْعمُونَ انك من احلمها واعقلها وان يسعني فضل حلمك وان تعفيني من هَذِه الْمسَائِل وأمض لما شِئْت قَالَ نعم ونعمة عين قد اعفيتك ثمَّ أَمر لَهَا بصلَة وجائزة وردهَا مكرمَة